الاثنين، 14 يونيو 2010

الاختلافات العقائدية بين الطوائف تفرق المسيحيين

المصدر : الشروق - عمرو عزت

الاختلافات العقائدية بين الطوائف المسيحية الثلاثة فى مصر لا تبدو بالنسبة للبعض شأنا كبيرا يؤثر على العلاقات بين أفراد هذه الطوائف، ولكنها وما يتبعها من تقاليد وطقوس تؤثر فى نظر البعض على طريقة التفكير وأسلوب الحياة والمزاج الاجتماعى وقد تسبب بعض التوتر بين الطوائف أو أفرادها أحيانا.
يحكى ماهر ميخائيل ببساطة أنه قضى فترة الثانوية كلها يتردد على كنيسة كاثوليكية وفترة الجامعة كلها يتردد على كنيسة بروتستانتية رغم أنه مسيحى أرثوذكسى ومقتنع بهذا المذهب بما يكفى.لا يعتبر ماهر، الصيدلى الشاب، نفسه متدينا بما يكفى للحديث عن الخلافات العقائدية بين الطوائف الثلاث التى يتوزع مسيحيو مصر بينها، ولكن ما يعرفه منها يجعله يعتقد أنها خلافات قشرية إذا ما قورنت بالاتفاق الكبير فى أساس العقيدة. ولكن هذا لا يمنعه أيضا أن يقول إن هناك العديد من الشباب الأرثوذكس وأسرهم ممن لا يستسيغون ما فعله ذلك ويضخمون من هذه الاختلافات ويتحفظون أحيانا عند التعامل مع أبناء الطائفة المسيحية الأخرى.لا يوجد إحصاء معلن ورسمى لعدد المسيحيين فى مصر، وبالتالى لا توجد إحصاءات رسمية لأعداد الطوائف، ولكن هناك تقديرات تشير إلى كون الأقباط الأرثوذكس 80% من مسيحيى مصر، وتتوزع النسبة الباقية على البروتستانت ثم الكاثوليك. يقول ماهر: «مثل أى أغلبية، يفكر الأقباط الأرثوذكس أنهم الأصل وينظرون إلى الطوائف المسيحية الأخرى فى مصر باعتبارهم مذاهب جديدة أو وافدة ومنحرفة عن المذهب الصحيح».الخلافات بين الكنائس المختلفة حول طبيعة المسيح والعذراء وبعض المسائل اللاهوتية قد لا تهم سوى رجال الدين، ولكن بعض هذه الخلافات وما يترتب عليها من طقوس وتقاليد ترسم نوعا من المزاج الاجتماعى المختلف لكل طائفة وتميز أفرادها.يرى ماهر ميخائيل أن أهم ما يميز الأقباط الأرثوذكس هو روحهم التقليدية، فهم من جانب يحاولون الحفاظ على العقيدة والطقوس كما تم معرفتها وممارستها أول مرة. وذلك يمنحه ارتياحا أنه يتعلم الدين بلا أى محاولة للتأويل أو التعديل بسبب أى ضغوط عصرية أو تحديات، ولكنه يعتقد من جانب آخر أن هذه الروح تربط الأرثوذكس أكثر بالطقوس والشعائر إلى حد قد يصل أحيانا إلى الشكلية، فى حين أن الكاثوليك مشغولون أكثر بخدمة المجتمع والتجديد الفكرى اللاهوتى والبروتستانت يفسرون نصوص الإنجيل بحرية وينتقدون الإتباع الشكلى للأجيال الأولى فى الطقوس والأفكار.
 
تقاليد وأسرارفى كتاب «اللاهوت المقارن» للبابا شنودة الثالث يجمل الاختلافات بين الأقباط الأرثوذكس من جهة وبين الكاثوليك والبروتستانت من ناحية أخرى. الكاثوليك على خلاف الأرثوذكس يمارسون بعض التعديل فى الطقوس التى مارسها المسيح وتلاميذه بشكل يحافظ فى رأيهم على معنى الطقس وجوهره ويسهل ممارسته، مثل التساهل فى تغيير بعض تفاصيل طقس التناول، الذى يناول فيه الكاهن الخبز للمسيحى بوصفه جزءا من جسد المسيح، وهو أحد «الأسرار السبعة للكنيسة». البروتستانت ينكرون الأسرار السبعة تماما بما فيه طقس التناول لأنهم لا يؤمنون إلا بنصوص الإنجيل ويتجاهلون ــ فى رأى الطوائف الأخرى ــ التقاليد التى وضعها الرسل والقديسون والآباء.هرماس فوزى، مهندس الكمبيوتر، المنتمى للكنيسة الإنجيلية أكبر الكنائس البروتستانتية فى مصر، لا يحب كثيرا أن يوصف بأنه إنجيلى ويعتقد أن مسألة الطوائف هذه مسألة مصطنعة، ولكن عند الحديث عن التفاصيل يؤكد أنه فعلا يعتقد أن الطريقة الإنجيلية فى تفسير المسيحية هى الأقرب إليه والأكثر إقناعا، فلا يجب أن يلتزم المسيحيون بطقوس وأساليب مورست فى العهود الأولى بسبب مزاج أو رأى فردى أو ظروف اجتماعية معينة، ولذلك يحب تحرر البروتستانت من الإتباع والتقليد والرجوع إلى الإنجيل وتفسيره بحرية. يضيف: «أعتقد أنه نتيجة لذلك يميل الأقباط الأرثوذكس عادة لممارسة الطقوس بكثافة وتجنب الجدل والحوارات العقائدية، بينما تجد البروتستانتى متحمسا عادة للحوار والجدل والنقاش حول الأفكار مع أى أحد، لأن أفكاره ليست عقائد موروثة بقدر ما هى تفسير وتأمل متجدد فى الكتاب المقدس. وذلك الاختلاف قد تجده أيضا عند النقاش فى السياسة أو أى أمر آخر».يتخذ الكاثوليك موقفا وسطا فى الموقف من الطقوس والتقاليد القديمة، ولذلك يرى رامز شرقاوى، مهندس الكهرباء الذى ينتمى إلى الكنيسة الكاثوليكية أن بعض المرونة فى الطقوس عندها تبرر أيضا روح الانفتاح والتجدد عند الكاثوليك مقابل الروح التقليدية المحافظة عند الأرثوذكس أو أغلبهم.يقول رامز: «الرهبنة على سبيل المثال، يمارسها الأرثوذكس بالشكل التقليدى كما فعله الآباء الأوائل بالاعتزال الكامل عن الناس وشرور الحياة الدنيوية وخطاياها، ربما حدث بعض التغيير مؤخرا. بينما الكاثوليك لديهم تاريخ عريق فى الخدمة الاجتماعية من خلال الرهبان الذين يسيرون فى الاتجاه المعاكس ويقتربون من الناس، مثل (الآباء اليسوعيين أو الجزويت) فى مجال التعليم، و(الراهبات الهنديات) فى مجال التمريض والإغاثة ومنهم الأم «تريزا».يشير رامز أيضا إلى أن تاريخ الكنيسة الكاثوليكية فى أوروبا ينعكس على علاقة أفرادها بالسياسة، فمنذ حدث فصل الدين عن الدولة أصبحت الممارسة السياسية للأفراد خارج نطاق سلطة الكنيسة تماما التى لا تشارك بالسياسة لا تأييدا ولا معارضة. يلمح إلى كون جورج إسحق، الناشط المعروف والمنسق العام الأسبق لحركة كفاية، كاثوليكى المذهب. و يرى رامز فى المقابل أن الكنيسة الأرثوذكسية متورطة بشكل ما فى الحياة السياسية، ولكنه يرفض تعبير «دولة داخل دولة» الذى يراه مبالغة كبيرة.العلاقة مع رجل الدين داخل الكنيسة تبدو قريبة الصلة بالمزاج السياسى، فرجل الدين بما يمثله من سلطة والحدود التى ترسم علاقة الأفراد به تربيهم على سلوك معين فى مواجهة السلطة. يرى رامز أن الكاثوليك أكثر تحررا من سلطة رجل الدين مقارنة بالأرثوذكس الذين يضعونه فى مكانة مبالغ فيها، ويقول إنه كثيرا ما يعترض على رأى الكاهن ويناقشه إن لم يقتنع. ولكن ماهر ميخائيل يرى أن المكانة التى يضع فيها الأرثوذكس رجل الدين لا تضعه بشخصه، فالقس يغير اسمه الشخصى ويختار اسما آخر قبل أن ينخرط فى سلك الكهنة، ولذلك فالعلاقة معه لا تعد علاقة مع شخص بقدر ما هى علاقة مع رمز يمثل الكنيسة.البروتستانت لا يعترفون بالكهنوت من الأصل، ورجل الدين عندهم هو مجرد راع. يقول هرماس فوزى: «رعاة الكنيسة عندنا قد يرتدون الجينز ونتحدث معهم عن السينما والموسيقى. أعتقد أن البروتستانت بشكل عام يتميزون بعلاقة أكثر بساطة مع رجال الدين. فليس لدينا طقس الاعتراف بالخطايا لآباء الكنيسة، العلاقة هى بين العبد والله مباشرة».
الاعتراف والخلاصيحب رامز شرقاوى أن يقول إنه بالرغم من وجود طقس الاعتراف عند الكاثوليك إلا أن العلاقة بين رجل الدين والأفراد فيها بساطة شديدة بسبب ميلهم لروح الخدمة الاجتماعية والدور الاجتماعى لرجل الدين. يشير رامز أيضا إلى أن عقيدة الخلاص عند الكاثوليك تجعلهم جميعا، رجال دين وغيرهم، أكثر انفتاحا على المجتمع وبساطة وتسامحا. فهو يقول إن الخلاص فى الآخرة وفق بعض الكنائس الكاثوليكية قد يناله غير المسيحى وغير الكاثوليكى إن حسنت نيته، هناك خلافات لاهوتية داخل الكنيسة بهذا الخصوص. ولكن على خلاف الكنيسة الكاثوليكية لا ترى الكنيسة الأرثوذكسية خلاصا إلا لشعب الكنيسة الأرثوذكسية، والبروتستانت لا يرون خلاصا إلا مع الإيمان بالمسيح.يضيف رامز: «لذلك ترى أن الكثير من الأرثوذكس يغلب على سلوكهم التحفظ فى التعامل مع الآخر، وبعض المتشددين يتوجسون من أبناء الطوائف الأخرى. البروتستانت يبدون أكثر انفتاحا وتسامحا ولكن لديهم روحا تبشيرية تحب التطرق للدين والعقيدة وإقناع الآخر إن كان ذلك ممكنا، بينما الكاثوليك نتيجة لعقيدة بعضهم بشأن الخلاص يركزون على العمل ويخدمون المجتمع ويقدمون صورة للمسيحية لمن أراد أن يعتنقها ولكن لا يقدمون تبشيرا فى خطاب مباشر».يعلق هرماس أن هذه الروح لا تعيب البروتستانت، مؤكدا أن المسيح دعا إلى التبشير وأن أى إنسان يؤمن بفكرة ويحاول نقلها لآخر فهذا تعبير عن الحب، وفى النهاية كل إنسان حر فى اختياره.بين الحين والآخر، يشكو رجال الكنيسة الأرثوذكسية من «محاولات تبشير بروتستانتية» ويعتبرونها محاولات اختراق وتأثير على الكنيسة القبطية. يقول ماهر ميخائيل إن ذلك بسبب جاذبية أنشطة الكنائس البروتستانتية ذات الطابع العصرى والمنفتح، مشيرا على سبيل المثال إلى أن الترانيم البروتستانتية تستخدم كل تقنيات وآلات الموسيقى، بينما لا تزال الكنائس الأرثوذكسية تحافظ على استخدام المثلث والناقوس فقط. ولكنه يعتبر رد فعل الأرثوذكس مشابها لرد فعل المسلمين تجاه أى تبشير مسيحى، هو رد فعل أغلبية تعتبر نفسها الأصل والصواب.لا يبدو أن للتبشير بين المسيحيين أثرا قويا إلى حد دفع عدد كبير إلى تغيير الطائفة والانتقال لأخرى، قد يكون ذلك مؤثرا فى اجتذاب البعض لأفكار تنتمى للطائفة الأخرى، ولكن التحول بين الطوائف لا يزال ضئيلا وأغلبه يحدث بسبب الزواج، خاصة أن الكنيسة الأرثوذكسية لا تعترف بزواج يتم بين أفرادها وأفراد من طوائف أخرى. يوضح هرماس: «ما رأيته من حالات تغيير الطائفة معظمه فعلا بهدف الزواج، ولكن يحدث أيضا تحول بسبب الاقتناع، فالتحول إلى كنيسة بروتستانتية يأتى عادة من أشخاص انجذبوا إلى فكرها المتحرر نوعا. ولكن هناك أيضا متحولين إلى الأرثوذكسية بهدف الحصول على اطمئنان روحى من خلال الطقوس والشعائر التقليدية». قد يمثل ربط بعض الاختلافات العقائدية باختلاف السلوك الاجتماعى لأبناء الطوائف المسيحية المختلفة ــ نوعا من التعميم والاختزال للفروق الفردية، وقد لا يلاحظ المسلمون تلك الاختلافات، إلا أن مفهوم الكنيسة كجماعة يربط عقائدها بأسلوب معين للحياة تجعل مسيحيين كثيرين ــ يعتبر رامز شرقاوى نفسه منهم ــ يميزون بمجرد النظر أو بعد حوار قصير طائفة من يحادثونهم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق