الجمعة، 5 فبراير 2010

السادات يتحدي الزنزانة ‏54‏ بالضحك


لم يكن الرئيس الراحل محمد أنور السادات‏,‏ مجرد بطل للحرب والسلام‏,‏ كما لم يكن مجرد زعيم امتلك خيالا سياسيا خصبا وقدرة استثنائية علي قراءة المستقبل في منطقة حبلي بالاضطرابات.

وانما كان كذلك حالة مصرية مغرقة في خفة الظل والقفشات اللاذعة لقائد كانت السخرية الممزوجة بالحنكة والدهاء وسيلته لتخفيف حدة التوتر هنا وهناك وإشاعة جو من البهجة حين يقتضي الأمر ذلك‏.‏‏*‏ لا يعرف الكثيرون ان الجانب المرح والقدرة الفائقة علي مواجهة أحلك اللحظات بروح ساخرة تجلي مبكرا في مشوار الرئيس السادات فقد اتهم في قضية اغتيال امين عثمان وزير المالية آنذاك ليقضي في سجن القلعة سنتين ونصف السنة منها عام ونصف العام وحيدا في الزنزانة‏54‏ قبل ان يحكم ببراءته‏,‏ وأثناء فترة حبسه هذه بدأ يمارس كتابة الأدب الساخر ويروي السادات في كتابه‏30‏ شهرا في السجن كيف اصدر مع بعض رفاقه صحيفة ساخرة بعنوان الهنكرة والمنكرة كما قام بعمل اذاعة داخل السجن وقدم بنفسه فقرتين وكان يكتب في لوحة اعلانات السجن برنامج اليوم ومنه‏:‏الساعة‏6.00‏ حديث الاطفال للمربي الفاضل بابا أنورالساعة‏11.00‏ اغنية حديثة للمجعراتي المتسولومن أشعاره الضاحكة التي أوردها في كتابهأنا جيت لكم والله يا ولادأنا بحبكم قوي قوي يا أولادأنا جيت لكم أنا جيتوالاتهامات آخر لخابيط‏*‏ ذات مرة فاجأ الحرس الرئاسي الشخصي الخاص به وهو في منطقة حدائق القبة وأصر علي عبور الطريق علي قدميه ثم ذهب لصاحب محل بقالة كان يتعامل معه وهو ضابط صغير واحتضنه وبالطبع اصاب الذهول عم عبده وقبل ان يتمالك اعصابه ويستوعب الموقف بادر رئيس الجمهورية قائلا افتح الدفتر يا عم عبده انا جاي اسدد ديوني‏.‏‏*‏ ويروي الراحل الكبير د‏.‏ مصطفي محمود هذه الواقعة التي تكشف عن خفة الظل لدي السادات قائلا‏:‏ قابلت السادات بعد أن اصبح رئيسا للجمهورية بعد ان اتصل مكتبه بي ووجدت الرئيس يتحدث الي في التليفون قائلا‏.‏انت انسان مفكر وخلفيتك الثقافية والعلمية رائعة ولهذا فأنا حريص دائما علي متابعة مقالاتك ومؤلفاتك وانا محتاج لك في انشاء مجلس مستشارين مثل مجلس المستشارين الامريكي وعرض السادات علي عدة مناصب‏...‏ تتعلق بالثقافة والفن‏..‏ منها ان اكون رئيس مجلس ادارة دار الهلال بالاضافة الي كوني مستشارا له‏.‏ـ قلت له شوف يا ريس انا عجزت عن ادارة أصغر وحدة وهي زوجتي وأولادي فإذا كنت قد فشلت في ادارة أصغر وحدة فكيف تتصور أنني يمكن أن أنجح في ادارة مؤسسة كاملة قوامها ألفا شخص وادارة وحسابات وخلافة‏.‏فيومها انفجر السادات ضاحكا وقال لي‏:‏يا مصطفي‏..‏ هو فيه واحد بيعرف يدير مراته‏*‏ ولانه رحمه الله يمتلك روحا فكاهية بطبعه فكثيرا ما كان يتجاوز عن أساءات ومواقف كثيرة اذا جاءه الاعتذار مغلفا بشئ من الدعابة‏..‏ وفي أوائل الستينيات حين كان السادات رئيسا لمجلس الأمة الشعب لاحقا اختير الشيخ ماهر اسماعيل عضوا بالمجلس عن النوبة وكان يحظي بحب الجميع لحلاوة لسانه وطلاقة بيانه‏.‏وفي احدي الجلسات قام احد الاعضاء بالهجوم الشديد‏,‏ غير اللائق‏,‏ علي الحكومة ورئيس المجلس شخصيا وتعالت صيحات الاستنكار والغضب وحدث هرج ومرج في المجلس فاضطر السادات الي ايقاف الجلسة لاتخاذ اجراء مع هذا العضو الذي تطاول علي الجميع‏.‏وهنا رفع الشيخ ماهر يده طالبا الكلمة ثم قال‏:‏سيادة الرئيسانت تعرف أننا هنا في هذا المجلس نمثل الشعب بجميع طوائفه وعناصره‏..‏ وانت تعلم ان هناك كثيرا من الافراد يعالجون في مستشفي الامراض العقلية والمصحات العقلية الاخري‏.‏وهذا العضو والزميل الذي تحدث انما يمثل هؤلاء الناس وهذه الفئة بالذات وهذا هو قمة التمثيل الشعبي وقمة الديمقراطية‏..‏ ولذلك فإنني أرجو منك ومن زملائي الأعضاء العفو عنه وأن تصفحوا عما قالهوهنا ضحك السادات قائلاماشي كلامك يا شيخ ماهر‏..‏ ويحذف ما جاء من كلام العضو من مضبطة المجلس
الاهرام - هبة عبد العزيز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق