الأربعاء، 16 يونيو 2010

جابر عصفور‏ : ‏أنا خوجة ولا أحد يستطيع أن يسلبني هذه الصفة

د‏.‏ جابر عصفور قيمة وقامة كبيرة في الحركة الثقافية‏,‏ فهو الناقد والمترجم والكاتب والأستاذ الجامعي الذي تخرج علي يديه الآلاف من التلاميذ عبر أربعين عاما سواء في الجامعات المصرية أو العربية والعالمية‏.‏

والمتتبع لأعماله ــ ومنها هوامش علي دفتر التنوير‏,‏ ونحو ثقافة مغايرة‏,‏ التراث النقدي‏,‏ مفهوم الشعر‏,‏ زمن الرواية‏,‏ استعادة الماضي‏,‏ وغيرها ـ يجد انها ساهمت بشكل فاعل في الحراك الثقافي والفكري والاجتماعي‏,‏ إلي جانب سيرته الذاتية التي كتبها في رواية زمن جميل مضي وتحدث فيها عن رحلته التي بدأت مع عباقرة جيله‏,‏ فيذكر بكل الاجلال اعجابه بطه حسين وبنوته لشوقي ضيف وتلمذته علي يد سهير القلماوي وحبه لفاروق خورشيد‏.‏كما أن مقالاته المنتشرة في معظم المجلات الادبية العربية تعد ثروة‏,‏ لانها تثير الكثير من القضايا الثقافية المهمة في حياتنا‏..‏ وقد جمع د‏.‏ جابر عصفور بين النقد والترجمة وكأنه يستشرف مستقبلا قدر له ليكون علي رأس المجلس الأعلي للثقافة ويتبني مشروعا ضخما للترجمة يتحول علي يديه إلي مركز متفرغ لهذا العمل‏.‏ وفي حوارنا معه تحدث عصفور بكل صراحة عن الصعوبات التي تواجه هذا المركز المهم الذي يديره باقتدار‏,‏ وعن أحلامه وآماله كي يصل به إلي أن يصير واحدا من أكبر مراكز الترجمة في العالم‏.‏‏*‏ ما تقييمك للمشروع الذي كان نواة لمركز قومي للترجمة‏,‏ وماذا أضاف إليه المركز؟ـ المشروع بدأ عام‏1995.‏ وكان بالنسبة لي حلما‏,‏ لأني كنت ألاحظ الشباب المصريين في معرض الكتاب يبحثون عن الكتاب المترجم الذي كان يطبع في الغالب في بيروت أو المغرب‏.‏ فسألت نفسي أين الترجمة عندنا‏,‏ وأنا أعرف تاريخ الترجمة في مصر‏,‏ فنحن الذين بدأنا حركة الترجمة مع رفاعة رافع الطهطاوي ومدرسة الألسن‏.‏ ونحن الذين علمنا العالم العربي من خلال الحركة الثانية في تاريخ الترجمة حركة لجنة التأليف والترجمة والنشر‏,‏ والحركة الثالثة التي قام بها طه حسين واخوانه في مشروع الألف كتاب‏.‏ فلماذا توقفنا؟ إذن كان لابد من دراسة المشروعات السابقة لنحدد مزاياها ونحاول تجنب عيوبها‏,‏ وأهمها أنها كانت محصورة في اتجاه واحد‏,‏ ثانيا لم تكن عن اللغات الأصلية‏,‏ ثالثا لم تستمر‏,‏ فكان لابد أن نقدم مشروعا يتفادي العيوب السابقة ويستمر مشروعنا ويترجم عن اللغات الأصلية ويكون قوميا يشارك فيه العرب جميعا‏,‏ وعلي هذا الأساس انطلقنا إلي أن عقد المؤتمر الدولي عام‏2005‏ واستطعنا أن نترجم ألف كتاب بين عامي‏1995‏ ــ‏2005‏ وكان لهذا المؤتمر أصداء جيدة‏,‏ فأصدر الرئيس مبارك قرارا جمهوريا بإنشاء المركز القومي للترجمة بناء علي طلبنا‏,‏ وتحول المشروع إلي مركز‏,‏ ومنذ ذلك الوقت ونحن نحاول أن نكمل المهمة ونضيف إلي مهمات المشروع القومي أبعادا جديدة‏,‏ فانتقلنا من الترجمة ــ وهي مستمرة ــ إلي أشياء أخري منها البدء في إعداد دورات تدريبية لإعداد أجيال جديدة من المترجمين‏,‏ إلي جانب هذا هناك جوائز لتشجيع المترجمين‏,‏ وعقد اتفاقيات دولية للتعاون مع المركز وتشجيع دور النشر الخاصة علي حركة الترجمة‏,‏ فأصبحنا نموذجا تحتذيه دول عربية كبيرة أصبح فيها مراكز للترجمة‏.‏وحتي الآن ترجمنا من‏35‏ لغة أصلية بينها لغات لم يترجم عنها للغة العربية من قبل قط‏,‏ وهذا أمر بالغ الأهمية وساعدنا علي هذا وجود الثروة البشرية الهائلة الموجودة في مصر‏.‏‏*‏ كنت قد ألمحت إلي وجود بعض المعوقات التي مازالت تواجه المركز‏.‏ فما هي؟ـ أهم هذه المعوقات التمويل‏.‏ فليس لدينا ميزانية كافية‏..‏ وفي خطة السيد الرئيس للمرحلة الانتخابية الحالية‏(‏ ترجمة‏2000‏ كتاب في السنة‏).‏ والكتاب يتكلف‏60‏ ألف جنيه‏,‏ أي مطلوب‏120‏ مليون جنيه‏.‏ وميزانية المركز الآن‏20‏ مليون بما فيها الأجور والمكافآت والأجهزة والانشاءات‏.‏ وما يتبقي مبلغ ضئيل لايكفي المطالب الفعلية‏.‏ ومن هنا نطالب بزيادة ميزانية المركز ونحاول أن نبحث عن جهات ممولة علي أكثر من مستوي‏.‏والعقبة الثانية هي البيروقراطية‏.‏ فحن اتفقنا في بداية المشروع القومي للترجمة مع المرحوم د‏.‏ ابراهيم شتا علي ترجمة كتاب المثنوي لجلال الدين الرومي في ستة أجزاء وهو كنز يفخر به أي بلد يترجمه‏.‏ وإتفقنا معه علي‏10‏ آلاف جنيه للجزء أي‏60‏ ألف جنيه‏.‏ وكانت هذه المرة الأولي في تاريخ الترجمة في مصر التي يحصل فيها مترجم علي هذا المبلغ‏.‏ وكل الجهاز الاداري في وزارة الثقافة وقف دون هذا‏.‏ ولولا تفهم الوزير ماكان لهذه المسألة أن تحل‏.‏ فالعقلية البيروقراطية تعطل الأمور‏.‏‏*‏ لماذا لايوجد موقع للمركز علي شبكة الانترنت؟ـ تم بالفعل أخيرا إنشاء موقع للمركز علي شبكة الانترنت‏,‏ ومعروض فيها كتب المركز‏,‏ ومن يريد أن يدخل علي الموقع ويقرأ فهو متاح للجميع‏,‏ ومن يريد أن يطبع يمكنه ذلك عن طريق دفع مبلغ من المال‏,‏ ونحن الآن في سبيلنا إلي البيع عن طريق النت والاتصال بالعالم عن طريق هذه الشبكة‏.‏‏*‏ البعض يشتكي من ارتفاع سعر كتب المركز مقارنة بكتب وزارة الثقافة؟ـ نعم السعر مرتفع نتيجة لعوامل لادخل لنا بها‏.‏ أولا اننا ندفع مكافآت غير معتادة للمترجم‏.‏ ثانيا اننا مجلس أمين‏,‏ بمعني اننا نحترم حقوق الملكية الفكرية‏,‏ فندفع للناشرين الأجانب مبالغ مالية في مقابل استخدام حق الترجمة‏.‏ وهذا يرفع سعر التكلفة‏,‏ بالإضافة إلي حرصنا علي الطباعة الجيدة‏.‏ومع ذلك عندما نجد أن الكتاب وصل ثمنه إلي مبلغ يفوق قدرات القارئ العادي نتدخل فورا‏.‏ لذلك وضعنا عدة قرارات معمول بها وهي تخفيض بنسبة‏50%‏ للطلبة والاعلاميين إلي جانب التخفيضات في معارض البيع بنسبة تصل إلي‏30%.‏‏*‏ عقد المركز أخيرا المؤتمر الدولي الأول للترجمة‏.‏ فما العائد من هذا المؤتمر علي حركة الترجمة في المنطقة العربية؟ـ هذا المؤتمر أتاح للمترجمين المصريين والعرب الالتقاء بأصحاب الأقلام والمتخصصين في الترجمة علي امتداد العالم كله‏.‏ وعقدنا اتفاقات مع الدول المهتمة بترجمة إبداعاتها إلي اللغة العربية‏,‏ مثل تركيا وكوريا وغيرهما‏.‏‏*‏ وما الذي أضافته جائزة رفاعة الطهطاوي للترجمة‏(‏ التي يمنحها المركز‏)‏؟ـ أحدثت نوعا من الحراك الثقافي والدفع للمزيد من الترجمة المتميزة‏.‏ فالجائزة قدرها‏100‏ ألف جنيه وهي تساوي ترجمة ما يقرب من‏3‏ ــ‏4‏ كتب‏,‏ وتشجع المترجمين علي التفوق فيها للحصول علي الجائزة‏.‏ونحن لم نكتف بجائزة رفاعة‏,‏ ففي الطريق جوائز أخري للمترجمين الشباب لتشجيعهم علي الترجمة وإتقانها‏.‏‏*‏ بوصفك ناقدا هل النقد يمر بأزمة‏,‏ أم الابداع؟ وما أسبابها؟ـ الابداع مزدهر‏,‏ ولكن النقد هو الذي يمر بأزمة‏,‏ لأنه لايستطيع أن يلاحق حركة الابداع المتدفق‏,‏ فالابداع الآن أشبه بالسيل‏,‏ والنقاد المتميزون عددهم قليل‏,‏ ولا يستطيعون ملاحقة الابداعات اليومية علي امتداد الوطن العربي‏.‏ فمنذ‏25‏ عاما أويزيد لم يكن ينتج الابداع الذي يلفت الانتباه إلا في مصروالعراق وبيروت ودمشق‏.‏ أما الآن فلايوجد بلد عربي إلا ويتميز بابداعات مذهلة‏.‏ فالابداع الأدبي في أزهي حالاته‏,‏ وعدد النقاد المتابعين لهذا الابداع قليل وإذا زاد عددهم فإن الأزمة ستنتهي‏.‏هذا بالاضافة إلي الأزمة الأخلاقية‏,‏ فبعض النقاد لايقولون بصراحة قيمة الأعمال الأدبية‏.‏ وهذا يجعل الغث أحيانا يكبر ويشيع‏.‏ فهناك أعمال أخذت شهرة ومجدا أكثر مما تستحق لأنه ليس هناك حركة نقدية بغربال أمين‏.‏ وعندما كتب ميخائيل نعيمة كتابه الغربال كان يعني ضرورة أن يغربل النقد الغث من الثمين‏.‏ فنحن نحتاج إلي غرابيل متعددة لكي نميز الأدب الحقيقي من الأدب الزائف‏,‏ خاصة اننا نعيش الآن عصر الكتاب الرائج وهناك خلط كبير بين الأدب الرائج والأدب الحقيقي‏.‏‏*‏ جمعت بين النقد والترجمة‏,‏ إلي جانب جهدك الأكاديمي فأين يجد جابر عصفور نفسه؟ـ الاستاذ الجامعي‏.‏ أنا خوجة وهي أفضل صفة وأجمل صفة أعتز بها‏,‏ وبالمناسبة لايمكن أن يسلبني إياها أحد‏,‏ فأنا د‏.‏ جابر عصفور‏,‏ أما رئيس المركز القومي للترجمة فيمكن أن يسلبني إياها وزير الثقافة غدا‏!.‏

الاهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق