الجمعة، 14 مايو 2010

جنوب السودان .. "سلة غذاء و نفط" تبحث عن أموال العرب



«جوبا تنمو بداخلك».. قالتها «ميا» الكندية سودانية الأصل خلال أول زيارة لها إلى جوبا لتجدها رغم كل الفقر وضعف البنية التحتية وصعوبة المناخ وارتفاع أسعار المعيشة تترك بداخلها أثرا ينمو لحظة بلحظة.
إنه ذلك الإحساس بالمشاركة فى البناء، حيث يمكن بناء مشروع ناجح فى تلك المدينة الصغيرة التى يرى كل من يزورها أن لها مستقبلا كبيراً، وأن له فرصة فى بناء حياة واستثمار هذه المدينة التى تحبو وترحب بكل من يمد يده فى بنائها وتطويرها.
وكثير من غير السودانيين يحاولون الاستثمار بحذر فى جوبا، ولا يريدون إنفاق كثير من الأموال خوفا من حرب تدمر كل شىء، لكنهم حريصون على الاحتفاظ بموطئ قدم لهم فى «جنة محتملة للاستثمار».
اللبنانيون هناك أيضا، وكما يقول الكثيرون: «أينما وجدت التجارة وجد اللبنانيون».. هم تقريبا الجنسية العربية الوحيدة التى يمكن ملاحظة وجودها فى المدينة، بالإضافة إلى بضعة مصريين يعدون على الأصابع.
وهو الأمر المحزن فالمصريون فى مطار أديس أبابا ومطار نيروبى أكثر منهم فى مطار جوبا، قد يكون للمناخ صعوبته التى تبعد الكثيرين لكن هنا فرصة للنمو مع تلك المدينة التى تنمو بداخل سكانها لأنها تنمو بهم ولأنهم يشعرون بدورهم المباشر فيها.
تلك الصورة الأولى كانت دافعا لـ«المصرى اليوم» فى البحث خلف قضية الاستثمار فى جنوب السودان، وأبرز الدول العربية التى تستثمر هناك وعن الدور المصرى فى الجنوب. وحول ذلك الأمر قال صلاح المليح، الناطق الرسمى باسم سفارة جنوب السودان فى مصر إن أكبر المستثمرين العرب فى الجنوب من الإمارات العربية المتحدة تليها لبنان.
ويعمل الإماراتيون فى السياحة بالأساس ويقومون حاليا ببناء منتجع سياحى فى مدينة جوبا، من المفترض أن يكون أكبر منتجع فى أفريقيا، وسيشمل مطارا دوليا، ومحمية طبيعية بها كل الحيوانات وشاليهات، وبدأ العمل فيه منذ العام الماضى وشارف على الانتهاء. أما اللبنانيون فيعملون فى البناء والتشييد والسياحة والفندقة والاستيراد والتصدير.
وحو ل المؤتمر العربى للاستثمار والتنمية فى جنوب السودان الذى نظمته جامعة الدول العربية فى جوبا نهاية فبراير الماضى، قال المليح إنه تم الإعلان عن المساهمة فى مشاريع كثيرة، لكن حتى الآن لم يتم تطبيق شىء، فكل ما حدث هو وعود دون ثمار، مما جعل الجامعة ترتب لعقد مؤتمر ثان قريبا سيكون فى البحرين لكن لم يتم تحديد موعده النهائى فى محاولة لإنقاذ قرارات المؤتمر الأول من الفشل. وبالنسبة للمليح فإن ذلك يدل على جدية جامعة الدول العربية التى تفكر فى إقامة مؤتمر ثان بعد أقل من ٣ شهور من المؤتمر الأول.
وجدد المليح التأكيد على حاجة جنوب السودان للاستثمار والتنمية بعد الخروج من حرب طويلة، مشيرا إلى توافر الأرض الخصبة، فضلا عن الثروة الحيوانية الضخمة ومياه الأمطار والأنهار، مؤكدا أن قليلاً من الجهد فى مثل تلك البيئة سيعود بالنفع على العالم العربى كله، خاصة أن بعض الدول العربية تستورد خضراواتها من دول أخرى، وكثيرا ما تكون منتجات معدلة جينيا وتمت زراعتها باستخدام أسمدة ومنتجات كيماوية، أما فى جوبا فيكفى إلقاء البذور لتنبت المحاصيل المختلفة فى تربة الجنوب الخصبة.
يأتى الحديث عن الاستثمار فى الجنوب بالتزامن مع الحديث حول اقتراب انفصال جنوب السودان عن الشمال والمخاوف من اندلاع العنف مرة أخرى أو عدم الاستقرار الذى يهدد أى استثمار. ويكفى الحديث عن مخاوف البنك الدولى وكثير من المنظمات العالمية من ضخ أموال فى الجنوب على خلفية أزمة الديون السودانية التى لم تنته، ففى حال الانفصال يجب الاتفاق على كيفية التعامل مع الديون التى من المفترض أن يتحمل الجنوب جزءا منها.
ومن المشكلات الكبرى أمام الاستثمار شكل الموازنة العامة لحكومة الجنوب، حيث يذهب جزء كبير منها للجيش والشرطة، على الرغم من عدم استقرار الأمن تماما، فخلال الأشهر الأخيرة من العام الماضى قتل قرابة ٢٠٠٠ شخص فى الجنوب. ويعتبر المفكر الجنوبى أبنيقو أكوك أن تلك الأوضاع تشير إلى أن الاتفاق حول الأمن والسلام «لم يؤتِ أكله» حتى هذه اللحظة.
وبالنظر للإيرادات فى الجنوب فإنه يمثل عائد البترول النسبة الأكبر من إيرادات الحكومة وهو ما يمثل خطورة على أى نظام اقتصادى، وتتزايد المخاطر فى جنوب السودان لأن العوامل التى تؤثر على الإيرادات البترولية –جميعها تقريبا- لا تخضع لسلطات وسيطرة الحكومة سواء بالنسبة للاتفاقيات المبرمة لقسمة الإنتاج مع الشركات العاملة فى مجال البترول، أو بسبب اعتماد نصيب حكومة الجنوب الشهرى على أسعار البترول العالمية وتكاليف الإنتاج، التى تتغير باستمرار، لذلك قد يكون نصيب حكومة الجنوب فى أحد الشهور أكثر من ٢٠٠ مليون دولار أمريكى بينما يتدنى فى شهور أخرى إلى أقل من ٥٠ مليون دولار.

المصري اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق