الخميس، 4 فبراير 2010

رجل الأقدار !!


يقول الفيلسوف الألماني نيتشه "الأقدار تختار التوقيت للأبطال" .. عبارة بليغة من اشهر الفلاسفة الألمان والذي تخصص في تحليل شخصية "السوبرمان" كما أن مدرسته في التحليل النفسي تقوم علي اساس أن القوة والتفوق خصائص يحظي بها البعض دون غيرهم. ولاشك أن حسن شحاتة المولود في 19 يوليو 1947 بكفر الدوار هو رجل الاقدار لهذا العصر الكروي.. لاينسي أحد المدرب الفذ الكابتن الجوهري الذي عمل مساعدا لكرامر أعظم مدربي العالم.. الجوهري حقق انجازا لايزال محفورا في الذاكرة وهو التأهل لنهائيات كأس العالم 1990 بايطاليا وبطولة افريقية هي الرابعة لمصر عام ..1998 صحيح أن التاريخ سيذكر الجوهري وشحاتة. لكن مسيرة الأخير تجعلني أضعه تحت المسمي الذي اخترته عنوانا للمقال وهو "رجل الاقدار".. مؤهلات شحاتة العلمية ليست في مستوي باقي المدربين ولم يحصل علي دراسات عليا في التدريب من معاهد كبري كالتي حققها زملاء آخرون. ومع ذلك كان ينجح في كل مهمة تدريب يتولاها تماما كما كان ينجح كلاعب وهداف في نادي الزمالك. الاقدار اختارت حسن شحاتة ليتولي تدريب المنتخب في 28 اكتوبر عام 2004 وهو نفس العام الذي حصل فيه مع نادي درجة ثانية "المقاولون العرب" علي كأس مصر منتصرا علي الأهلي وبعدها علي كأس السوبر بعد أن فاز علي الزمالك بطل الدوري.. كانت المرة الأولي في التاريخ أن يجيء مدرب من الدرجة الثانية ليقود فريق بلاده لتحقيق الفوز بثلاث بطولات افريقية علي التوالي بالاضافة للبطولة العربية عام 2007 .. سجل رائع لمدرب جاء من الدرجة الثانية رغم انه كان أفضل لاعب كرة قدم خلال السبعينات والثمانينات. ومازلت مع الاقدار لأؤكد أن هذا المدرب الفذ طوال مشواره الكروي سواء لاعب أو مدرب كان رجلا يسانده القدر.. ليس "درويشا" كما يشيعون أو يلجأ لعرافة في المنوفية أو شيخ في مكان آخر. لكنه قريب من الله وحبيب رسوله. لذلك يكافئه المولي عز وجل في مناسبات كثيرة.. "أبوعلي" أو "المعلم" هو نموذج مصري صميم للبطل التراجيدي الذي يتعرض لأزمات تصيبه بالاحباط ثم يحقق نجاحات تنقله الي آفاق رحبة من السعادة.. انسان عادي يشبه ابطال الملاحم اليونانية القديمة الذين يدخلون صراعات مبكرة مع وحوش وظواهر طبيعية فيخفقون وينتصرون.. رحلة حسن شحاتة وحياته تؤكد في كثير من تفاصيلها ان شخصا غيره كان يمكن أن ينزوي ويصاب بالاحباط. لكنه دائما ينتصر علي الفشل.. ماكاد يضع قدمه في الفريق الأول للزمالك ويحرز 3 اهداف حتي جاءت النكسة عام 1967 ليتوقف الدوري ويرحل الي نادي كاظمة الكويتي ويبرز هناك ويلفت الانظار .. كان أول لاعب مصري بعد صالح سليم يحترف في الخارج.. لكنه تفوق علي كابتن الاهلي في انه فاز بلقب افضل لاعب في آسيا عام 1970 رغم انه مصري من افريقيا. لكن القانون كان يسمح للاعب المحترف بغض النظر عن جنسيته بالحصول علي اللقب .. وهكذا حصل ابوعلي علي أول لقب له خارج مصر .. وكان لقبا عالميا رغم انه لم يلعب في الدوري المصري الا عاما واحدا وبالتحديد سبعة اشهر.. لكن الاقدار كانت تخبئ له مفاجأة اخري. فبعد أن انضم للمنتخب القومي عام 1969 وهو مازال لاعبا في كاظمة.. عاد للقاهرة ليلعب مع المنتخب القومي 70 مباراة دولية حتي إعتزاله ويشارك في أول بطولة افريقية له في القاهرة عام 1974 التي فازت فيها مصر بالمركز الثالث لكنه حصل لاول مرة علي لقب أفضل لاعب في هذه الدورة.. وفي نفس العام كرمته الفرانس فوتبول بجائزتها كثالث افضل لاعب افريقي.. وبهذا يكون شحاتة اللاعب الوحيد في العالم الذي حصل علي اللقب في قارتين مختلفتين.. أليس هذا تحالفا من الأقدار مع حسن شحاتة وتأييدا له. ليس سرا ان "المعلم" تعرض لانتقادات عنيفة من أعضاء مجلس اتحاد كرة القدم الذين كانوا يرونه غير مؤهل لتولي فريق بحجم واسم مصر.. لكن حسن شحاتة رد علي كل ناقديه في "الملعب".. وحسن من الناس الذين لا يجيدون الكلام.. في أول بطولة افريقية معه والتي استضافتها القاهرة تمكن من الحصول عليها رغم الانتقادات وقدم جيلا من اللاعبين أصبحوا فيما بعد نجوم الكرة المصرية مثل عمرو زكي صاحب الواقعة الشهيرة بعد إخراج ميدو وعماد متعب وأحمد فتحي وأحمد عيد عبدالملك وأحمد المحمدي وأخيرا جدو.. وعندما حصل علي البطولة العربية عام 2007 تهكموا عليه وقالوا انها أضعف بطولة وأن الفرق القوية لم تشترك فيها. وتنبأوا بخروج مبكر لحسن شحاتة من أمم افريقيا 2008. لكنه لعب وقهر الكاميرون الرهيب بأربعة أهداف في مباراة تاريخية. أليس هذا رجل الأقدار؟ يجتهدون ضده ويحيكون مؤامرات ويقدمون تفسيرات. لكنه ينتصر.. هذا اللاعب الموهوب والمدرب الفذ لم يدرب فريقا كبيرا طوال حياته قبل تولي المسئولية الرئيسية للمنتخب.. درب المريخ والشرطة والاتحاد السكندري والمنيا والشرقية والشمس والسويس بالإضافة للمقاولون.. وفي الخارج الوصل الإماراتي وأهلي بني غازي.. هذه الفرق الصغيرة صنعت أكبر مدرب في افريقيا وواحدا من أحسن خمسة مدربين عالميين.. وان كان الوحيد الذي نجح وهو لاعب بنفس درجة نجاحه كمدرب.. لم يفعلها مارادونا معجزة الكرة العالمية الذي فاقت مسيرته كلاعب امكانياته كمدرب.. ولم يفعلها بوشكاش أو دي ستيفانو.. هيدجيكوتي المجري نجح كلاعب عبقري وكمدرب ممتاز مع الأهلي وليس مع منتخب . لكن حسن شحاتة هو الوحيد في العالم الذي حقق عدة ألقاب لم يشاركه فيها أحد.. أحسن لاعب في قارتين.. أحسن مدرب في افريقيا.. الوحيد الذي عرض عليه فريقان كبيران تدريبهما وهما الكاميرون ونيجيريا واللذان يلجآن عادة للمدارس الأوروبية والأمريكية اللاتينية في التدريب.. أول مدرب في العالم يقود منتخب بلاده في 71 مباراة دولية.. أول لاعب يحصل علي وسام الرياضة من الطبقة الأولي من الرئيس السادات عام 1980 ثم حصل علي نفس الوسام كمدرب من الرئيس مبارك بعد 30 عاما. وهو أول مدرب في العالم يقود منتخباً من اللاعبين المحليين ويحصل بهم علي بطولة قارية.. ليس هناك سوي زيدان المحترف في ألمانيا وبقية الفريق "صناعة محلية". لا تشككوا أبداً في أن الأقدار اختارت هذا البطل لتتوجه ملكاً علي الكرة الإفريقية والآسيوية في القرنين العشرين والحادي والعشرين.. مرة كمدرب وأخري كلاعب. أتحدي أن يكون هناك رجل اختارته الأقدار للعب أدوار مختلفة في حياته مثله.. مشوار طويل من الفرح والانتصار ولم يخل الأمر من التعرض لهزائم وانكسارات.. من ينسي لحسن شحاتة أنه انتصر علي إيطاليا بطل العالم في كأس القارات وفاز عليهم 1/صفر ولعب مباراة العمر مع البرازيل التي انتهت لصالح الأخيرة 4/3 رغم أن التعادل كان النتيجة العادلة. وتسألني عن رأيي الشخصي في هذا البطل الملحمي الذي لابد أن تكرمه الدولة بإطلاق اسمه علي ميدان عام فأقول لك إن أجمل ما فيه أنه رجل بكل معني الكلمة وأب يعرف الحسم والحزم كما يملك التدليل والثناء علي أولاده اللاعبين.. الرجل الذي تمكن من أن يطوع 30 شخصية متباينة الطباع ويفرغهم لخدمة هدف واحد طوال ستة أعوام ويعالجهم من الاكتئاب والاحباط بعد هزيمة الجزائر القاسية وينقلهم بإذن الله إلي فرح وبشر وسروريستحق التقدير.. هو ليس طبيباً نفسياً أو عالم سلوكيات أو حاصلاً علي شهادات عليا.. لكنه مصري من تراب هذا البلد آمن بربه وأخلص لعمله وركز في هدف ولم يخالف ضميره فحصل علي جزائه من العلي القدير. وأعود لما قاله نيتشه الأقدار تختار أبطالها.. وتوقيت الانتصار لمنتخبنا يؤكد علي معني جميل وهو أننا قادرون علي الإنجاز.. نملك جينات التفوق.. هؤلاء اللاعبون أبناء لأسر بسيطة في بر مصر.. صقلهم قائد خبير ومعلم قدير فجادوا بما تجود به الأنفس الطيبة وأعطوا أفضل الثمرات.. إنها رسالة الأقدار للمصريين في كل مجال سواء أساتذة الجامعة أو عمال المصانع أو حتي الذين ينتظرون العمل في طابور البطالة.. الإنجاز ممكن والتفوق متاح.. المطلوب فقط تواصل بين العبد وربه وضمير وإخلاص وقناعة.. وهذا هو ما يميز المصريين وبطلهم حسن شحاتة.
الجمهورية - رئيس التحرير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق