الاثنين، 10 مايو 2010

ألف ليلة و ليلة و إشكاليات الكتب التراثية


أفتح الشباك والا أقفل الشباك؟‏!‏ صرخة ملتاعة‏,‏ ظل الفنان المبدع أحمد الجزيري يرددها في رائعة لطفي الخولي المسرحية القضية
بعد أن أسقط في يده عندما اكتشف انه سواء احتفظ بالنافذة التي فتحها في جدار غرفته المظلمة ليدخلها النور والهواء أم أغلقها وأعاد الحائط المصمت ليغرق وتغرق غرفته في الظلام ورائحة الرطوبة العفنة‏,‏ سيظل مدانا ومهددا باستمرار نزيف دفع الغرامات المالية‏,‏ مرات بسبب فتح النافذة وأخري لأنه أغلقها‏(!!).‏ورغم أن قضية لطفي الخولي حملت في ثناياها أكثر من قضية وأن قضية العربجي الذي لعب دوره أحمد الجزيري باقتدار شديد حفظ للشخصية وللموقف العبثي المستعصي علي الحل‏,‏ بعديهما الكوميدي والمأساوي‏,‏ كانت واحدة من مجموعة الخيوط التي وظفها لطفي الخولي ليضع بطله منجي في مواجهة بين قناعاته النظرية وعالمه اليوتوبي الخاص وبين ما يحدث علي أرض الواقع‏,‏ إلا أنني أعترف انه لسبب غير معلوم‏,‏ وربما كان الأمر مجرد حيلة عقلية‏,‏ ظلت صرخات أحمد الجزيري وتساؤله عن نافذته وإعادة بناء الجدار المصمت لتغرق غرفته في الظلام‏,‏ يترددان في سمعي ويلاحقاني إبان متابعتي لتداعيات قضية المطالبة بمصادرة طبعة ألف ليلة وليلة التي صدرت أخيرا في سلسلة الذخائر عن هيئة قصور الثقافة‏,‏ وأن عبارة أفتح الشباك ولا أقفل الشباك بدت لي وكأنها المعادل الموضوعي للتساؤل الهاملتي الشهير أكون أو لا أكون والتجسيد الواقعي لحالة التردد والعجز عن الوصول لحلول نهائية حاسمة تجاه عدد من القضايا الثقافية الشائكة التي تخبو ثم تظهر بين الحين والاخر لتصبح أشبه بقنابل موقوتة لا نستطيع نزع فتيل اشتعالها‏,‏ إما بدافع التسويف وعدم القدرة علي الوصول لحل نهائي لها‏,‏ أو بسبب التعامل معها بشكل سطحي وعدم الإلمام بأبعادها المختلفة أو رفض كل فريق من أطراف المشكلة محاولة تفهم الرأي الآخر والتعامل مع المشكلة من منظور أكبر وأشمل‏,‏ أو بدافع الاستسلام لأفكار مسبقة أيا كانت مصادرها وتوجهاتها‏.‏ ورغم أنني لم استطع الحصول علي نسخة من طبعة ألف ليلة وليلة التي أثارت الزوبعة الأخيرة وبالتالي لم أطالعها‏,‏ ورغم أن الاسبوعين الماضيين شهدا تحركا ثقافيا ودفاعا عن الكتاب من قبل أساتذتنا ومن جموع المثقفين في مؤتمر أدباء مصر واتحاد الكتاب‏(‏ وهو ما سنعرض لجانب منه في صفحة اليوم‏),‏ الا انني أود أن أتطرق لزاويتين من القضية ربما لم يسلط الضوء عليهما بما يكفي حتي هذه اللحظة‏,‏ الأولي تتعلق بالجمهور المتلقي للعمل والثانية تتعلق بإشكاليات نشر النصوص التراثية وتحقيقها لتوظيفها في دراسات في فروع العلم المختلفة‏.‏وفيما يختص بالنقطة الأولي حول الجمهور ودرجات الوعي والاستيعاب سنجد أنفسنا إزاء حقيقة وواقع جديد ينفي مفاهيم تقسيم نوعيات الجمهور الكلاسيكية ويدحض مفهوم الوصاية عليه‏,‏ فالبحوث الاعلامية تؤكد نهاية عصر التفرقة بين ثقافة النخبة والعامة‏,‏ وفكرة الجمهور السلبي الذي يتلقي رسائل وسائل الإعلام أو الخطاب الثقافي باسلوب واحد وبنفس القوة والاتجاه‏,‏ وظهور مفهوم الجمهور الانتقائي الذي يتلقي أي خطاب ويتحدد استيعابه له من خلال خصائصه الديموجرافية والجماعة المرجعية وعوامل أخري‏,‏ كذلك فإن ظهور شبكة الانترنت التي صنعت عالما افتراضيا رحبا فتت الجمهور مما يشي بضعف وضآلة امكانية أو احتمالية فرض قيود علي أي معلومة أو منع ظهور أي منتج ثقافي أو فني‏.‏وفي ضوء ما سبق وإذا ما عرفنا أن طبعة ألف ليلة وليلة المعروفة بطبعة بولاق الثانية‏,‏ التي ظهرت عام‏1832‏ والتي أثارت هذا الجدل متاحة علي مائة وسبعين موقعا علي الانترنت وان طبعات ألف ليلة وليلة الكاملة مطروحة في الأسواق شرقا وغربا‏,‏ سواء في مطبوعات ورقية أو اسطوانات مدمجة‏,‏ وإذا ما تذكرنا ان الزوبعة التي ثارت في منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما ظهرت في مصر نفس الطبعة النادرة التي حققها الشيخ محمد قطة العدوي‏,‏ انتهت بقرار الغاء مصادرة الكتاب حيث استندت المحكمة في حكمها لتقديم د‏.‏طه حسين لرسالة الدكتوراه التي قدمتها د‏.‏سهير القلماوي عن ألف ليلة وليلة وما جاء في الموسوعة البريطانية عنها باعتبارها مصدرا ادبيا مهما ألهم أدباء العالم وأنه عقب صدور هذا الحكم صدرت في مصر طبعة كلكتا في ثمانية مجلدات في عام‏1997‏ وظهرت في العام التالي طبعة ألف ليلة وليلة المعروفة بطبعة برسلا والتي صدرت عام‏1837,‏ فهل يمكن في ظل كل ما تقدم أن يمارس البعض طقوس المنع والمصادرة بحجة حماية الجمهور أو تصور أن هذا الجمهور عاجز عن الوصول للمعلومة التي يريدها أو عن الاختيار ويحتاج للوصاية؟‏!‏النقطة الثانية التي أود أن أتوقف أمامها وتتعلق بأمانة نقل النص‏,‏ فبغض النظر عما جاء في حكم محكمة الاستئناف في‏30‏ يناير‏1986‏ حول نفس القضية والذي نفي عن ألف ليلة وليلة كونها كتابا جنسيا يسعي للإثارة الشهوانية حيث اعتبره الحكم من المطبوعات الأدبية الطيبة‏,‏ فإن الأمانة العلمية تقتدي أن نحتفي بالنص التراثي وأن نتعامل معه باعتباره أثرا لا يعبر فقط عن كاتبه بل أيضا يعكس صورة لمجتمعات ولحقب زمنية ترصدها سطور العمل بشكل أصدق مما ترصده أحيانا كتب التاريخ‏,‏ وفي هذا الصدد أجدني مضطرة لأن أتساءل‏,‏ بأي منطق يحق لنا أن نتدخل في الأعمال التراثية ونلونها بمنظورنا الخاص لتصبح كائنات شائهة مكذوبة أمام باحثينا بينما هي تكشف أسرارها وكنوزها ومثالبها أمام الاخرين؟‏!‏هل محاولات المنع والمصادرة أو تلوين الكتب التراثية تحت مسمي تهذيبها عنوان لعدم قدرتنا علي تفهم ما هو أبعد من العبارات المباشرة والفشل في قراءة الدلالات أو ما بين السطور‏,‏ أم أنه احساس بالخوف من مواجهة الذات وتقييمها سلبا أو ايجابا للتعرف علي طبيعة ورؤي وأفكار والمزاج العام في هذه المجتمعات كما تعكسها هذه النصوص؟‏!‏ وبهذا المنطق اين يقع كتاب الاغاني للاصفهاني‏,‏ هل ندرجه تحت مسمي كتاب للغواني والشعراء والصعاليك أم وثيقة ترصد تطور الحياة الفنية في زمن الكاتب؟‏!.‏أسئلة لا تزال تتقافز أمام عيني وأستشعر انها لا تنصب فقط علي واقعة المطالبة بمصادرة ألف ليلة وليلة‏,‏ بل تمتد لتطول كثيرا من قضايانا الثقافية ومفاهيم المصادرة التي أتصور أنه لابد وأن نناقشها في الضوء كي نجدد هواء غرفنا المغلقة المظلمة قبل أن نتحول نحن أيضا لمجرد صدي لصرخات أحمد الجزيري‏..‏ نفتح الشباك أم نغلقة
‏‏
الاهرام - سناء صليحة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق