تعلمت من رحلتي الي دولة كولومبيا شيئا بالغ الأهمية وهو الالتزام بالواقع وعدم الإفراط في الخيال.. فقد سافرت مع فرقة الشرقية للفنون الشعبية وهي فرقة تجمع بين روعة الأخلاق وبهاء الموهبة. تخيلت أنني سوف أستمتع بكل العروض التي تقدم في مدينة »بوجوتا« وبنفس حماسي لكرة القدم شجعت فرقة الشرقية للفنون الشعبية والحقيقة أن هذه الفرقة لم تخيب ظنوني فقد قدمت عرضين فقط علي مدار يومين متتاليين ونجحت الفرقة في خطف انظار الجماهير في كولومبيا، ونجحت في الإعلان عن نفسها رغم نقص الأكسجين ورغم ظروف صعبة كثيرة!! قدمت فرقة الشرقية للفنون الشعبية استعراضات غنية من حيث الفكرة ومبهرة أيضا من حيث الأداء ومن هذه الاستعراضات فرح شرقاوي ـ السقايين ـ الحواية ـ الدحة ـ الغوازي ـ الحصان ـ الشمعدان ـ التنورة. وبكل صراحة كان كل أعضاء الفرقة في حالة جيدة واستطاع أحمد واصف مدير الفرقة التحكم في انفعالات الجماهير واستفزاز مشاعرهم من خلال توجيه اعضاء فرقته وحثهم علي اظهار أفضل ما لديهم من امكانيات. ورغم نجاح فرقة الشرقية في كولومبيا يجب الاعتراف بأن هذه الفرقة تعرضت للإهانة البالغة وتعرضت للإهانة بكل ما تحمله الكلمة من معني وبكل أسف لم يهدر كرامتها ولم يدس فوق كبرياء أعضائها إلا رجال مصريون من المفروض أن الدماء الحرة تجري في عروقهم. بدأت إهانة الفرقة لدي وصولها الي المطار حيث ظهر السفير في صالة الاستقبال وبصحبته زوجته وفرح أعضاء الفرقة وتوقعوا أن وجود السفير دليل علي حفاوة الاستقبال وسرعان ما تبخرت الظنون الطيبة وذلك عندما اكتشف اعضاء الفرقة أن ابن السفير كان علي نفس الطائرة التي نقلتهم من باريس الي بوجوتا،ولم يصافح السفير أعضاء الفرقة وانصرف من المطار وكأنه »فص ملح وداب« بمجرد أن رأي ابنه. انتقلت الفرقة الي الفندق ويرافقها موظف أمن من السفارة المصرية في كولومبيا وبعد ساعة من الانتظار ظهر رجل يدعي »سيد الصلاحي« وهو رجل مغرور الي حد كبير تعامل مع إدارة الفندق لأنه يجيد اللغة الاسبانية وبعد أن تسلم اعضاء الفرقة الغرف انصرف سيد الصلاحي وكأنه تخلص من عبء كبير. علمت بعد ذلك أن هذا الرجل يشغل منصب مساعد أول بالسفارة المصرية في كولومبيا والغريب أنه انفعل بشدة علي مندوبة وزارة الثقافة مروة سمير دون أن ترتكب أي خطأ. الفضيحة لم أجد كلمة أكثر من كلمة »فضيحة« كي تكون عنوانا لهذه الفقرة والتي بدأت عندما أصيبت الراقصة شيرين حسين بضيق شديد في التنفس أثناء أداء فقرتها وتحاملت شيرين علي نفسها حتي انتهي العرض، وتم نقلها الي عيادة صغيرة في مكان إقامة المهرجان وهناك نصح الطبيب بضرورة نقلها الي مستشفي ولم يجد أمام أعضاء الفرقة إلا الموافقة خاصة أن زميلتهم باتت علي مشارف الموت. في المستشفي تحسن حال شيرين الي حد كبير وجاء موعد الرحيل وذهب مدير الفرقة أحمد واصف لإخراجها من المستشفي ولم يكن بصحبته إلا موظف أمن السفارة ويدعي فتحي الخشن وهناك رفض المستشفي خروج شيرين لأن السفارة المصرية ترفض سداد باقي نفقات علاجها وهو مبلغ قدره 85 دولارا وكانت الإدارة المنظمة للمهرجان في كولومبيا قد تحملت الجزء الأكبر، اتصل مدير الفرقة بمساعد أول السفارة »سيد الصلاحي« وأخبره بالحكاية أملا في الحل فما كان من مساعد أول السفارة إلا أن يطلب من مدير الفرقة أن يجمع المبلغ من زملائها، السفارة ترهن حياة بنت مصرية من أجل مبلغ لا يعادل ثمن حذاء. ولم يدع السفير محمد عهدي الفرقة الي مبني السفارة كي يشرح لهم الأمر وأرسل معهم موظف الأمن كي يودعهم وهناك كانت الكارثة قامت شركة »اير فرانس« بتأجيل السفر لمدة خمس ساعات وهذا أربك الرحلة ورفض سيد الصلاحي أن ينام أعضاء الفرقة ليلة جديدة لحين انتظام رحلة الطيران وخدع الفرقة بأن اتفق مع الشركة علي الإقامة في فندق في باريس ثم السفر الي القاهرة. ونظرا لجهل اعضاء الفرقة باللغة الاسبانية التي تحدث بها الرجل.. صدق أعضاء الفرقة الحكاية وسافرنا من بوجوتا الي باريس وهناك تم اكتشاف الفخ فلم يجد هناك فندق وأخبرنا موظف الشركة أنه لا سبيل أمامنا إلا البقاء في المطار دون طعام لمدة 24 ساعة لحين السفر الي مصر. في هذه الظروف الصعبة ساءت حالة شيرين حسين وراحت في غيبوبة طويلة وقمنا بالاتصال بمستشار وزير الثقافة ورئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية حسام نصار وأخبرته بكل ما حدث أن هناك فتاة تصارع الموت في مطار شارل ديجول الذي غضب مما حدث وأجري اتصالا بالمركز الثقافي المصري بباريس وظل يتابع الموقف من القاهرة وبعد ساعة كاملة تحركت الإسعاف وتم نقل شيرين الي مستشفي في باريس ولم تتوقف جهود حسام نصار عند هذا الحد حيث بذل مجهودا غير عادي حتي يحصل أعضاء الفرقة بالكامل علي تأشيرة دخول باريس للإقامة في أحد فنادقها. نجح حسام نصار في إنقاذ شيرين حسين من الموت ونجح في الحفاظ علي كرامة المصريين وهو في القاهرة بينما آخرون أهانوا الفرقة وتخلوا عن مسئوليتهم مثل محمد عهدي سفير مصر في كولومبيا ومساعده المغرور سيد الصلاحي
الوفد - صفوت دسوقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق