رغم زخات السعادة المتوالية للأهداف القاتلة التي حققها وصيحات الأطناب وصرخات الاعجاب التي انتزعها من أفواه الجميع شرقاً وغرباً॥ عرباً وأجانب قبل المصريين.. رغم ذلك إلا أن الأهم هو ما خلفته وراءها من دخان.. وما حفرته في الأذهان وفي الوجدان। فما أكثر الإشكاليات التي أثارتها ركلات اللاعب الساحر محمد ناجي جدو وفصول المعلم حسن شحاتة المدرب العبقري طوال فعاليات الدورة الأفريقية في العاصمة الأنجولية لواندا.. رغم مشاركته الأولي في البطولة علي وجه الخصوص.. وفي اللعب الدولي علي وجه العموم. فقد كان الاستقبال والتعاطي مع ركلات التهديف لجدو مختلفاً ومتفاوتاً في الرؤية والمنظور ووفق درجة التوتر والانفعال وتبعاً للمقاصد والأهداف ولذا تعددت الرؤي واختلفت التأويلات والتي حكمه وسيطر عليها قاعدة كل يغني علي ليلاه.. إلا أنه اتخذ من جدو وتمريراته وأهدافه تكأة وحجاباً. الفريق الأول: لم تتجاوز الرؤية حدود النظر والاستمتاع باللعب في إطار قواعد الساحرة المستديرة.. اعجاب استمتاع إشباع نهم للعبة الحلوة.. وسعادة بالنتيجة إذا كان من محبي ومشجعي المنتخب المصري. الفريق الثاني: صدمته الركلات في عواطفه وأحاسيسه وأشعلت فيه نار الغيرة والحقد والحسد علي هذا الفرفور الذي سيكشف حتماً المستور من أول ليلة في المولد. وهو ما أدي إلي طرح العديد من المبادئ والقواعد الأخلاقية والواجبات والأصول المرعية علي مائدة البحث والنقاش بقوة.. وسمح هذا الطرح بكشف أعضاء جوقة النشاز والمتفلسفة والمتحزلقة والباحثين عن دور بالتطاول حينا وسيطرة منطق المخالفة أحياناً حتي ولو كان ذلك علي حساب ما استقر في الوجدان الاجتماعي والجوعي والديني للأمة. الفريق الثالث: أحدثت ركلات السيد جدو انتفاضة في قواه العقلية النائمة أو الحالمة أو الهائمة علي روحها في صحراء خاوية لا زرع فيها ولا ضرع ولا ماء.. فأخذ يفكر ويفكر ويمعن النظر هنا وهناك.. باحثاً عن فلسفة ما أو ميلاد نظرية أو بداية توجه.. أو بزوغ فجر طال انتظاره وتمثل ركلات جدو لمسات الطرق الأولي علي بوابات فتح جديدة تملأ الدنيا نوراً وإشراقاً سعياً نحو أمل جديد وغد ربما يكون أكثر جمالاً.. يضفي علي الوجود بهاء وضياء. الفريق الرابع: اتخذ من الركلات باباً من أبواب المرح والبحث عن الفكاهة والانشغال بصناعة الضحكة والبسمة علي الوجوه المكفهرة.. ولذا راجت النكات والقفشات.. وتجلت للحظات روح مصرية أصيلة لطالما بحثت عن فرصة للتنفيس والتفريج ولن تضن بها ولن تتعالي عليها حتي ولو جاءتها علي قدم لاعب أو في ركلة كرة صنعتها يد القدر الحانية.. وظهرت الروح المصرية الأصيلة وما عرف عنها من ظرف وخفة دم وقدرة علي صناعة البسمة وانتزاع الضحكة.. وقد تجلي ذلك في العديد من النكات ضد بعض الفرق إياها.. ومنها علي سبيل المثال: * واحد جزايري قتل حفيده علشان قاله بحبك يا جدو. * لكل شعب نيل يرويه ولكل وطن جيش يحميه ولكل جزائري مصري يربيه. * مع خدمة هزءني شكراً من منتخب مصر مع كل 4 أهداف مهينة.. 3 طرد هدية للاشتراك اتصل ب جدو مجاناً. * تم إلغاء شبكات موبينيل وفودافون واتصالات لأن شبكة الجزائر بتستقبل أفضل. * شوفت الجزائر بتقول لمصر إيه؟.. ياني ياني ياني مش هلعب هنا تاني. * إيه الفرق بين التوك توك والجزائر؟ التوك توك يشيل 3 والجزائر بتشيل .4 * تم تغيير اسم رابح سعدان إلي خاسر تعسان. * قررت جميع القنوات العربية والفضائية منع إذاعة مباراة مصر والجزائر مرة أخري نظراً لاحتوائها علي 4 مشاهد خارجة ومخلة. * الشاوشي قفاه أزرق ليه؟ من كتر ضرب المصريين عليه. وبين هؤلاء الفرقاء وأولئك حرنا واحترنا مع ركلات جدو.. سمعنا وسمعنا وحاولنا أن نفهم وأن نوهم أنفسنا بأننا نفهم أو يمكن أن نفهم.. واختلقنا أسباباً ومسببات ولجأنا إلي كل الأبواب الغيبية والقدرية والعلمية وغير العلمية.. وذبحنا الذبائح ونحرنا النحائر.. وظننا كل ظن واقتربنا وبعدنا وابتهلنا وكنا نعم المبتهلين وأفضل المتوسلين حتي نحصل علي أفضل العطايا وخير الهبات.. وما كان ربك نسياً. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نغفل القراءة السياسية الحادة لجدو الظاهرة قبل اللعب والأهداف.. وهي بوابة حاول الكثيرون الولوج منها لتسديد ضربات ورميات حسبوها موجعة لجهات ما مسئولة وغير مسئولة.. داخل القفص أو خارجه.. ولكن هيهات. هيهات وقد وصلنا إلي الصورة التي رسمها المثل الشعبي العبقري القائل: "كلام زي الرصاص في جتة زي النحاس". وللحقيقة لابد من الاعتراف بأن حكاية جدو قلبت الكثير من المواجع والأوجاع وأثارت من شجون النفس ما أثارت.. وفتحت المجال واسعاً للحديث عن الشباب وإمكانيات الشباب وقدرات الشباب وأهمية الاستعانة بالشباب وهموم الشباب ومشاكل الشباب وغرس قيم الانتماء وتنمية مشاعر الولاء وتغذية روافد حب الأوطان وووووووووووووو. لقد شجعت الركلات الصائبة والقوية وما أحدثته من هزات في الوجدان علي صيحات الاستغاثة والبحث عن كل جدو وارتفاع أصوات المنتحبة عليه.. أين أنت الآن.. أين أنت الآن.. أيها الجدو العظيم.. ويا كل جدو.. أين أنت وكيف السبيل إليك..؟؟!! وهي صيحات طالما غني وبكي بها وتباكي عليها البعض مع تجدد الانطلاقات وإحراز الأهداف في مرمي الكبار علي وجه التحديد..!! التجديد والتغيير كانا عنوانين بارزين في حلبة الصراع مع نتائج ركلات جدو الفعالة.. حيث رأي البعض أن الأمر دليل عملي وواقعي علي ما هو المنتظر من التغيير وأنه لا خوف ولا مخافة من شيء والنتائج مضمونة بل ومحمودة علي الصعيدين الداخلي والخارجي. لكن المتحدثين عن التغيير رغم وجاهة رؤيتهم وحجيتها إلا أنهم يغفلون أو يتغافلون عن الزمن المناسب والوقت الفعال للتغير.. في الخطة التي وضعها وسار علي نهجها المعلم حسن شحاتة.. أن التغيير الأمثل لديه والذي أكسب الفاعلية لجدو وجهوده في الربع ساعة الأخيرة أو في الدقائق العشر المتبقية أو الحساسة أو صفها كما شئت وهو أمر يضفي علي المسألة الكثير من الحساسية والغموض والإبهام. أحاديث ركلات جدو وفصول المعلم شحاتة ذكرتني بالقول الخالد للإمام محمد عبده وهو بحراوي كما هو حالي وحال المعلم شحاتة وجدو. "لعن الله ساس ويسوس وسائس ومسوس وكل مشتقات السياسة" وذلك في معرض حديث له عن السياسة. ومن طريف ما ورد عن السياسة والتسييس ما ذكره أهل اللغة وأربابها أن الصحيح في الكلام تسويس وليس تسييس ومعني اللغويين أقرب إلي حالنا المعاصر.. وأقرب أيضاً إلي حالة اللعن التي قصدها الأستاذ الإمام محمد عبده رحمه الله تعالي. فقد قال المجمعيون "في لجنة الألفاظ والأساليب" إنها من ساس الأمور يسوسها سياسة. إذا قام عليها ودبرها. وأصله من ساس يسوس الدوابَّ. لا خلاف حول هذا. فهذه مادة المعجم علي إجماع. أما مجانية الصواب فكانت في ما قدمه شوقي ضيف تعليلاً. قال: "كان القياس يقتضي أن يقال تسويس لا تسييس من سوس القوم فلاناً تسويساً إذا جعلوه يسوسهم. غير أن اللغة كثيراً ما تقلب الواو ياء والياء واواً كما في دنيا وعليا وموقن وموسر.. وفراراً من اللبس بين التسويس الذي هو وقوع السوس في الخشب. شاعت تسييس من سياسة لما قلنا من أنّ الواو والياء يتبادلان مواضعهما في العربية.. "كتاب الألفاظ والأساليب 3: 79. القاهرة 2000". ووجه الحيرة مع ركلات جدو وشحاتة أن فيها خلط للكورة وللرياضة عموماً بالسياسة.. وهو مذهب ذهب البعض إلي تحريمه تحريماً مؤبداً إذا أدي إلي الإخلال بالأمن والسلم بين الشعوب أو علي الساحة الدولية. وهو الأمر نفسه الذي حاولوا فرضه مع الدين فقالوا لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين. وفي كلا الأمرين حاولوا الحفاظ علي رونق وبهاء الرياضة والسياسة!! ولكن هيهات هيهات.. السياسة وراءك في كل شيء في المأكل والمشرب والملبس ولعب الأطفال وحتي دخلت قلب غرف النوم غير المظلمة!! حقائق مهمة لا يمكن إغفالها: ½ الفرحة كانت حقيقية ولم تكن مصطنعة. ½ الولاء والانتماء لم يكن مجرد شعارات براقة أو فورة فرضها الانفعال.. بل كان حقيقة وصدقاً.. وهو ما أكدته كل الجماهير علي اختلاف توجهاتها السياسية والفكرية والعقدية.. ولم يكن هناك فرق بين الجماهير في هذا الجانب وأكد الجميع ولاءهم لمصر دون أن يطلب أحد منهم ذلك ودون أن ينتظر أحدهم علاوة أو ترقية أو أملا في غنيمة من أي نوع تعودنا عليها عندما يشهر المنافقون والذين في قلوبهم مرض شعارات من قبيل.. باحبك يا مصر.. وهو أمر يثير استياء واستفزاز الناس حتي البسطاء منهم.. إلا هذه المرة فقد كان الصدق شعار الجميع علي اختلاف المشارب. الرسالة كانت واضحة جداً.. حب مصر غير قابل للمزايدة والمتاجرة وأنه كامن في الأعماق يحتاج لحظات صدق وتقدير وإخلاص لهذا البلد حتي تظل شعلة هذا الحب والولاء والانتماء متقدة تملأ الأرجاء نوراً وبهاء.. فاعتبروا يا أولي الأبصار.. إن كنتم علي الجادة سائرون وعن طريق المجد تبحثون.
الجمهورية - مجاهد خلف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق