
لا أحد يعرف، إلي الآن، ما هو السبب الحقيقي الذي دفع رجل الأعمال المصري محمد الفايد، إلي بيع محل »هارودز« الشهير، الذي كان حتي الأسبوع الماضي، يملكه في قلب العاصمة البريطانية لندن، فإذا به، فجأة، يقرر بيعه بمليار ونصف المليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل 13 مليار جنيه مصري، تقريباً! وليس المهم، هنا، اسم الشخص أو الشركة التي اشترت، لأن المحل الذي تبلع مساحته 90 ألف متر مربع، معروض للبيع، علي الجميع، وسوف يشتريه قطعاً، مَنْ يدفع فيه أكثر.. وإنما المهم فعلاً، بل الأهم، أن نعرف جوابا عن هذا السؤال: لماذا قرر الفايد، أن يبيع، فجأة هكذا، بعد أن كان قد ظل مالكاً للمحل، منذ عام 1985، عندما كان قد اشتراه بـ 615 مليون جنيه استرليني! طبعا.. كان هذا السؤال، الذي نريد أن نعرف جوابه، قد واجه الفايد، منذ أول لحظة أعلن فيها، أنه قد مضي في عملية البيع، وكان الرجل في كل مرة يسألونه فيها عن السبب، أو عن جواب للسؤال، يرد ويقول إنه يريد أن يستريح، مع أولاده الأربعة، ومع أحفاده! وهو جواب مراوغ كما تري، ولا يبدو مقنعاً، لأن وجود المحل، في يد الفايد، لا يقلل أبداً، من راحته، ولا من استمتاعه بأولاده وأحفاده.. بل علي العكس، يظل بقاء المشروع لديه، من بواعث المتعة والسعادة معاً.. ولذلك، فحكاية رغبته في التفرغ للأولاد والأحفاد، والاستمتاع بهم، في هذه المرحلة من العمر، تبدو غير مقنعة تماماً، كسبب للبيع، وتبدو وكأنها غطاء لشيء آخر، أو لسبب آخر، لا يريد الرجل أن يذكره! وقد كنتُ أتكلم في الموضوع، مع وزير صاحب مكانة، في حكومة الدكتور نظيف، فإذا به يلفت نظري، إلي ملامح وجه الفايد، في الصورة التي نشرتها له الصحف، وهو يعلن عن بيع المحل، وكان رأي الوزير، أن ملامح الفايد، وقت الإعلان عن الصفقة، لا تشير إلي أن سعادة في داخله، وإنما يبدو العكس علي وجهه، وتبدو معالم الوجه، وكأن الرجل قد باع، رغم إرادته، أو كأنه قد قدم علي خطوة، لم يكن يحب أن يقطعها! وحين رجعت بدوري، أتطلع إلي ملامح وجهه، اكتشفت بعد لحظة من التأمل، أن ملاحظة الوزير تبدو صحيحة إلي حد كبير، وأن وجه الفايد، وهو يخرج علي الدنيا كلها، ليعلن نبأ البيع، ليس وجهاً لرجل سوف يقبض 13 مليار جنيه في يده.. بل إنه، الوجه، يبدو، في لحظته، وكأن الرجل قد خسر المبلغ، ولم يقبضه! وحين قيل إن الفايد، قد بدأ التفكير في البيع، بعد وفاة شقيقه، قبل شهور، فإن هذا السبب هو الآخر، قد بدا غير مقنع، كالسبب السابق بالضبط.. وإلا.. فقد كان الأجدر به، أن يتخلص من المشروع، بعد وفاة ابنه عماد الفايد، مع الأميرة ديانا، في الحادث الشهير في باريس قبل 13 عاماً، وليس بعد وفاة شقيقه، ما دام المنطق منطق حزن، علي عزيز مات! وليس من الممكن، أن تكون مضايقات الحكومة الإنجليزية، للفايد، هي السبب، لا لشيء إلا لأنها مضايقات قديمة، وليست جديدة، وهو يواجهها منذ فترة طويلة، ويتحداها دوماً، فلماذا، إذن، يتم البيع الآن؟! وأياً كان السبب، فهو سوف يتضح، خلال الفترة القادمة، إذا مضت الصفقة في طريقها، لم يعطلها أحد، ولذلك، فإن علينا الآن، ان نتكلم عما بعدها، سواء تمت، أو حتي لم تتم. ذلك أن الفايد، قد أعلن في التوقيت ذاته، ما يشير إلي أنه بعد البيع، سوف يواصل العيش في الخارج، ولن يأتي إلي بلده، ولابد أن كثيرين، قد تساءلوا حين أعلن ذلك، عما كان رجل بهذا الثراء، قد قدمه لبلده، بحيث يعيش من بعده، فيذكره به الناس، أطال الله عمره! وأظن أن السؤال اليوم هو: إذا لم يكن الفايد قد قدم لبلده، من قبل، فلماذا لا يقدم الآن؟! ولماذا لا يقتدي في هذا الطريق، بالملياردير الأمريكي بيل جيتس الذي كان علي رأس قائمة أغني أغنياء العالم، لسنوات، والذي تبرع بأغلب ثروته، لمشروعات الخير، في بلده، وغير بلده، وكان ولا يزال يساهم في مكافحة الأمراض المتوطنة، في أفريقيا، وينفق علي التعليم، في كل مكان تستطيع أن تصله يداه! ولم يكن »بيل جيتس« فريداً في هذا الطريق، فالمذيعة الأمريكية الشهيرة »أوبرا وينفري« كانت هي الأخري، ولاتزال تتبرع بما تستطيع أن تتبرع به، لأطفال جنوب أفريقيا، في سبيل تعليمهم، وإنقاذهم من الأمراض. وغير »بيل جيتس« ثم »أوبرا وينفري« وهناك كثيرون ومنهم »وارين بافيت« علي سبيل المثال .. وإذا كان الفايد ينتمي إلي الإسكندرية، فإن السؤال يظل عما إذا كان قد صنع شيئاً يبقي، لأبناء المحافظة، علي وجه الخصوص، ثم لأبناء مصر، علي وجه العموم؟! والمؤكد، أن الرجل قد حزن علي أشياء كثيرة في حياته، والمؤكد أيضا، أنه قد واجه صعوبات عديدة، علي مدي عمره، ولكن لا أحد يستطيع أن يجادل، في أن رحيل ابنه عماد، مع الأميرة ديانا، عام 1997، كان هو قمة المأساة، وذروة الحزن، في حياته كلها.. وليس أدل علي ذلك، من أنه، حين فكر في أن يقيم مزاراً في محلات هارودز، فإنه قد فعلها، مع اثنين فقط: عماد وديانا.. ولا أحد غيرهما!. وإذا اختلف العالم كله، حول أسباب الحادث الذي راح الاثنان ضحيته، فلن تختلف أنت، ولا أنا، ولا هو، علي أن الحادث كان مأساوياً، وإنه هز العالم، في وقته، بمثل ما إن خبر بيع »هارودز« قد طغي هو الآخر، علي أخبار الانتخابات النيابية الإنجليزية نفسها! ولذلك، فالسؤال هو: لماذا لا يبادر الفايد، ببناء مستشفي، أو عدة مستشفيات، علي الطرق السريعة، في مصر، لإنقاذ ضحايا الحوادث، خصوصاً وأن ضحاياها منها 7 آلاف مواطن، في كل عام، وهو رقم ليس له مثيل من نوعه في أي بلد، في العالم، وساعتها سوف يقال، إن الفايد يريد أن ينقذ أبناء غيره، من أن يكونوا ضحايا حادث، شأن ابنه العزيز علي قلبه، وإذا كانت الصدفة، لم توفر أحداً، لإنقاذ عماد من الحادث الشهير، فإن أباه، بمبادرة منه - لو بادر بذلك - لا يريد أن يصاب غيره، بما أصيب هو به.. وساعتها أيضاً، سوف يُقال، إن هذا لو تحقق، فهو وحده ما سوف يتبقي منه، بدلاً من أن يقال، إنه كان - فقط - قد باع هارودز، وكان قد اشتراه!!
الوفد - سليمان جودة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق