كلما هلت علينا نسمات انتصار أكتوبر 1973 تساءلنا عن سر افتقار الساحة الغنائية لميلاد أغاني جديدة تتناول هذا الحدث وتروى فرحة الانتصار, حتى لكأن الإبداع لدى شعراؤنا وملحنينا ومطربينا توقف, ولم يعد لدى المبدعين جديدا ليقدمونه احتفالا بهذه الذكرى الغالية, ولذلك لجأنا إلى إعادة عرض الأغاني التى نبتت وقت النصر وتغني بها أشهر المطربين في ذلك العصر ونالت شهرة واسعة دون أن تظهر أغاني جديدة على نفس المستوي.
حول أسباب هذا الفقر فى التغنى بانتصاراتنا وبلدنا وإنجازاتنا .. استطلاع آراء عدد من الملحنين والشعراء والمطربين والنقاد عن هذه الظاهرة السلبية.
يرى المطرب محمد ثروت أن هذه الأغاني الوطنية تكون بتكليف من وزارة الإعلام ويضيف: كان يأتينا تكليفات من التليفزيون أو الأذاعة بالاستعداد لتقديم أغنية لنصر أكتوبر أو حدث وطني أخر ثم يقوم الجميع بتحضير الأغنية، وحالياً لم تكلف الوزارة أحدا بتحضير تلك الأغانى, ورغم أن هناك كثيراً من النصوص جاهزة للتلحين والغناء فأن الجهات المنوط بها هذه المهمة لم تكلف أحدا.
يضيف ثروت: لقد قدمت عددا كبيرا من الأغاني الوطنية التي بلغ عمرها 25 عام مثل " بلدي" و "مصر يا أول نور في الدنيا" و"مصريتنا", مشيرا إلى أن المطربين الشباب يجب أن يقدموا هذا النوع من الغناء ولكن بشرط أن تكون فى جودة الأغاني التي سبق وقدمتها الأجيال السابقة عليهم.
يقول المطرب محمد الحلو: الأغنية هي أسرع وأقوي وسيلة فنية للتعبير عن الحدث وشعورنا كجيل بنصر أكتوبر يختلف تماما ً عن شعور الجيل الحالي بالنصر وهذا لا يعني فشل تجاربهم -إن وجدت- مسبقاً.. ولكن الجمهور أصبح واعيا وحساسا وعلى دراية كاملة بالفنان الحقيقي الذى يقدم عملا نابعا من وجدانه ويشعر به المواطن المثقف والعادى ويتفاعلان معه أما الفنان الفالصو فهو عديم الضمير –حسب تعبيره- لأنه يستغل الحدث الوطنى تأليفا أو تلحينا أو غناء ولكن الجمهور لا يشعر به ولا يتفاعل معه.
أما المطرب طارق فؤاد فيرى أن ملازمة الأغاني لوقت الحدث لها وقع السحر فالأجواء الفنية وقت الحرب كانت قوية جداً ومندفعة فنجد مثلاً مطربة مثل وردة وملحن مثل بليغ حمدي وشاعر مثل محمد حمزة يذهبون إلى الإذاعة بعد العبور بساعات لتسجيل أغنية "وأنا على الربابة بغني" بينما أكثر من استوديو كان مشغولا بتسجيل أغاني متعلقة بالعبور وكل من سجل وقتها كان مشحونا ومنفعلا بالحدث ولذا قدم إنتاجا على مستوى الحدث ومازلنا نعيش على أغانى تلك الأيام حتى اليوم.
يضيف: الوضع حاليا أختلف وابتعد المؤلفون عن كتابه أعمال فنية تخص نصر أكتوبر لأنهم لم يعايشوا فرحته ولذلك فإذا قدموا أعمالا سوف شعرية أو غنائية أو لحنية فلن تكون صادقة، ولكن هذا لا يمنع من اجتهاد الأصوات الشابة لتقديم إبداعاتهم لعل وعسى نخرج بإنتاج جيد يكون على مستوى الحدث ويداعب مشاعرنا وتصل قلوبنا.
أكد طارق فؤاد إلى أن فترة السلام التى نعيشها قد تكون سببا فى هذا الفقر ولكن لا قدر الله إذا حدثت حرب فسوف تفجر الطاقات لتقديم أعمال فنية تتدغدغ مشاعرنا مشيرا إلى أن تقديم المطربين العرب لأغاني وطنية تتعلق بنصر أكتوبر أو حب مصر يقدمونها لأن اللهجة المصرية سهلة وبسيطة وتصل لللقلوب بسرعة.
قال طارق: أنا قدمت أغنية "يا مصر نادي أبطال بلادي وقولى حلوة صورة ولادي" عام 1990 وشاركت في أوبريت "أنا من البلد دي" كلمات عبد الوهاب محمد وألحان بليغ حمدي وكلاهما نجح جماهيريا.
أما تفسير الملحن حلمي بكر فكان أكثر واقعية حيث أشار إلى أن السبب الأساسي وراء غياب مثل هذه الأغاني هى الأزمات المالية التي يعيشها المواطن المصري البسيط وتساءل كيف يستطيع شخص مصري بسيط غلبان جائع يجري على كوم لحم أن يلتفت لوجود أغنية لنصر أكتوبر؟..
يضيف: الأغنية الوطنية أصبحت بين شقين اشبه "بفكي الكماشة" أولها الشق السياسي فيما يتعلق بإسرائيل وأمريكا وأفعالهما في المنطقة العربية والشق الثاني يتعلق بارتفاع الأسعار والانتحار الداخلي لذلك فعند قيام فرق عمل بإنتاج أغنية وطنية لابد أن يلتفت إلى ضرورة مواكبة الأغنية للظروف التي يعيشها المواطن المصري وعندما ينجح في حل أزمته سوف يفرح بنصر أكتوبر مضيفا كما يمكنه أن "يعلق على باب بيته علم مصر".
يقول بكر: هناك أغانى لمطربين شباب سوف يقدمونها فى احتفال نصر أكتوبر ولكن المصداقية ستون الفيصل فإذا كانت الأغنية صادقة فستنجح وتضاف لرصيد الأغاني الوطنية وإن لم تصل للقلب فسوف يكون مصيرها "صفيحة الزبالة" وللأسف فالأغاني الوطنية الحالية لا ترقي لمستوى الحدث وتحولت إلى سبوبة وأصبح الاحتفال بنصر أكتوبر أو أى حدث وطني وكأنه "دوري السبوبة" وأصبح ما يطلق عليهم نجوم "يمسخوا" حدث تاريخي له قيمة وبالنسبة للمؤلف المبدع فهو يختلف عن "الموستألف" الذي يكلف من شخص ما أو جهة ما بكتابة ما يسمي بأغنية وطنية أو أوبريت وطنى مقارنة ببليغ حمدى الذي قدم أغنية "وأنا على الربابة" خلال ساعات معدودة أو علي إسماعيل عندما قدم "راجعين" ولم يجد وقتها كورالا فاستعان بفراشى الإذاعة ولم يتقاض عنها مليما واحدا فكم يحصل أصحاب "السبابيب" حاليا لقاء أغنية وطنية ممسوخة؟.
وعن قيام المطرب الأماراتي حسين الجسمي بالتحضير لأغنية "السلام عايز سلاح" المقرر عرضها يوم 6 أكتوبر يقول بكر: الجسمى فنان لديه نظرة واقعية وعلى وعي بالوضع العربي لقد زرت الجبهة ثالث يوم في القتال وكان معي وردة وبليغ حمدي ورأينا على الطبيعة فرحة الانتصار الذي كانت فرحته أعلي من أي شىء سواء طعام أو شراب أو عائلة فالجنود كانوا على استعداد للموت ولكن تبقى الكرامة أما الأن فالحكومة تضغط على كرامة المواطن و"تستلطخه" في رفع الأسعار وتفرض عليه رسوم "جباية".
أما إسرائيل فقد تغولت واحتقرت الشعوب العربية وأمريكا بعدما أعلنت عن رغبتها في وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية داخل فلسطين غيرت كلامها وكأن شيئا لم يكن فأين العرب؟.. أنهم صامتون يهتمون بمعدتهم و"المعدة خاوية" وهنا تكمن المشكلة.
يقول الناقد محمد سعيد: هناك نقص واضح في الأغاني التي تتناول نصر أكتوبر المجيد بل وأنا ألوم قطاع الإنتاج الذي ينتج هذا الكم الهائل من الأعمال الدرامية كل عام دون أن تلتفت إلى تقديم ولو لعمل فني واحد عن نصر أكتوبر، وحتى الأفلام التسجيلية التي تتناول الحدث وتعرض في هذا اليوم مظلومة فليس لها جمهور.
أضاف: الأغاني التي قدمت خلال أكتوبر 73 نجحت لأنها كانت صادقة مرت بالحدث وعاشت مفرداته ونبعت منه فقد انفعل وقتها عدد كبير من المؤلفين والملحنين والشعراء واعتبروا الانتصار نقطة انطلاق لمرحلة جديدة فمثلاً عندما نسمع أغنية مثل "الله أكبر فوق كيد المعتدى" التي قدمتها المجموعة ومثل "عبرنا الهزيمة وباسمك يا بلادي تشتد العزيمة" لشادية أو أغنية "خلي السلاح صاحي" تأليف أحمد شفيق كامل وألحان كمال الطويل فأنك تشعر أن الكلمات تجري في دمك وهذا أمر مختلف تماماً عمن قرأ من شباب هذا الجيل عن هذا الانتصار فى كتب التاريخ ومن ثم فتقديم عمل غنائي عن نصر أكتوبر يكون إحساسا ناقصا ولا يصل للمستمع.
يضيف: لو سمعنا جملة "سلاحي في أديّا نهار وليل صاحي ينادي يا ثوار عدونا غدّار" فهي تنبهنا بأخذ الحيطة والحذر من العدو الغدار وعلينا الاستعداد جميعا للوقوف أمامه متسلحين بالقوة والإيمان والعزيمة وهي جمل شعرية في غاية الروعة يصعب على شباب هذا الجيل تأليفها, كما أن مثل هذه الأغاني تعيش ولا تموت مثل غيرها من الأغاني التي يسمعها الشباب ثم ينسوها وينساها المطرب نفسه بعد يومين فمثلاً أغنية مثل "مصر اليوم في عيد" لشادية يحفظها الأطفال الذي لم يتعد عمرهم 6 سنوات ويقدمونها في حفلات المدارس ويرجع هذا لصدقها وإحساسها العالي الذي مكنها أن يصل حتى لطفل لم يعرف شيئا عن الحرب من الأساس، وأنا مثلاً لم أعايش حرب 56 ولكن عندما أسمع أغنية مثال "الله أكبر فوق كيد المعتدى" أشعر أن كل جسدي يهتز كما لو كنت موجود وسط الجنود, أنها عبقرية المؤلف والملحن وإحساس المطرب.
أضاف: أما بالنسبة لشباب المغنيين الذين يعدون أغاني خاصة بنصر أكتوبر ومنهم تامر حسني ومحمد حماقي فأنا اعتبرها تجارب غير موفقه فكيف يعقل أن يقوم شاب مزور ومتهرب من الخدمة العسكرية بتقديم أغاني وطنية وبصراحة "فاقد الشئ لا يعطيه" أما بالنسبة لحماقي فأنا لا أعرف كيف سيؤدي الأغنية ولكن بشكل عام فهؤلاء شباب لا يهمهم سوى المكسب مقارنة بالفنان عبد الحليم وشادية ومحمد الموجي وبليغ حمدي فقد كانوا يتطوعون لتقديم أغانيهم هدية للوطن وخير مثال الفنانة شادية التي قدمت أغنية "أقوي من الزمان" على نفقتها الخاصة ومرت بمراحل التسجيل كاملة دون تدخل من أيه جهة إنتاجية وكان وقتها التليفزيون المصري يمر بأزمة مالية ومع ذلك أخذت على عاتقها أن تقدم هذا العمل الفني المحترم الذى مازال يعيش فى وجداننا حتى اليوم ونتفاعل معها حينما تذاع
محيط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق