الجمعة، 30 مارس 2012

بعد صعود الإسلاميين هل تدفع القوي الكبري الشرق الأوسط إلي لعبة خطرة جديدة ؟


النظر إلي الخريطة الدينية والعرقية للصراع الداخلي في سوريا يدعو إلي القلق وربما يرتهن مستقبل الشرق الأوسط لعقود قادمة بنتائج الصراع وأثره علي دول أخري مجاورة ليعيد التاريخ نفسه مجددا ولكن تلك المرة بقوي جديدة وخريطة أوسع من التقلبات الأيديولوجية والطائفية والعرقية, وقد حاولت الأهرام رسم بعض ملامح السياسة الأمريكية في عالم ما بعد حكم بشار الأسد من واقع مقابلات مكثفة وواسعة بخبراء وباحثين وسياسيين في واشنطن.

الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد سقوط بشار الأسد هو مادة مثيرة للتحليل وبناء السيناريوهات بشأن مستقبل سوريا والمنطقة, إلا أن هناك حقيقة ماثلة لا تعي خطورتها الكتابات الغربية والعربية وهي خليط المذاهب والأعراق في المجتمع السوري والذي يجعل منها البلد الأكثر عرضة للتوترات الدينية والعرقية العنيفة فور سقوط النظام الحاكم في دمشق, وفي المقابل, لم تشهد دول الربيع العربي الديمقراطي ـ مصر وتونس وليبيا واليمن ـ قدر التشابك وإختلاط الأوراق علي الطريقة السورية حيث التداخل بين الطوائف الدينية لا مثيل له من السنة والشيعة والمسيحيين والعلويين والأعراق من الدروز والأكراد والعرب, حيث سيكون التحدي الحقيقي هو كيفية الوصول إلي توافق في العملية الإنتقالية بعد إنتهاء الاقتتال الداخلي, ناهيك عن فرص طي صفحة الماضي لبناء مجتمع جديد خال من تراث التسلط والديكتاتورية يحقق المساواة للجميع, وتحظي تلك التشابكات والتعقيدات علي الساحة السورية بإهتمام متزايد علي الساحة الأمريكية, والغربية بشكل عام, لأنها يمكن أن تصبح برميل البارود لتفجير الأوضاع بين الطوائف والأعراق وربمــا تدفع قوي بعينهـــا ســــيناريو الإنقسام إلي التحقق لإنجاز مصالحها ومنها زيادة مساحة تمزيق الخريطة العربية إستغلالا لتعثر مسار التحول الديمقراطي في عدد من الدول وصعوبة التوافق بين القوي المؤيدة لبناء دول حديثة مدنية من جانب وبين أصحاب المشروع الإسلامي من جانب آخر.

في السياق السابق, أدلي الجنرال مارتن ديمبسي رئيس قيادة الأركان الأمريكية المشتركة بحوار تلفزيوني, لإحدي الشبكات الكبري يوم الجمعة الماضي, يفتح جدلا حقيقيا حول الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط في تلك المرحلة الحرجة التي يتم فيها دعم التغيير في سوريا والضغط علي إيران من أجل القبول بإنهاء البرنامج النووي المثير للجدل, فقد قال الجنرال ديمبسي للمذيع الشهير تشارلي روز: أن مصر سوف تصبح أكثر أهمية للإستراتيجة الأمريكية في الشرق الأوسط بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وتشكيل حكومة سنية في دمشق. واوضح المسئول العسكري الأمريكي أنه عندما يسقط الحكم في سوريا, سوف تجري عملية تشكيل حكومة ذات أغلبية سنية, وهو ما يمكن أن يعني إكتمال قوس سني يقف في مواجهة العالم الشيعي بقيادة إيران. وقال ديمبسي عندما يظهر لديك هذا النوع من قوس عدم الاستقرار, فإن مصر ستصبح لاعبا مهما حقا في هذا المجال. لذلك من المهم حقا بالنسبة لنا الاستمرار في بناء العلاقة مع مصر الناشئة. ما جاء علي لسان المسئول الأمريكي يشير إلي أن هناك إستراتيجية تحسب لإكتمال القوس السني SUNNIARC في المنطقة العربية في حال صعود القوي الإسلامية إلي السلطة في دمشق, وظهور هلال من الدول التي يحكمها إسلاميون من سوريا إلي مصر وليبيا وتونس والمغرب ويكون القوس الجديد-حسب تلك الرؤية الأمريكية مدعوما من بعض دول الخليج العربي رغم التنافر الواضح بين أحزاب الإخوان المسلمين ودول الخليج العربي في الوقت الراهن, ومع التشابك العقائدي في سوريا وخلق مساحات جديدة من التوتر بين السنة والشيعة يصبح السيناريو الأقرب هو صدام بين مصالح القوي السنية في دول الربيع الديمقراطي العربي ومصالح الدولة الإيرانية التي ستفقد حليفا مهما للغاية في دمشق وستصيب الضربة حزبا فاعلا مواليا ـ حزب الله ـ علي الساحة اللبنانية مما يرجح أن تضغط طهران لبناء تحالف أقوي مع السلطة في بغداد فيما يمكن تسميته بـ الهلال الشيعي للوقوف في وجه القوس السني في منطقة الشام وشمال إفريقيا. وقد ظهرت بوادر الخطر من صدام القوس والهلال في خشية السعودية من تداعيات الأزمة السوية علي الوضع في مملكة البجرين وتحركها لإيجاد تسوية بين الحكومة والمعارضة خشية تأثير الموقف في سوريا علي شرق البلاد حيث توجد نسبة معتبرة من السكان الشيعة, فضلا عن التوتر الكردي في سوريا والعراق وتلويح قيادات الإكراد في شمال العراق بإعلان دولتهم المستقلة, ويري عدد من الخبراء أن التصعيد بين القوس والهلال ربما يكون عربونا للتوافق بين الأنظمة الحاكمة في الخليج العربي والأحزاب الإسلامية في دول الربيع الديمقراطي ـ خاصة جماعة الإخوان المسلمين ـ والتي تنظر إليها دول الخليج بتوجس من نواياها ورغبتها في تصدير أفكارها ودعم التغيير خارج حدودها, وهناك إحتمال أن تضغط دول الخليج لتحجيم صعود تلك القوي الجديدة من خلال وقف التصعيد مع طهران بما لا يوجد مبررا لبناء تحالفات مع الإسلاميين الجدد شريطة إيجاد حل للأزمة الإيرانية يجنب الخليج الثمن الباهظ لحرب إسرائيلية ضد طهران, في ضوءالفرضية الأولي للسيناريو السابق, يمكن أن يتحول القوس السني المؤلف من أحزاب إسلامية حديثة العهد بالعملية الديمقراطية, وتسعي لبناء دعائم قوية للحكم من خلال الشركاء الإقليميين والدوليين وفي مقدمتها الولايات المتحدة, وسيلة لرفع درجة التوتر مع طهران سياسيا وربما عسكريا في المستقبل دفاعا عن الأمن القومي العربي ولمواجهة التهديدات الإيرانية لدول الخليج في مرحلة شديدة الدقة في ظل تطورات البرنامج النووي الإيراني وتلويح إسرائيل بشن عملية عسكرية ضد المنشآت الإيرنية في أقرب فرصة وهو ما تتحفظ عليه الولايات المتحدة وتري أن الوقت غير مناسب لتلك العملية التي يمكن أن تقلب أوضاع المنطقة رأسا علي عقب وتصيب الإستراتيجية الأمريكية في مقتل والأهم أن مشاركة إسرائيل في عملية ضد إيران سوف يخلق اصداء عنيفة في المنطقة العربية, خاصة بين الشيعة العرب في دول الخليج والعراق وسوريا ولبنان وربما ردود فعل غير محسوبة من عواصم عالمية كبري مثل موسكو وبكين ترتبط بمصالح مع كل الأطراف سواء مع إيران أو دول الخليج, وأيضا إسرائيل, وربما تسعي القوي الأخري إلي الإقتناص من النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط خاصة روسيا, وتوصيف الجنرال ديمبسي للحالة الراهنة في المشرق العربي وإمتداد التوصيف إلي مصر وشمال إفريقيا يدفع النقاش الأمريكي الداخلي في إتجاه مساعدة القوي السنية الجديدة ـ مؤلفة من غالبية الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التي فازت في الإنتخابات البرلمانية في تلك الدول ـ التي يمكنها الوقوف في مواجهة عالم شيعي تقوده إيران وهو تصور قد يخدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الشهور الثمانية قبل الإنتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر ويخفف عن كاهله الدعاية السلبية التي تتهمه بالإضرار بمصالح أمريكا وإسرائيل بتأييده الإطاحة بأنظمة تقليدية حليفة في المنطقة العربية لمصلحة قوي إسلامية تظهر العداء للولايات المتحدة وحليفتها في الشرق الأوسط دون وجود قوي بديلة جديدة مقربة من واشنطن. وربما تبني الولايات المتحدة تحركها الجديد علي نتائج الأزمة السورية والمواجهات بين الطوائف والجماعات المختلفة ودور الإخوان المسلمين في ترتيبات ما بعد إنتهاء حكم الأسد ومقدار عدم الإستقرار الذي سيخلفه الصراع الحالي في ربوع المنطقة ومدي تأثر إيران بفقدان حليف تاريخي والتوتر في لبنان علي خلفية سقوط الأسد. في السيناريو السالف, تلمح المؤسسة العسكرية الأمريكية إلي أهمية مصر في بناء ترتيبات جديدة دون أن تفصح عن تفاصيل أكثر في شأن كيفية إعادة رسم علاقات جديدة مع القاهرة تعوض غياب الحليف السابق, في سياق الجدل الداخلي في أمريكا أيضا, لا يعني إتجاه الولايات المتحدة إلي تدابير جديدة بشأن إستهلاكها من الطاقة والوقود لتخفيف الإعتماد علي الشرق الأوسط إنسحابا أمريكيا من المنطقة وتخففها من إلتزاماتها الأمنية في الخليج العربي لأسباب عديدة أهمها تعهدها بضمان أمن إسرائيل والإمساك بمفاصل النظام الدولي بتأكيد وجودها في منطقة الخليج وحماية صادرات النفط للأسواق العالمية لتجنب أزمات إقتصادية كبري والبقاء قرب مناطق وجود شبكات الإرهاب الدولي التي مازالت تعمل ضدها, خاصة في أفغانستان.

من المبكر الحكم علي تصريح الجنرال الأمريكي الرفيع المستوي وما إذا كانت تلك تصورات أمريكية للمستقبل أم هي سيناريوهات معدة سلفا لمرحلة ما بعد بشار الأسد إلا أن سيناريوهات التعامل مع الإسلاميين في المشرق العربي وشمال إفريقيا ووجود دولة ولاية الفقيه في إيران, بعلاقات متوترة مع الغرب, تغري بظهور سيناريو جديد يخدم مصالح القوي العالمية, ويغرق المنطقة في مواجهات تستنزف طاقتها ولا يساعد في إتمام عمليات التحول الديمقراطي المتعثرة في دول الربيع العربي أوتحديث المجتمعات بما ترغبه شعوبها, وهو ما سيعيد عقارب ساعة التاريخ في الشرق الأوسط مائة عام إلي الوراء تقريبا! فيض من الأسئلة يحتاج إلي إجابة حول السياسة الأمريكية في المنطقة وكيف تبني شبكة تحالفات جديدة, وموقف الإسلاميين والقوي الثورية من الصراع المحتمل ومدي إمكانية إندلاع برميل بارود طائفي جديد يفوق ما حدث في العراق قبل سنوات قليلة, وغيرها من التساؤلات التي لا تنتهي في المنطقة الخطرة!


المصدر : الاهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق