الخديو إسماعيل الذي اعتدنا بعد »يوليو« 1952 علي لعن أبويه وأجداده، وشطبنا اسمه من كتب التاريخ، ومحونا الميادين التي تحمل اسمه.. نشر فرقاً من الجيش المصري في دول حوض نهر النيل التسع للحفاظ علي حقوق مصر التاريخية الموجودة منذ آلاف السنين في حياة النهر!!. في سنة 1929.. وقعت السلطات الشرعية والحكومات القائمة في دول حوض النهر العشر علي اتفاقية تقسيم المياه، وتقضي بحصول دولتي المصب مصر علي 55.5 مليار متر مكعب من المياه، والسودان علي 18مليار متر، كما تقضي الاتفاقية بحظر إقامة مشروعات سدود أو خزانات علي منابع النهر بدون موافقة مصر والسودان. حمل ملك مصرالسابق لقب »ملك مصر والسودان وكردفان ودارفور«!!.. ووصل اهتمام مصر وحرص الحكومات المتتالية علي مياه النيل إلي درجة نشر مفتشي ري مصريين علي طول نهر النيل.. ابتداءًً من دول المنبع، وخط سير المياه في دول الحوض، وفرعي النيلين الأبيض والأزرق في السودان، وحتي رشيد ودمياط، ويتولي مفتش وزارة الأشغال المصرية في دول الحوض العشر مراقبة سير المياه، وعدم وجود معوقات في طريق سير النهر!. كما اعتادت الحكومات قبل 1952 علي تعيين مفتش ري عام مصري في السودان، والذي يعد من أقوي الشخصيات، ويفوق نفوذه المسئولين السوادنيين والمصريين الموجودين هناك، وآخرهم المرحوم المهندس أحمد عبده الشرباصي حتي »يوليو« 1952، والذي أصبح وزيراً للأشغال بعد ذلك!. كما حرصت جميع الأحزاب المصرية قبل »يوليو« 1952، وفي مقدمتها الوفد خلال مفاوضاتها مع الاحتلال البريطاني علي بقاء السودان ضمن المملكة المصرية، ورفضت أحزاب مصر بدون استثناء جلاء القوات المحتلة والاستقلال مقابل انفصال السودان عن مصر، وقال وقتها الزعيم خالد الذكر مصطفي النحاس قولته الشهيرة: »تقطع يدي ولا تقطع السودان عن مصر«. وظل السودان جزءاً من المملكة المصرية، وتولي سودانيون مناصب عليا في الجيش المصري. ومنهم النجومي باشا قائد الفرقة الأولي في حرب فلسطين عام 1948، وفؤاد باشا صدقي القائد الثاني للجيش المصري في حرب فلسطين. كما أن اللواء محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر من أم سودانية، والرئيس الراحل أنور السادات من أم سودانية، والفريق عبدالرحمن أمين من أب سوداني. ولم تفرض مصر تأشيرات دخول أراضيها علي دول حوض النهر، وفي مقدمتها السودان. وتأسس في الخرطوم الحزب الاتحادي الذي يؤمن بالوحدة مع مصر، وتأسست أيضاً الطريقة الميرغانية في مواجهة الطريقة المهدية التي ترفض الوحدة مع مصر، والمدعومة من الاحتلال البريطاني. كما حرصت حكومات ما قبل 1952 علي نشر المدارس المصرية في السودان وأوغندا والحبشة، وتأسست شركة الشرق الأوسط لاستصلاح واستزراع الأراضي في السودان برئاسة الدكتور عبدالرزاق صدقي الذي أصبح وزيراً للزراعة. وبعد »يوليو« 1952.. انفصل السودان عن مصر، هذا يعد أول »إسفين« في وحدة وادي النيل!. فقد نصت الاتفاقية الموقعة بين مصر والسودان علي إجراء استفتاء بين السودانيين للخياربين الاستقلال والحرية أو التبعية والعبودية لمصر!. وطبعاً.. اختار السودانيون الاستقلال، وحدث الانفصال عن مصر!،و لم يتوقف اهتمام حكومات ما بعد »يوليو« 1952 بدول حوض النيل بل امتد الاهتمام إلي إفريقيا، وفتحنا أبواب جامعات الأزهر وغيرها أمام طلاب إفريقيا للتعلم والإقامة علي نفقة مصر، وأنشأنا فرعاً لجامعة القاهرة بالخرطوم، اعتاد الإمبراطور هيلا سلاسي إمبراطور أثيوبيا السابق علي تقبيل يد بابا الإسكندرية، والذي تتبعه الكنيسة الأثيوبية. وأسس الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مكتباً للشئون الإفريقية في رئاسة الجمهورية، وتولي رئاسته محمد فائق، كما تأسست شركة النصر للاستيراد والتصدير برئاس محمد غانم رجل المخابرات المصرية، ونجحت هذه الشركة المخابراتية في التغلغل داخل القارة الإفريقية، وافتتحت فروعاً لها في معظم العواصم الإفريقية. ووقعت مصر والسودان في 1959 اتفاقية تؤكد حقوقهما التاريخية في مياه النيل، ورفضت دول الحوض الثماني التوقيع عليها، وأرسلنا البعثات التعليمية والدعاة إلي معظم دول القارة السمراء، وأنشأنا ما يسمي صندوق الإعانات للدول الافريقية بوزارة الخارجية، وإدارة ضخمة لأعالي النيل في شارع الجلاء، وظل وزير الاشغال أحد أهم الوزراء مثلما كان قبل »يوليو« 1952، ويتم اختيار الوزير من أكفأ مهندسي الوزارة. وهذه حقائق تاريخية لا جدال فيها.. فقد استمر الاهتمام المصري بالقارة الافريقية بعد »يوليو« 1952، وأقمنا ملاعب ومنشآت في مالي وغيرها من الميزانية المصرية، ومازالت تحمل اسم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر!!. كما استمر هذا الاهتمام في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، والذي انشأ وزارة لشئون السودان. وبعد انتصار أكتوبر 1973.. وقف »السادات« يتحدث في مؤتمر صحفي عن أن حرب أكتوبر آخر الحروب. وسأله صحفي غربي خبيث: »هذا معناه أن الجيش المصري لن يحارب مرة أخري«. ورد الرئيس الراحل بسرعة: »سأحارب مرة أخري إذ تعرض حق مصر في مياه النيل للمساس«. وفي العقود الأخيرة.. انقرض الدور المصري في افريقيا تمامًا، وغروب الدور المصري في السودان!!.. استغنينا عن فرع جامعة القاهرة في الخرطوم، وسلمناه للحكومة السودانية وقررنا تصفية فروع شركة النصر للتصدير والاستيراد في افريقيا والسودان، وأغلقوا مكتب الشئون الافريقية في رئاسة الجمهورية بالضبة والمفتاح بعد وفاة الرئيس عبدالناصر، وإختفي مفتشو الري المصريون من دول الحوض، وفرضنا القيود علي تأشيرات دخول ابناء دول الحوض إلي مصر، وتركنا غيرنا يلعب في افريقيا!!. وأصبحت القارة الافريقية تحت سيطرة الولايات المتحدة وإسرائيل!! من المسئول؟!..
الوفد - سعيد عبد الخالق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق