يشعرك «الديلر» أنه فيلم ينتمى إلى مدرسة قديمة تجاوزها الزمن السينمائى، ولم تعد مقنعة أو مسلية كما كانت قبل سنوات، والسبب ببساطة هو الاستسهال فى الكتابة والاعتماد على الشخصيات النمطية والأكلايشيهات الميلودرامية، بالإضافة إلى تطور الأحداث من خلال الصدف الخائبة، وكلها عناصر أصبحت لا تحقق الحد الأدنى من الإيهام الفنى ولا الإقناع الدرامى المطلوب، ومن الصعب بالضرورة تقييم الشكل البصرى للفيلم، طالما أن مضمونه الدرامى سطحى، حيث يتحول التلقى إلى حالة بحث عن ملامح التميز القليلة المدفونة وسط ركام من العبث.
يبدأ الفيلم بصوت يوسف الشيخ/أحمد السقا، يروى قصته مع على الحلوانى /خالد النبوى وسماح/مى سليم، وهم أبناء منطقة واحدة لا ندرى إن كانت شعبية أم عشوائية! هذا الصوت يظهر ويختفى طوال الأحداث حاكياً أو معلقاً، ولكن بلا فائدة حقيقية، ويبدو أقرب إلى زخرفة سردية لم تكن لتلاحظ لو تم الاستغناء عنها، بدليل أننا لم نكن نفتقد المعلومات التى كان يقدمها لأنها معروفة لنا طوال الوقت، والحكاية باختصار هى أن بين يوسف وعلى أزمة لا ندرى مصدرها..
فهل هو صراع ذكورى حول سماح أم مجرد تناطح كباش بلا طائل سوى اختبار القرون؟، وعندما يعتمد الصراع بين شخصيتين على طبيعة مشاعر كل منهما تجاه الآخر، لا يجب ترك الأمور لحدس المشاهد أو لسبب نفسى غامض مفاده أن كلا منهما لا يطيق الآخر، وخلاص، بل يجب شرح السبب جيداً من البداية وتأصيله شكلاً وموضوعاً وليس الاكتفاء بمشهدى خناقات بين الشخصيتين فى أعمار وبألوان مختلفة تدل على التطور الزمنى للكرة.
وقد كشف الصراع فى الفيلم دون قصد مواطن القوة والضعف الدرامى فى كلتا الشخصيتين، فملامح شخصية يوسف ميلودرامية باهتة، خاصة فى أزمته المستهلكة مع أبيه الذى يعامله معاملة سيئة من البداية، ثم فجأة يتحول إلى موقف «يعقوبى» لمجرد أن ابنه مسافر ويفقده بصره من شدة الحزن على ابنه، كما أن يوسف يشبه شخصيات كثيرة فى أفلام أخرى تتحرك بمشاعر كره مفتعلة ناحية البلد.. وكل ما ترغب فيه هو السفر.. ولا مانع لديها من الانحراف مع أول إشارة أو منحنى حياتى.
من هنا جاءت انفعالات السقا فاترة وضعيفة ولم تواز بأى حال الحالة الانفعالية لدى خالد النبوى فى شخصية على.. وهى الشخصية الوحيدة فى الفيلم المرسومة بشكل جيد سواء على مستوى دوافعها المتمثلة فى طموح شخصى أنانى ولا منتمى لأى شىء سوى ذاته بالإضافة إلى مكر ثعلبى ونعومة ثعبانية، دعمها اللوك الخاص بالشعر الطويل والملابس المزركشة وتلك النظرة الغامضة والضحكة العابثة.
لا يمكن إنكار خبرة كلا الممثلين وتوجيه المخرج، لكن تظل أبعاد الشخصية هى المسؤولة بشكل أساسى عن منح الممثل مساحة الأداء التى تفعل دوره حتى لو لم يكن «نجم» العمل على الأفيش!
بقية العناصر لا تخرج عن التطور الميلودامى الطبيعى فـ«على» بعد أن نعرف أنه طلّق سماح وأخذ منها ابنها يلتقيها يوسف بالمصادفة البحتة وهى تعمل مثل كل مطلقات السينما المصرية المظلومات كراقصة فى ملهى تعر.. وبالطبع يصدم يوسف مثل كل الأبطال الذين صدموا من قبله، والغريب أنها لم تستمر مثلا فى العمل كراقصة شرقية كما كانت ولكن المنطق الميلودرامى يحتم أن تنزل للحضيض.
وبالإضافة للتعرى هناك إدمان المخدرات الذى تسبب فيه «على» أيضاً بسبب إهماله لها بعد أن «أخد غرضه وابنه» ومسألة إدمان سماح عرض مفتعل غير مبرر بشكل قوى خصوصاً أنها بدأت الإدمان وهى حامل! ولمجرد أن يجدها يوسف وهى مدمنة فيشعر بتأنيب الضمير لأنه تاجر المخدرات التى تتعطاها.. وعندما تموت فى النهاية يصبح موتها هو الجزاء العادل ليوسف لتجارته فى المخدرات على اعتبار أنها حب عمره بدلاً من أن يموت على مثلاً الذى لا نراه يرتكب الشرور التى ارتكبها يوسف ورغم ذلك يموت هو ويعيش يوسف للأسف!
وقد حاول أحمد صالح أن يتخلص ولو قليلاً من تأثير الأفلام الأجنبية التى اقتبس منها لقطات كثيرة فى فيلمه السابق «حرب أطاليا» ونجح نسبيا فى صناعة إيقاع لا بأس به، لكنه ظل أسير حالة درامية فاترة بلا مضمون ولا هدف.. وبدت مشاهد تركيا وأوكرانيا مجرد ديكور بصرى لا يتصل حقيقة بحبكة الفيلم أو أحداثه..
فاللقطات «سياحية» أكثر من اللازم وكأنه يقول لقد كنا فى إسطنبول أو كييف رغم أن أحداث الفيلم يمكن أن تدور فى أى دولة أخرى.. فليس هناك ارتباط شرطى بين الحبكة والمكان، ومثلاً فى مشهد محاولة يوسف إقناع فرحات صديقه مجهول الجنسية بعملية تهريب مضمونة يصعدان إلى أحد المزارات السياحية، ويتحدثان همسا خوف من افتضاح أمرهما رغم أنهما مقيمان فى شقة واحدة.
لم ينجح صالح فى إقناعنا بسبب اختيار مى سليم فى دور سماح فوجهها غير سينمائى وأداؤها مفتعل وتوجيهها سيئ.. واختيار ممثلة لأول مرة فى دور رئيسى يجب أن تدعمه عناصر فنية كثيرة تظهر على الشاشة منذ اللقطات الأولى دون الحاجة لرجم الغيب بسبب الاختيار، وقد أخفق صالح عندما استكمل أحداث الفيلم بعد ضياع مجموعة المشاهد التى تتحدث عن فشل يوسف فى أول عملية تهريب له فى أوكرانيا، حيث تحدث يوسف وفرحات كثيراً عن موضوع سكر البودرة وعملية النصب التى حدثت دون أن ندرى عما يتحدثان وإنما تركونا للتنجيم.
ريفيو
تأليف: د. مدحت العدل
إخراج: أحمد صالح
بطولة: خالد النبوى – أحمد السقا
إنتاج: أفلام النصر
مدة الفيلم: ١٢٠ ق
المصري اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق