الخميس، 22 أكتوبر 2009

نزاعات النيل من المنبع إلي المصب


تمثل قضية مياه النيل أهمية كبيرة لمصر‏,‏ ذلك أن النيل هو شريان الحياة‏..‏ لكن القضية مرت بتحديات كثيرة في الآونة الأخيرة‏,‏ منها الحديث عن تعديل اتفاقية النيل‏,‏ وما أثير حولها عن الصراع بين دول المنبع والمصب‏,‏ وعن حصص المياه‏.‏في مايو‏1929‏ تبادل رئيس وزراء مصر مع المندوب السامي البريطاني مذكرات اسفرت عن توقيع بريطانيا نيابة عن الإدارة الاستعمارية الحاكمة في كينيا واوغندا وتنجانيقا‏(‏ قبل اتحادها مع زنزبار لتصبح تنزانيا‏)‏ كما يشرح الدكتور عبدالملك عودة العميد الاسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة واشهر خبراء مصر بالشئون الإفريقية اتفاقية فيها إقرار قانوني بحصة مصر المكتسبة من المياه وأن لها نصيبا عادلا من كل زيادة تطرأ علي موارد نهر النيل في حالة إنشاء مشروعات جديدة سواء علي النهر وروافده وتحدد وفقا لهذه الاتفاقية حق مصر ـ‏48‏ مليار م‏3‏ والسودان‏4‏ مليارات م‏3‏ ويرون انه في عام‏1949‏ اتفقت مصر وبريطانيا نيابة عن اوغندا علي إنشاء قناطر وخزان شلالات سد اوين لتوليد الكهرباء من بحيرة فيكتوريا دفعت مصر بمقتضاها تعويضات للأهالي المتضررين في المنطقة وقالوا انه في هذا الاتفاق اقرت اوغندا بحقوق مصر والسودان المكتسبة في اتفاقية‏1929‏ وتم انشاء مقار لبعثة الري المصرية لمراقبة التصرفات الواردة لمصر وعند التعلية بخزان سداوين عام‏1991‏ بعد موافقة مصر والسودان عادت أوغندا للاعتراف باتفاقية‏1929.‏وكذا اتفاقية‏1959.‏ إلا انه عند استقلال تنجانيقا ووحدتها مع زنزبار عام‏1964‏ برئاسة جوليوس نيريري الذي اصدر اعلانا سماه مبدأ نيريري الغي فيه الاعتراف بالاتفاقيات الموقعة في العهود الاستعمارية وانضمت لهذا المبدأ كل من اوغندا وكينيا‏,‏ مطالبة مصر بإعادة الاتفاق معها من جديد وهو نفسه تطلب السودان عن استقلالها عام‏1956.‏ وهو نفس موقف اثيوبيا منذ عهود الامبراطور هيلا سلاس ومانجسو الماركسي إلا ان ميليس زيناوي وقع مع الرئيس مبارك عام‏1991‏ اتفاقية تنص علي احترام المواثيق التي تؤمن احتياجات الدولتين من المياه ونزع فتيل الحرب التي هدد بها الرئيس الراحل السادات اثيوبيا‏.‏مصر والنزاعات في البحيراتويعود الدكتور عودة لينبه الي ما نشرته مجلة‏:‏ فوكاس دون افريكا في عدد ها الصادر في يوليو ـ سبتمبر‏2007‏ وهما مجلة ربع سنوية تصدر عن هيئة الإذاعة البريطانية‏(‏ بي بي سي‏)‏ وفيه تحدثت الكاتبة عن الآثار المتنوعة لانخفاض منسوب المياه في بحيرة فيكتوريا خاصة الحياة المعيشية لالاف من سكان الدول الثلاث اوغندا وكينيا وتنزانيا علي شواطيء باليبحيرة بعد ان بلغ انخفاض منسوب سطح المياه بالجيزة لنحو مترين لاول مرة منذ‏45‏ سنة‏.‏ واستطلعت الكاتبة آراء مواطنين في ميناء كيسمايو في كينيا وميناء موانزا في تنزانيا جاء فيها ان‏30‏ مليون نسمة يعتمدون علي البحيرة كلية في انشطة صيد الاسماك والشرب والنقل البحري وخدمات الموانيء والري ومن المحتمل توقف نشاط الصيد عام‏2012!!‏واستشهدت بتقارير خبراء متخصصين في شئون الهيدروليكا وحماية البيئة من مواطني الدول الثلاث تقول فيها‏:‏ إن المياه في البحيرة تأتي من الامطار ومن تدفق المياه من الانهار والنهيرات التي تصب فيها والمخرج الوحيد عند بلدة جنجا في اوغندا‏(‏ مقر البعثة المصرية‏)‏ والتي يتدفق منها الماء لكل من مصر والسودان ويعتمد هذا التدفق علي مصطلح يسمي‏(‏ المنحني المتفق عليه‏)‏ للمياه بالطبع وهو المقصود بالتوازن بين الداخل والخارج من البحيرة‏.‏ وخالفت أوغندا هذا المنحني ثلاث مرات‏.‏ ويضيف الدكتور عودة ان الصحف الكونغولية وكافة وسائل اعلامها تقرأ هذه الاتفاقيات وتروج لها لأن هذه الاتفاقيات الثلاث هي حاليا من شأن واختصاص ثلاث دول مستقلة‏,‏ وتنفي الاتهامات الموجهة للحكومة الكونغولية ببناء سدود او نقل او بيع للمياه في حدودها الشرقية وتقول اننا نتحدث عن منطقة مصب النهر في المحيط الاطلسي ومنطقة سد أنجاولين تأخذ موافقات من اي من دول النيل مؤكدة اختلاف حالتها عن حالة اوغندا مع مصر سواء عند انشاء خزان سداوين عام‏1949‏ او تعليته عام‏1991.‏لكن الدكتور محمود ابوزيد الرئيس الشرفي الدائم للمجلس العالمي للمياه الذي أشرف علي مفاوضات مصر مع مختلف دول الحوض التسع منذ ما قبل عام‏1989‏ وحتي عام مضي يري أن مصر حاربت في كل المحافل الدولية‏,‏ حتي اجهضت فكرة نقل او بيع او تسعير المياه في الانهار الدولية ولا يعتبر عملية استعاضة التكاليف مقابل نقل وتوفير خدمة المياه عملية بيع او تسعير بل مجرد تعريفة شأنها شأن تعريفة توفير ونقل مياه الشرب والاستخدامات المنزلية للمنشآت‏.‏ ذلك لأن مصر ارست مبدأ مهما سواء في المنتدي العالمي للمياه في لاهاي عام‏2000‏ أو في كيوتو عام‏2003‏ او في مكسيكو سيتي عام‏2006‏ أو في اسطنبول عام‏2009‏ وهو ان المياه ليست سلعة للبيع او الشراء او النقل‏,‏ بل هي سلعة اقتصادية واجتماعية وثقافية يجب توفيرها بدون مقابل ونفي وجود أي رغبة لحكومة الكونغو لبيع حقها من مياه النيل‏,‏مؤكدا أن عملية نقل المياه من ليسوتو إلي جنوب افريقيا حالة خاصة تتعلق بتوفير الأمن والأمان في هاتين الدولتين وهي حالة غير قابلة للتنفيذ في اي احواض اخري ناهيك عن حوض نهر النيل مؤكدا أن سياسة مصر كانت ولا تزال وستستمر في إطار أنها سياسة تعاون وثيق مع دول حوض النيل ولا تعتمد في ذلك علي رد الفعل لما يحدث وإنما تتم بأسلوب علمي ممنهج يعتمد علي وضوح الرؤية المستقبلية تضع كل الاحتمالات المتوقعة وغيرها في شكل سيناريوهات مختلفه تأخذ في اعتبارها جميع المتغيرات السياسية والاقتصادية‏.‏ الحالية والمستقبلية التي تدور حولنا علي كافة المستويات الاقليمية والدولية معتمدين في ذلك علي المبادرة والتحرك الإيجابي مع كافة الاطراف والجهات ذات العلاقة‏.‏الحروب الاهلية‏!!‏ويعود الدكتور عبد الملك عودة ليوجه الانظار لفهم المتغيرات المفاجئة لدول حوض النيل في خضم جولات مفاوضتها مع مصر إلي وجهة نظر لابد أن نضعها في اعتبارنا عند التعامل مع هذا الجزء المهم من ملف النيل الحيوي مشيرا إلي نموذج اثيوبيا أولا الذي أدي إلي إعلان البنك الدولي للإنشاء والتعمير مع صندوق النقد الدولي في النصف الاول من شهر نوفمبر‏2001‏ عن تأهل اثيوبيا لشطب مديونيات تبلغ قيمتها‏1.3‏ مليار دولار لأنها استوفت شروط الاستفادة من مبادرة تخفيف أعباء الديون علي الدول الاكثر فقرا والاكثر مديونية وهذا الرقم يمثل‏47%‏ من مديونيات اثيوبيا الخارجية وذلك عقب تعهد اثيوبيا بتمويل الوفورات الناتجة عن هذه العملية لمحاربة الفقر ونشر الاستقرار السياسي وتأهيل السكان للاستقرار والدخول في عمليات التنمية والنهوض الاقتصادي وذلك وفقا للمقررات التي أقرها نادي باريس‏!!‏وهذا أيضا يأتي في السياق الخاص محل الأزمة الداخلية الي جانب مثيلتها الاقتصادية‏.‏كمدخل لاستقرار النظام السياسي الاثيوبي وحل خلافاتهامع اريتريا‏,‏ وكان من نتائج هذه الجدولة توقيعها لاتفاقية مع السودان لتسهيل تجارة الترانزيت من الصادرات الاثيوبية ووارداتها التي تصل لميناء بور سودان والمنقوله بريا بالشاحنات عبر طريق انشيء حديثا يصل الي الحدود السودانية الاثيوبية وتنص الاتفاقية علي معدوميه الجمارك للبضائع المتبادلة بين البلدين وهو ما ادي بالاتحاد الاوروبي لتخصيص مبلغ‏220‏ مليون يورو لصيانة وتحديث خط السكة الحديد الرابط بين جيبوتي واثيوبيا والذي تنقل عبره بريا اللحوم والماشيه الاثيوبيه المصدرة لمصر او السودان‏!!‏وبالنسبة لرواندا التي استقلت عام‏1962‏ والتي توقفت الانتخابات بها بكل صورها منذ عام‏1994‏ وعقب انتقال الحرب الاهلية عام‏1993‏ والتي شهدت بعدها مذابح الابادة الجماعية والمجازر العرقية بين الهوتو والتوتسي مما دعا الجهات الدولية المانحه لتقديم نصف موازنتها المالية سنويا من أجل الاستقرار وبناء البنيه التحتيه وتعزيز الخدمات الاجتماعية ويضيف انه في ليل يوم‏13‏ اغسطس‏2004‏ هاجم منشقو الهوتو معسكرا للأمم المتحدة مخصصا لاستقبال اللاجئين من التوتسي والقادمين من شرق الكونغو مما ادي الي مقتل‏163‏ منهم بخلاف الجرحي مما شدد من بؤرة الصراع الثلاثي بين رواندا وبروندي والكونغو كينشاسا في سلسلة الصراعات التي بدأت عقب استقلالها بين عامي‏1960‏ ـ‏1962‏ والمذابح التي بدأت في الاعوام‏1959‏ ـ‏1963‏ ـ‏1970‏ ـ‏1972‏ ـ‏1988‏ ـ‏1993‏ ـ‏1994‏ وبخلاف التدخل في شئون الكونغو الديمقراطية التي بدأت عام‏1998‏ حتي عام‏2003‏ويشير الي ان تعداد شعب التوتسي لا يزيد علي‏15%‏ من مجموع شعب رواندا البالغ‏9‏ ملايين نسمة وفي بورندي يمثلون‏14%‏ من السكان البالغ مجموعهم‏8‏ ملايين نسمة وهذه الحروب من أهم اسبابها توزيع المغانم التي يحصل عليها من يحكم إلا ان جنوب افريقيا تدخلت بالتوقيع علي وثيقه اتفاق ومصالحه بين رواندا وبروندي لاقتسام السلطة وبتدخل من الاتحاد الافريقي وتوزيع مناصب الدولة والحصص المائيه بنسبة‏60%‏ للهوتو و‏40%‏ للتوتسي وتقاسم مقاعد مجلس الشيوخ بالتساوي وهنا يجيء دور كينيا المتصاعد في كسب وضع سياسي متميز في هذه المنطقة بقيادتها مع جنوب افريقيا واتمام عمليات المصالحة وفض النزاعات وبدعم أمريكي بريطاني مكنها من التعاون مع أساطيلها البحرية في المحيطين الاطلسي والهندي ومن اشهر معالجاتها السودانية والصومالية وبانضمام تنزانيا أخرا وبدعم من الشراكة الافريقية النيباد‏,‏ وبالرغم من ان كينيا ليست من الدول المؤسسه لها‏.‏وإزاء هذه التطورات أصبح من الضروري زيادة التعاون الاقتصادي والتجاري مع افريقيا‏,‏ فمصر عقدت‏68‏ اتفاقية اقتصادية وتجارية ليس من بينها اتفاقية واحدة تخص مياه النيل وموارده ومن الضروري البدء وتدعيم علاقات مصر وتقوية روابطها بكافة الصور والأشكال مع منظمتي الكوميسا والنيباد وإحياء تجمع الاندوجو وبدء علاقات مع الاتحادات الفيدرالية في هضبة البحيرات قبل تفعيلها وبدء أنشطتها علي أرض الواقع وفقا لإعلان هذه الدول المزمع بدؤه في عام‏2013.‏ وأخيرا من الضروري المساهمة بشكل فعال مع المنظمات والجهات الدولية الفاعلة في افريقيا من أجل حل النزاعات الافريقية سواء الداخلية في دولة واحدة او بين عدة دول واعادة النظر في تفعيل شبكة الربط الكهربائي الافريقي المصري الموحد‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق