الأربعاء، 25 أغسطس 2010

أزمة في إدارة المرافق



الأعطال المتكررة لشبكات الكهرباء والمياه والصرف تنذر بالتحول لكارثة أكبر الأزمات الطارئة التي تتعرض لها المرافق في حياتنا تحتاج إلي إدارة جيدة لسرعة السيطرة عليها قبل أن تتحول إلي كارثة‏,‏

فما حدث من انقطاع للمياه لأيام عدة في الكثير من أحياء القاهرة أخيرا يمثل كارثة سببت الكثير من المعاناة للمواطنين ليس لحدوث الانقطاع في حد ذاته وإنما لطول مدة الاصلاح وضعف إدارة الأزمة وعدم الاهتمام الكافي من القائمين علي عمليات الاصلاح براحة المواطنين‏.‏
في البداية يقول الدكتور حمدي عبدالعظيم ـ عميد أكاديمية السادات للعلوم الادارية السابق‏,‏ إن إدارة الأزمة لها طبيعة خاصة تختلف عن أي شيء آخر باعتبار أنها إدارة تتعامل مع موقف طاريء ومفاجيء ويحتاج إلي سرعة السيطرة عليه قبل أن تتحول إلي كارثة‏,‏ والادارة هنا تحتاج إلي الاهتمام بما يسمي بإشارات الانذار المبكر لمنع حدوث الأزمة أو سرعة السيطرة عليها في أقل وقت ممكن‏,‏ وتتمثل في معلومات وبيانات واضحة عن الأزمة تقدم للمواطنين عن احتمالات انقطاع المياه بحيث يتم الاستعداد لتخزين احتياجات الناس قبل الانقطاع علي اعتبار أن المياه أصل الحياة خاصة في فصل الصيف الذي يزيد فيه الطلب عليها سواء كان ذلك للأغراض المنزلية أو الاحتياجات الانسانية وهو الأمر الذي يؤكد عدم تحمل انقطاع المياه لفترة طويلة‏.‏
ويشير إلي أهمية وجود إجراءات احتياطية لتغذية المدينة بمصدر احتياطي‏,‏ والرصد الجيد لاشارات الاندار المبكر التي قد تكون ذات طبيعة فنية متعلقة بالصيانة أو تقادم المواسير الرئيسية المغذية للمنطقة‏,‏ ومتابعة عمرها الافتراضي ومستوي التشغيل الفعلي وكثافة استغلال المياه في ضوء التوسعات الجديدة في المباني وزيادة معدل الاستهلاك‏,‏ وسرعة السيطرة علي العطل وإصلاحه وإبلاغ الناس بالفترة الزمنية التي يستغرقها الاصلاح‏,‏ مع تشكيل فريق عمل للتعامل مع الأزمة له الصلاحيات الادارية في اتخاذ القرارات الوقتية للتعامل مع الموقف المترتب علي الأزمة دون التصعيد إلي المستويات الادارية العليا ويكون له صلاحية اتخاذ القرار الفوري كل في تخصصه علي أن يتكون فريق العمل الخاص بإدارة الأزمة من المهندسين المختصين والمحافظة وجهاز المدينة وغرفة عمليات وزارة الداخلية والدفاع المدني والمرور وفي هذه الحالة تتم السيطرة علي الموقف من خلال الاصلاح السريع ليلا ونهارا دون التقيد بساعات العمل الوظيفية‏,‏ وفي حالة وجود عجز في النواحي الفنية أو البشرية يتم الاستعانة بأجهزة أخري مثل جهاز الخدمات المدنية‏.‏ جهاز القوات المسلحة‏.‏
الدروس المستفادة
الدكتور حمدي عبدالعظيم يؤكد ضرورة أن نتعلم من الأزمات التي نمر بها‏,‏ وأن نحولها إلي درس لنا نستخلص منها أخطاءنا وإصلاحها مشيرا إلي أن الدروس المستفادة من أزمة انقطاع المياه بالقاهرة الجديدة تؤكد ضرورة وجود خط احتياطي جيد للمياه يتم اللجوء إليه في حالة حدوث انفجار أو تلف في ماسورة‏,‏ وجود شبكة جيدة للتوزيع بحيث يتم تقليل المياه المتجهة إلي مناطق معينة من أجل توفير المياه للمناطق التي حدث بها الانفجار‏.‏
ولابد أيضا من وجود متابعة لعملية ضخ المياه أولا بأول وإعلام المواطنين بالسلوكيات أو التصرفات المطلوبة خلال الأزمة فيما يتعلق بمعدلات الاستخدام أو تركيب مواتير سحب مياه بضغط معين يساعد علي وصول المياه الي الأماكن المرتفعة في حالة استخدام الخط الاحتياطي نتيجة لضعف المياه المتدفقة منه‏,‏ وكذلك تدريب العاملين علي الانقاذ السريع أو الاصلاح السريع من خلال عمل دورات تدريبية للمختصين في الاصلاح مع التعاون مع الجهات الأجنبية للتعرف علي الأساليب الحديثة التي يمكن استخدامها في حالة الطواريء والأزمات‏,‏ كما يجب إعادة فحص كل المواسير المغذية للمنطقة للتأكد من صلاحيتها‏,‏ خاصة أن المدينة جديدة والشبكة جديدة أيضا‏,‏ وما حدث يدل علي عدم الاهتمام من البداية بمواصفات ومعايير الجودة الفنية عند اختيار العطاءات والتنفيذ‏.‏
أسباب الانفجارات
يري الدكتور مهندس مصطفي حشيش ـ مدير مركز هندسي للعمارة أن أسباب الانفجارات المتكررة لشبكة المياه بالمدن الجديدة والقائمة يرجع إلي قانون المناقصات والمزايدات الذي يعامل المهن الهندسية والأعمال الاستشارية معاملة الخضار‏,‏ إذ ينص علي بند‏(‏ وللجهة المالكة بجميع أجهزتها الحق في قبول أو رفض أي عطاء دون ابداء الأسباب‏)‏ برغم أن مهنة الاستشاري الهندسي في جميع دول العالم إما بالمسابقات أو بالمزايدات بحيث لا يقل العرض المالي عن النسب التي تقررها نقابات المهندسين والاتحادات الدولية لكي يعطي المكتب الاستشاري كل خبرته بأمانة تامة‏.‏
ويحذر من الخلل في منظومة العمل الهندسي التي تتمثل في أن المهندس الإستشاري هو المهندس المصمم للمشروع ومعظم شركات المقاولات تعمل في مجال التصميم والتنفيذ في وقت واحد وهذا يترتب عليه الكارثة التي تقع كل حين وآخر‏.‏
ويشير إلي بيع المشروعات من الباطن لبعض المكاتب والمقاولين برغم قلة الأتعاب وبالتالي يخرج المشروع بلا ضوابط هندسية ولا يتضمن دراسة لعدد السكان واستعمالات الأرض مما يحدث الانفجارات المتكررة للمرافق والخدمات فضلا عن عدم جدية تطبيق التشريعات في استعمالات الأرض وخصوصا بالمدن الجديدة فيما يتعلق بارتفاعات المباني غير القانونية في مناطق الخدمات والاسكان‏.‏
ويحذر من عدم جدية تطبيق التشريعات القانونية قانون البناء الموحد ولائحته التنفيذية وعدم تفعيل لائحة الأتعاب الهندسية التي أقرتها نقابة المهندسين ومخالفة معظم العقود بالقرارات الوزارية للدليل الاسترشادي لصيغ العقود الاسترشادية الصادرة عن المركز القومي لبحوث البناء‏.‏
الضغط المتزايد
المهندس حسب الله الكفراوي ـ وزير الإسكان الأسبق ـ يري أن سبب الانفجارات المتكررة لخطوط المياه هو وجود تجمعات الفيلات والقصور المنتشرة في كل مكان الآن‏,‏ والتي كانت غير مخطط لها في المدن الجديدة وهذا يؤدي إلي ضغط متزايد وكبير علي مواسير المياه وباقي المرافق لأن هذه التجمعات لها مطالبها واحتياجاتها الكبيرة من المياه‏.‏
ويتساءل المهندس حسب الله الكفراوي‏:‏ لماذا تنقطع المياه في أكثر من مكان في وقت واحد ؟ وأين المائة مليار جنيه التي أنفقت علي مياه الشرب والصرف الصحي؟ وأين كانت هذه المشروعات ومتي كانت مفتوحة ؟
ولماذا ضاعت الأرض الزراعية ؟ وأين دراسات أرض مصر التي أنفق عليها الملايين‏,‏ واستغرقت سنوات من خبرة علماء مصر ؟
ويري الوزير الأسبق أن وزارة الإسكان تراجعت عن دورها الأساسي‏,‏ وهو خدمة المجتمع مشيرا إلي أن وزير الاسكان الحالي أحمد المغربي ـ استطاع أن يجمع المليارات من بيع الأراضي بالمزاد العلني وهذا أدي إلي التهام الأرض الزراعية والبناء في العشوائيات نتيجة لإرتفاع أسعار الأراضي في الصحراء‏.‏
الأصول الهندسية
يري المهندس محمد خورشيد ـ مهندس معماري ـ أن سبب الأعطال المتكررة للمرافق يرجع إلي أن معظم المشروعات التي يوجد بها أعمال حفر يتم الاستعجال في ردمها كما لم تتم عمليات الدك للأرض كما يجب وبالتالي يحدث ضغط علي مواسير المرافق وهو ما يحدث الانفجار دائما مع عدم تطبيق الأصول الهندسية وما ينطبق بالنسبة لمواسير المياه ينطبق لمرافق الصرف الصحي والكهرباء والغاز وعند انقطاع المياه لأي سبب من الأسباب يدخل الهواء إلي المواسير وهو ما يشكل خطورة لأن هذا الهواء إذا لم يتم إخراجه بطريقة سليمة يتسبب في حدوث ضغط هائل مما يترتب عليه عودة الانفجار مرة ثانية في مكان آخر أو في ذات المكان الأول‏.‏
توافر الخرائط
يطالب الدكتور مهندس ممدوح حمزة ـ بوجود خرائط توضح بدقة جميع الشبكات الموجودة في باطن الأرض من مياه وصرف صحي وكهرباء وغاز وتليفونات وأن تكون هذه الخرائط موجودة في كل الأحياء‏,‏ وأن تقدم مجانا لطالبها مثلها مثل خرائط الطرق والشوارع ـ وذلك لتفادي التصادم مع جميع المرافق الموجودة في باطن الأرض وتقليل الأزمات المترتبة عليها‏.‏
ويري الدكتور أحمد رفعت ـ الأستاذ بكلية الهندسة بالمطرية ـ بجامعة حلوان واستشاري أعمال مياه الشرب والصرف الصحي ـ أن انفجار الشبكات قد يكون نتيجة لسوء التنفيذ‏,‏ وفي بعض الأحيان نتيجة لأخطاء أو الدفع المساحي أو نتائج تحليل التربة‏.‏
ويشدد الدكتور أحمد رفعت علي ضرورة اتباع القواعد المنصوص عليها في القانون فيما يتعلق باختيار المقاولين الذين سوف ينفذون هذه الأعمال وأن يكونوا من المتخصصين في مثل هذه الأعمال وأن تتناسب الملاءة المالية لهم مع حجم هذه الأعمال‏.‏
الاهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق