السبت، 31 مارس 2012

فى ظل ازمة الجمعية التاسيسية: قراءة فى الدساتير المصرية







مصر من أولي الدول التي عرفت الدساتير ونظم الحكم القانونية حيث صدر أول دستور مصري عام‏1822‏ في عهد الخديو توفيق‏..‏أي منذ‏130‏ عاما وقت اختيار أول مجلس نيابي مصري‏. وما بين ذلك الدستور ودستور1971 وهو الدستور الأخير لمصر جرت مياه كثيرة وصدرت دساتير متعددة أبرزها دستور1923 ودستور1954,
صورة جماعية لاعضاء لجنة دستور 1923
صورة جماعية لاعضاء لجنة دستور 1923

وفي كل الأحوال كان التطبيق هو المشكلة..أما الآن فالشعب المصري كله بكل طوائفه وفئاته وأطيافه السياسية في انتظار الدستور الجديد لكي يكون نقطة للانطلاق نحو بناء دولة ديمقراطية حديثة.
قضية الأسبوع فتحت ملف الدساتير المصرية وأعادت قراءتها لكي نستفيد من مزاياها ونتجنب عيوبها.


على ماهر رئيس الوزراء فى اجتماع بمنزله مع عبد الرزاق السنهورى و الرئيس محمد نجيب و عبد الناصر
دستور23..اللجنة التي شكلها الملك فؤاد لإعداده واجهت اعتراضا شديدا
تحقيق:غادة عبدالله
يعتبر دستور23 هو أول دستور أدخل النظام البرلماني كنظام لحكم البلد..ومن المصادفة أيضا أن تشكيل لجنة إعداد دستور23 لاقت اعتراضا من الأحزاب الثلاثة الكبري في ذلك الوقت حيث كانت اللجنة من اختيار الملك فؤاد ومكونة من32 عضوا.
وعلي رغم أن هذا الدستور كان يحتوي علي قدر كبير من الحريات الفردية إلا أنه خلا من اقرار اي حقوق اجتماعية واقتصادية للطبقات الفقيرة.
في البداية يقول الدكتور جابر نصار أستاذ القانون الدستوري ووكيل كلية الحقوق جامعة القاهرة إن دستور23 وضعته لجنة مشكلة من32 عضوا منهم رئيس ونائب بالاضافة إلي ثلاثين عضوا وتم تشكيلها بقرار من الملك فؤاد واعترض علي تشكيلها أكبر ثلاثة أحزاب آنذاك وهي الحزب الوطني الذي أسسه مصطفي كامل وحزب الأحرار الدستوري وحزب الوفد.
وهذة اللجنة كانت تتشكل من أطياف متعددة من الشعب المصري فكان يمثل فيها اليهود والمسيحون والمسلمون وكانت هذة اللجنة بها ميزة أساسية أنها لجنة فنية مستقلة ولكن كان يعيبها أنها لم يكن فيها تمثيل للمرأة ولا للعمال ولا للفلاحين ولذلك هذا الدستور جاء بنظام برلماني يقوم علي وجود رأسية للسلطة التنفذية وهو الملك ورئيس الحكومة, ولأنه ينص علي استقلال السلطة القضائية.
ويؤكد الدكتور عصام زناتي عميد كلية الحقوق جامعة أسيوط أن دستور1923 يعبر عن فترة زمنية مختلفة عن الواقع الحالي حيث نشأ الدستور في إطار نظام ملكي وأسس للملكية الدستورية وأنشأ نظاما برلمانيا فالجمعية التأسيسية التي وضعته كانت مختارة وليست منتخبة وكان معظمهم من الأغنياء والنبلاء من كبار رجال الدولة وبالتالي لم يجئ الدستور ليعبر عن فكرة العدالة الاجتماعية ولادور الدولة وإنما كان يؤسس لنظام رأس مالي سواء في شقه الاقتصادي أو شقه الاجتماعي وما يحسب لدستور23 أنه أسس نظاما برلمانيا قائما علي فكرة البرلمان المنتخب وحكومة مسئولة وهذا من مميزاته أنه أعطانا نموذجا ديمقراطيا ولكن في وقت لم يحقق الاستقرار السياسي في مصر لان عمر الحكومات بها قصير وسلطة الملك لحل البرلمان كانت مطلقة وكان يتم استخدامها وكان اتجاه الحكومات الأقلية لتأليف الحكومات فكانت تجربة غير ناضجة استبعدت حزب الوفد من العملية السياسية بتزوير الانتخابات حتي في فترة دستور1923 لم يكن الوفد صاحب الأغلبية دائما في السلطة بل كان يتم تكليف أحزاب الأقلية لتشكيل الحكومة, وما يحسب لدستور1923 أنه أسس للدولة المصرية, حيث أسس السلطات واعتمد مبادئ أساسية في نظام الحكم البرلماني وصنع فصلا بين السلطات.
ويري الدكتور أيمن أبو حمزة أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة طنطا أن الآراء الفقهية اختلفت بشأن كيفية نشأة دستور1923 حيث يري البعض وعلي رأسهم رجال حزب الوفد القانونيون أن دستور1923 صدر في صورة عقد واستند أنصاره إلي ماجاء بالدستور من أن الأمة مصدر السلطات والقسم المتبادل الذي أقسمه كل من الملك وأعضاء البرلمان علي احترام أحكام الدستور عند افتتاح الدورة البرلمانية الأولي, وقد جانب هذا الاتجاه الصواب لعدة أسباب منها أن الشعب لم يعلن قبوله لهذا الدستور بل إن الواضح أن حزب الوفد الذي كان يمثل أغلبية الشعب في تلك الفترة رفض أن يسهم في وضع الدستور والاتجاه الثاني يري أن الدستور المصري لسنة1923 له طبيعة خاصة في إصداره فهو لا يعتبر قد صدر بأسلوب المنحة أو بأسلوب العقد ويستند هذا الاتجاه علي مركز مصر الموضوعة تحت الحماية في تلك الفترة ويري أن إصداره كان نتيجة تطورات أو ظروف خارجة عن إرادة الملك صاحب السلطة الشرعي في البلد, فقد صدر بناء علي رغبة الاحتلال البريطاني لمصر حيث اضطرت بريطانيا إلي الموافقة علي إصداره نتيجة ثورة الشعب ضد الحماية البريطانية,


دستور54لم ير النور
تحقيق:كريمة عبدالغني

دستور1954 تم إعداده بعد ثورة يوليو من لجنة مكونة من خمسين لأبرز الشخصيات السياسية والثقافية والقضائية والعسكرية برئاسة رئيس الوزراء أنذاك علي ماهر, وصاغ مواد الدستور الفقيه الدستوري عبدالرازق السنهودي مع مجموعة من الفقهاء في هذا الوقت, وعندما قدمت مسودة الدستور إلي مجلس قيادة الثورة تم تجاهلها وأهملت ولم تستخدم إلي الآن, ويري العديد من فقهاء الدستور ان دستور54 انفرد بنصوص لم ترد في الدساتير المصرية الأخري ومنها نص المادة19 بإلزام الدولة بالتعويض عن أخطاء العدالة اذا تم تنفيذ العقوبة بناء علي حكم نهائي ثبت خطؤه.
وكذلك نص المادة20 علي حظر المحاكمة أمام محاكم خاصة أو استثنائية وحظر محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية ونص المادة22 بحظر دخول الشرطة المنازل إلا بإذن القاضي.
كما ينفرد دستور54 في المادة26 منه علي عدم تغيير إصدار الصحف والمطبوعات بترخيص كما تميز دستور54 بين الدساتير المصرية بإقرار حق العمال في الإضراب في حدود القانون كما انفرد بنص صريح يحظر علي المشرع إصدار قوانين لتنظيم ممارسة الحقوق.
ويؤكد الدكتور ثروت بدوي الفقيه الدستوري أن مشروع دستور54 لم يؤخذ به لأنه لا يتفق مع توجهات الرئيس جمال عبدالناصر, فدستور54 يمكننا الأخذ به فعلي الأقل90% من هذا الدستور يقيم نظاما برلمانيا حقيقيا, لأن النظام البرلماني هو الوحيد الذي يصلح لإقامه حكم ديمقراطي. ويري بدوي أن دستور54 لا يوجد به عيوب, أما الدكتور محمود كبش أستاذ القانون الدستوري فيري أن دستور54 قريب جدا من دستور1971 والذي نقل عنه ماعدا بعض مواطن العوار التي أضيفت في مراحل لاحقة عليه, ويؤكد كبش أن دستور54 كان يقيم توازنا دقيقا ومعقولا بين سلطات الدولة المختلفة سواء كانت التشريعية أو التنفيذية أوالقضائية, وبالرغم من هذا لم يقرر هذا الدستور لسلطات استثنائية للسلطة التنفيذية في هذا الوقت, لأن مواد هذا الدستور كانت تحد من اختصاصات السلطة التنفيذية والتي يترأسها رئيس الجمهورية وتم عمل دستور مؤقت حين عمل دستور دائم.1971
ويؤكد كبش أن السنهوري ووحيد رأفت كانا يقصدان عند وضع الدستور أن يكون متواكبا مع دساتير الدول المتحضرة آنذاك ولم تكن هناك ضغوط وتيارات سياسية تطالب بأمور معنية.
أما المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية فتري أن دستور54 علي عكس كل الآراء التي تشيد به, لا يمكن استدعاؤه أو الاستفادة منه في تلك المرحلة, لأنه يعبر عن دستور ليبرالي يعكس الأوضاع التي كانت سائدة في بداية ثورة يوليو وبالتالي فهو لا يعكس التطور الاجتماعي والسياسي للمرحلة الحالية لأن هناك تغيرات جذرية في شكل الدولة المصرية ومؤسساتها وآلياتها, بالإضافة إلي تغير في شكل الطبقات الاجتماعية في المجتمع المصري.
وتضيف الجبالي أنه قد يكون مفيدا في استدعاء الحقوق والحريات العامة والقيم الليبرالية السياسية.. لكنه لن يكون معاكسا لاحتياجاتنا الاجتماعية والاقتصادية في هذه المرحلة.
وتري الجبالي أن دستور54 جزء من رصيد التاريخ الدستوري للشعب المصري يمكن أن يستفاد ببعضه لكنه لا يكفي دستورا مكتملا في هذه المرحلة.


السادات يدلى بصوته فى الاستفتاء حول دستور 1971

دستور71 ليس كله شرا
تحقيق:راوية الصاوي

هكذا أكد خبراء وفقهاء القانون الدستوري برغم أن الدستور نص علي صلاحيات واسعة وبلا حدود لرئيس الجمهورية وأخذ بفكرة التنظيم السياسي الواحد إلا أن النصوص الخاصة بالحريات العامة والحقوق ليست سيئة بل جيدة إذا تم الالتزام بتنفيذها والعمل بها, كما أن الأبواب الخاصة بالمبادئ الأساسية للمجتمع من أفضل ما فيه, وللأسف فإن تعديلات السادات حينما فتح الحدود الرئاسية, وبعدها أدخل مبارك.
يري الدكتور أنور رسلان أستاذ القانون الدستوري وعميد حقوق القاهرة سابقا أن القاعدة العامة في وضع الدستور أن يكون معبرا عن آمال وتطلعات الشعب الذي وضع هذا الدستور لتتم رؤية عميقة وثابتة لأوضاعه وعلاقاته الاجتماعية, وتشمل المجتمع بكل طوائفه واتجاهاته.
وبالنسبة لدستور1971 فينتقد في أنه أقام نظاما جمهوريا قرر فيه سلطات واسعة, لرئيس الدولة دون أن يضع كل الطموحات الدستورية التي تمنع من الانفراد بالسلطة وإعطاء دور شكلي من الناحية العملية للمؤسسات الدستورية وفي مقدمتها البرلمان ممثلا في مجلس الشعب.
العيب الثاني والجوهري في تقدير الدكتور أنور رسلان هو أخذ الدستور عند وضعه بفكرة التنظيم السياسي الوحيد, وبالتالي عدم السماح بتعدد الأحزاب مما أدي إلي احتكار السلطة فصحيح أن الدستور قد تم تعديله في فترة لاحقة وسمح بقيام الأحزاب السياسية إلا أن الممارسات التطبيقية كانت تتم بعقلية احتكار السلطة وتطبيق معطيات التنظيم السياسي الوحيد ولكن أقول حقا وصدقا إن نصوص الحقوق والحريات العامة في الدستور1971 ليست سيئة بل هي نصوص جيدة ولكن اسيء تطبيق البعض منها ولم يطبق البعض الآخر مما أدي إلي عدم الكفالة الكاملة لهذه الحقوق والحريات.
وأضاف ان يتمني أن يصدر الدستور محافظا ما يكفل حقوق المواطنين جميعا وأن يمكن السلطات من ممارسة اختصاصاتها بفاعلية خاصة السلطة التشريعية ودورها الرقابي علي أعمال السلطة التنفيذية بجميع أعضائها بما في ذلك رئيس الجمهورية.
وأشار إلي ان ما يتم من مناقشات بمناسبة تشكيل الهيئة التأسيسية لوضع الدستور في مناقشة جيدة ومفيدة لأن الدستور بما أنه لكل المصريين فيجب أن يشارك في وضعه أيضا ممثلون بجميع فئات الشعب المصري ولا تسيطر عليه أحزاب أو تكتلات تحاول فرص اتجاهاتها, فالدستور لمصر أولا ولجميع أفراد الشعب المصري بكل ميوله واتجاهاته المختلفة, وأتمني أن يصدر الدستور محققا كل طموحات الشعب.
ويؤكد الدكتور يسري العصار استاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة أن من أهم مميزات الدستور1971 الأبواب الخاصة بالمبادئ الأساسية للمجتمع والباب الخاص بسيادة القانون والحريات والحقوق فكل القوي السياسية متفقة علي الحفاظ علي هذا المكتسب والمهم تفعيلها.
أما ما يحتاج لتعديل في هذا الدستور فهو باب اختصاصات رئيس الجمهورية لوجود عدم توازن بين السلطات لصالح رئيس الجمهورية.


دستور 2012 

دستور2012 الحائر بين الحكام
تحقيق:محمود القنواتي

يمر هذا العام130 عاما علي صدور أول دستور مصري عام1882 بعد نضال طويل استمر من1805 وحتي عام صدور الدستور في عهد الخديو توفيق وهو يمكن الحاكم من السلطة المطلقة ولم يدم هذا الدستور طويلا حيث ألغاه الاحتلال الإنجليزي وظلت مصر بلا دستور حتي أبريل1923 بعد جهاد مرير والذي انعقد بناء عليه أول برلمان مصري في منتصف مارس1924 وظل هذا الدستور الملكي المشوه والملئ بالثغرات قائما حتي ألغته الثورة لكن كانت هناك محطة أوقفته مؤقتا حيث ألغي في أكتوبر عام1930, لكن بعد5 سنوات من إلغائه تم إفاقة دستور1923 من غيبوبته وعاد العمل به مجددا حتي ديسمبر1952 بعد ثورة يوليو أو الانقلاب العسكري كما يسميه البعض.
ويقول المستشار محمود العطار نائب رئيس مجلس الدولة إن دستور1971 المعطل حاليا هو من أفخر الدساتير التي صدرت في مصر, وقد وضع قبل الرئيس السابق بتسع سنوات, وفي بداية حكم السادات, حينما أعلن عن شعار الديمقراطية وقام بهدم السجون بيده وتم وضعه بمعرفة نخبة من أفضل علماء القانون في مصر, ووفقا لمبادئ هذا الدستور أخذت منا الدول العربية مبادئ وأحكام هذا الدستور ومعظم الذين يطالبون بتعديله لم يطلعوا عليه, وفي فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك تم ادخال تعديلين علي هذا الدستور عام2005 والاخر2007 إلي جانب تعديلات عام.1980
يرفض المستشار محمود العطار فكرة النظام البرلماني لأن وظيفة مجلس الشعب هي الرقابة والتشريع, وإذا قامت أغلبية البرلمان بتشكيل حكومة سواء بمفردها أو بالائتلافات فإن البرلمان سيفقد دوره الرقابي, أما عن دوره التشريعي فإن القوانين التي يريدها البرلمان سوف تمررها له الحكومة, من هنا سيحد من دور البرلمان التشريعي, وهذا ما حذر منه فقهاء القانون الكبار, أما النظام الرئاسي فهو يتضمن سلطات كبيرة للرئيس ويجعله مستقلا عن البرلمان والمبدء العالمي في هذا الشأن هو الفصل بين السلطات, وأن كل سلطة توقف الأخري عند حدها.
ويري أن أفضل النظم هو المزج بين النظامين الرئاسي والبرلماني, فيكون للبرلمان باعتباره السلطة التشريعية سلطة علي الحكومة تبدأ من حق السؤال ثم الاستجواب ثم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق وممكن أن ينتهي الأمر بسحب الثقة من الحكومة ومقابل هذا تستطيع السلطة التنفيذية أن تؤثر علي البرلمان فهي التي تجري الانتخابات أساسا وتدعو البرلمان للانعقاد, ويمكن أن تصل هذه السلطة الي حد حل البرلمان, وفي تبادل السلطات, وتأثير كل منها علي الأخري يحقق التوازن الرشيد, وفي هذا الصدد لا يمكن اللجوء للحلول الجزئية التي تخل بالتوازن, وهذا التأثير المتبادل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يمثل في مجموعه التوازن الرشيد ولا يسمح بتغول سلطة علي الأخري. أما بالنسبة لتحديد سلطات رئيس الجمهورية, فالأمر يحتاج الي عدم حدوث تخفيض كبير في سلطات رئيس الدولة ولا نخشي من ظهور فرعون جديد لأن البرلمان المصري سيكون برلمانا قويا لمدة40 سنة علي الأقل, ولذلك أنسب الصور الدمج بين النظامين هو الذي يحقق التوازن الرشيد ويحافظ علي المصالح العليا للشعب المصري.


المصدر : الاهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق