لا يمل الفنان عمرو سعد تذكر دموعه التى انهمرت بمجرد رؤية صورته تتصدر أفيش فيلم «حين ميسرة» بسينما «ريفولى» حيث اعتاد الجلوس بمقهى قريب تراوده أحلام البطولة السينمائية.. حينها اختلطت مشاعره ما بين السعادة بتحقيق الحلم والحزن على ما ضاع من سنوات عمره دون تقديم أعمال تعبر عن أقرانه من الشباب البسطاء.دموع عمرو كانت بمثابة البوصلة التى حددت خياراته فى السينما لاحقا، تعهد لنفسه بعد الانزلاق وراء فوضى «خطف المشاهدين» بأفلام «الصراخ والعويل»، وفضل الغوص فى إنسانية النماذج التى يقدمها لإيمانه بأن «الانغماس فى الإنسانية أقصر طريق إلى العالمية».فى فيلمه الجديد اختار عمرو سعد إعلان الحرب على الفساد دون أن يخشى اللعب مع الكبار.. فهو يؤمن بأن خسارة المعركة أفضل كثيرا من الهروب من خوضها، ومن هنا تعاطف عمرو مع «كمال» بطل أحدث أفلامه «للكبار فقط» على الرغم من أن الأخير خسر كل شىء فى معركته ضد الفساد مكتفيا بأن كسب نفسه.إلى هذا الحد أنت مؤمن بخوض المعركة حتى لو كانت الخسارة أكيدة؟■ يرد بسرعة: طبعا أنا مؤمن بضرورة خوض المعركة حتى النهاية وعدم الانسحاب مهما تكن عناصر القوة غير متكافئة فكمال كان يدرك جيدا أنه قد يكون مضطرا للتضحية بكل شىء فى تلك المعركة ومع ذلك تمسك بموقفه واعتبر نفسه رابحا أيضا، وهذا المبدأ أطبقه فى حياتى الشخصية والعملية.ومن هم الكبار الذين أعلنت الحرب عليهم؟■ من الصعب حقيقة تحديد هؤلاء الكبار، لكن بصفة عامة يمكن القول إنهم كل من يحتمون بالسلطة سواء كانت تلك السلطة مالا أو حكومة، فكل من يحتمى بالسلطة هو «جبان» وبالتأكيد يرتكب جرائم تجعله دائم البحث عن الحماية.وهل يتحمل الكبار وحدهم مسئولية استغلال النفوذ والسلطة؟■ بالطبع لا.. أنا وأنت نتحمل المسئولية أيضا إذا اخترنا السلبية ولم نفعل شيئا يحمينا من هؤلاء الكبار.. جميعنا يتحدث عن التغيير والرغبة فى الانتقال بالبلاد إلى المكانة التى تستحقها لكن للأسف الشديد من منا يبدأ بنفسه ويسعى إلى تغيير حاله.. ليس المثقفون وحدهم من يعرفون نقاط الضعف فى البلاد فالرجل البسيط يعلمها أيضا ويستطيع وضع خطة للنهوض بالبلاد لكن لا يعمل بها وتلك هى المشكلة.وأضاف: أكثر ما يزعجنى حقا أن البعض يظن أن الحل فى رحيل حكومة أو حاكم، ويعتقد أنه بعد ذلك ستحل جميع المشكلات.. سيجد العاطل عملا وسيجد المظلوم من ينصفه، وسوف نستنشق هواء نظيفا ونسير فى شارع أكثر نظافة.. لكن الواقع يؤكد أن المشكلات لن تحل بهذه البساطة فنحن فى حاجة إلى مائة عام لتغيير الواقع.وماذا فعلت أنت باعتبارك أحد المواطنين؟■ يكفى أننى رفضت تقديم التنازلات فى عملى ولم أبحث عن السهل وصولا إلى النجاح على الرغم من أننى عشت ظروفا عصيبة لم أكن أملك فيها بضعة جنيهات ولا أرى بصيص أمل فى المستقبل ورغم ذلك تمسكت بأفكارى ومبادئى ولن أحيد عنها.. فالسينما إلى جانب كونها وسيلة للمتعة البصرية تهدف إلى خلق مكاشفة للذات حيث يرى المشاهد نفسه ومن حوله على شاشة السينما بوضوح.هل يمكن أن تكون السينما وسيلة لتغيير سلوكيات أفراد المجتمع؟■ ولم لا.. فالسينما الجادة هى التى تترك أثرا فى المشاهد ينعكس عليه بالضرورة.. لا أبالغ إذا قلت إن السينما يمكن أن تكون مثل «الواعظ الدينى».. بل إنها تتفوق عليه فى قدرتها على الوصول إلى أكبر قدر من المشاهدين فى وقت واحد.وهل تجد تلك المواصفات موجودة فيما تقدمه السينما المصرية حاليا؟■ للأسف الشديد لا، هناك عمل أو اثنان فقط والباقى فضل الدخول فى معركة «خطف الجمهور» عبر الصراخ والعويل دون الاهتمام باحتياجات الجمهور الحقيقية.. فالسينما تواجه مأزقا حقيقيا نتيجة ثورة «الميديا» الحديثة هناك إنترنت وبرامج يومية تسرد للجمهور مشكلاته وتروى أحداثا أغرب من الواقع المعاش والسينما أقحمت نفسها فى منافسة مع الميديا وظنت أن الحل فى «الصوت العالى» حتى يسمعها الجمهور لكنها بذلك فقدت معناها وأهدافها.وما هى الصورة التى يجب أن تكون عليها السينما فى رأيك؟■ حتى تصنع عملا يمكن وصفه بالجيد ينبغى الغوص فى الأبعاد الإنسانية للشخص، فعقب نيل أديبنا الراحل «نجيب محفوظ» جائزة نوبل للآداب ظهرت مقولة «الانغماس فى المحلية يقود إلى العالمية»، لكننى أرى أن «الانغماس فى الإنسانية هو الذى يقود إلى العالمية».. فعند تجسيد شخصية ما من واقع إنسانى بغض النظر عن جنسيتها أو دينها أو ما إلى ذلك مما يفرق بين البشر فبالتأكيد ستجد من يتعاطف معك إذا قدمتها بصدق.لكن مثل تلك النماذج ليس من السهل العثور عليها؟■ ربما كان هذا الكلام صحيحا فى أوروبا والدول الغربية حيث الحياة الرتيبة التى يتشابه فيها اليوم مع الأمس والغد، لكن فى مصر لدينا ملايين الحكايات التى يمكن أن نرويها.. فنحن نعيش حالة حراك غير عادية وحياتنا اليومية مليئة بالمفارقات والقصص التى تصلح لتحويلها إلى عمل سينمائى يثير الإعجاب بالداخل والخارج.تحدثت عن الصورة التى يجب أن تكون عليها السينما.. فماذا عن الجمهور؟■ يصمت قليلا قبل أن تبدو عليه علامات الحزن ويقول: لا أعلم ماذا حدث للمصريين.. فقد وصلنا إلى 80 مليون نسمة وعلى الرغم من ذلك جمهور السينما لا يتعدى المليونين فقط.. الناس باتت تنظر إلى السينما باعتبارها وسيلة ترفيه وتسلية فقط.. أنا من أسرة بسيطة ووالدى كان يعمل موظفا ولا يملك سوى راتبه المتواضع وعلى الرغم من ذلك أتذكر أننا كنا حريصين على الذهاب إلى السينما أسبوعيا.. فالسينما كانت بالنسبة لنا جزءا مهما فى حياتنا وليست وسيلة ترفيه فقط.. لكن الآن الصورة للأسف قاتمة ونحتاج إلى إعادة الجمهور لدور العرض.نعود إلى «الكبار».. ألا ترى أنك تغامر بتحولك لطرق مساحة جديدة فى السينما «الهادئة» على الرغم من أن نجاحك جاء فى النماذج «الصارخة»؟■ نجاحى بدأ بفيلم «حين ميسرة» وهو يصنف ضمن الأفلام التى تصدم المشاهدين ولكن فى الوقت نفسه الفيلم قدم نماذج بشرية صدقها الجمهور، كما أن الفيلم ــ وكذلك الحال بالنسبة لفيلم «هى فوضى»- دشن مرحلة جديدة من سينما أطلقوا عليها «أفلام العشوائيات»، وهو ما يعنى أننا فتحنا الباب لكثير من السينمائيين نحو عالم جديد فى فضاء السينما، لكن للأسف الشديد أغلب تلك الأفلام تحول إلى «صراخ وعويل» بلا رسالة.لكن تلك الأفلام تبقى سينما تجارية فى النهاية؟■ تساءل مندهشا: وهل السينما التجارية تهمة؟.. أنا أؤمن بأن السينما تقدم للجمهور ويجب أن تخاطبه باللغة التى يفهمها لتحقيق الهدف المطلوب، فالسينما الجميلة هى التى تترك أثرا فى المشاهدين قبل الخروج من القاعة، وفى جميع أفلامى أفكر فى الجمهور أولا لكن أبحث عن اهتماماته بدلا من الدخول فى «خناقة» عليه عبر الصوت العالى والصراخ على الشاشة كما يحدث فى كثير من الأفلام حاليا.ألا تخشى من رد فعل الجمهور إزاء هذا التحول فى أدوارك السينمائية؟■ أكثر ما يسعدنى أن الجمهور يعتبرنى واحدا منهم ولذلك فأنا متمسك بالسير فى «شارع الناس السينمائى» وأظن أن «كمال» وكيل النيابة الذى تحول إلى محام نموذج لمن نراهم فى الشارع فهو ابن أحد القضاة وينتمى إلى أسرة متوسطة ظل بعيدا عن الفقراء ويقول لنفسه: «كثيرا ما كنت أنظر إلى هؤلاء من عين سحرية واعتبرهم مجرد رقم قضية فى ملف على مكتبى».. لكنه يعيش مرحلة تحول كبيرة فى حياته تدفعه إلى إعلان الحرب على الفساد والوقوف إلى جانب البسطاء.إلى هذا الحد أنت واثق من نجاح الفيلم؟■ لا أحد مهما وصلت درجة نجوميته يضمن نجاح الفيلم أكثر من أسبوع واحد وهى الفترة التى يذهب فيها جمهوره إلى دور العرض، لكن بعد ذلك يبدأ التقييم الحقيقى للعمل.. وأنا أثق فى العمل جدا وأشعر بالرضا عما قدمته لكن بكل صراحة لا أستطيع القول إننى واثق من النجاح الجماهيرى.ولماذا تقل هذه الثقة داخلك إذا كنت راضيا عن الفيلم؟■ هناك اعتبارات أخرى ليس لها علاقة بمستوى الفيلم، فالفيلم يعرض فى أجواء كأس العالم المسيطرة على اهتمامات الكبار والصغار، ولن يتاح له فرصة البقاء فى دور العرض لفترة طويلة نتيجة قرب حلول شهر رمضان المبارك.. كل تلك الاعتبارات تجعلنى غير واثق من قدرة العمل على تحقيق نفس معدل الإيرادات التى حققتها من قبل.وإذا وقع ما كنت تخشاه.. هل ستشعر بالندم على التجربة؟■ بالعكس أنا لن أقدم تجربة لست راضيا عنها تماما، كما أننى على ثقة من أن هذا الفيلم ينتمى لنوعية الأعمال التى سيكتب لها البقاء طويلا ولن يموت بعد رفعه من دور العرض.. كما أننى على ثقة أن كل من سيشاهد الفيلم سيعمل على الترويج له فى الأوساط المحيطة به وهذا يكفينى.لكن البعض يرى أن موافقتك على العمل مع مخرج يخوض تجربته الأولى مغامرة؟■ يبتسم ويقول: ليس المخرج وحده من يخوض تجربته الأولى فتقريبا أغلب فريق العمل كذلك مثل مساعد المخرج ومدير التصوير وغيرهما لكن لا أعتبر هذا مغامرة.. فقد جلست مع المخرج محمد العدل قبل تنفيذ العمل ووجدته يحمل رؤى واقعية ومختلفة فى السينما وظهر هذا جليا بعد الانتهاء من العمل، وأثق أنه سيكون من المخرجين الواعدين فى السينما خلال الفترة المقبلة.وأضاف عمرو وقد ملأت الابتسامة وجهه: لا أجد مشكلة إطلاقا فى التعاون مع وجوه جديدة، وحتى تتأكد من ذلك فأنا سأخوض قريبا تجربة سينمائية جديدة مع مخرج لايزال طالبا بكلية الهندسة ولم يدرس السينما من الأساس لكن عندما تتحدث إليه تكتشف أن «رأسه» كله سينما.قبل أن أتركه وأرحل سألته: أليس هناك مشروع يجمعك بخالد يوسف فى المستقبل؟■ خالد يوسف حاليا مشغول فى فيلمه الجديد ولست من بين فريق العمل معه لكن هناك مشروعا يجمعنا معا وهو «الكفيل» الذى يتناول قصة مواطن لا يملك مترا فى بلده ويسافر إلى الخليج بحثا عن المال ليتمكن من امتلاك أرض فى بلاده.. وهو ما يعد امتهانا لكرامته.. لكن المشروع تأجل بعض الوقت ولا أعرف متى سيدخل حيز التنفيذ.
الشروق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق