الأربعاء، 25 أغسطس 2010

سامى عبد العزيز يكتب : بعيدا عن الوصاية والنقد‏..‏ الإعلام في رمضان

لست ناقدا فنيا‏,‏ ومن ثم لايهدف مقالي هذا الي تحليل المضامين الإعلامية التي يتم تقديمها في رمضان أو التعليق عليها سلبا وإيجابا‏ ولست ممن يفضلون فرض الوصاية علي الناس‏,‏ والتطوع بذكر ماينبغي ومالا ينبغي أن يفعلوه خلال شهر رمضان‏.

فالناس أصبحوا أكثر وعيا وثقافة من كثير ممن يتحدثون اليهم‏..‏ وإنما يهدف هذا المقال إلي رصد بعض الملاحظات العلمية عن الوضع الإعلامي الرمضاني‏,‏ وإثارة بعض التساؤلات البحثية المتعلقة به‏..‏ خاصة أن هناك مسارات مختلفة‏,‏ ووجهات نظر متباينة‏,‏ وطرق تفكير متعدد تجاه ظاهرة الإعلام الرمضاني‏.‏

ففي ظل وجود هذا البوفيه الإعلامي المفتوح‏,‏ الذي تتراص فيه المضامين الإعلامية علي اختلاف أنواعها وأشكالها وقوالبها جنبا الي جنب‏,‏ في محاولة لجذب أكبر عدد من الجمهور إليها‏,‏ تتعدد الدعاوي القائلة بأن هذا الإنتاج الضخم إنما هو ظاهرة إيجابية‏,‏ تعبر عن التطور الذي شهدته وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة‏,‏ وتعبر عن نضج كمي وكيفي شكلا ومضمونا‏..‏ غير أن هذا البوفية المفتوح يثير أيضا مجموعة من التساؤلات البحثية عن نوعين من المردود أو التأثيرات‏:‏ أولهما هو المردود الثقافي‏,‏ فهل أسهمت هذه المضامين في خلق أو في غرس حالة ثقافية إيجابية‏,‏ وساعدت علي تنمية وعي الجمهور‏,‏ والارتقاء بذوقه العام؟ وثانيهما هو المردود الاقتصادي‏,‏ فهل استطاع هذا البوفيه الإعلامي المفتوح أن يغطي تكلفته بالنسبة للمنتجين ولقنوات الاتصال علي حد سواء؟ وتشير الملاحظة الشخصية التحليلية الأولي والتي تحتاج الي تدقيق علمي إلي أي من المردودين لم يتحقق‏.‏

ومن ناحية أخري‏,‏ يشير البعض الي أن هذا التنوع في المضامين والأشكال إنما هو استجابة لرغبات الجمهور ولحاجاتهم الإعلامية‏,‏ فالجمهور له اليد الطولي‏,‏ وله الإرادة الغالبة التي يجب الانصياع لها‏,‏ ومن ثم فإن العجز عن إنتاج مثل هذه المضامين‏,‏ بأشكالها الراهنة‏,‏ سوف يصرف الجمهور عن وسائل الاعلام ويفقد وسائل الاعلام جمهورها المستهدف‏..‏ وتثير وجهة النظر هذه بعض التساؤلات أيضا عن حقيقة دور الجمهور في المعادلة الإعلامية العربية وعن قوته الحقيقية‏..‏ فهل تأتي المضامين الإعلامية استجابة لرغبات هذا الجمهور أو انعكاسا لتطلعات المنتجين والقائمين بالاتصال؟‏..‏ ولا توجد إجابة محددة يمكن الحكم من خلالها في ضوء نتائج الدراسات الراهنة‏,‏ فلكل موقف ما يؤيده‏,‏ ولكل اتجاه مايبرر وجوده‏..‏

وبين هذا وذاك‏..‏ توجد مدرسة توفيقية يشير أصحابها إلي أنه أيا كان صاحب اليد العليا‏:‏ الجمهور أو وسائل الإعلام‏,‏ فإن هذه الصناعة بشكلها الراهن انما هي عملية اقتصادية يجب دفعها وتشجيعها‏,‏ إذ تؤدي إلي تدوير رؤوس الأموال‏,‏ وخلق فرص عمل عديدة‏..‏ وهي عملية ترفيهية تخرج الناس غفي فترة زمنية محددة من حالة الإحباط الذي يسيطر عليهم نتيجة ضغوط الحياة المختلفة‏,‏ وتجعلهم أكثر سعادة‏,‏ حتي ولو كانت سعادة زائفة‏..‏ وهي حالة مطلوبة علي أي حال‏(‏ ويطلق علي ذلك تأثيرات الاستخدامات والإشباعات‏)..‏ غير أن القول بأنها تؤدي إلي خلق فرص عمل كثيرة هو قول لاتوجد احصائيات تؤكده‏,‏ كما أنه لا توجد أدلة بحثية علي كون الناس يشعرون بحالة من السعادة نتيجة تعرضهم لوسائل الإعلام‏.‏

والمواقف الثلاثة السابقة‏,‏ تثير عدة أسئلة متضادة‏,‏ يؤدي كل منها الي طريق مختلف‏:‏ فإن كان القرار في يد القائمين بالاتصال‏(‏ ويطلق عليهم أحيانا حراس البوابات الإعلامية‏)‏ فهل يستطيع هولاء اتخاذ قرار بتغيير مكونات هذا البوفيه؟ أو في حالة التفاؤل هل يستطيعون إلغاءه؟ وهل لهم القدرة علي ذلك؟ أم أن العصمة في يد الجمهور‏,‏ وبالتالي يصبح السؤال‏:‏ هل نستطيع استغلال هذه القوة الذاتية لهذا الجمهور في بناء نمط اتصالي قادر علي رفع معدلات التنمية؟ أو في القيام بمشروع قومي يستمد هذه الطاقات الفاعلة للجمهور ويحولها الي مؤشرات كمية دالة؟ أو أن العلاقة تبادلية‏,‏ والقرار ثنائي الاتجاه‏(‏ نظرية العلاقات المتبادلة‏),‏ ومن ثم يصبح السؤال‏:‏ هل نستطيع خلق إرادة جمعية تستغل هذه الطاقة لدي كل من القائمين بالاتصال والجمهور في مشروع قومي يغير جانبا أو عدة جوانب من حياتنا‏,‏ ويجعلها أكثر إشراقا‏,‏ وأكثر إمتاعا ؟

إننا بحاجة إلي فكر جديد يستثمر شهر رمضان‏,‏ ويستثمر الطاقات الكامنة فيه لدي كل من وسائل الإعلام والجمهور‏..‏ تخيلوا معي لو اننا جعلنا المضامين الإعلامية بداية من شهر رمضان المقبل ولمدة خمس سنوات علي الاقل‏(‏ فقد ظللنا أسري لفوازير رمضان اكثر من ثلاثين عاما وحينما اختفت لم تنقلب الدنيا‏)‏ نركز علي قضية جوهرية من قضايانا المعاصرة‏,‏ وصبت كل اهتمامها علي تهيئة الجمهور نفسيا ومعرفيا وسلوكيا لنبني الأطر الإيجابية في هذه القضية‏..‏ ماذا لو جعلنا قضية رمضان المقبل هي قضية النظافة‏,‏ أو حقوق الإنسان‏,‏ أو محو الأمية أو غيرها من القضايا الجوهرية المصرية؟‏(‏ وهو مايطلق عليه في الدراسات العلمية مصطلحات تأثيرات وضع الأجندة‏,‏ التهيئة المعرفية‏)‏ وقد يرد البعض بأن ذلك يتطلب أن تكون هناك إدارة عليا وإرادة عامة تعلو فوق كل إدارات وسائل الإعلام الراهنة وإراداتهم‏..‏ والإجابة وما المانع من السعي لوجود هذه الإدارة وتلك الإرادة؟ وقد يقول البعض بأن تبني قضية جادة في شهر رمضان من شأنه ان يصرف الجمهور عن وسائل الإعلام‏..‏ والرد بأن ذلك جائز في حالة أن يتم تقديم هذه المضامين بأشكال تقليدية‏..‏ ولكن لماذا لايتم استغلال حالة التوهج الفني في رمضان في إنتاج هذه البرامج والمضامين القومية؟ أكاد أزعم أنه لو حدث هذا الاتفاق‏,‏ وتم الإلتزام به لعدة سنوات‏,‏ لتغيرت كثير من معالم الحياة في مصر‏.‏

ومن ناحية أخري‏,‏ وحتي نقف علي أرضية علمية رصينة فانني ادعو كل الاطراف المشاركة في الاعلام الرمضاني سواء وزارة الاعلام واصحاب ورؤساء القنوات التليفزيونية وشركات الانتاج وشركات الاعلان الي المشاركة بتساؤلاتهم وهمومهم في أكبر دراسة علمية تخطط لها كلية الإعلام بجامعة القاهرة بالإعداد لها حاليا حول أنماط استخدام الجمهور المصري لوسائل الإعلام المصرية والعربية خلال شهر رمضان‏,‏ ودراسة استخداماتهم وتقييماتهم لهذه المضامين‏,‏ والتركيز علي تحليل احتياجاتهم الحقيقية من برامج ومسلسلات رمضان‏..‏ ولا شك في أن هذه الدراسة‏,‏ التي تجريها كلية الإعلام بمراكزها البحثية المختلفة بمشاركة واستشارة خبراء عالميين في دراسات الإعلام‏,‏ يمكن أن تغذي كافة أطراف العملية الإنتاجية والتسويقية باجابات حقيقية عن كافة الأسئلة التي نحتاج الي رأي علمي بشأنها‏,‏ وكثيرة ما هي‏.‏ كل ذلك تأكيدا لما اتفقنا عليه في ان تكون كلية الاعلام بيت خبرة تدرس وتشارك في تحليل ووضع الرسالة الاعلامية‏,‏ انني علي يقين من ان وزير الاعلام لديه من العلم والذكاء مايجعله يبادر ويشارك معنا في هذه الخطوة لعلنا نجد تفسيرا لما يمكن اعتباره مبدئيا النظرية المصرية في الاعلام الرمضاني‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق