الأربعاء، 28 أبريل 2010

‮"‬عصافير النيل‮" .. ‬شاعرية المهمشين في‮ ‬ممر معتم‮ ‬


عاشقان في ممر معتم‮ ‬يبحث كلاهما عن الاخر لسنوات عجاف ويلتقيان فقط ليجترا سنواتٍ‮ ‬من الحلم والألم‮ . ‬بهذا المشهد‮ ‬يعلن المخرج مجدي احمد علي عن ميلاد جديد لـ"عصافير النيل‮" ‬التي حملت رؤية قاتمة لوطن ضائع‮ . ‬والشعور الذي قد‮ ‬ينتابك بعد مشاهدة فيلم موجع كعصافير النيل التي حلقت من سماء ابراهيم اصلان المليئه بالدهشه والنابضة بالشجن والبهجة في آنٍ‮ ‬واحد،‮ ‬لتهبط أمام كاميرا مجدي احمد علي‮ ‬‭, ‬هو شعور بلذة الألم التي تستعذب معها مواجعك حينما تدرك ماهيتها‮ . ‬ ولاننا نتعاطي السينما فيجب ان نغوص في الصورة التي رسمها مجدي احمد علي معتمداً‮ ‬علي سيناريو‮ ‬يتعامل بحس شاعري مع مدينة قادرة علي اغتيال براءة ساكنيها دون حتي ان‮ ‬يدركوا ما شوهته بداخلهم من ملامح‭ ‬فالعمل الذي قد‮ ‬يبكيك كما‮ ‬يستضحكك‮ ‬يعبر عن حاله فقدان الهويه التي‮ ‬يعاني منها المجتمع بأكمله لا مجتمع‮ "‬فضل الله عثمان‮" ‬الذي لم‮ ‬يكن حاضراً‮ ‬بنفس حضور شخصياته التي ساهمت في تقوية هذا الشعور بنقلات درامية ناعمة لنصل في المشهد الاخير الي نتيجة صادمة هي اننا لا نعرف طريقاً‮ ‬للوطن الذي نعيش علي ارضه ولكننا نبحث عنه لعدم شعورنا بالانتماء الي هذه الجثة الهامدة التي ما زالت اشلاؤها فريسة بين أنياب الجماعات الدينية والنظام البوليسي ليأتي اليسار كبديل‮ ‬يعول عليه النص لإصلاح ما افسده تطرف القوتين رغم عدم ذكره صراحة ولكن مجرد الاشارة الي بغض الجماعات الدينية لشخصية‮ "‬عبد الله‮" ‬يشير الي طبيعتها‮ . ‬ وشخصيات عصافير النيل علي اختلافها رسمت بحرفية عالية ولكنها اشتركت في كونها شخصيات تنتحل الحياة ولا تعيشها حقا حتي شخصية عبد الرحيم التي جسدها فتحي عبد الوهاب بمهارة وحرفية ليست جديدة عليه لا‮ ‬يمكن اعتبارها شخصية تحب الحياة ولكنها شخصية تبحث عما تحبه ولا تجده ليمرضها الواقع قبل ان‮ ‬يلتقي البطل بمن‮ ‬يحب وقد نال منهما المرض قبل ان‮ ‬يعيشا‮ . ‬كذلك شخصية الرائعة دلال عبد العزيز والمخضرم محمود الجندي فالاولي تخشي الظلام ولكنها تموت فيه والثاني‮ ‬يتقلد سيف هاملت ويردد عبارته الاثيرة‮ "‬اكون او لا اكون‮" ‬ويموت ايضاً‮ ‬دون ان‮ ‬يحظي بالعدل الذي‮ ‬ينشده لتؤكد الشخصيات علي اظهار السيناريو لشاعرية المهمشين التي امتهنتهم السينما في سنواتها الاخيرة‮ . ‬والي جانب تميز فتحي عبد الوهاب في التعبير عن ملامح شخصيته الفريدة تستحق عبير صبري لقب ممثلة للمرة الاولي منذ سنوات ويخرج الجندي ودلال عبد العزيز خارج التقييم بعد مباراة متكافئة في الاداء كما‮ ‬يتميز احمد مجدي ورامي الطمباري ومشيرة احمد ومني حسين وانتصار حسن ومها صبري وضيوف الشرف عزت ابو عوف ومريم حسن ولطفي لبيب والفت امام وحلمي فودة‮. ‬ويجب ان نشير الي تميز كاميرا رمسيس مرزوق والاضاءة الخافتة التي سيطرت علي المشاهد الداخلية وعبرت عن مشاعر الشخصيات والقيود التي تحاصرها كما ارتقت موسيقي راجح داوود بالعمل واضافت اليه مزيداً‮ ‬من الشاعرية كذلك مونتاج احمد داوود الذي حافظ علي وحدة الايقاع رغم تعامله مع اكثر من مستوي زمني‮ . ‬ورغم جاذبيه العمل الا ان هناك بعض المشاهد التي اثقلته بالاضافة الي الاعتماد علي الراوي في بعض المناطق التي كان من الممكن للصورة ان تتسيد المشهد‮ . ‬ وقد تبدو الرؤية معتمة كالممر الذي افتتح به مجدي احمد علي فيلمه ولكنه اختار نهاية اخري لعصافير النيل اكدت الطابع البوليسي للدولة وحالة الفرار التي‮ ‬يعيشها المواطن علي ارضه ولكنه لم‮ ‬يقتل بطليه بمرضهما المزمن ليترك بارقة امل لشفاء مستحيل او لفجر قد تشرق شمسه بعثور الجدة علي بلد تبحث عنه ولا تجده‮ .
الوفد - محمد شكر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق