رغم التحديات الصعبة التى تواجه الموسم السينمائى الصيفى، فإن معظم أفلامه استطاعت أن تخترق المحظور، وتعاملت مع قضايا كانت تعد من التابوهات الثابتة «الدين والسياسة والجنس» بشكل أكثر تحررا وجرأة ومباشرة. فالمشاهد لتلك الأفلام سيجد أن هناك تغييرا فى فكرها وهو ما يستدعى طرح عدة تساؤلات فهل بدأت السينما حاليا فى اختراق المحظور والتعمق فيما كان يعد فروعا لموضوعات أخرى أساسية فى فترة ما؟ أم أن تناول تلك النوعية من القضايا بعمق يشكّل انعكاسا لحراك واقع، أم مجرد مرحلة ستنقضى بمرور الوقت؟ وهل يجوز التوقف عند حد عرض المشاكل فقط أم تقديم حلول لها؟ وهل سوداوية تلك القضايا تجعل من حق صناع السينما إظهارها بنفس درجة القتامة بل والمبالغة فيها أحيانا أم عرضها كما هى؟... فى واقع الامر نجد مثلا فيلم «بنتين من مصر» يتعمق ويناقش تبعات أزمة العنوسة التى أصبحت كجرس الإنذار الذى يدق على الأبواب ويوشك بوقوع كارثة، وقد قال مخرجه محمد أمين: «لقد دخلنا المنطقة المحظورة التى تشكل خطا أحمر منذ وقت طويل مضى، وخير مثال على ذلك فيلم «السوق السوداء» الذى أثار ضجة كبيرة أيام الملك فاروق، وكذلك فى فيلمى «شىء من الخوف» و«الزوجة الثانية» وأفلام عاطف الطيب فى الثمانينيات، ولكن فى فترة التسعينيات توقفنا عن ذلك لحد ما»، وأضاف «أرى أن المشاكل السياسية والعلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة من الممكن تقديمها بشكل جيد بعيد عن الابتذال، وفى فيلمى سلطت الضوء على العنوسة لأن كلا منا فى محيطه شخص يعانى منها، والعنوسة ليست بين النساء فقط ولكن هناك العنوسة الرجالى أيضا، وطالما سأتحدث عن هذه المشكلة إذن فلابد أن انتقل أوتوماتيكيا للعديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليها والمؤدية لها». أما خالد دياب مؤلف فيلم «عسل اسود» ــ الذى تعرض لكل مشاكل المجتمع المصرى من مياه وهواء ملوث إلى ضياع كرامة المواطن فى بلده ورضائه بهذا الهوان ــ فيرى أنه من الضرورى أن تناقش السينما كل القضايا بحرية دون قيد حتى لو كانت محظورة ولكن الأهم من ذلك هو طريقة التناول والمعالجة التى تبتعد عن الإسفاف.وعما إذا كانت الرقابة ستسمح بهذه الحرية المطلقة فى التناول، أفاد دياب «الرقابة الآن واعية وتتيح فرصة كبيرة للمناقشة، ولكن بالرغم من هذا الوعى فإننا نحتاج لمزيد من الحرية» وأضاف «الرقابة لم تعترض على اسم الفيلم أبدا كما تردد فى البداية وأنها كانت السبب فى تغيير اسمه من «مصر هى أوضتى» و«جواز سفر مصرى» إلى «عسل إسود». ومن الأفلام التى سنشاهدها تدخل تلك المنطقة فيلم «الثلاثة يشتغلونها» لياسمين عبدالعزيز ونضال شافعى وللمؤلف يوسف معاطى، حيث تطرق العمل لعالم السياسة والدين والمال داخل الحرم الجامعى ووقوع بعض الطلبة فى شراك المنافقين الذين يستغلونهم باسم الشعارات.«توابل وفرقعة الغرض منها مغازلة شباك التذاكر»، هكذا وصف الناقد مصطفى درويش تعرض السينما للقضايا الجنسية والسياسية والدينية حاليا، حيث يرى أن اهتمام السينما المصرية بتلك القضايا لا يخرج عن إطار الثانوية حتى لو بدا ذلك الاهتمام أساسيا فى أى فيلم؛ لأن السينما المصرية لا تطرح الموضوعات بالصراحة المعهودة فى مثيلتها الإيرانية أو الفرنسية أو الإيطالية، وأضاف «إذا كان هناك أى شبهة اختراق للمحظور والتعمق فيه فهو (لا يودى ولا يجيب) وأشبه بعمل نكات تحتوى على بعض عناصر السخرية، والسينما بهذه الحالة تؤدى لمزيد من الإحباط». وحول رغبة المخرجين فى مزيد من التعرض للمسكوت عنه، قال درويش « الطريق مسدود تماما لأن المخرجين كل همهم هو تكوين المال فقط وليس عمل شىء يحسب للصناعة وبالتالى فاقد الشىء لا يعطيه، ولذلك تظهر جملة (الجمهور عاوز كده) التى لا تخرج عن كونها شماعة للأفلام الساقطة». فى حين نفى الناقد طارق الشناوى اختلاف الموسم الحالى عن غيره معللا ذلك برأيه «السينما طول عمرها تتطرق لتلك النوعية وأقرب مثال على ذلك فيلم «هى فوضى» الذى بدأ وزير الداخلية بعده فى مشاهدة أى فيلم يتعرض لرجال الشرطة، وكسر التابوهات مرتبط بالحالة السائدة فى المجتمع ولذلك سنجد أن هناك مزيدا من الاهتمام بتلك النوعية بسبب وجود الفضائيات، ولكن هذا الاهتمام على تقدمه النسبى إلا أنه يعتبر متأخرا بالنسبة للحراك الموجود فى المجتمع، وعلى السينما أن تواكب هذا التقدم».أما الناقدة ماجدة خير الله فكان لها رأى مختلف، حيث قالت «لقد بدأت السينما تتحدث عما هو مسكوت عنه مما يعتبر ظاهرة صحية وإيجابية حتى لو ظهرت أصوات معادية لذلك، فمن الواجب الحديث عما يحتاجه الناس بصراحة بدلا من التلميح والتورية؛ لأن سقف الحرية ارتفع عن السابق، ولا يصح أن نشاهد أفلاما متخلفة عن حركة المجتمع والحالة التى يوجد عليها فمثلا لا يفترض أن نشاهد فى الأفلام أن الأولاد ما زالوا يغازلون البنات من الشباك على طريقة «الوسادة الخالية»، ولو حدث ذلك سيكون الفيلم غير واقعى وسيكون الجمهور أول ناقد له». وطالما نتحدث عن المحظور فكان لابد من توجيه السؤال للجهة التى تمنح أو تمنع فيلما من حق العرض ألا وهى الرقابة على المصنفات الفنية التى قال مديرها د. سيد خطاب «السينما طول عمرها تناقش قضايا حساسة على اختلاف أنواعها لأن سقف الحرية لدينا مرتفع بل ومتحرك فى أحيان كثيرة، وقبل كل شىء نحن جهة منفذة للقانون ولا تكبت الحريات وإذا كانت هذه الأفلام لا تخالف القانون فأهلا بها»، وردا على رفض الرقابة سيناريو فيلم «الخروج من القاهرة» للفنان محمد رمضان والذى يحكى عن شاب مسلم يتزوج من مسيحية، نفى خطاب هذا الأمر قائلا «لم نرفض سيناريو الفيلم كما أشيع وكل ما حدث مجرد بروباجندا للفيلم لا أساس لها من الصحة، ونحن طلبنا من المؤلف تعديل السيناريو فقط ولم نرفضه نهائيا كما قيل».
الشروق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق