الاثنين، 17 مايو 2010

ماذا‮ ‬يتبقي‮ ‬من محمد الفايد ؟‮!‬


لا أحد‮ ‬يعرف،‮ ‬إلي‮ ‬الآن،‮ ‬ما هو السبب الحقيقي‮ ‬الذي‮ ‬دفع رجل الأعمال المصري‮ ‬محمد الفايد،‮ ‬إلي‮ ‬بيع محل‮ »‬هارودز‮« ‬الشهير،‮ ‬الذي‮ ‬كان حتي‮ ‬الأسبوع الماضي،‮ ‬يملكه في‮ ‬قلب العاصمة البريطانية لندن،‮ ‬فإذا به،‮ ‬فجأة،‮ ‬يقرر بيعه بمليار ونصف المليار جنيه إسترليني،‮ ‬أي‮ ‬ما‮ ‬يعادل‮ ‬13‮ ‬مليار جنيه مصري،‮ ‬تقريباً‮! ‬ وليس المهم،‮ ‬هنا،‮ ‬اسم الشخص أو الشركة التي‮ ‬اشترت،‮ ‬لأن المحل الذي‮ ‬تبلع مساحته‮ ‬90‮ ‬ألف متر مربع،‮ ‬معروض للبيع،‮ ‬علي‮ ‬الجميع،‮ ‬وسوف‮ ‬يشتريه قطعاً،‮ ‬مَنْ‮ ‬يدفع فيه أكثر‮.. ‬وإنما المهم فعلاً،‮ ‬بل الأهم،‮ ‬أن نعرف جوابا عن هذا السؤال‮: ‬لماذا قرر الفايد،‮ ‬أن‮ ‬يبيع،‮ ‬فجأة هكذا،‮ ‬بعد أن كان قد ظل مالكاً‮ ‬للمحل،‮ ‬منذ عام‮ ‬1985،‮ ‬عندما كان قد اشتراه بـ‮ ‬615‮ ‬مليون جنيه استرليني‮!‬ طبعا‮.. ‬كان هذا السؤال،‮ ‬الذي‮ ‬نريد أن نعرف جوابه،‮ ‬قد واجه الفايد،‮ ‬منذ أول لحظة أعلن فيها،‮ ‬أنه قد مضي‮ ‬في‮ ‬عملية البيع،‮ ‬وكان الرجل في‮ ‬كل مرة‮ ‬يسألونه فيها عن السبب،‮ ‬أو عن جواب للسؤال،‮ ‬يرد ويقول إنه‮ ‬يريد أن‮ ‬يستريح،‮ ‬مع أولاده الأربعة،‮ ‬ومع أحفاده‮!‬ وهو جواب مراوغ‮ ‬كما تري،‮ ‬ولا‮ ‬يبدو مقنعاً،‮ ‬لأن وجود المحل،‮ ‬في‮ ‬يد الفايد،‮ ‬لا‮ ‬يقلل أبداً،‮ ‬من راحته،‮ ‬ولا من استمتاعه بأولاده وأحفاده‮.. ‬بل علي‮ ‬العكس،‮ ‬يظل بقاء المشروع لديه،‮ ‬من بواعث المتعة والسعادة معاً‮.. ‬ولذلك،‮ ‬فحكاية رغبته في‮ ‬التفرغ‮ ‬للأولاد والأحفاد،‮ ‬والاستمتاع بهم،‮ ‬في‮ ‬هذه المرحلة من العمر،‮ ‬تبدو‮ ‬غير مقنعة تماماً،‮ ‬كسبب للبيع،‮ ‬وتبدو وكأنها‮ ‬غطاء لشيء آخر،‮ ‬أو لسبب آخر،‮ ‬لا‮ ‬يريد الرجل أن‮ ‬يذكره‮!‬ وقد كنتُ‮ ‬أتكلم في‮ ‬الموضوع،‮ ‬مع وزير صاحب مكانة،‮ ‬في‮ ‬حكومة الدكتور نظيف،‮ ‬فإذا به‮ ‬يلفت نظري،‮ ‬إلي‮ ‬ملامح وجه الفايد،‮ ‬في‮ ‬الصورة التي‮ ‬نشرتها له الصحف،‮ ‬وهو‮ ‬يعلن عن بيع المحل،‮ ‬وكان رأي‮ ‬الوزير،‮ ‬أن ملامح الفايد،‮ ‬وقت الإعلان عن الصفقة،‮ ‬لا تشير إلي‮ ‬أن سعادة في‮ ‬داخله،‮ ‬وإنما‮ ‬يبدو العكس علي‮ ‬وجهه،‮ ‬وتبدو معالم الوجه،‮ ‬وكأن الرجل قد باع،‮ ‬رغم إرادته،‮ ‬أو كأنه قد قدم علي‮ ‬خطوة،‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬يحب أن‮ ‬يقطعها‮!‬ وحين رجعت بدوري،‮ ‬أتطلع إلي‮ ‬ملامح وجهه،‮ ‬اكتشفت بعد لحظة من التأمل،‮ ‬أن ملاحظة الوزير تبدو صحيحة إلي‮ ‬حد كبير،‮ ‬وأن وجه الفايد،‮ ‬وهو‮ ‬يخرج علي‮ ‬الدنيا كلها،‮ ‬ليعلن نبأ البيع،‮ ‬ليس وجهاً‮ ‬لرجل سوف‮ ‬يقبض‮ ‬13‮ ‬مليار جنيه في‮ ‬يده‮.. ‬بل إنه،‮ ‬الوجه،‮ ‬يبدو،‮ ‬في‮ ‬لحظته،‮ ‬وكأن الرجل قد خسر المبلغ،‮ ‬ولم‮ ‬يقبضه‮!‬ وحين قيل إن الفايد،‮ ‬قد بدأ التفكير في‮ ‬البيع،‮ ‬بعد وفاة شقيقه،‮ ‬قبل شهور،‮ ‬فإن هذا السبب هو الآخر،‮ ‬قد بدا‮ ‬غير مقنع،‮ ‬كالسبب السابق بالضبط‮.. ‬وإلا‮.. ‬فقد كان الأجدر به،‮ ‬أن‮ ‬يتخلص من المشروع،‮ ‬بعد وفاة ابنه عماد الفايد،‮ ‬مع الأميرة ديانا،‮ ‬في‮ ‬الحادث الشهير في‮ ‬باريس قبل‮ ‬13‮ ‬عاماً،‮ ‬وليس بعد وفاة شقيقه،‮ ‬ما دام المنطق منطق حزن،‮ ‬علي‮ ‬عزيز مات‮!‬ وليس من الممكن،‮ ‬أن تكون مضايقات الحكومة الإنجليزية،‮ ‬للفايد،‮ ‬هي‮ ‬السبب،‮ ‬لا لشيء إلا لأنها مضايقات قديمة،‮ ‬وليست جديدة،‮ ‬وهو‮ ‬يواجهها منذ فترة طويلة،‮ ‬ويتحداها دوماً،‮ ‬فلماذا،‮ ‬إذن،‮ ‬يتم البيع الآن؟‮!‬ وأياً‮ ‬كان السبب،‮ ‬فهو سوف‮ ‬يتضح،‮ ‬خلال الفترة القادمة،‮ ‬إذا مضت الصفقة في‮ ‬طريقها،‮ ‬لم‮ ‬يعطلها أحد،‮ ‬ولذلك،‮ ‬فإن علينا الآن،‮ ‬ان نتكلم عما بعدها،‮ ‬سواء تمت،‮ ‬أو حتي‮ ‬لم تتم‮.‬ ذلك أن الفايد،‮ ‬قد أعلن في‮ ‬التوقيت ذاته،‮ ‬ما‮ ‬يشير إلي‮ ‬أنه بعد البيع،‮ ‬سوف‮ ‬يواصل العيش في‮ ‬الخارج،‮ ‬ولن‮ ‬يأتي‮ ‬إلي‮ ‬بلده،‮ ‬ولابد أن كثيرين،‮ ‬قد تساءلوا حين أعلن ذلك،‮ ‬عما كان رجل بهذا الثراء،‮ ‬قد قدمه لبلده،‮ ‬بحيث‮ ‬يعيش من بعده،‮ ‬فيذكره به الناس،‮ ‬أطال الله عمره‮! ‬ وأظن أن السؤال اليوم هو‮: ‬إذا لم‮ ‬يكن الفايد قد قدم لبلده،‮ ‬من قبل،‮ ‬فلماذا لا‮ ‬يقدم الآن؟‮! ‬ولماذا لا‮ ‬يقتدي‮ ‬في‮ ‬هذا الطريق،‮ ‬بالملياردير الأمريكي‮ ‬بيل جيتس الذي‮ ‬كان علي‮ ‬رأس قائمة أغني‮ ‬أغنياء العالم،‮ ‬لسنوات،‮ ‬والذي‮ ‬تبرع بأغلب ثروته،‮ ‬لمشروعات الخير،‮ ‬في‮ ‬بلده،‮ ‬وغير بلده،‮ ‬وكان ولا‮ ‬يزال‮ ‬يساهم في‮ ‬مكافحة الأمراض المتوطنة،‮ ‬في‮ ‬أفريقيا،‮ ‬وينفق علي‮ ‬التعليم،‮ ‬في‮ ‬كل مكان تستطيع أن تصله‮ ‬يداه‮!‬ ولم‮ ‬يكن‮ »‬بيل جيتس‮« ‬فريداً‮ ‬في‮ ‬هذا الطريق،‮ ‬فالمذيعة الأمريكية الشهيرة‮ »‬أوبرا وينفري‮« ‬كانت هي‮ ‬الأخري،‮ ‬ولاتزال تتبرع بما تستطيع أن تتبرع به،‮ ‬لأطفال جنوب أفريقيا،‮ ‬في‮ ‬سبيل تعليمهم،‮ ‬وإنقاذهم من الأمراض‮.‬ وغير‮ »‬بيل جيتس‮« ‬ثم‮ »‬أوبرا وينفري‮« ‬وهناك كثيرون ومنهم‮ »‬وارين بافيت‮« ‬علي‮ ‬سبيل المثال‮ .. ‬وإذا كان الفايد‮ ‬ينتمي‮ ‬إلي‮ ‬الإسكندرية،‮ ‬فإن السؤال‮ ‬يظل عما إذا كان قد صنع شيئاً‮ ‬يبقي،‮ ‬لأبناء المحافظة،‮ ‬علي‮ ‬وجه الخصوص،‮ ‬ثم لأبناء مصر،‮ ‬علي‮ ‬وجه العموم؟‮!‬ والمؤكد،‮ ‬أن الرجل قد حزن علي‮ ‬أشياء كثيرة في‮ ‬حياته،‮ ‬والمؤكد أيضا،‮ ‬أنه قد واجه صعوبات عديدة،‮ ‬علي‮ ‬مدي‮ ‬عمره،‮ ‬ولكن لا أحد‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يجادل،‮ ‬في‮ ‬أن رحيل ابنه عماد،‮ ‬مع الأميرة ديانا،‮ ‬عام‮ ‬1997،‮ ‬كان هو قمة المأساة،‮ ‬وذروة الحزن،‮ ‬في‮ ‬حياته كلها‮.. ‬وليس أدل علي‮ ‬ذلك،‮ ‬من أنه،‮ ‬حين فكر في‮ ‬أن‮ ‬يقيم مزاراً‮ ‬في‮ ‬محلات هارودز،‮ ‬فإنه قد فعلها،‮ ‬مع اثنين فقط‮: ‬عماد وديانا‮.. ‬ولا أحد‮ ‬غيرهما‮!.‬ وإذا اختلف العالم كله،‮ ‬حول أسباب الحادث الذي‮ ‬راح الاثنان ضحيته،‮ ‬فلن تختلف أنت،‮ ‬ولا أنا،‮ ‬ولا هو،‮ ‬علي‮ ‬أن الحادث كان مأساوياً،‮ ‬وإنه هز العالم،‮ ‬في‮ ‬وقته،‮ ‬بمثل ما إن خبر بيع‮ »‬هارودز‮« ‬قد طغي‮ ‬هو الآخر،‮ ‬علي‮ ‬أخبار الانتخابات النيابية الإنجليزية نفسها‮!‬ ولذلك،‮ ‬فالسؤال هو‮: ‬لماذا لا‮ ‬يبادر الفايد،‮ ‬ببناء مستشفي،‮ ‬أو عدة مستشفيات،‮ ‬علي‮ ‬الطرق السريعة،‮ ‬في‮ ‬مصر،‮ ‬لإنقاذ ضحايا الحوادث،‮ ‬خصوصاً‮ ‬وأن ضحاياها منها‮ ‬7‮ ‬آلاف مواطن،‮ ‬في‮ ‬كل عام،‮ ‬وهو رقم ليس له مثيل من نوعه في‮ ‬أي‮ ‬بلد،‮ ‬في‮ ‬العالم،‮ ‬وساعتها سوف‮ ‬يقال،‮ ‬إن الفايد‮ ‬يريد أن‮ ‬ينقذ أبناء‮ ‬غيره،‮ ‬من أن‮ ‬يكونوا ضحايا حادث،‮ ‬شأن ابنه العزيز علي‮ ‬قلبه،‮ ‬وإذا كانت الصدفة،‮ ‬لم توفر أحداً،‮ ‬لإنقاذ عماد من الحادث الشهير،‮ ‬فإن أباه،‮ ‬بمبادرة منه‮ - ‬لو بادر بذلك‮ - ‬لا‮ ‬يريد أن‮ ‬يصاب‮ ‬غيره،‮ ‬بما أصيب هو به‮.. ‬وساعتها أيضاً،‮ ‬سوف‮ ‬يُقال،‮ ‬إن هذا لو تحقق،‮ ‬فهو وحده ما سوف‮ ‬يتبقي‮ ‬منه،‮ ‬بدلاً‮ ‬من أن‮ ‬يقال،‮ ‬إنه كان‮ - ‬فقط‮ - ‬قد باع هارودز،‮ ‬وكان قد اشتراه‮!!‬
الوفد - سليمان جودة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق