في بريطانيا.. يواجه حزب العمال الحاكم أصعب انتخابات تشريعية في تاريخه رغم قضائه 13 عامًا في الحكم!، وتولي خلالها جوردون براون رئاسة الحكومة!. لن ينظر الناخب البريطاني إلي انجازات حكومة حزب العمال طوال هذه الفترة، ولن يلتفت الناخب البريطاني إلي الوعود الوردية والتصريحات المعسولة التي أطلقها قيادات الحزب خلال الحملة الانتخابية! ولن يضع الناخب البريطاني اعتبارا إلي »العشرة«والألفة التي جمعت بينه وبين جوردون براون وأعضاء وزارته طوال فترة وجودهم في الحكم!، ولن يغلق الناخب البريطاني ملفات الفضائح التي تفجرت داخل مجلس العموم البريطاني، وامتد شرارها إلي بعض أعضاء حكومة جوردون براون!. إن استطلاعات الرأي التي جرت مؤخرًا في بريطانيا، كشفت عن تراجع شعبية حزب العمال، وتوقعت فوز حزب المحافظين بزعامة ديفيد كاميرون. كما كشفت استطلاعات الرأي عن تقدم ملحوظ لحزب الأحرار الديمقراطيين بزعامة كليج. وهذا معناه.. ان حزب العمال الذي حكم بريطانيا طوال الثلاث عشرة سنة الأخيرة بصفة متصلة، قد يحتل المركز الأخير بعد حزبي المحافظين والأحرار الديمقراطيين!. ولكن.. لماذا هذا التغيير الذي يشهده الرأي العام البريطاني.. ولماذا تراجعت شعبية حزب تولي السلطة 13 عامًا متصلة، وأصبح مهددًا بالسقوط الذريع؟!.. ولماذا يتردد الناخب البريطاني في منحه توكيلا بإدارة شئون البلاد للمرة الرابعة علي التوالي؟!. السبب بسيط جدًا.. مازال الشعب البريطاني يتذكر الفضائح المالية ووقائع الفساد التي ارتكبها قيادات حزب العمال في العام الماضي، واضطر تسعة وزراء في حكومة جوردون براون ورئيس مجلس العموم إلي تقديم استقالاتهم من مناصبهم!!. تبين ان الوزراء ورئيس مجلس العموم أهدروا أموال الدولة علي تصفيف شعر كلابهم، وتهذيب اشجار حدائقهم، وتموين سياراتهم الخاصة.. إلي آخر هذه الوقائع التي يتعامل معها الرأي العام البريطاني علي انها انحراف في المنصب وفضائح مالية وإهدار للمال العام!!.. لم ينفق الوزراء الأموال التي حصلوا عليها من الدولة في الاغراض المخصصة لها، والتي تتعلق بمهام مناصبهم واستخدموا هذه الأموال في الانفاق علي أمورهم الشخصية!!. تصوروا.. تفجرت هذه الفضائح داخل مجلس العموم البريطاني، واضطر جوردون براون رئيس الحكومة إلي التضحية والتخلص من تسعة وزراء لإنقاذ وزارته من السقوط! ولم يغفر البريطانيون لحكومة حزب العمال إهدار أموالهم علي الشئون الخاصة لوزرائها رغم ان هذه الأموال لم تتجاوز بضعة ملايين من الجنيهات الاسترلينية!، وتعامل نواب مجلس العموم مع إهدار الوزراء للمال العام، من حيث المبدأ، ولم يتعاملوا مع هذا الإهدار علي أساس أن القضية لا تستحق المناقشة داخل المجلس لضآلة الأموال المهدرة!. ان هناك برلمانات وحكومات يهدر أعضاؤها المليارات من العملات الصعبة والمحلية دون أن يتحرك أحد لمحاسبة المسئولين، وهناك دول تشهد وقائع عمولات ورشاوي لمسئولين حكوميين دون أن يسلك أحد الطريق الصحيح لمعاقبة المنحرفين، وهناك دول تمنح من تحوم حولهم الشبهات.. الحصانة حتي لا يقترب أحد منهم.. وقد تمنحهم أيضًا النياشين والأوسمة والأنواط!!. ولكن الموقف في حياتنا السياسية يختلف.. إننا علي أبواب انتخابات تشريعية ولم نسمع عن تراجع شعبية الحزب الوطني، ولم نقرأ عن استطلاعات للرأي تحذر من سقوط الحزب الحاكم. وهذا هو الفارق بيننا وبينهم!! إننا فجرنا علي صفحات »الوفد« فضيحة حصول مسئولين حكوميين علي رشاوي من شركة دايملر بتز الأمريكية خلال الفترة من 1998 حتي 2008 مقابل تسهيل عملياتها في مصر!!. وأكدت تحقيقات بورصة نيويورك ومحكمة واشنطن تورط المسئولين المصريين مع آخرين من 22 دولة!. وقضت المحكمة بفرض 185 مليون دولار غرامة علي شركة دايملر بنز التي اعترفت بتقديم رشاوي تراوحت بين مبالغ مالية وسيارات مرسيدس في اعياد الميلاد!!. وفاجأ الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء في اجتماعه أمس الأول مع رؤساء تحرير الصحف القومية، بأنه طلب من شركة دايملر بنز اسماء المسئولين المصريين المتورطين في فضيحة رشاوي المرسيدس!!. وهذا الطلب يعني عدم رغبة الحكومة في الكشف عن أسماء المسئولين المصريين، ويعني ايضا عدم صحة ادعاءاتها بأنها لا تتستر علي الفساد!!. يادولة رئيس الوزراء.. لماذا لم تسلك نفس الطريق الذي سلكه المرحوم الدكتور مصطفي خليل رئيس وزراء مصر منذ اكثر من ثلاثين عاما عندما تفجرت فضيحة مماثلة؟!، ان السفير الامريكي وقتها قدم إليه مستندات تفيد تورط وزير مصري وآخرين فيما سمي قضية رشوة شركة وستنجهاوس!!. ولم يلتفت الدكتور مصطفي خليل إلي تأكيدات السفير الامريكي خلال لقائهما، ولم يعتد بالمستندات التي قدمها السفير الامريكي! وأسرع رئيس وزراء مصر الاسبق إلي ابلاغ النائب العام بالواقعة، وسافر المستشار أحمد سمير سامي بصفته المحامي العام لنيابات الاموال العامة إلي واشنطن، وتوجه إلي محكمة كاليفورنيا التي سمحت له بالاطلاع علي اوراق القضية. كما حصل علي نسخة منها واستجوب الشهود أيضا!!. هذا هو الطريق الصحيح ياولة رئيس الوزراء إذا كنا نرغب حقيقة في عدم التستر علي الفساد!. ان طلب اسماء المسئولين المصريين من شركة دايملر بنز يعني التسويف في حل ألغاز هذه القضية. وحسب المعلومات المتوافرة لدينا.. لن تقدم لنا شركة دايملر بنز اسماء المسئولين المصريين المتورطين. كما لن تقدم هذه المعلومات إلي الدول التي تورط مسئولون فيها؟. لقد جرت تحقيقات مع الشركة الامريكية واعترفت في التحقيقات بتقديم رشاوي، وحددت اسماء المتورطين، وقضت المحكمة بتغريمها 185 مليون دولار، وانتهت القضية بالنسبة لشركة دايملر بنز التي تسعي وتأمل وترغب في استمرار علاقاتها الطيبة مع المسئولين في الدول المتورطة!!. وإذا اراد دولة رئيس الوزراء التوصل إلي اسماء المسئولين المتورطين.. يفعل نفس التصرف الذي سلكه المرحوم الدكتور مصطفي خليل!.. اي تقديم بلاغ إلي المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام للتحقيق في هذه الواقعة التي فجرناها، وتناولتها وسائل الاعلام، ولم تعد خافية علي أحد!!. هذا هو الطريق الصحيح يادولة رئيس الوزراء. قدم بلاغا بالواقعة فورا إلي النائب العام للتحقيق فيها بمعرفته، ومن خلال التعاون القضائي بيننا وبين الولايات المتحدة الامريكية. أننا نسجد لله شاكرين.. أن الحزب الوطني جامد ومتين وحكومتنا آخر جمال!!
الوفد - سعيد عبد الخالق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق