الثلاثاء، 4 مايو 2010

زينب الوكيل.. كلمة السر في تهديد نزاهة النحاس


في عام 1935 دخلت زينب الوكيل حياة زعيم الوفد مصطفي النحاس، زوجة شابة في البيت، وشخصية قوية ومؤثرة في حزب الوفد وخريطة العلاقات التاريخية بين زعماء الوفد، وفي ذلك الزمن لم تكن مفاهيم عدم تعارض المصالح قد عرفت بعد، والفصل بين البيزنس والسياسة كان صعبا، وبل ويكاد يكون مستحيلا.خاصة ان الثراء كان يفتح الطريق واسعا امام صاحبه لدخول النخبة الحاكمة، اصحاب الأراضي الزراعية بألوف الأفدنة، وطبقة التجار ونجوم البورصة واهل الصناعة الناشئة. لكن مصطفي النحاس كان استثناء تاريخيا وسط الشبكة العنكبوتية لزواج السلطة بالثروة في ظل ملكية فاسدة واحتلال اجنبي، لم يكن النحاس ثريا ولا إقطاعيا، كان رجلاً ميسوراً ويحيا حياة مغرقة في البساطة، وبتعبير بعض المؤرخين كانت ثروته في نزاهته التي لم تمس، ولم تكن موضع شك حتي ظهور «الكتاب الاسود»، وذلك عقب انفجار الخلاف بين النحاس وصديق عمره وكفاحه مكرم عبيد. والمثير ان معظم وقائع الكتاب الاسود تخص تصرفات مالية لزوجة النحاس زينب هانم الوكيل وبيزنس اسرتها.لاتكاد تخلو مذكرات لباشاوات هذا العصر من الحديث عن علاقة زينب الوكيل واسرتها بالخلاف بين قطبي الوفد، ومن إشارات وحكايات عن تفجر غضب زينب واسرتها من رفض مكرم عبيد تنفيذ بعض طلبات الاسرة في التجارة، وكان مكرم وزير المالية، وكانت الوزارة توزع علي التجار حصص المواد الغذائية، وحصص مواد البناء (خلال فترة الحرب )، ورفض مكرم طلباتهما للحصول علي استثناءات بالحصول علي حصص اكبر.يميل المدافعون عن اسرة الوكيل إلي التحامل علي مكرم، وحجتهم ان مكرم عبيد طالب بفتح باب الاستثناءات في حكومة الوفد عام 37، بينما زعم (حسب رأيهم ) رفضه للاستثناءات بعد ذلك للتضييق علي اسرة الوكيل. ولإظهار انهم يستغلون مكانة واسم النحاس في بيزنسهم الخاص.
لم تكن قصة الاستثناءات سوي وجه واحد من وجوه الخلاف او بالاحري الصراع علي القرب من النحاس، صراع طرفاه مكرم عبيد من ناحية، وزينب واسرتها من ناحية اخري.
وفي مذكراته يرصد محمد حسين هيكل وهو أحد اهم اقطاب الحركة السياسية في ذلك الوقت توتر العلاقة بين طرفي الصراع منذ بداية الزواج، فقد دخل النحاس باشا يتأثر بخروج الوفد من الوزارة، لأن النحاس كان يعيش علي معاشه فقط، وعلي العكس كان مكرم يعود للمحاماة ويكسب من مكتبه الوف الجنيهات، وقد كان هذا الوضع يغضب زوجة النحاس.
لم يكن تعويض غياب مكرم عن النحاس سهلا، ولذلك كان علي زينب ان تملأ الفراغ السياسي والإنساني بشباب من جيلها، وطبقتها، فعرف باشاوات الاراضي الزراعية مكانهم لقمة حزب الوفد، حتي غاب عن الوفد وجهه كممثل لكل فئات الشعب، وخاصة الطبقة الوسطي الصاعدة.لم تعد صورة النحاس باشا ببساطته وعفويته هي الصورة الوحيدة المعبرة عن الوفد، فقد امتلأت الصحف والمجلات بصور زوجة الزعيم زينب هانم بمجوهراتها، وفرائها المتنوع، الذي كان جزءاً من وقائع الكتاب الاسود.باختصار صورة مختلفة بل ومتناقضة عن صورة النحاس باشا.
حين اتأمل القصة مرة بعد الاخري، يجول بذهني أن اضع سيناريوهات مختلفة للقصة الشهيرة، واتساءل ماذا لو لم تكن اسرة زينب الوكيل تعمل في مجال البيزنس، لو كانوا محامين مثلا او بيلعبون في البورصة؟هل كانت العلاقة بين النحاس ومكرم ستصل إلي نهايتها، وتتقطع اوصال العلاقة التاريخية؟ ماذا لو تزوج النحاس بأرملة احد زعماء الوفد، التي رشحتها له (ام المصريين)؟ هل كان القصر ورئيس ديوانه احمد حسن باشا سينجح في تصعيد الخلاف بين قطبي الوفد؟
لقد لعب القصر في العلاقة بين النحاس ومكرم، ولكن هناك من مهد الطريق للقصر، لا يمكن إنكار أن عوامل ذاتية داخل الوفد قد ساعدت في نجاح خطة القصر لإحداث انشقاق الوفد. لقد شم احمد حسين باشا بحسه السياسي ان العلاقات متوترة بين النحاس ومكرم بأسباب متعددة منها اسرة زينب الوكيل، وادرك رئيس الديوان انه لم يعد بين النحاس ومكرم سوي شعرة يسهل قطعها، قد يكون القصر هو السكين الذي قطع الشجرة، لكن بيزنس زوجة الزعيم كان الفيروس الاساسي الذي هاجم العلاقة بعنف وأصابها في مقتل.فمن الزوجات من تدفع زوجها عن عمد إلي البقاء في القمة، ومنهن من تتسبب بدون قصد في زحزحته من القمة، ففي النخبة الحاكمة لايوجد ترف الفصل بين طموح الزوجة واسلوب حياتها وبيزنس اسرتها، وبين نفوذ الزوج.
جريدة الفجر - منال لاشين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق