د. جابر عصفور قيمة وقامة كبيرة في الحركة الثقافية, فهو الناقد والمترجم والكاتب والأستاذ الجامعي الذي تخرج علي يديه الآلاف من التلاميذ عبر أربعين عاما سواء في الجامعات المصرية أو العربية والعالمية.
والمتتبع لأعماله ــ ومنها هوامش علي دفتر التنوير, ونحو ثقافة مغايرة, التراث النقدي, مفهوم الشعر, زمن الرواية, استعادة الماضي, وغيرها ـ يجد انها ساهمت بشكل فاعل في الحراك الثقافي والفكري والاجتماعي, إلي جانب سيرته الذاتية التي كتبها في رواية زمن جميل مضي وتحدث فيها عن رحلته التي بدأت مع عباقرة جيله, فيذكر بكل الاجلال اعجابه بطه حسين وبنوته لشوقي ضيف وتلمذته علي يد سهير القلماوي وحبه لفاروق خورشيد.كما أن مقالاته المنتشرة في معظم المجلات الادبية العربية تعد ثروة, لانها تثير الكثير من القضايا الثقافية المهمة في حياتنا.. وقد جمع د. جابر عصفور بين النقد والترجمة وكأنه يستشرف مستقبلا قدر له ليكون علي رأس المجلس الأعلي للثقافة ويتبني مشروعا ضخما للترجمة يتحول علي يديه إلي مركز متفرغ لهذا العمل. وفي حوارنا معه تحدث عصفور بكل صراحة عن الصعوبات التي تواجه هذا المركز المهم الذي يديره باقتدار, وعن أحلامه وآماله كي يصل به إلي أن يصير واحدا من أكبر مراكز الترجمة في العالم.* ما تقييمك للمشروع الذي كان نواة لمركز قومي للترجمة, وماذا أضاف إليه المركز؟ـ المشروع بدأ عام1995. وكان بالنسبة لي حلما, لأني كنت ألاحظ الشباب المصريين في معرض الكتاب يبحثون عن الكتاب المترجم الذي كان يطبع في الغالب في بيروت أو المغرب. فسألت نفسي أين الترجمة عندنا, وأنا أعرف تاريخ الترجمة في مصر, فنحن الذين بدأنا حركة الترجمة مع رفاعة رافع الطهطاوي ومدرسة الألسن. ونحن الذين علمنا العالم العربي من خلال الحركة الثانية في تاريخ الترجمة حركة لجنة التأليف والترجمة والنشر, والحركة الثالثة التي قام بها طه حسين واخوانه في مشروع الألف كتاب. فلماذا توقفنا؟ إذن كان لابد من دراسة المشروعات السابقة لنحدد مزاياها ونحاول تجنب عيوبها, وأهمها أنها كانت محصورة في اتجاه واحد, ثانيا لم تكن عن اللغات الأصلية, ثالثا لم تستمر, فكان لابد أن نقدم مشروعا يتفادي العيوب السابقة ويستمر مشروعنا ويترجم عن اللغات الأصلية ويكون قوميا يشارك فيه العرب جميعا, وعلي هذا الأساس انطلقنا إلي أن عقد المؤتمر الدولي عام2005 واستطعنا أن نترجم ألف كتاب بين عامي1995 ــ2005 وكان لهذا المؤتمر أصداء جيدة, فأصدر الرئيس مبارك قرارا جمهوريا بإنشاء المركز القومي للترجمة بناء علي طلبنا, وتحول المشروع إلي مركز, ومنذ ذلك الوقت ونحن نحاول أن نكمل المهمة ونضيف إلي مهمات المشروع القومي أبعادا جديدة, فانتقلنا من الترجمة ــ وهي مستمرة ــ إلي أشياء أخري منها البدء في إعداد دورات تدريبية لإعداد أجيال جديدة من المترجمين, إلي جانب هذا هناك جوائز لتشجيع المترجمين, وعقد اتفاقيات دولية للتعاون مع المركز وتشجيع دور النشر الخاصة علي حركة الترجمة, فأصبحنا نموذجا تحتذيه دول عربية كبيرة أصبح فيها مراكز للترجمة.وحتي الآن ترجمنا من35 لغة أصلية بينها لغات لم يترجم عنها للغة العربية من قبل قط, وهذا أمر بالغ الأهمية وساعدنا علي هذا وجود الثروة البشرية الهائلة الموجودة في مصر.* كنت قد ألمحت إلي وجود بعض المعوقات التي مازالت تواجه المركز. فما هي؟ـ أهم هذه المعوقات التمويل. فليس لدينا ميزانية كافية.. وفي خطة السيد الرئيس للمرحلة الانتخابية الحالية( ترجمة2000 كتاب في السنة). والكتاب يتكلف60 ألف جنيه, أي مطلوب120 مليون جنيه. وميزانية المركز الآن20 مليون بما فيها الأجور والمكافآت والأجهزة والانشاءات. وما يتبقي مبلغ ضئيل لايكفي المطالب الفعلية. ومن هنا نطالب بزيادة ميزانية المركز ونحاول أن نبحث عن جهات ممولة علي أكثر من مستوي.والعقبة الثانية هي البيروقراطية. فحن اتفقنا في بداية المشروع القومي للترجمة مع المرحوم د. ابراهيم شتا علي ترجمة كتاب المثنوي لجلال الدين الرومي في ستة أجزاء وهو كنز يفخر به أي بلد يترجمه. وإتفقنا معه علي10 آلاف جنيه للجزء أي60 ألف جنيه. وكانت هذه المرة الأولي في تاريخ الترجمة في مصر التي يحصل فيها مترجم علي هذا المبلغ. وكل الجهاز الاداري في وزارة الثقافة وقف دون هذا. ولولا تفهم الوزير ماكان لهذه المسألة أن تحل. فالعقلية البيروقراطية تعطل الأمور.* لماذا لايوجد موقع للمركز علي شبكة الانترنت؟ـ تم بالفعل أخيرا إنشاء موقع للمركز علي شبكة الانترنت, ومعروض فيها كتب المركز, ومن يريد أن يدخل علي الموقع ويقرأ فهو متاح للجميع, ومن يريد أن يطبع يمكنه ذلك عن طريق دفع مبلغ من المال, ونحن الآن في سبيلنا إلي البيع عن طريق النت والاتصال بالعالم عن طريق هذه الشبكة.* البعض يشتكي من ارتفاع سعر كتب المركز مقارنة بكتب وزارة الثقافة؟ـ نعم السعر مرتفع نتيجة لعوامل لادخل لنا بها. أولا اننا ندفع مكافآت غير معتادة للمترجم. ثانيا اننا مجلس أمين, بمعني اننا نحترم حقوق الملكية الفكرية, فندفع للناشرين الأجانب مبالغ مالية في مقابل استخدام حق الترجمة. وهذا يرفع سعر التكلفة, بالإضافة إلي حرصنا علي الطباعة الجيدة.ومع ذلك عندما نجد أن الكتاب وصل ثمنه إلي مبلغ يفوق قدرات القارئ العادي نتدخل فورا. لذلك وضعنا عدة قرارات معمول بها وهي تخفيض بنسبة50% للطلبة والاعلاميين إلي جانب التخفيضات في معارض البيع بنسبة تصل إلي30%.* عقد المركز أخيرا المؤتمر الدولي الأول للترجمة. فما العائد من هذا المؤتمر علي حركة الترجمة في المنطقة العربية؟ـ هذا المؤتمر أتاح للمترجمين المصريين والعرب الالتقاء بأصحاب الأقلام والمتخصصين في الترجمة علي امتداد العالم كله. وعقدنا اتفاقات مع الدول المهتمة بترجمة إبداعاتها إلي اللغة العربية, مثل تركيا وكوريا وغيرهما.* وما الذي أضافته جائزة رفاعة الطهطاوي للترجمة( التي يمنحها المركز)؟ـ أحدثت نوعا من الحراك الثقافي والدفع للمزيد من الترجمة المتميزة. فالجائزة قدرها100 ألف جنيه وهي تساوي ترجمة ما يقرب من3 ــ4 كتب, وتشجع المترجمين علي التفوق فيها للحصول علي الجائزة.ونحن لم نكتف بجائزة رفاعة, ففي الطريق جوائز أخري للمترجمين الشباب لتشجيعهم علي الترجمة وإتقانها.* بوصفك ناقدا هل النقد يمر بأزمة, أم الابداع؟ وما أسبابها؟ـ الابداع مزدهر, ولكن النقد هو الذي يمر بأزمة, لأنه لايستطيع أن يلاحق حركة الابداع المتدفق, فالابداع الآن أشبه بالسيل, والنقاد المتميزون عددهم قليل, ولا يستطيعون ملاحقة الابداعات اليومية علي امتداد الوطن العربي. فمنذ25 عاما أويزيد لم يكن ينتج الابداع الذي يلفت الانتباه إلا في مصروالعراق وبيروت ودمشق. أما الآن فلايوجد بلد عربي إلا ويتميز بابداعات مذهلة. فالابداع الأدبي في أزهي حالاته, وعدد النقاد المتابعين لهذا الابداع قليل وإذا زاد عددهم فإن الأزمة ستنتهي.هذا بالاضافة إلي الأزمة الأخلاقية, فبعض النقاد لايقولون بصراحة قيمة الأعمال الأدبية. وهذا يجعل الغث أحيانا يكبر ويشيع. فهناك أعمال أخذت شهرة ومجدا أكثر مما تستحق لأنه ليس هناك حركة نقدية بغربال أمين. وعندما كتب ميخائيل نعيمة كتابه الغربال كان يعني ضرورة أن يغربل النقد الغث من الثمين. فنحن نحتاج إلي غرابيل متعددة لكي نميز الأدب الحقيقي من الأدب الزائف, خاصة اننا نعيش الآن عصر الكتاب الرائج وهناك خلط كبير بين الأدب الرائج والأدب الحقيقي.* جمعت بين النقد والترجمة, إلي جانب جهدك الأكاديمي فأين يجد جابر عصفور نفسه؟ـ الاستاذ الجامعي. أنا خوجة وهي أفضل صفة وأجمل صفة أعتز بها, وبالمناسبة لايمكن أن يسلبني إياها أحد, فأنا د. جابر عصفور, أما رئيس المركز القومي للترجمة فيمكن أن يسلبني إياها وزير الثقافة غدا!.
الاهرام
الأربعاء، 16 يونيو 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق