لم ينقطع سيل التليفونات والموبايلات والرسائل عبر البريد الإلكترونى التى يعبّر أصحابها عن قلقهم الشديد من عودة أبنائهم إلى المدارس والجامعات، وما قد يسببه ذلك من انتشار لعدوى أنفلونزا الخنازير H١N١، خاصة مع التحذيرات التى أطلقتها منظمة الصحة العالمية من احتمال إصابة ٢٠% من سكان العالم بتلك العدوى أثناء الموجة الثانية من انتشار الوباء العالمى أو الجائحة خلال الخريف والشتاء القادمين، ودعونا نناقش الموضوع بشكل علمى وعقلانى.
أولاً: هناك الكثيرون الذين يهوّنون من شأن هذا الوباء على اعتبار أنه فيروس ضعيف، ولكننا فى الحقيقة لا ينبغى أن نعتنق هذا الفكر لأننا لا نضمن سلوك وشراسة الفيروس مع انخفاض درجة الحرارة، بالإضافة إلى الكثير من السلوكيات السيئة التى تعوّد عليها الكثيرون، وتساعد على نشر العدوى مثل البصق على الأرض، والتقبيل، وعدم التعود على غسل الأيدى باستمرار، ويضاف إلى هذا كثافة سكانية عالية، وعشوائيات، وتكدس وزحام فى كل مكان، ونسبة أمية عالية، وقدرات وميزانيات محدودة للصحة والدواء والبنية التحتية الصحية، كل هذا ينبغى أن يبعدنا عن المقارنات التى يسوقها البعض من اختلاف رد الفعل فى أوروبا وأمريكا عنه لدينا.
والحقيقة أننى دهشت وتعجبت من تصريح محافظ كفرالشيخ، الذى نشر فى «المصرى اليوم» الأسبوع الماضى، ويقول فيه إنه غير مقتنع بأن فيروس أنفلونزا الخنازير H١N١ فيروس خطير (هو حر فى اقتناعه)، لذا فإنه لن يلغى الموالد، ولن يؤجل المدارس! وبحثت عن مؤهلات «رئيس جمهورية كفر الشيخ المستقلة» فوجدته لواء،
ومع خالص احترامى لكل اللواءات فى الجيش والبوليس إلا أن مؤهلاته لا تسمح له بإدارة المعركة فى أزمة ووباء عالمى ضد فيروس جديد وجائحة يعلم الله وحده ما سوف تحدثه، ويجب أن يكون الرأى الأول والأخير فيها لوزير الصحة بناء على الآراء العلمية للخبراء والمختصين، وأن تصدر قرارات سيادية من رئيس الجمهورية بناء على ذلك، بحيث يلتزم بتنفيذها كل أعضاء مجلس الوزراء والمحافظين لكى نخرج بسلام من هذه الجائحة.
ونفس ما قيل عن محافظ كفر الشيخ أقوله أيضا عن بعض الكنائس التى رفضت إلغاء الاحتفال بمولد السيدة العذراء، فالموضوع لا يخص طائفة معينة أو ديناً، والفيروس لا ينظر إلى خانة الديانة فى بطاقة الرقم القومى قبل أن ينشر عدواه، وعلى العموم فهناك فرق بين التراخى والاستهتار وبين الحذر والهلع، ونحن كمصريين ليست لدينا منطقة وسطية بين التراخى والاستهتار والتواكل، وبين الهلع والفزع، ولا يوجد أبداً لدينا ما يسمى بسلوكيات الوقاية والحذر إلا بعد وقوع الكارثة.
ثانياً: أرى أن وزارة الصحة تسير بنهج علمى سليم حتى الآن، وأن الوزير حاتم الجبلى يبلى بلاءً حسناً (حتى الآن أيضاً)، إلا أن القادم هو الأصعب، فإذا لم يكن هناك تعاون كامل بين كل فريق العمل من الوزراء والمحافظين ومن يليهم من المسؤولين فى مواجهة هذه الأزمة فإن الأزمة سوف تتفاقم، وأعتقد أن اتخاذ قرارات صعبة ربما تضايق البعض مثل إلغاء الحج هذا العام، وتأجيل المدارس حتى أول أو منتصف يناير، إنما هو واجب، مهما كان رد الفعل الشعبى تجاه هذه القرارات.
فبالنسبة للفيروس: فى الحقيقة ليس لدينا نمط ثابت لما سوف يحدث فى المرحلة القادمة، فعند ظهور وباء بفيروس جديد لا نستطيع أن نحدد بالضبط ماذا سيحدث فى المراحل القادمة، وينبغى أن نعلم – من خلال الأوبئة السابقة للأنفلونزا- أن سلوك الفيروس فى بداية الوباء (الموجة الأولى) قد يتغير ويصبح أشد شراسة وضراوة فى الموجة الثانية،
ففى عام ١٩١٨-١٩١٩ بدأ الوباء خفيفاً وأخذ فى الانتشار، ثم عاد بعد ستة شهور بموجة أشد شراسة وضراوة، ونفس الوضع حدث فى وباء ١٩٥٧، ولكنه لم يحدث فى وباء عام ١٩٦٨ حيث ظل على الدرجة المتوسطة من الضراوة باستثناء بعض البلاد التى انتشرت فيها العدوى بشكل خطير، لذا ينبغى أن نعد أنفسنا لكل الاحتمالات والسيناريوهات المحتملة.
أما بالنسبة لظروفنا الدراسية فى مواجهة الفيروس فنحن لدينا نوعان من المدارس: ١- مدارس أجنبية خاصة خمسة نجوم، ٢- مدارس مجانية مكدسة بالتلاميذ الذين تصل كثافتهم إلى ٨٠ - ١٠٠ تلميذ فى الفصل، أو خاصة على نفس المستوى المنخفض، والأولى بها الكثير من الأجانب الذين قضوا الإجازة الصيفية فى بلادهم وعادوا يحملون العدوى منها لينقلوها إلى التلاميذ مثلما حدث فى الإسكندرية.
وهذه الفئة من التلاميذ هى نفسها التى يسافر أهاليهم إلى العمرة والحج ويعودون حاملين للعدوى، أما الفئة الثانية فمعظمها من أبناء العشوائيات الفقراء الذين لا يحتملون شراء المعطرات والمطهرات والصابون ليأخذوه معهم، وإذا وجد الصابون فحنفيات المياه مكسورة، ودورات المياه عطلانة، والتهوية غير جيدة، والسلوكيات غير منضبطة.
وإذا افترضنا أن وزارتى التربية والتعليم، والتعليم العالى سوف تقسمان الدراسة على فترات، فمن أين تأتيان بالقوة البشرية التى تكفى من أعضاء هيئة التدريس والإداريين والمشرفين لتنفيذ ذلك عملياً، وإذا حدث ذلك فإن السنة الدراسية سوف تمتد لما بعد موعد الامتحانات فى الصيف، فلماذا لا نؤجل دخول المدارس إلى نهاية ديسمبر حتى يتكشف لنا الوضع، ويكون اللقاح الواقى قد تم تداوله والتأكد من أمانه، وبذلك يمكن أن يمتد العام الدراسى شهرين زيادة الصيف القادم.
أتمنى أن يدرس مجلس الوزراء هذا الاقتراح وأن يتخذوا قراراً سريعاً فيه لكى تطمئن قلوب الملايين على فلذات أكبادهم.
المصري اليوم - د.عبدالهادى مصباح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق