الفريق سعد الشاذلي هو رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية أثناء حرب أكتوبر 1973 والمخطط الرئيسي لها، يقدم الشاذلي من خلال مذكراته رؤية شاملة للحالة التي كانت عليها القوات المسلحة قبل الحرب في الفترة ما بين هزيمة يونيو 1967، ونصر أكتوبر 1973 بما تضمنته من إعادة بناء للقوات المسلحة والسلاح الجوي الذي دمر في نكسة 1967.
تشرح المذكرات كافة المعوقات التي واجهها القادة أثناء مرحلة الاستعداد وكيفية التغلب عليها، بالإضافة للمشاكل التي تولدت أثناء الحرب نتيجة للقرارات السياسية التي اتخذت حينها، وقد نشرت المذكرات لأول مرة في مجلة "الوطن العربي" ما بين ديسمبر 78 – يوليو 1979.
لم تتوقف عملية بناء القوات المسلحة منذ هزيمة يونيو 67 حتى أكتوبر 73، حتى وصلت القوات المسلحة في أكتوبر 1973 لمليون ومائتي ألف رجل ما بين ضباط ورتب أخرى.
بدأ الشاذلي عمله رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة المصرية في 16 مايو1971 بدراسة إمكانيات القوات المسلحة الفعلية ومقارنتها بالمعلومات المتيسرة عن العدو بهدف الوصول إلى خطة هجومية تتمشى مع إمكانياتنا الفعلية، وقد أوصلته تلك الدراسة إلى أن قواتنا الجوية ضعيفة جداً مقارنةً بالقوات الجوية للعدو نظراً لتدميرها مرتين عل الأرض الأولى إبان العدوان الثلاثي عام 1956، والثانية في يونيو 67، وبالتالي لا تستطيع أن تقدم تغطية جوية جيدة.بينما كانت تتعادل قواتنا البرية تقريباً مع قوات العدو وعلى الرغم من تفوق مدفعيتنا إلا أن العدو امتلك ميزتي خط بارليف وقناة السويس بما أضافه عليها من موانع صناعية كثيرة شكلت سداً بين قواتنا وقواته.
أما عن القوات البحرية فكانت متفوقة من حيث الكم والكيف على نظيرتها الإسرائيلية، فلم تتحمل خسائر تذكر خلال حرب 67 وبعد أقل من أربعة أشهر منها وجهت قواتنا البحرية ضربة قوية بإغراق المدمرة الإسرائيلية "إيلات"، ولكن نظراً لضعف الغطاء الجوي كانت قواتنا البحرية عاجزة عن الحركة.
ومن خلال هذه الدراسة ظهر للشاذلي أنه ليس من الممكن القيام بهجوم واسع النطاق يهدف إلى تدمير قوات العدو وإرغامه على الانسحاب من سيناء وقطاع غزة، وإن إمكاناتنا الفعلية قد تمكننا إذا أحسنا تجهيزها وتنظيمها من أن نقوم بعملية هجومية محددة تهدف إلى عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف ثم التحول للدفاع، وبعد إتمام هذه المرحلة يمكننا التحضير للمرحلة التالية التي تهدف لاحتلال المضائق والتي سوف تحتاج إلى أنواع أخرى من السلاح وأسلوب اخر في تدريب القوات.
الشاذلي والسادات
الدفاع الجوي عكفت قواتنا المسلحة على بناء القوات المصرية بجد وحماس ومع حلول سبتمبر 68 كانت القوات البرية قد وصلت إلى مستوى يسمح لها بتعدي الوجود الإسرائيلي شرق القناة، وهكذا بدأت حرب الاستنزاف لرفع الروح المعنوية لجنودنا وإرهاق العدو وتكبيده أكبر قدر من الخسائر. ويقول الشاذلي في مذكراته أن مشكلة الدفاع الجوي في مصر بلغت أقصاها عندما كثف العدو غاراته في العمق، فدمر دفاعنا الجوي ثم بدأ بتوجيه غاراته على الأهداف المدنية من كباري ومصانع ومدارس وغيرها، وبنهاية عام 1969 كان دفاعنا الجوي قد انهار تماماً وأصبحت سماء مصر مفتوحة أمام الطائرات الإسرائيلية.في نهاية ديسمبر 1969 تمكن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من عقد صفقة مع الاتحاد السوفيتي بهدف المشاركة بقواتهم في الدفاع الجوي عن مصر، وبدأت الإمدادات الروسية تصل في سرية تامة، وكان معها معدات حديثة لم يسبق لمصر أن حصلت عليها منها رادارات وصواريخ مضادة للطائرات SAM ، وSAM6 والوحدات الإلكترونية، وبذلك أعطت الفرصة لعناصر الدفاع الجوي المصري التي أنهكت تماماً لكي تعيد بناء نفسها من جديد.
وبعد أن وصل الدفاع الجوي لمستوى مقبول بحلول منتصف عام 1972، قرر الرئيس السادات فجأة طرد جميع الوحدات السوفيتية الموجودة في مصر في نفس العام ، مما أثر سلباً على قدراتنا في الدفاع الجوي، حيث كان السوفيت يشغلون طائرات وكتائب صواريخ مختلفة ، وبعدها تمت الاستعانة بطيارين من كوريا الشمالية في يوليو 73. أزمة ضباط من المشكلات الهامة التي واجهت القوات المصرية قبل الحرب نقص الضباط في الوحدات بنسبة تتراوح من 30- 40% إضافة لما تحتاج إليه الوحدات الجديدة التي سوف تنشأ خلال العامين التاليين ليصبح إجمالي العجز في عدد الضباط 30000 ضابط، مما يؤثر تأثيراً خطيراً على كفاءة القوات المسلحة، ومن هنا برزت فكرة إنشاء كوادر جديدة من الضباط يطلق عليها "ضباط حرب" يتم انتقاؤهم من الجنود المثقفين ليخضعوا لتدريب مكثف لمدة تتراوح ما بين 4- 5 أشهر في تخصص واحد، ونجحت الفكرة وتم تأهيل وترقية 15000 رجلا إلى رتبة ملازم، بالإضافة لتأهيل 10000 آخرين من خريجي الجامعات اللذين جندوا في عامي 71، 72 وبذلك أصبح لدينا 25000 ضابط حرب، و5000 ضابط عادي تم تدريبهم في الكليات العسكرية.
وقد مثّل سلاح المهندسين أحد العوامل الهامة في نجاح حرب أكتوبر، فكانت عدد وحدات المهندسين التي ساهمت في عبور القناة بطريق مباشر 35 كتيبة من مختلف التخصصات، وكان نجاح القوات المسلحة في تدريب وحدات المهندسين اللازمة لعملية العبور هو المفاجأة الكبرى في هذه الحرب لأن الدول الصديقة والعدوة كانت تعتقد باستحالة ذلك . ومما ذكره اليعازر رئيس أركان حرب القوات المسلحة الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر 73 انه أثناء مناقشة احتمال قيام المصريين بالهجوم عبر القناة علق دايان ساخراً "لكي تستطيع مصر عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف فإنه يلزم تدعيمها بسلاحي المهندسين الروسي والأمريكي معاً"، وكان الجنرال بارليف يؤيد دايان في هذا القول !!
جندي يرفع علم مصر
مجلس الدفاع العربيكان سعد الشاذلي بالإضافة لمنصبه كرئيس أركان الجيش المصرية، يشغل منصب الأمين العام المساعد للجامعة العربية للشئون العسكرية، وقدم توصياته لمجلس الدفاع العربي والذي في دورته الثانية عشر 1971 نظر مشروع تقدم به الشاذلي لبحث موقف القوات المسلحة في كل دولة عربية وتحديد حجم القوات التي تشارك بها في حرب أكتوبر ، وبدلاً من أن تطلب دول المواجهة دعماً مالياً من أشقائها العرب فإنها تطلب دعماً عسكرياً.ورغم اعتراض الرئيس محمد أنور السادات على زيارة الشاذلي لكل من المغرب والجزائر والعراق للاتفاق على الدعم العسكري باعتبار أن هذه الدول من وجهة نظره لن تقدم شيئاً للمعركة، إلا أن الشاذلي أقنعه بأن هذه الزيارات ربما تعكس تعاونا إيجابيا وهذا ما حدث فعلا .
وبعدها شاركت العراق في حرب أكتوبر 73 حيث وصل السرب العراقي من طراز "هوكر هنتر" إلى مصر وشارك بأداء مميز للطيارين العراقيين اللذين نالوا ثقة الجيش المصري ، كما وصل الدعم العراقي للجبهة السورية ؛ فبمجرد اندلاع حرب 73 قام العراق بإجراء سريع يهدف إلى تامين جبهته مع إيران مما يسمح له بإرسال جزءا من قواته إلى الجبهة السورية وقد أشرك العراق في القتال أربعة أسراب جوية وفرقة مدرعة وفرقة مشاه فكانت قواته في الترتيب الثالث بعد مصر وسوريا من ناحية الكم والكيف. كما شاركت القوات الليبية في الحرب ، وبمجرد اندلاع الحرب شاركت أيضا فرق من القوات الجزائرية ، وعلاوة على الدعم العسكري سافر الجزائري الرئيس الهواري بومدين لموسكو في نوفمبر 73 ودفع للاتحاد السوفيتي 200 مليون دولار ثمناً لأية أسلحة او ذخائر تحتاج إليها كل من مصر وسوريا في الحرب . وشاركت المغرب بقوات عسكرية في جبهات مصر وسوريا ، هذا إلى جانب الدعم الذي حصلت عليه مصر من كل من تونس والكويت والسعودية، ويقول الشاذلي أن التعاون العربي ظهر في أجمل صوره خلال حرب أكتوبر 73 قامت تسع دول عربية بتقديم الدعم العسكري لدولتي المواجهة.هذا إلى جانب سلاح النفط الخليجي الذي كان عاملا حاسما أدى للنصر .
سعد الشاذلي
العد التنازلي عقد اجتماع سري بين القادة المصريين والسوريين لتحديد الموعد النهائي للحرب، وبدأ العد التنازلي لحرب أكتوبر بداية من 21 سبتمبر وخلال الأيام الخمسة عشر تم حشد وحدات المدفعية والمهندسين والتعبئة واستدعاء الاحتياطي وتم وضع جدول محدد يشمل كل الإجراءات وما يجب أن يتم كل ليلة .بدأت معركة العبور في موعدها المحدد لها تماماً بتوجيه الضربة الجوية التي شاركت بها 200 طائرعبرت خط القناة في الساعة الثانية ووجهت ضربات لمطارات العدو ومراكز قيادته ومناطق حشد مدفعيه في سيناء، ثم بدأت مدفعيتنا عمليات القصف التحضيري المكثف على مواقع العدو شرق القناة وتسلل عناصر استطلاع المهندسين وعناصر من الصاعقة إلى الشاطئ الشرقي للتأكد من تمام إغلاق المواسير التي تنقل السائل المشتعل على سطح القناة، ثم بدأ عبور المشاه وفتح الثغرات وإنشاء الكباري والمعديات لعبور الدبابات وتوالى بعد ذلك تنفيذ الخطة الحربية بمنتهى الدقة. ويقول الشاذلي "إن عملية عبور القوات المسلحة المصرية لقناة السويس يوم 6 أكتوبر 73 يمثل سيمونية رائعة اشترك فيها عشرات الألاف من البشر وكان عمل كل منهم ذا أهمية خاصة في إنجاحها".في الساعة الثامنة من صباح السابع من أكتوبر كانت قواتنا قد حققت نجاحاً حاسماً في معركة القناة وعبرت اصعب مانع مائي في العالم وحطمت خط بارليف في 18 ساعة فقط وهو رقم قياسي، وبأقل خسائر ممكنة.
الكوبري الذي استخدمه شارون في عملية الدفرسوار
ثغرة الدفرسوارعقب النجاح الذي حققته قواتنا في العبور، بدأ الحديث في الحادي عشر من أكتوبر حول تطوير الهجوم نحو المضائق، وبرر وزير الحربية أحمد إسماعيل حينها هذه الخطوة بأنه قرار سياسي من أجل تخفيف الضغط على الجبهة السورية، وقد عارض الشاذلي الفكرة قائلاً أن قواتنا الجوية ضعيفة ولا تستطيع تحدي القوات الجوية الإسرائيلية في معارك جوية ، واعتبر الشاذلي أن هذا القرار كان أول خطأ ترتكبه القيادة المصرية خلال الحرب .نتيجة للقرار تطور الهجوم الذي اتخذ في الثاني عشر من أكتوبر وتم دفع الفرقتين المدرعتين 21 والرابعة ما عدا لواء مدرع وكان هذا خطأ كبيرا، فلم يكن لدينا غرب القناة بدءا من 14 أكتوبر في منطقة الجيشين الثاني والثالث سوى لواء مدرع واحد وهنا اختلت الموازين واصبح الموقف مثالياً للعدو لاختراق مواقعنا والعبور للضفة الغربية وهو ما حدث فعلا يوم 15، 16 أكتوبر. ويتابع الشاذلي في مذكراته أن القضاء على الثغرة يوم 16 أكتوبر كان سهلا ولكن السادات رفض سحب جزء من قواتنا في الشرق ، وتمت إقالة سعد الشاذلي من منصبه في 12 ديسمبر 1973 ، حيث عين سفيراً لمصر في إنجلترا ثم البرتغال . وفي عام 1978 انتقد الشاذلي بشدة معاهدة " كامب ديفيد " وعارضها مما جعل الرئيس السادات يأمر بنفيه من مصر حيث استضافته الجزائر، وهناك كتب مذكراته التي اختتمها ببلاغ للنائب العام يطلب فيه محاكمة السادات موجهاً إليه عدد من التهم منها إصدار قرارات خاطئة ترتب عليها نجاح العدو في اختراق مواقعنا في منطقة الدفرسوار ، وأدت مذكرات الشاذلي إلى محاكمته غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية و حكم عليه بالسجن ثلاثة سنوات مع الأشغال الشاقة!!
الشاذلي والسادات
الدفاع الجوي عكفت قواتنا المسلحة على بناء القوات المصرية بجد وحماس ومع حلول سبتمبر 68 كانت القوات البرية قد وصلت إلى مستوى يسمح لها بتعدي الوجود الإسرائيلي شرق القناة، وهكذا بدأت حرب الاستنزاف لرفع الروح المعنوية لجنودنا وإرهاق العدو وتكبيده أكبر قدر من الخسائر. ويقول الشاذلي في مذكراته أن مشكلة الدفاع الجوي في مصر بلغت أقصاها عندما كثف العدو غاراته في العمق، فدمر دفاعنا الجوي ثم بدأ بتوجيه غاراته على الأهداف المدنية من كباري ومصانع ومدارس وغيرها، وبنهاية عام 1969 كان دفاعنا الجوي قد انهار تماماً وأصبحت سماء مصر مفتوحة أمام الطائرات الإسرائيلية.في نهاية ديسمبر 1969 تمكن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من عقد صفقة مع الاتحاد السوفيتي بهدف المشاركة بقواتهم في الدفاع الجوي عن مصر، وبدأت الإمدادات الروسية تصل في سرية تامة، وكان معها معدات حديثة لم يسبق لمصر أن حصلت عليها منها رادارات وصواريخ مضادة للطائرات SAM ، وSAM6 والوحدات الإلكترونية، وبذلك أعطت الفرصة لعناصر الدفاع الجوي المصري التي أنهكت تماماً لكي تعيد بناء نفسها من جديد.
وبعد أن وصل الدفاع الجوي لمستوى مقبول بحلول منتصف عام 1972، قرر الرئيس السادات فجأة طرد جميع الوحدات السوفيتية الموجودة في مصر في نفس العام ، مما أثر سلباً على قدراتنا في الدفاع الجوي، حيث كان السوفيت يشغلون طائرات وكتائب صواريخ مختلفة ، وبعدها تمت الاستعانة بطيارين من كوريا الشمالية في يوليو 73. أزمة ضباط من المشكلات الهامة التي واجهت القوات المصرية قبل الحرب نقص الضباط في الوحدات بنسبة تتراوح من 30- 40% إضافة لما تحتاج إليه الوحدات الجديدة التي سوف تنشأ خلال العامين التاليين ليصبح إجمالي العجز في عدد الضباط 30000 ضابط، مما يؤثر تأثيراً خطيراً على كفاءة القوات المسلحة، ومن هنا برزت فكرة إنشاء كوادر جديدة من الضباط يطلق عليها "ضباط حرب" يتم انتقاؤهم من الجنود المثقفين ليخضعوا لتدريب مكثف لمدة تتراوح ما بين 4- 5 أشهر في تخصص واحد، ونجحت الفكرة وتم تأهيل وترقية 15000 رجلا إلى رتبة ملازم، بالإضافة لتأهيل 10000 آخرين من خريجي الجامعات اللذين جندوا في عامي 71، 72 وبذلك أصبح لدينا 25000 ضابط حرب، و5000 ضابط عادي تم تدريبهم في الكليات العسكرية.
وقد مثّل سلاح المهندسين أحد العوامل الهامة في نجاح حرب أكتوبر، فكانت عدد وحدات المهندسين التي ساهمت في عبور القناة بطريق مباشر 35 كتيبة من مختلف التخصصات، وكان نجاح القوات المسلحة في تدريب وحدات المهندسين اللازمة لعملية العبور هو المفاجأة الكبرى في هذه الحرب لأن الدول الصديقة والعدوة كانت تعتقد باستحالة ذلك . ومما ذكره اليعازر رئيس أركان حرب القوات المسلحة الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر 73 انه أثناء مناقشة احتمال قيام المصريين بالهجوم عبر القناة علق دايان ساخراً "لكي تستطيع مصر عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف فإنه يلزم تدعيمها بسلاحي المهندسين الروسي والأمريكي معاً"، وكان الجنرال بارليف يؤيد دايان في هذا القول !!
جندي يرفع علم مصر
مجلس الدفاع العربيكان سعد الشاذلي بالإضافة لمنصبه كرئيس أركان الجيش المصرية، يشغل منصب الأمين العام المساعد للجامعة العربية للشئون العسكرية، وقدم توصياته لمجلس الدفاع العربي والذي في دورته الثانية عشر 1971 نظر مشروع تقدم به الشاذلي لبحث موقف القوات المسلحة في كل دولة عربية وتحديد حجم القوات التي تشارك بها في حرب أكتوبر ، وبدلاً من أن تطلب دول المواجهة دعماً مالياً من أشقائها العرب فإنها تطلب دعماً عسكرياً.ورغم اعتراض الرئيس محمد أنور السادات على زيارة الشاذلي لكل من المغرب والجزائر والعراق للاتفاق على الدعم العسكري باعتبار أن هذه الدول من وجهة نظره لن تقدم شيئاً للمعركة، إلا أن الشاذلي أقنعه بأن هذه الزيارات ربما تعكس تعاونا إيجابيا وهذا ما حدث فعلا .
وبعدها شاركت العراق في حرب أكتوبر 73 حيث وصل السرب العراقي من طراز "هوكر هنتر" إلى مصر وشارك بأداء مميز للطيارين العراقيين اللذين نالوا ثقة الجيش المصري ، كما وصل الدعم العراقي للجبهة السورية ؛ فبمجرد اندلاع حرب 73 قام العراق بإجراء سريع يهدف إلى تامين جبهته مع إيران مما يسمح له بإرسال جزءا من قواته إلى الجبهة السورية وقد أشرك العراق في القتال أربعة أسراب جوية وفرقة مدرعة وفرقة مشاه فكانت قواته في الترتيب الثالث بعد مصر وسوريا من ناحية الكم والكيف. كما شاركت القوات الليبية في الحرب ، وبمجرد اندلاع الحرب شاركت أيضا فرق من القوات الجزائرية ، وعلاوة على الدعم العسكري سافر الجزائري الرئيس الهواري بومدين لموسكو في نوفمبر 73 ودفع للاتحاد السوفيتي 200 مليون دولار ثمناً لأية أسلحة او ذخائر تحتاج إليها كل من مصر وسوريا في الحرب . وشاركت المغرب بقوات عسكرية في جبهات مصر وسوريا ، هذا إلى جانب الدعم الذي حصلت عليه مصر من كل من تونس والكويت والسعودية، ويقول الشاذلي أن التعاون العربي ظهر في أجمل صوره خلال حرب أكتوبر 73 قامت تسع دول عربية بتقديم الدعم العسكري لدولتي المواجهة.هذا إلى جانب سلاح النفط الخليجي الذي كان عاملا حاسما أدى للنصر .
سعد الشاذلي
العد التنازلي عقد اجتماع سري بين القادة المصريين والسوريين لتحديد الموعد النهائي للحرب، وبدأ العد التنازلي لحرب أكتوبر بداية من 21 سبتمبر وخلال الأيام الخمسة عشر تم حشد وحدات المدفعية والمهندسين والتعبئة واستدعاء الاحتياطي وتم وضع جدول محدد يشمل كل الإجراءات وما يجب أن يتم كل ليلة .بدأت معركة العبور في موعدها المحدد لها تماماً بتوجيه الضربة الجوية التي شاركت بها 200 طائرعبرت خط القناة في الساعة الثانية ووجهت ضربات لمطارات العدو ومراكز قيادته ومناطق حشد مدفعيه في سيناء، ثم بدأت مدفعيتنا عمليات القصف التحضيري المكثف على مواقع العدو شرق القناة وتسلل عناصر استطلاع المهندسين وعناصر من الصاعقة إلى الشاطئ الشرقي للتأكد من تمام إغلاق المواسير التي تنقل السائل المشتعل على سطح القناة، ثم بدأ عبور المشاه وفتح الثغرات وإنشاء الكباري والمعديات لعبور الدبابات وتوالى بعد ذلك تنفيذ الخطة الحربية بمنتهى الدقة. ويقول الشاذلي "إن عملية عبور القوات المسلحة المصرية لقناة السويس يوم 6 أكتوبر 73 يمثل سيمونية رائعة اشترك فيها عشرات الألاف من البشر وكان عمل كل منهم ذا أهمية خاصة في إنجاحها".في الساعة الثامنة من صباح السابع من أكتوبر كانت قواتنا قد حققت نجاحاً حاسماً في معركة القناة وعبرت اصعب مانع مائي في العالم وحطمت خط بارليف في 18 ساعة فقط وهو رقم قياسي، وبأقل خسائر ممكنة.
الكوبري الذي استخدمه شارون في عملية الدفرسوار
ثغرة الدفرسوارعقب النجاح الذي حققته قواتنا في العبور، بدأ الحديث في الحادي عشر من أكتوبر حول تطوير الهجوم نحو المضائق، وبرر وزير الحربية أحمد إسماعيل حينها هذه الخطوة بأنه قرار سياسي من أجل تخفيف الضغط على الجبهة السورية، وقد عارض الشاذلي الفكرة قائلاً أن قواتنا الجوية ضعيفة ولا تستطيع تحدي القوات الجوية الإسرائيلية في معارك جوية ، واعتبر الشاذلي أن هذا القرار كان أول خطأ ترتكبه القيادة المصرية خلال الحرب .نتيجة للقرار تطور الهجوم الذي اتخذ في الثاني عشر من أكتوبر وتم دفع الفرقتين المدرعتين 21 والرابعة ما عدا لواء مدرع وكان هذا خطأ كبيرا، فلم يكن لدينا غرب القناة بدءا من 14 أكتوبر في منطقة الجيشين الثاني والثالث سوى لواء مدرع واحد وهنا اختلت الموازين واصبح الموقف مثالياً للعدو لاختراق مواقعنا والعبور للضفة الغربية وهو ما حدث فعلا يوم 15، 16 أكتوبر. ويتابع الشاذلي في مذكراته أن القضاء على الثغرة يوم 16 أكتوبر كان سهلا ولكن السادات رفض سحب جزء من قواتنا في الشرق ، وتمت إقالة سعد الشاذلي من منصبه في 12 ديسمبر 1973 ، حيث عين سفيراً لمصر في إنجلترا ثم البرتغال . وفي عام 1978 انتقد الشاذلي بشدة معاهدة " كامب ديفيد " وعارضها مما جعل الرئيس السادات يأمر بنفيه من مصر حيث استضافته الجزائر، وهناك كتب مذكراته التي اختتمها ببلاغ للنائب العام يطلب فيه محاكمة السادات موجهاً إليه عدد من التهم منها إصدار قرارات خاطئة ترتب عليها نجاح العدو في اختراق مواقعنا في منطقة الدفرسوار ، وأدت مذكرات الشاذلي إلى محاكمته غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية و حكم عليه بالسجن ثلاثة سنوات مع الأشغال الشاقة!!
محيط - مي كمال الدين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق