هل أنت مقتنع بما تفعل؟ هل تصحو من النوم صباحا وتتوجه إلي عملك وأنت مقتنع بعملك؟ هل تنتهي من عملك وتعود إلي البيت وأنت مقتنع بتركيبة الأسرة ونوعية العلاقات السائدة فيها
هل تشاهد التليفزيون وتتابع ما يقدمه وأنت مقتنع بما تراه وتسمعه؟ هل تذعن لرغبة اطفالك وتصطحبهم إلي النادي أو إلي الحديقة وأنت مقتنع؟ هل توافق زوجتك علي قرار ما وأنت مقتنع؟وبمعني آخر, ما نسبة الأنشطة التي نقوم بها كل يوم عن اقتناع مقارنة بما نقوم به مضطرين؟ وهل هناك فرق في الأداء حين تؤدي دورا مضطرا ودورا آخر وأنت مقتنع به؟ وهل الفرق يتوقف عند الأداء فقط, أم أنه يمتد كذلك إلي المزاج العام؟ وماذا يحدث حين تكون أغلبية الشعب غير مقتنعة بما تفعل؟الأسبوع الماضي وجدت نفسي غير مقتنعة بما لا يقل عن80 في المائة من الأنشطة التي أقوم بها, أتوجه إلي العمل صباحا وأنا غير مقتنعة بما أقوم به, اجلس مع أناس وأنا غير مقتنعة بما يقولونه أو يفعلونه أقود السيارة وأنا غير مقتنعة بطريقة الآخرين في القيادة أعود إلي البيت وأنا غير مقتنعة بما يدرسه الأولاد في المدرسة, وغير مقتنعة بالطريقة التي يذاكرون بها, أشاهد ما يبثه التليفزيون مساء من برامج توك شو وأنا غير مقتنعة لا بالأحداث التي يتم التطرق اليها ولا بالطريقة التي يتم بها التعامل معها, احاول أ أن أخلد إلي النوم, وأنا غير مقتنعة بما قمت به أثناء اليوم.هذا الشعور بعدم الاقتناع معطل للهمم ومثبط للعزائم, وهو إن طال امده يترك اثرا اقرب ما يكون إلي الموت السريري للفرد, فرغم أنه قد ينجز ما يطلب منه من أعمال اومهام او حتي انشطة ترفيهية, إلا أنه ينفذها جميعا بطريقة اوتوماتيكية اقرب ما تكون إلي الإنسان الآلي, وهو ما يفقد الحياة طعمها, والأفعال والأنشطة وقعها.ووجدت ان غالبية من حولي لا يختلفون عني كثيرا, وحين نزلت الشارع شعرت بأن احدا غير مقتنع بما يفعل, لا أقصد جموع المعتصمين والمحتجين, فهؤلاء يقفون علي طرف النقيض, ولا أبالغ لو قلت ان تلك القلة القليلة هي التي تفعل ما تجد نفسها مقتنعة به, أما من عدا ذلك, فهم يقومون بما يقومون به بدافع الاضطرار فقط لا غير.ويبدو ان الأمر لا يتعلق بفئة اجتماعية أو اقتصادية او حتي نفسية, فقد ركبت سيارة أجرة من ذوات اللون الأبيض والعداد والتكييف, وتخيلت ان صاحبها مقتنع ولو إلي حد ما بما يفعل, لا سيما وأنه تخلص من سيارته البيجو العتيقة وحلت الجديدة مكانها.وردا علي تمنياتي له بدوام الراحة النفسية والعصبية خصوصا في ظل تقلص احتمالات اصابة السيارة الجديدة بعطل فجائي او عطب متوقع, قال بغيظ شديد: وهي دي راحة؟ انا خريج كلية تجارة, ووالله لو ركبت صاروخا طالع القمر هافضل حاسس إن انا في المكان الغلط وبغض النظر عن تقييم رأي السائق, او افضلية العمل المكتبي المحاسبي علي مجال العمل في قيادة التاكسي او العكس, فإن المحصلة النهائية واحدة, وهي أنه غير مقتنع بما يفعل, هو مستمر فيما يفعل لانه مضطر إلي ذلك, وليؤمن لزوجته وابنهما الوليد ما يضمن لهما حياة أمنة نسبيا.الأمان النسبي ايضا, وليس الاقتناع, هو ما دفع سلوي ابنه الـ32 عاما للزواج بأول من طرق بابها بعد ما اطفأت الشمعة الـ31 لم تكن تحبه, ولم تقتنع به في المقابلة الأولي, ولا الثانية ولا حتي الثالثة, واليوم مر علي زواجهما عام كامل, وشعورها بعدم الاقتناع به لم يتغير, بل يمكن القول بأنه زاد, والنتيجة انها تعيش حياة مغلفة بشعور من عدم الاقتناع صحيح انها لم تشعر بعد بالندم علي قرار الارتباط لأن العيش تحت بند العنوسة اسوأ بمراحل من العيش دون شعور بالأمان.مرة أخري قد نختلف وقد نتفق معها, لكنها في نهاية الأمر تعيش حياة هي غير مقتنعة بها.المدرس الذي يذهب إلي المدرسة, اي مدرسة ليدخل الفصل ويدرس للطلاب منهجا هو غير مقتنع بما ورد فيه, ويمتحنهم امتحانات شهرية, وأخري اسبوعية وهو غير مقتنع لا بالمنهج ولا بالامتحان, ولا بمستوي الطلاب, كيف يكون اداؤه؟ وماذا عن الطلاب الذين يجدون انفسهم في خانة اليك, فإما مذاكرة ما فرضته عليهم وزارة التربية والتعليم, وإما الرسوب, يعرفون جيدا ان ما يدرسونه اليوم لن يفيدهم افادة مباشرة في سوق العمل غدا, لكنهم علي يقين بأنه ليس أمامهم خيار آخر.سائق اتوبيس النقل العام غير مقتنع بما يفعل, فهو يري انه يجاهد جهادا شرسا علي جميع الأصعدة, فالأتوبيس متخم بالركاب والشوارع تئن تحت وطأة السيارات المتناحرة والميكروباصات المتصارعة وملايين البشر الراكضة يمينا ويسارا والود وده لو يختفي كل اولئك من علي وجه الأرض, ويجد نفسه غير ملزم بالقيادة هنا وهناك والاستماع لخناقات الركاب اليومية, والخوض في صراعات قوة مع بقية قادة السيارات لا لشيء الا ليصل من نقطة أ إلي نقطة ب تبعا لجدول السير المفروض عليه.وبحكم السنوات السبع التي امضيتها في بريطانيا, يمكنني القول بأن الفرق الرئيسي بيننا وبينهم يكمن في نسبة الناس المقتنعة بما تفعل, فهناك قلما تجد شخصا يكره ما يقوم به, أو غير مقتنع بالنشاط الذي يمارسه, قد يكون بائع اللبن, وقد يكون جامع القمامة, وقد يكون عضو البرلمان, او استاذ الجامعة, او حتي حلاق الشعر, الغالبية مقتنعة بما تفعل, هو هناك يعلم جيدا ان له دورا في المجتمع وله معني في الحياة, صحيح قد يكون غير راض عن بعض التفاصيل في حياته او في عمله, لكن نسبة الاقتناع والإيمان بما يقوم به عالية جدا, قد يعود ذلك إلي رفاهية الاختيار النسبي لديهم, وقد يعود ايضا إلي سهولة الحياة, أو انسانيتها, وربما لها علاقة بأن لكل عمل هناك قيمة ومعني, وربما ايضا يعود إلي التركيبة المجتمعية بوجه عام.فإذا عقدنا مقارنة سريعة بين المجتمعين, ولا اتحدث هنا عن نظافة الشوارع او آدمية المواصلات, أو توافر الغذاء, او سهولة العثور علي مسكن او ماشابه ولكني اشير إلي نسبة التفاصيل الكبيرة والصغيرة في حياة المواطن والتي يعتبرها مفروضة عليه فرضا, فالحزب السياسي صاحب الأغلبية هو الذي اختاره ونظام التعليم والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي وغيره وافق وارتضي تنفيذ بنودها حتي وإن كانت لديه اعتراضات عليها, لكنه وافق علي الحكومة التي فرضتها, ومن ثم قد يعترض لكنه يبقي ملتزما بصوته الذي اعطاه للحزب الفلاني الذي تشكلت علي اساسه التركيبة الحكومية الموجودة, وبالتالي فلديه ما يصبره علي ما قد يرفضه من سياسات او قرارات او اجراءات لا يجدها مناسبة, ولأنه يعرف انه المرة المقبلة لن يعيد انتخاب هذا الحزب او ذاك, لكن الدور والباقي علينا, فالمكتوب علي الجبين لازم تشوفه العين. فالشعب عارف إنه هيتباس.. هيتباس. فقانون التأمينات الجديد لا يفهمه, وإن فهمه لا يوافق عليه, لكنه سيطبق.. سيطبق. وقرار تصدير الغاز لا يوافق عليه, لكنه سيصدر.. سيصدر. والضريبة العقارية يجدها ظالمة, لكنه سيتم جمعها.. سيتم جمعها. ونظام الثانوية العامة فاشل, لكنه ساري المفعول بالطول أو بالعرض. ومن ثم, فنحن شعب غير مقتنع, وبالتالي نحن نعمل من غير نفس, وسنظل نعمل من غير نفس إلي أن نقتنع. وعلي المتضرر ضرب رأسه في أقرب حائط.الإغراء المبررسأرتدي المايوه لو كان سياق الفيلم يتطلب ذلك الإغراء فن راق لو كان الإغراء مبررا فلا مانع المايوه مش إغراء لو كانت القبلات في سياق الدراما, فأهلا بها. تصريحات عجيبة غريبة لا أثر لها لدي القارئ أو المشاهد أو المستمع إلا حرق الدم وفقع المرارة.وبغض النظر عن الجوانب الأخلاقية, والصح والغلط, إذ أن هذا ليس موضوعي, فإن ما يفقع المرارة ويحرق الدم في مثل هذه التصريحات الصادرة عادة عن فنانات خفتت عنهن الأضواء لفترة, أو لم تسلط الأضواء عليهن أصلا, أو يسعين لتسليط المزيد من الأضواء. ولا أعلم الفائدة التي من شأنها أن تعود علي جموع المصريين جراء مثل هذه المعلومات والتصريحات الحيوية, أو التغيير الذي من شأنه أن يحدث لو عرف القاريء أن فلانة تقبل بالإغراء المبرر, أو أن علانة لديها اعتراضات علي الإغراء الذي لا يخدم البناء الدرامي.نظرية النشوءأسهل حاجة في الدنيا أن تجري حوارا صحفيا أو تليفزيونيا مع مسئول سابق, لا سيما لو كان وزيرا سابقا. طبعا هناك استثناءات, فهناك من يترك منصبه ويتخذ قرارا لا رجعة فيه بأنه لن يظهر في الإعلام للحديث عن الماضي أو الحاضر, وأن فكرة تصفية الحسابات ليست واردة لديه. ولأن كلمة سابق عادة لا تلتصق بكثيرين, وفي حال التصقت تكون في الأغلب راحل وليس سابق, فإن المتاحين عادة في مثل هذه الأحوال ليسوا كثيرا.أما أصعب حاجة في الدنيا فهو أن تجري حوارا صحفيا أو تليفزيونيا مع مسئول حالي, لا سيما لو كان وزيرا. والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يتعزز المسئولون الحاليون في الإدلاء بدلوهم؟ ولماذا يكتفون بالظهور في البرامج التي يشعرون فيها بالأمان, أو بمعني آخر يشعرون بأنهم لن يتعرضوا لهجوم ضار فيها؟ ولماذا لا يعملون حساب اليوم الذي يحملون فيه لقب سابق ووقتها سيجدون أنفسهم وقد رضوا بعرض الظهور هنا أو هناك دون تملية شروط, أو فرض قيود؟ سؤال بريء ليس من ورائه قصد إلا السؤال عن النظرة طويلة المدي لدي كبار المسئولين.فنظرية التطور والتغيير تعني أن بقاء الحال من المحال. والفرصة المتاحة اليوم لعرض وجهات النظر, وشرح مبررات القرارات, وإبراء الذمة, والاستماع إلي الاتهامات والرد عليها وتفنيدها قد لا تكون متاحة غدا. ووقتها ستبقي التهم ملتصقة بصاحبها, وعملية الشرح والتحليل ستبدو وكأنها دفاع عن النفس وتنظيف للسمعة.العلاج بالضحكقبل ايام, أحتفل العالم باليوم العالمي للضحك. وهي المناسبة التي نستمع فيها إلي الأطباء وهم يسردون الفوائد الطبية للضحك, وعدد العضلات التي تتحرك بفضله, وأثره علي عضلة القلب, وقدرته الفذة علي تحسين الحالة المزاجية, وإشاعة طاقة إيجابية في المكان, وهو ما يدفع بالأمم نحو الترقي والتقدم.ورغم أن مصر فيها من المضحكات ما من شأنه أن يضحك شعوب الأرض كافة وليس الشعب المصري فقط, فقد وقفت فوائد الضحك علي باب مصر عاجزة عن التسلل إليها. فرغم الضحك الذي نضحكه بصفة يومية وعلي مدار الساعة, إلا ان أمراضنا زادت, وعضلات قلوبنا وهنت, وحالتنا المزاجية في أسوأ حالاتها, والطاقة التي نعيشها في الأماكن التي نرتادها مفرطة في السلبية. وبالتالي, فان علي العلماء أن يعيدوا النظر في حكاية فوائد الضحك, لأنهم إما أخطأوا في تعريف الضحك, أو تسرعوا في نتائج أبحاثهم, أو أن الضحك المصري ليس كالضحك في بقية أنحاء العالم, أو أن عليهم تحديد أسباب الضحك, فالمؤكد أن أسباب الضحك عندنا تختلف شكلا وموضوعا عن غيرنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق