الأحد، 18 أكتوبر 2009

حائزو نوبل.. خدمة البشرية أم مصالح الكبار؟!


كثير من الجدل والدهشة أثارتها جوائز نوبل لهذا العام حيث فازت خمس سيدات للمرة الأولى منذ اطلاقها عام 1901م ، كما اعتبر فوز الكاتبة الرومانية هيرتا مولر بالجائزة الأدبية مفاجأة إذ لم تكن بين أبرز المرشحين ، وكان الحديث يدور قبلها عن تكريم الشعر أو اللغة الأسبانية. ولكن عدت جائزة السلام أكبر المفاجآت حينما ذهبت لرئيس أكبر دولة في العالم " باراك اوباما" والذي لم يكن يمضي على توليه منصبه سوى بضع أيام وقت ترشيحه للجائزة، وقدم وعودا فحسب لإحلال السلام ، وكأن لسان حال الجائزة أنها تمنح لـ حسن النوايا بدلا من الأفعال على أرض الواقع ! ، جاء ذلك في وقت فاز فيه تسعة أمريكيين بالجائزة في فروعها المختلفة من أصل 13 فائزاً !


جوع المعسكرات
بررت لجنة منح الجائزة فوز مولر بأنها عكست عبر كتاباتها الحياة اليومية الكئيبة في ظل نظام " تشاوشيسكو " القمعي والمعاملة القاسية للرومانيين الألمان ، كما شكل الفساد وعدم التسامح والاضطهاد افكارا رئيسية في كتاباتها.
مولر التي حزمت معها ماضيها عندما غادرت من رومانيا، ولم تمح الحياة في ألمانيا خبرتها الماضية، قالت "كتاباتي كانت دائما عن كيفية صعود الدكتاتورية. كيف يمكن أن يحدث وضع يسيطر فيه حفنة من الرجال الأقوياء علي بلد فيختفي البلد ولا تبقي سوى الدولة ".
وتقول "شاعرة القهر" كما يلقبها الألمان : " تعلمت من أمي أن البرد أسوأ من الجوع، وأسوأ منه الرياح. وأن حبة بطاطس ساخنة هي فراش دافيء، وتعكس هذه العبارة معاناتها الشخصية في ظل الشيوعية. وعن جوع المعسكرات الذي تقول أن له ملاكا بألف عين وفم واحد.
ولتزامن منح مولر الجائزة مع الذكرى العشرين لسقوط الشيوعية فقد اعتبره البعض استمرار ا للثأر من الشيوعية، في حين نفى مايكل كروجر رئيس دار "هانز فيرلاج" ناشر ميللر صحة ذلك ، مؤكدا أنه بمنح الجائزة إلى مولر فإن اللجنة بذلك تعرفت على كاتبة رفضت أن يصبح الجانب اللا إنساني للحياة في ظل الشيوعية منسيا، بعد عشرين عاما من نهاية صراع الشرق والغرب.
وفي مقال الشاعر آدم يوسف بصحيفة "الجريدة" قال أن الجائزة لا تركز على السمات الفنية والأسلوبية للأديب الفائز بقدر مضمون إبداعه ، في وقت لا تولي الثقافة العربية اهتماما بالمضمون بقدر اهتمامها باللفظ ، " وهي أمة شاعرة بالدرجة الأولى لم تعرف الرواية إلا متأخرا مقارنة بالشعوب الاوروبية مثلا " ، ولكن نوبل حتى هذه اللحظة لم تتآلف مع الشعراء بقدر ائتلافها مع الروائيين .
وأضاف أنه لو نظرنا إلى حيثيات منح الجائزة لهذه السنة، مثل الدفاع عن المحرومين، أو المعاناة من جراء سلطات مستبدة، فإننا نجدها تنطبق على مبدعين عرب لا حصر لهم، عانوا الاستبداد وتشردوا في منافي أوروبا، وأميركا والشرق الأقصى، منهم من له أعمال تفوق كثيراً روايات وقصص هيرتا مولر.
ثوربيورين ياغلاند ــ رئيس لجنة نوبل للسلام
إنها مزحة!تباينت ردود الأفعال بفوز أوباما بجائزة نوبل للسلام ؛ ففي حين اعتبره الكثيرون "الشخص المناسب" للجائزة، رأى آخرون أنه لم يفعل شيئاً للسلام، وأن القائمين على الجائزة اعتمدوا على "حسن النوايا".
وكانت لجنة جائزة نوبل للسلام أعلنت منح الرئيس أوباما الجائزة "لجهوده الاستثنائية بهدف تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب" بحسب بيانها .
أوباما نفسه قال تعليقا على فوزه: " إنني لا أرى ذلك تقديراً لي على إنجازات شخصية، بقدر ما تعكس من اعتراف بالدور الأمريكي القيادي، سوف أقبل هذه الجائزة من منطلق أنها تتضمن دعوة لإنجاز المزيد".
وفي باكستان قال لياقة بلوخ العضو البارز في حزب الجماعة الاسلامية الديني المحافظ "أنها مزحة، ما التغيير الذي حققه أوباما في العراق أو الشرق الاوسط أو أفغانستان".
والخبر الذي فاجأ غالبية الأميركيين قبل غيرهم، أدى لإنطلاق حملة تلاسن، وصلت إلى حد اعتبار المعلق الجمهوري راش ليمبو أن لجنة اختيار جوائز نوبل مؤلفة من محامي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وسخر من سمعة اللجنة. كما اعتبر أن هذه الجائزة ستوصل "غرور وتعجرف أوباما الى أرقام قياسية" ، واعتبر موقف اللجنة كما لو كان مجرد رد على سياسة الرئيس السابق جورج بوش، الذي هز الأمن والسلم العالميين بحروبه العسكرية وحملاته السياسية".
محمد عبدالله القواسمة
مكافأة للغرب
في حديثه لـ "محيط " رأى الأديب والناقد الأردني د. محمد عبد الله القواسمة أن هيرتا مولر أديبة معروفة للمتخصيين فقط بالأدب وليس لعامة القراء ، ولم تترجم من أعمالها الاّ القليل للغتين الإنجليزية والفرنسية، وإلى العربية لم يترجم لها غير كتاب واحد هو روايتها "أرجوحة النفس" التي ترجمتها هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث بعد الفوز بنوبل ، ثم إن حصادها الأدبي الذي لا يتعدى العشرين عملاً في الشعر والرواية والمقالة لم يكن المتفرد في موضوعه الذي أعلن عن نيلها الجائزة بسببه؛ فهنالك كثيرون غيرها من الأدباء في مشارق الأرض ومغاربها كتبوا عن المحرومين والمهمشين في العالم.
وربط الأديب الأردني فوزها بالسياسة قائلا : لقد أعلنت الأكاديمية السويدية أنها منحت الجائزة لهيرتا مولر؛ لأنها كاتبة تناولت حياة المحرومين من الوطن في شعرها الكثيف ونثرها الصريح ، وما هؤلاء المحرومون إلاّ الأقلية الألمانية في رومانيا التي كانت تحت حكم الدكتاتور شاوشيسكو، وهذا يفسر ترحيب ميركل وكثير من الألمان بنيلها الجائزة في حين إن الرومانيين يرون أنها خانت في أدبها بلدهم.
ويرى القواسمة أن العرب بعيدون عن نوبل للآداب لا لفقر أدبهم أو ضعفه بل لأن الجائزة في الأساس أوروبية، ومن يرد الحصول عليها لا بد غالباً من أن يتماهي مع فكر الأوروبيين وقيمهم ويعبر عن مصالحهم . إن الغرب لا يكافئ من يخرج على ثقافته وسياسته، أو يتمرد على قيمه، وبخاصة في هذه الظروف السياسية التي أعقبت أحداث سبتمبر.
كما يعتبر أن نوبل جائزة فردية لا تكرس زعامة بلد بعينه، وربما تكون لعنة على من يتسلمها كما حدث مع أنور السادات واسحق رابين. ويشكل منحها لأوباما خطأ فادحاً؛ لأن الأكاديمية السويدية لم تنظر، وهي تمنحه إياها إلى أعماله وقيادته العسكرية لأعتى جيش في العالم بل نظرت إلى أقواله المهذبة، وهذا يذكرنا بحكاية الصياد والعصافير، فقد حزن عصفور وهو يرى الدموع في عيني الصياد من فعل البرد، فقال له صاحبه: لا تنظر إلى دموع عينيه بل انظر إلى فعل يديه.
ثم يؤكد القواسمة أنه لا يمكن لجائزة بهذا الثقل والأهمية من أن تكون بعيدة عن التأثيرات السياسية، وتجاذبات الدول الكبرى وبخاصة أميركا، وإلاّ كيف نفسر منحها لجزار قانا شمعون بيريز !.
عبدالسلام العمري
الشيوعية تدين نفسها
بالرغم من ذهاب معظم جوائز نوبل هذا العام لأمريكيين ، نظر الأديب المصري محمد عبد السلام العمري للمسألة كـ" أمر طبيعي يستحقه الأمريكان" ، وأشار في حديثه لـ"محيط" أنه حينما أعلن أحد مراكز الأبحاث الصينية عن أهم 500 جامعة في العالم جاءت أول 18 جامعة من أمريكا، وهي دولة تعتبر ميزانية الأبحاث العلمية لديها الأعلى عالميا ، وتتجه انظار علماء العالم لها حينما يتركون أوطانهم ، وبالتالي تشكلت لديها قاعدة علمية كبيرة جدا تفرز المزيد من العلماء والاكتشافات ، ومن الأمثلة القريبة على ذلك ما قدمته الولايات المتحدة للدكتور المصري أحمد زويل حائز نوبل للكيمياء ، والذي قال أن 120 عالما كانوا يساعدونه لإنجاز أبحاثه . وأضاف أن الدول المتخلفة وحدها هي التي تجهض المبدعين والعلماء .
وعن جائزة السلام التي نالها أوباما قال العمري: أظن أن هذا الرجل يستحقها، وعندما فازت بها العام الماضي الإيرانية شيرين عبادي، لم تنلها من أجل مشروعها للحريات ولكن نكاية في إيران ، ونوبل تعد من أكثر الجوائز نزاهة مقارنة بغيرها عبر التاريخ . وهناك تعاطفا كبيرا مع أوباما الذي خلق بيئة حوار بعد أن كانت أمريكا دائما تكرس للعداء مع الآخر وخاصة العرب والمسلمين ، وكونه أسود ويحكم أمريكا يدل على تقدير ثقافته وديناميكيته الشديدة وفكره المتقدم.
ويعتقد الأديب المصري أن أهم جوائز نوبل هي جائزة العلوم لأنها التطور الطبيعي للبشرية، أما الإبداع والفن والسلام فيعبرون عن البحث عن حياة أفضل للإنسان.
ولا يرى العمري علاقة لفوز مولر بالثأر من الشيوعية في ذكرى سقوطها ؛ فهي عندما كتبت رواية "أرض الخوخ الأخضر" التي تدين القمع ، لم تكن الأولى التي تدين الشيوعية بل هناك كتابا روس أدانوها قبلها مثل سولنجستين في روايته "أرخبيل كولاج"، ورواية "الشيطان يزور موسكو" لميخائيل بولغاكوف التي كتبت عام 1949 لتدين الشيوعية ولم تنشر إلا مؤخرا بعد موت مؤلفها، كذلك رواية "دكتور زيفاجو" لبوريس باسترناك والتي فاز عنها بجائزة نوبل عام 1958 ورفضت روسيا أن يتسلم الجائزة لأنها تدين الشيوعية.. فالشيوعية نفسها تدين نفسها.
ويرى أنه قد يكون هناك شبهة تعاطف مع تجربة مولر، فهذا الصوت الخافت جدا في الإبداع الروائي مطلوب أحيانا في جائزة نوبل، فهناك أشخاصا مثل سلمان رشدي رشح للجائزة من سنوات طويلة ولكنه لم ينلها، لأن الجائزة نفسها لا تتعاطف مع الإبداع السياسي. أما مولر فهي من النوع الذي لا يستخدم الإبداع بركوب موجة السياسة مثل رشدي أو باولو كويلو.
من ملاحظات الأديب المصري على نوبل أن هناك دولا كثيرة كانت جديرة بالحصول عليها لكنها لم تنلها مثل الصين التي تمثل سدس العالم ولديها حضارة راقية جدا ومتقدمة في العلوم وفي الفترة الأخيرة لديها مساهمة فعالة في كل الأمور الخاصة بتطور البشرية.. وهناك صيني واحد أخذها لكنه يعيش في فرنسا وثقافته فرنسية وسافر من الصين احتجاجا على نظامها.
كذلك العالم العربي لم ينل الجائزة في فرع الآداب غير نجيب محفوظ، وهذا العالم يبدع من عشرات السنين ومن حقه أن يحصل آخرين على الجائزة، مثل فرنسا التي نالتها 17 مرة في فرع الآداب، وكذلك بريطانيا وألمانيا فازا بها مرات عديدة.
د. سعيد اللاوندي
فقدان القيمة
أكد المحلل السياسي والكاتب د. سعيد اللاوندي أن الصبغة السياسية المشتبكة بجائزة نوبل ليست بالأمر الجديد ؛ فعندما فاز بها نجيب محفوظ قيل أن الغرب يريده لأنه يتحدث بشكل "متحرر" بخصوص الشرق والدين وغيرها، وهي أمور تتعلق بوجهة النظر الليبرالية.
هذه الصبغة السياسية الظاهرة كانت سببا في رفض عدد من كبار العلماء والكتاب للجائزة ومنهم جان بول سارتر الذي جاء في حيثيات رفضه للجائزة أنها "أداة في يد الدول الكبرى تكافيء بها من ترضى عنه".
وعن فوز أوباما بجائزة السلام قال د. اللاوندي في حديثه لـ "محيط" أن الرجل لم يمض على تسلمه الإدارة سوى عشرة أيام حيث جلس على مقعد الحكم في 20 يناير، وأغلق باب الترشيح في 1 فبراير، وهو وقت لا يكفي للتعرف على حجرات ومكاتب البيت الأبيض، فكيف يمكن له تحقيق إنجازات يستحق عنها نوبل؟! هذه أكبر إدانة للجائزة لأنه جعلها تفقد قيمتها الرمزية والمعنوية ولم يتبق إلا قيمتها المالية.
أوباما نفسه اندهش لفوزه بالجائزة وبرر هذا أنه ربما لمكافئة الولايات المتحدة وليس لشخصه. وهناك تفسيران لهذا الأمر - والحديث للاوندي- الأول أنه ربما تمت مكافئته نكاية في إدارة سلفه جورج دبليو بوش الذي أفسد العالم، والتفسير الثاني أنه ربما كوفيء على برنامجه الانتخابي لأنه تحدث بوعود وردية، وهي مسألة غير مسبوقة حيث يستوي في الوعود المرشحين من برلمانيين وحزبيين وغيرهم.
واختتم المحلل المصري حديثه مؤكدا أن الجائزة فقدت بريقها وذيوعها كأهم جائزة عالمية، لأنه عندما تدخلت فيها السياسة أفسدتها


اقرأ أيضا :
* الاسرائيلية الفائزة بـ"نوبل" تطالب باطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين .. اضغط هنا
* "الينور أوستروم" أول إمرأة تفوز بجائزة نوبل في الاقتصاد .. اضغط هنا

* أوباما : لا أستحق جائزة نوبل للسلام .. و أعتبرها دعوة للعمل ..
اضغط هنا

* الرئيس الأمريكي بارك أوباما يفوز بنوبل للسلام .. اضغط هنا

* هيرتا مولر تحصل على جائزة نوبل للأدب لعام 2009 ..
اضغط هنا

* الفائزون بـ نوبل لـ الفيزياء ساعدوا على اكتشاف الفضاء ..
اضغط هنا

* نوبل في الفيزياء لـ 3 علماء طوروا التصوير الرقمي عبر الألياف الضوئية .. اضغط هنا

* فوز 3 أمريكيين بـ جائزة نوبل للطب لعام 2009 ..
اضغط هنا

* اسرائيلي و جزائرية مرشحان لـ "نوبل للاداب" ..
اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق