حميدة« و»الفيشاوي الصغير« يقدمان مباراة رائعة في الأداء!
كنت أترقب بشوق كبير عرض فيلم »تلك الأيام«، المأخوذ عن رواية بنفس الاسم كتبها فتحي غانم، وتعتبر واحدا من أهم أعماله الإبداعية، وميزة الفيلم أن »أحمد غانم« ابن الروائي الكبير، هو من قام بتحويل النص الادبي الي سيناريو سينمائي بمشاركة »علا عز الدين«، وقام أيضا بإخراجه، ومادفعني ايضا للحماس لفيلم »تلك الأيام« أنه من بطولة محمود حميدة، الذي أعتبر اسمه ماركة مسجلة للجودة والإبداع! ولم يخيب الفيلم توقعاتي رغم أن السيناريو لم يقدم إلا شذرات قليلة من روعة الرواية وتفاصيلها الكثيرة المتشابكة، وهي من المرات القليلة التي يحدث أن يرفع أداء الممثلين من قيمة العمل السينمائي، وليس العكس، ومع ذلك فإن »تلك الأيام« من الأفلام التي لن تسقط من الذاكرة، حيث تدور احداث الفيلم حول شخصية سالم عبيد »محمود حميدة« وهو استاذ جامعي صاحب شخصية مرموقة ومكانة اجتماعية مميزة وينتظره مستقبل عظيم في مجال السياسة حيث استقر أصحاب القرار علي تعيينه وزيرا، ولكن بقي علي القرار بعض التفاصيل وانتظار حركة تغيير قادمة، وحتي يتحول القرار الشفهي الي قرار رسمي كان »سالم عبيد« علي استعداد تام، لأن يقدم للدولة كل ألوان الخضوع ليثبت جدارته واستحقاقه للمنصب الكبير، ويحدث أن يستعين سالم عبيد، بضابط سابق في الشرطة »علي النجار« أحمد الفيشاوي ليقدم له بعض الخبرات الأمنية، التي سوف تتضمنها دراسة يعدها عن اساليب الشرطة في التعامل مع الخلايا الارهابية، وسرعان ماتتعلق الزوجة الشابة أميرة »ليلي سامي« بالضابط الوسيم، وتتذكر أنه أنقذ حياتها مرة، عندما كانت ضمن ركاب أحد القطارات التي تعرضت لهجوم مجموعة من الإرهابيين، وقام علي النجار بالقضاء عليهم مع بعض رجال الشرطة، وكان من اليسير أن نكتشف أن علي النجار الضابط السابق، يعيش مكبلا بعقدة ذنب، تحيل حياته إلي جحيم، ومع اندفاع الاحداث ورجوع السيناريو »فلاش باك« لنقط مفصلية سابقة في حياة الشخصيات، نتابع مطاردة علي النجار لأحد الارهابيين الذي قام بقتل زميل علي النجار، مما دفع الاخير لملاحقته والاجهاز عليه بضراوة! وتدور الشخصيات الثلاث في دوائر مغلقة، وكأن لكل منها عالمه الخاص، ثم تتشابك الدوائر، عندما يشعر الضابط الشاب بميل تجاه زوجة الاستاذ الجامعي والسياسي اللامع، ويحاول مقاومة مشاعره، ولكنه يفاجأ بسالم عبيد يطلب منه أن يقتل زوجته، ويحاول اقناعه بان تلك الزوجة تخونه بشكل دائم وسوف تعرض مستقبله السياسي للخطر، ويكتشف علي النجار انه وقع تحت ضغط وأكاذيب سالم عبيد الذي لفق لزوجته تهما لإدانتها أخلاقيا، أمام أسرتها وأمام علي النجار حتي يسهل عليه التخلص منها، وتقود الظروف سالم عبيد الي فضيحة سياسية مدوية عندما، يتم استضافته علي الهواء مباشرة، في حوار ساخن مع السفيرة الامريكية وأحد المحللين السياسيين في شئون الشرق الأوسط، واثناء فترة الفاصل، يجري سالم عبيد بعض المحادثات التليفونية وهو يجهل أن مايقوله يسمعه كل من يتابع البرنامج، ويأخذ راحته في الحديث ليسيء لكل من كان يحاول أن يتملقهم، بل يسيء الي سمعته شخصيا وهو يتحدث عن فجور زوجته وخيانتها له، وعندما يكتشف ان كل حديثه التليفوني كان مسموعا علي الهواء يدرك ان احلامه في الوزارة قد تبددت نهائيا، فيهرع إلي بلدته وإلي حضن أمه قدرية »صفية العمري« التي غاب عنها أيام مجده ونجاحه، ليجد عندها السكينة والطمأنينة، ولكن عندما تطالبه زوجته أميرة بالطلاق، لتلحق بالرجل الذي احبته »علي النجار«، لايجد سالم عبيد بدا من إعلان هزيمته، التي تتساوي مع منطقة الموت المحتم! وقد قدم محمود حميدة أداء بديعا لشخصية سالم بكل أبعادها النفسية وجبروتها وانكسارها، ومداهنتها وخضوعها و»فرعنتها«، ولكن بحسابات دقيقة جدا، أما أحمد الفيشاوي فهو يؤكد في أدواره الاخيرة أنه ممثل »رايق« ويختار أدواره بعناية ومزاج خاص، ويستطيع مفاجأة جمهوره مع كل شخصية جديدة يقدمها، وتمكن علي مستوي الشكل والاداء والحركة من التعامل مع شخصية ضابط شرطة متحمس لأداء واجبه في متابعة بؤر الارهاب، ولكنه يتورط في القتل بغل وحقد بينما كا لابد له ان يقدم المجرم للعدالة، بدلا من أن يتحول إلي القاضي والجلاد معا! وللأسف كانت ليلي سامي التي لعبت شخصية الزوجة الشابة أميرة، اقل كثيرا من الدور، وهي تفتقد للحضور، وليس لديها مايشجع الآخرين علي منحها فرصة ثانية، فقد أخذت أكثر مما تستحق في هذا الفيلم، وكانت عودة الفنانة صفية العمري لشاشة السينما هي أهم مفاجآت الفيلم، وقد منحت دور قدرية أم سالم عبيد، حالة هائلة من الدفء والعذوبة، المخرج أحمد فتحي غانم قدم فيلما جيدا علي مستوي الصورة ولكن ينقصه الألق والإبداع، وأزعجتني المشاهد الداخلية لقصر سالم عبيد، والإضاءة المعتمة التي استخدمها بشكل يقترب من المراهقة، للتأكيد علي العلاقات المرتبكة بين الشخصيات الثلاث الأساسية »سالم وأميرة وعلي النجار«، ثم استخدام رقعة الشطرنج بكثرة للتعبير عن لعبة الذكاء بين سالم عبيد ونفسه! بينما كانت المشاهد الخارجية ومطاردات علي النجار لعناصر الارهاب والالتحام معهم أفضل إخراجيا وتصويرا، وعلي كل الأحوال نحن أمام فيلم سينمائي محترم وجيد الصنع، ويضم نخبة من النجوم يمثلون أجيالا مختلفة، إنها بداية مطمئنة للموسم السينمائي الصيفي وربنا يستر علي الباقي!!!
الوفد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق