الخميس، 29 أبريل 2010

خواطـــر سينمائيــة .. الديماجوجية تكتسح العقل



(‏ديماجوجيا‏)‏ من اليونانية ديما من ديموس أي الشعب وجوجيا من أكين اليونانية وتعني‏(‏ قاد‏/‏ قيادة‏)‏ وهي إستراتيجية لإقناع الآخرين بالأستناد علي مخاوفهم وأفكارهم المسبقة‏.‏ ويشير المصطلح
إلي إستراتيجية سياسية للحصول علي السلطة والمكسب للقوة السياسية من خلال مناشدة المشاعر الشعبية معتمدين علي مخاوف وتوقعات الجمهور المسبقة‏,‏ عادة عن طريق الخطابات والدعاية الحماسية مستخدمين المواضيع القومية والشعبية‏.‏أما اليوم فهي تدل علي مجموعة الأساليب والخطابات والمناورات والحيل السياسية التي يلجأ إليها السياسيون لإغراء الشعب أو الجماهير بوعود كاذبة أو خداعة وذلك ظاهريا من أجل مصلحة الشعب‏,‏ وعمليا من أجل الوصول إلي الحكم‏.‏ وقد اعتاد الكثير من السياسيين اللجوء لاستخدام أساليب السفسطة واللعب علي مشاعر ومخاوف الشعوب‏.‏ وعليه فهي خداع الجماهير وتضليلها بالشعارات والوعود الكاذبة‏.‏ والديماجوجية هي موقف شخص أو جماعة يقوم علي إطراء وتملق الطموحات والعواطف الشعبية بهدف الحصول علي تأييد الرأي العام استنادا علي مصداقيته‏.‏ والديماجوجي هو الشخص الذي يسعي لاجتذاب الناس إلي جانبه عن طريق الوعود الكاذبة والتملق وتشويه الحقائق ويؤكد كلامه مستندا إلي شتي فنون الكلام وضروبه وكذلك الأحداث‏,‏ ولكنه لا يلجأ إلي البرهان أو المنطق البرهاني لأن من حق البرهان أن يبعث علي التفكير وأن يوقظ الحذر‏,‏ والكلام الديماجوجي مبسط ومتزندق‏,‏ يعتمد علي جهل سامعيه وسذاجتهم‏.‏ وتطلق أحيانا علي المتمدنين أي سكان الأرياف الذين سكنوا المدن‏.‏ هذا هو تعريف موسوعة ويكيبديا لمعني كلمة ديماجوجية‏,‏ والتي يمكن أن نلخصها في استخدام الكلمات والخطاب في مداعبة مشاعر متوسطي الثقافة لإيقاف الاستخدام المنطقي للتفكير العقلي‏,‏ والتحليل العلمي لأي ظاهرة‏.‏ هذا المنهج هو أهم أساليب تيارات الفاشية السياسية في تاريخها الطويل منذ بداية ظهورها في القرن العشرين وحتي يومنا هذا‏,‏ وتستخدم مناهج التيارات الدينية المتطرفة نفس المنهج بغرض السيطرة علي مشاعر العامة‏,‏ لدعم التصور السلفي ووضع قدسية زائفة عليه تحول دون نقاشه وتحليله‏,‏ وجعل الخارجين عنه خارجين عن صحيح الدين‏.‏ وكلنا نتذكر موقف شيخ الأزهر الراحل من النقاب والهجوم الذي شن عليه بسبب موقفه‏.‏ وكانت نماذج الأسلوب الديماجوجي متمثلة في الترويج لقيام شيخ الأزهر السابق ــ رحمه الله ـ بمصافحة رئيس الكيان الصهيوني‏(‏ شيمون بيريز‏),‏ وبالتالي أستنتج من هذا أن رأيه في مسألة الحجاب غير سليم بل هي أشارة مستترة لقيامه متعمدا بهدم أحد أهم دعائم الدين الإسلامي‏.‏ هذا القياس الغرض منه إيقاف المناقشة العقلية والعلمية لدعواهم واختصار الرأي العلمي لشخص في مواقف سابقة للشخص قد نختلف معها‏.‏ في نفس الوقت كانت دعاوي و فتاوي مثل أرضاع الكبير وغيرها تواجه التاييد بدعوي أنها صادرة عن شيوخ أجلاء وبالتالي فأن نقد مثل تلك الفتاوي يكون بمثابة امتهان لهؤلاء الرجال الأفاضل‏,‏ هذه الشخصنة للأفكار والرؤي هي أحد أساليب الفكر الديماجوجي‏,‏ والتي تتطلب أن نلتزم بمرجعيتهم في الشخص قبل أن نناقش ما يطرحه من أفكار‏,‏ وأقصد مرجعيتهم بأنهم هم من يحددون من يصلح ومن لا يصلح‏.‏ ومن أساليب الديماجوجية الشهيرة والمعروفة هي تلخيص العالم في قطبية وهمية‏..‏ فعندما نعارض التصور السلفي لوضع المرأة‏..‏ يكون الرد أننا ندعم السفور والتبرج والعري‏,‏ وكأن تلخيص المرأة في كونها أداة للرغبات غير المشروعة هو التصور الوحيد الموجود في الدنيا‏.‏ فقلد ربتنا أمهاتنا ومعلماتنا دون أن يكن منقبات ملثمات‏,‏ وهم في نفس الوقت لم يكن فاجرات خطاءات‏.‏ كما أن الكثيرين من العلماء يرون في أمر المولي عز وجل بأن تغطي المرأة رأسها أثناء مراسم الحج دليل علي عدم وجود فروض محددة علي زي المرأة في الحياة العادية سوي الحشمة‏,‏ أو علي الأقل لا وجود للنقاب وألا لم يكن يتم التخلي عنه في أقدس المراسم لتصبح المرأة‏(‏ سافرة‏)‏ بين يدي الله‏...‏ والله أعلم‏.‏هذا الخلاف هو خلاف علي سلطة ما يسمي برجال الدين الذين لاوجود لهم في الإسلام‏,‏ لكن الخطير فيه هو اتهام المجادلين معهم بشتي التهم‏.‏فيلم‏(‏ أسامة‏)‏ الأفغاني واحد من أهم الأفلام التي ركزت علي وضع المرأة في ظل حكم المتزمتين وعلي بشاعة أن تكون‏(‏ امرأة‏)‏ في عهد طالبان‏.‏وحكايته تبدأ مع امرأة أفغانية تفقد زوجها وعائلها الوحيد فتضطر بسبب الحاجة وضغط الجوع والبؤس إلي دفع الفتاة الوحيدة في العائلة إلي العمل لكسب ما يقيم الأود ويسد الحاجة‏,‏ لكن النظام الطالباني يحظر عمل المرأة‏,‏ صغيرة كانت أم كبيرة‏,‏ لذا تلجأ هذه المرأة إلي الحيلة فتأخذ ملابس زوجها وتمنحها إلي أبنتها الصغيرة كي ترتديها‏,‏ وتدعي من ثم أنها صبي اسمه‏(‏ أسامة‏).‏ وقد سارت الأمور بشكل جيد في البداية وحصلت الفتاة علي عمل يدر لها القليل من المال‏.‏ إلا أن النكسة ستأتي فيما بعد حين تأمر الحكومة بضم كل الصبية إلي المعسكرات الجهادية والمدارس الدينية من أجل تحويلهم إلي مقاتلين‏.‏ والأمر لا يستثني‏(‏ أسامة‏)‏ الذي يدخل عالما خشنا لا يتلاءم مع رقته ونعومته كفتاة‏.‏ فيلم‏(‏ أسامة‏)‏ فاز بثلاث جوائز في مهرجان كان السينمائي عام‏2003,‏ كما أنه حصل علي جائزة الجولدن جلوب عام‏2004,‏ وهو الأكثر تأثيرا حيث عرض حكايته بمنطق وموضوعية رسمت حقيقة وضع المرأة الأفغانية ومدي الظلم الذي حاق بها نتيجة الإجراءات المتعسفة والمتشددة وغير الإنسانية من قبل حكومة طالبان‏.‏ فهذه الفتاة التي خرجت من منزلها من أجل أن تعيش وأن تعيل عائلتها الفقيرة تعرضت لمواقف مشينة وتم تزويجها لعجوز تجاوز الثمانين من عمره من دون إذن عائلتها ومن دون أن يؤخذ رأيها هي صاحبة الشأن‏.‏ ان الأمر هكذا فلقد حكم الشيخ وقضي القاضي وانتهي الأمر‏.‏ عند إثنائنا علي القضية التي يقدمها هذا الفيلم وقدرته في تجسيد مدي التخلف الطالباني في الحكم علي الأمور باسم صحيح الدين‏,‏ نتهم بكوننا من مؤيدي الغزو الأمريكي والهجمة الصليبية اليهودية علي الإسلام‏,‏ وكأن ليس لنا سوي خيارين في هذا العالم لا ثالث لهما‏..‏ اما التخلف الديني أو مساندة التوسع الاستعماري الأمريكي‏..‏ أنها الثنائية المبسطة الناجحة دائما والتي يستخدمها رموز هذا التيار‏.‏ لقد كان الفيلم ابلغ من أي مقال كتب علي وضع المرأة في ظل التطرف‏,‏ وان كنا ندعو لتفتح العقول وفتح باب التجديد وطرح كل القضايا للعقل والحوار‏,‏ فان هذا لا يعني أننا نروج لأي نموذج غربي بديل يتم رسمه للمنطقة والعالم الإسلامي‏,‏ وهو بديل يطرح لأسباب سياسية وليس للصراع الديني فيه أي وجود‏,‏ بدليل مدي قوة العلاقات بين الغرب ونظم دينية متزمتة لقيامها بتحقيق إستراتيجيات الغرب في المنطقة‏,‏ بما فيها نظام طالبان نفسه قبل أن ينقلب عليه الغرب بعد أن أدي دوره‏.

الاهرام المسائي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق