الثلاثاء، 4 مايو 2010

جيهان .. المرأة التي تقاوم الزمن وأعداء السادات ورجال عائلته


منذ شهور قليلة أقامت السيدة جيهان السادات معرضاً لرسومها التشكيلية، زار المعرض عدد من الشخصيات العامة، أشاد بعضهم بتلقائية جيهان وموهبتها، لكن اللافت للانتباه أن خبر معرض جيهان كان عبارة عن مساحة صغيرة جداً في الصفحات الداخلية للصحف الحكومية.
وقتها قلت سبحان المعز المذل، فعندما ناقشت جيهان السادات رسالتها للماجستير في كلية الآداب جامعة القاهرة، وكان زوجها علي قيد الحياة، نقل التليفزيون المصري وعلي الهواء مباشرة وقائع المناقشة، وكأن ما يجري حدث نادر لا يتكرر في الجامعة المصرية كل يوم، لكن اليوم لا تهتم الصحف بأخبارها.. وإذا اهتمت ففي مساحات تكاد لا تكون ملحوظة، أو في إطار الاهتمام المقصود بكتاب جديد لها، وهو أمر لا يتم من أجل جيهان ولكن من أجل ترويج كتابها وزيادة توزيعه، وهو أمر تفعله ببراعة دار «الشروق» ناشرة كتاب جيهان الأخير "أملي في السلام".
في حياة زوجها تعرضت جيهان إلي حملات مكثفة من الهجوم، بعضها كان مقبولا حول وضعها الدستوري، وقانونية الدور الذي تقوم به، وبعضها كان مبتذلا مثل ما فعله الشيخ المحلاوي أحد الدعاة المشاهير في الاسكندرية بعد أن هاجمها بسبب دعمها قانون الأحوال الشخصية الذي عرف إعلاميا بقانون جيهان، وهو الهجوم الذي تصدي له الرئيس السادات شخصيا، وكان رده قاسيا، حيث اعتقل الشيخ المحلاوي ونعته بـ «الكلب» الذي ألقي به في السجن.
علي هوامش حياة جيهان حكايات كثيرة حول تدخلها في شئون الرئاسة وأنها كانت تختار الوزراء وتقيلهم، بل إن زوجها كان يرجع إليها في كل شيء، وهو ما طاردته النكتة المصرية الساخنة والحراقة، حيث صورته أنه لا يتحرك إلا بعد أن يأخذ رأي زوجته، بل إن كثيرا من قرارات السادات كانت تقف جيهان خلفها، وتذكر لها فرح ديبا في مذكراتها التي أصدرتها مؤخرا هنا في مصر أنها كانت صاحبة الدعوة لها ولزوجها الشاه أن يأتيا إلي مصر، بعد أن رفضت دول العالم جميعها أن تستضيفهما.
والرواية هنا بالنص من كتاب فرح ديبا تقول:في ظل هذا الوضع الجنوني اتصلت بجيهان السادات، التي كانت تسأل دائما عن أحوالنا، وكنت أدركت أنه لن يستطيع طبيب إجراء العملية في بنما لزوجي في ظل هذه الظروف، وأن موقفنا صار ميئوسا منه، لكنني كنت موقنة أنه يجري التنصت علي حديثي، وقلت لها وأنا في حالتي المرتبكة أن تتصل بشقيقة زوجي في نيويورك لتتعرف علي ما يجري حولنا، من دون أن أشك أن تليفون الأميرة أشرف مراقب أيضا، فهمت جيهان السادات وقالت، تعاولوا..نحن بانتظاركم في القاهرة.
جيهان السادات روت ما جري في مذكراتها "امرأة من مصر" تقول هي الأخري:"في مارس 1980 اتصلت بي فرح تليفونيا من بنما، وقالت:جيهان..موقفنا يدعو لليأس..السرطان انتشر في طحال زوجي وإذا لم يجر عملية فورا فسوف يموت لكنني لا أستطيع الثقة في أحد هنا.
فسألت: لماذا يا فرح لماذا؟..بدا صوتها قريبا من البكاء، وقالت:من الصعب أن أشرح في التليفون، وتركتني أستنتج أن تليفونها مراقب، وأضافت:ولكننا يجب أن نغادر بنما فورا، هناك أنباء تنذر بسوء، وعرفت فورا ما ترمي إليه، لأنني أيضا سمعت شائعات عن أن بنما ربما تساوم الخميني علي إعادة الشاه إلي إيران نحو موت محقق.
قلت:لا شك أن الحكومة الأمريكية يمكن أن تتدخل لصالحكم، وردت فرح بأسي:الحكومة الأمريكية؟!! لقد شبعنا من مساعدتها بما يكفينا بقية العمر.
اتصلت بأنور في مكتبه، لأبلغه بخطورة الموقف، وقلت:أخبرت فرح للتو أنها ينبغي أن تأتي هي والشاه فورا إلي مصر، وأضفت:هل أخطأت؟قال إطلاقا يا جيهان، أبلغي فرح أنني سأرسل طائرة الرئاسة فورا، قلت له:هل أنت متأكد؟تعلم أنه سيكون هناك متاعب، لكنه كان واثقا وقال:سوف يرضي ذلك الله".
الاختلاف البسيط بين الروايتين ليس مهما، لكن المهم أن هذه الرواية تنسف كثيرا مما قالته جيهان من أنها كانت تتدخل في أمور الحكم والرئاسة، لقد وجهت الدعوة للشاه وزوجته، ثم أخبرت السادات بذلك، لكن هناك كلمة واحدة قالتها جيهان يمكن أن نعتبرها مفتاح سيطرتها علي زوجها، وهي"هل أخطأت"...إنها تفعل كل ما تريد لكن تجعل لنفسها خط رجعة، فهي لا تطلب آمرة، ولكن تتصرف مشعرة زوجها أنه صاحب الكلمة الأولي والأخيرة.
هل هذه هي خبرة المرأة المصرية الفطرية؟ قد تكون بالطبع، فهي تفعل كل شيء، لكنها تشعر الزوج أنه صاحب الأمر والنهي في البيت، فالأمر أمره والشورة شورته، وساعتها وبعد أن يشعر الزوج بذاته يجد نفسه وقد وافق علي كل ما تريده زوجته وبلا مناقشة.
إن جيهان السادات تقاوم الأيام، فهي رغم سنواتها التي تقترب من الثمانين إلا أنها تواصل عملها في اتجاهين أساسيين، الأول حفاظها علي كل مكتسباتها التي ربحتها بوصفها زوجة رئيس سابق، فقد حصلت علي الدكتوراه بعد وفاة زوجها، وهي الدكتوراة التي مكنتها من أن تعمل في جامعات الغرب، بل وأن تتحول إلي شخصية عامة تتحدث في كل شيء يخص الشرق الأوسط، من وضعية المرأة فيها إلي مستقبل الصراع بين إسرائيل والعرب.
أما الاتجاه الثاني فهو أنها تجاهد من أجل أن تبقي زوجها في الذاكرة، نشرت كتابين هما «امراة من مصر» و«أملي في السلام»، كان السادات هو عصبهما الأساسي، والمهم في الكتابين أن جيهان تقوم بعملية غسيل لتاريخ وسمعة زوجها، تنفي عن نفسها أي تدخل في شئون الرئاسة، وتؤكد أن كل ما أخذه السادات من قرارات كانت بعيدة عنه تماما، بل إنها دفعت نجلها جمال إلي أن يصدر بيانا يؤكد فيه أنه المتحدث الوحيد عن والده، وأن أيا من أفراد عائلة الرئيس ليس من شأنهم أن يتحدثوا عنه، وكان ذلك في أعقاب تصريحات لطلعت السادات رأت جيهان أنها يمكن أن تسيء إلي زوجها.
لقد لعبت جيهان علي المسرح السياسي مباشرة، لكنها رأت من الحكمة أن تخفي هذا الدور، حتي بعد أن انتهي دور البطل الرئيسي في حياتها وهو الرئيس السادات، ولاتزال تفعل ذلك حتي الآن علي الأقل من أجل الحفاظ علي صورة رجل وهبته حبها فوهبها مجدها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق