الأحد، 22 أغسطس 2010

الصينيون يهددون الصناعة الوطنية لـ الكوفية الفلسطينية


عندما تولى جودة الحرباوي الإشراف على أعمال والده في مدينة الخليل بجنوب الضفة الغربية، ازدهر مصنع النسيج الذي تمتلكه العائلة. ومصنع عائلة الحرباوي هو الوحيد في الضفة الغربية وقطاع غزة الذي ينتج الكوفية، وهي غطاء الرأس الفلسطيني التقليدي الذي يرتديه الرجال، وأصبح اسم العائلة معروفا باسم المنتج.

ولكن على مدى السنوات العشر الماضية واجه احتكار عائلة الحرباوي للكوفية تحديا شرسا عبر العالم، من الصين.

وبدأ والد الحرباوي أعماله في عام 1961 في وقت كان كبار السن الفلسطينيون هم من يرتدون باستمرار الكوفية، ويثبتونها بحبل أسود يسمى العقال، وكان القرويون والمزارعون في الحقول يستخدمونها للحماية من الشمس الحارقة.

واشتهرت الكوفية على مدى واسع في السبعينيات من القرن الماضي، عندما حولها ياسر عرفات الذي كان يرتديها طول الوقت إلى رمز لحركة التحرير الفلسطينية الحديثة، وهو ما أعطى في نفس الوقت دفعة لتجارة الحرباوي.

وارتدى مقاتلو حركة فتح بزعامة عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية الكوفية، ليس بالمعني العربي التقليدي كغطاء للرأس، لكنهم بدلا من ذلك أسدلوها على أكتافهم، وغالبا ما كانوا يستعملونها لإخفاء وجوههم لأنهم كانوا حركة سرية.

وسارع الشباب الفلسطيني إلى شراء الكوفية الفلسطينية، وتمردا على العادات القديمة رفضوا أن يرتدوها بالأسلوب التقليدي، باعتبار أنه يذكرهم بماض أسود عندما أخفق أسلافهم في حماية فلسطين من الغزاة الأجانب.

وبدلا من ذلك، اختاروا أن يرتدوها على أكتافهم كما يفعل مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية، في رمز للتحرك نحو مستقبل أكثر إشراقا عند تحرير وطنهم من الاحتلال الإسرائيلي.

وقال الحرباوي: "نحن المصنع الوحيد في فلسطين الذي ينتج الكوفية، ولدينا حوالي 20 شخصا يعملون معنا"، وأضاف: "إن سوقنا يغطي الضفة الغربية برمتها، ومن بينها القدس الشرقية وقطاع غزة.. ولكننا لا ننتج كميات تكفي للتصدير".

وينظر إلى الكوفية باعتبارها رمزا فلسطينيا وغطاء للرأس، ولا يعتقد أحد أنها ستجد لها سوقا خارج الأراضي الفلسطينية، وهذا خطأ. فقد رصدت شركات أجنبية أهمية الكوفية في المناطق الفلسطينية وأماكن أخرى من العالم العربي، مثل: الأردن وسوريا والعراق ودول الخليج.

وقال الحرباوي: "حتى 10 سنوات مضت كنا الموردين الوحيدين للكوفية في السوق الفلسطينية"، ولكن السلطة الفلسطينية وقتها، عندما تولت السيطرة من إسرائيل على المدن الكبرى بالضفة الغربية وقطاع غزة، فتحت سوقا فلسطينية صغيرة للمنتجات الأجنبية، ومن نتيجة ذلك دخول المنتجات الرخيصة المصنعة في الصين ومن بينها الكوفية.

ويشكو الحرباوي: "وسرعان ما انخفضت تجارتنا إلى حوالي 20% من مستوى إنتاجنا العادي، لأننا لم نعد قادرين على منافسة الكوفية الصينية الرخيصة"، وأضاف: "واضطررنا إلى تسريح معظم عمالنا والاحتفاظ بأربعة فقط ­سيدتان لحياكة الكوفية وعاملان لإدارة الماكينات"، إنها ضربة خطيرة ولكنها غير مميتة.

وقال الحرباوي: "نحن لدينا زبائننا الذين يعرفون منتجنا ويعرفون جودة إنتاجنا.. وهم يرفضون شراء أي شيء آخر غير كوفية الحرباوي.. وعندما يشترون كوفية يسألون بشكل خاص عنها رغم أنهم يعرفون أنهم سيدفعون أكثر"، ولهذا استمر مصنع النسيج لا يحقق خسارة، ولكنه يتدهور، وأحيانا يحقق مكسبا بسيطا.

وقال الحرباوي إنه لا يفكر في إغلاق مصنعه لأنه لا يريد أن يخسر زبائنه، كما لا يفكر في اقتراض مبلغ من المال لتوسيع نشاطه، وما يفكر فيه هو تطوير المنتج الحالي حتى يضمن الاستمرار في إرضاء زبائنه المخلصين.

ويعتقد أن الدول تحاول حماية صناعتها الوطنية بتقليل استيراد المنتجات المماثلة، إما من خلال الضرائب أو الجمارك أو بتقديم إعانات للصناعة الوطنية، لتجعل أسعارها تنافسية مع الواردات الرخيصة.

غير أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع فعل ذلك لأنها لا تتحكم في حدودها، ومن ثم تتدفق الواردات الرخيصة على السوق الفلسطينية، مما يجعل الكثير من الصناعات المحلية خارج المنافسة.

إلا أن الحرباوي عاقد العزم على ألا يدع المنتجات الصينية الرخيصة تطرده من سوق وطنه الذي يعمل به منذ زمن طويل، ولا يقوم بإغلاق المصنع الذي ينتج المنتج الفلسطيني التقليدي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق