أصابني سرطان الرئة.. واكتشفت جحود الوسط الفني
لا يؤكد المشهد من الخارج أن خلف الجدران فنانا متفائلا ومتصالحا مع الحياة.. فالهدوء الذي يفرض نفسه علي المكان يشير أنه لم يستوعب ذات يوم شقاوة "بقلظ" وغباء "زيكو". فتح سيد عزمي الباب وعلي وجهه ابتسامة خلفها ميراث من الحزن.. حاول كثيراً أن يخفي حزنه لكنه لم يصمد امام محاولات النبش في الماضي وتقليب دفتر الذكريات.. انهار نجم الظل وراح يخرج من فمه كلمات وعبارات مغلفة بالألم علي صحة تبخرت وعلي ود الصداقة الذي اثبتت الأيام أنه ود مزيف بلا معني. يعيش نجم الظل سيد عزمي في شقة ضيقة ترفض ان تستوعب حركته البطيئة شأنها في ذلك شأن الأيام التي تآمرت عليه وجعلت منه رغم الموهبة مجرد صوت خلف عروسة من خشب. * طال الغياب عن الشاشة.. ما السبب وراء ذلك؟ - يُسأل عن ذلك صناع الدراما التليفزيونية، فأنا ممثل ناجح بشهادة الجمهور الذي طرق بابي وأنا مريض، ولكن يبدو أن الانسان في الوسط الفني اذا غافله المرض واحتل جسده يتم التعامل معه علي انه جثة في عالم الاموات. * وهل معني كلامك أن سيد عزمي أصبح منسياً؟ - أقول بكل صراحة انني من هذا اليوم أعلنت اعتزالي الفن بشكل نهائي، ولن أقف أمام كاميرا.. فقد تعرضت خلال الأيام الماضية لمواقف جعلتني أشعر بالألم والحسرة علي عمر راح هدرا. * وما هو الموقف الذي صدع نفسك واصابك بهذا اليأس؟ - منذ أيام طرق باب منزلي "ريجيسير" وقال لي أن المخرج سامي أحمد علي رشحني لدور في مسلسل جديد.. وكما تعودت طلبت السيناريو كاملا حتي أعرف موضوع المسلسل وأتعايش مع الدور.. ولكنني فوجئت بالرجل الذي طرق بابي يمنحني ورقة حقيرة، وقال لي "في هذه الورقة دورك".. شعرت بإهانة بالغة ورفضت المسلسل. * أشعر في حديثك بغضب وحزن من أصدقاء الوسط الفني؟ - لا تتكلم عن الصداقة.. فقد مكثت في مستشفي عين شمس التخصصي سنة كاملة ولم يرفع واحد من الوسط الفني سماعة التليفون للاطمئنان علي حالتي الصحية.. ولك ان تعلم ان الفنان الكبير والزعيم عادل امام كان صديق العمر وبدأت الصداقة من مرحلة الابتدائي واستمرت حتي العمل بمسرح التليفزيون ورغم ذلك لم يكلف خاطره ويسأل عني. * بالتأكيد ليست كل الصورة معتمة.. فهناك دائما نقطة ضوء؟ - اتفق معك في هذه العبارة.. ولا أخجل من القول: ان نقطة الضوء في محنتي كانت الفنانة نجلاء فتحي التي فوجئت باتصالها للاطمئنان علي حالتي الصحية رغم أنني لم أعمل معها ولم يجمعني بها لقاء.. وبعد تليفونها بساعة طرق باب شقتي شخص من طرفها منحني شيكا وبوكيه ورد ثم غاب عن عيني وكأنه "فص ملح وداب" لذا أقول إن نجلاء فتحي علي عيني وراسي. * لماذا لم تستوعب السينماء ابناء جيلك، وهل انت راض بتعبير "نجم الظل"؟ - سألت نفسي كثيراً لماذا لم تحتضن السينما موهبتي ولم أجد اجابة ولذا اكتفيت بالتليفزيون.. ولكن شرف لي القول ان فيلمي الوحيد الذي قدمته علي شاشة السينما كان مع المخرج الرائع عاطف الطيب وكان عنوانه "انذار بالطاعة". * إلي أي مدي كانت محنة المرض مؤلمة وكاشفة للواقع حولك؟ - اصبت بسرطان علي الرئة وعندما ساءت حالتي الصحية، دخلت مستشفي عين شمس التخصصي، وفي محنة العلاج انفقت كل المال الذي ادخرته لمواجهة ألغاز الزمن، ولم تصرف النقابة لي إلا مبلغا قدره خمسة آلاف جنيه. * وماذا عن دور النقيب أشرف زكي؟ - أشرف زكي انسان نبيل المقصد، زكي الفؤاد، والحقيقة أنه وقف بجانبي في محنتي ودائما يسأل عني، ولكن هناك ضوابط وقيود تحكم النقيب في صرف الأموال، وأتصور انه ساعدني بأقصي قدرته. * لو سألتك عن حال مصر في الوقت الحالي فماذا تقول؟ - أنا عشت أيام الملك وأيام جمال عبد الناصر والسادات وأقول بملء صوتي: إن حال مصر في الوقت الراهن مقلوب وفي حاجة ماسة لمعجزة كي يستقيم الحال ونسترد عافيتنا. * وما هو رأيك في جمال عبد الناصر والسادات؟ - شأني شأن غيري أعجبت بالرئيس جمال عبد الناصر، وقلت: انه زعيم مصر والأمة العربية، ولكن عندما وقعت هزيمة عام 1967 اكتشفت ان عبد الناصر كذبة كبيرة أو بمعني أكثر دقة "شلوت كبير" خدعنا كلنا، وبالمناسبة أقول هذا الكلام بصدق وعن تجربة. فقد التحقت بالجيش وكنت في سلاح المشاة واكتشفت عندما التحقت بالجيش أن هزيمة 67 كانت أمراً طبيعياً لأن كل الجنود كانوا يعانون من جهل ولم يهتم المسئولون بتعليمهم وتفتيح مداركهم وقد شاركت في حرب 1973 وأحسست بنشوة وروعة الانتصار.. فأنا عاشق للرئيس محمد أنور السادات الذي سبق عصره وأتصور أن الخطأ الذي وقع فيه فقط هو الانفتاح الذي جعل البلد علي حد وصف أحمد بهاء الدين الكاتب الكبير "سداح مداح". * ما هو المشهد الذي يستوقف نظرك في الحياة السياسية؟ - يستوقف نظري وكل حواسي بكل تأكيد غول الفساد الذي ينهش في جسد مصر من كل جانب.. يستوقف نظري الخلط الغريب بين البيزنس والسلطة.. فمن المؤكد ان رجال الأعمال لن يشعروا بالناس التي تئن من الجوع والسائرون في الطرق بلا هدف بسبب الهموم التي تلوي اعناقهم.. مصر في أسوأ مرحلة من تاريخها وانظر الي الدكتور يوسف بطرس غالي الذي يفرض الضرائب وكأنه محتسب من عصر المماليك ولا أعرف أين الاعفاءات التي كانت لصالح الفنان والطبيب ولماذا يصر علي إفساد طعم الحياة بالضرائب التي يفرضها قبل أن يدرس حال الناس ويدرك أن الوطن بات رافضا لاحلام البسطاء. * من كل محنة يخرج الإنسان بدرس أو عظة.. فماذا تعلمت من محنة المرض؟ - بصراحة أنا اكتشفت "بلاوي سودا" وعرفت أن الصداقة ود مزيف، فلم يسأل عني يحيي الفخراني الذي عملت معه سبع سنوات في مسلسل "ليالي الحلمية" كان نفسي ان يتعلم ابناء جيلي مسميات وخصال الجيل القديم الذي ضم محمود المليجي ويحيي شاهين وشكري سرحان. * وكيف يري سيد عزمي المضحكين الجدد؟ - أنا احترم جداً الفنان احمد حلمي فهو يختار اعماله بعناية شديدة، والحقيقة أنه رشحني لمشاركته في فيلم "مطب صناعي" وأرسل لي السيناريو وعندما اعتذرت عن الدور طلبني بنفسه وحاول اقناعي بالتمثيل معه.. وأحب أيضا محمد هنيدي. * ومن هو الفنان الذي كنت تتمني أن يسأل عنك من الجيل الجديد؟ - أحمد السقا.. طبعاً فقد خذلني لأنه وقف بجانبي علي المسرح وكنت أتصور أنني مهم بالنسبة له خاصة وأنني أحبه إلي حد كبير. * كم مرة خانتك قوتك ونزلت دموعك؟ - مرتين فقط عندما ماتت أمي وعند وفاة أبي، ولكني رغم الظروف الصعبة والمرض إلا أنني متماسك جداً وفخور بعزة نفسي ويكفي أنني لم أطرق باب منتج أو مخرج طمعاً في فرصة عمل تساعدني علي مواجهة أعباء وضغوط الحياة. * وهل سألت نجوي إبراهيم عنك؟ - نجوي ابراهيم اختي بكل ما تحمله الكلمة من معني فقد قدمت معها برنامج "صباح الخير" وقدمت معها شخصية "بقلظ" التي اسعدت الاطفال كثيراً.. وبالمناسبة نجوي ابراهيم تتمتع بالخلق الحسن وقلبها نقي جداً. * ما الشيء الكامن في صدرك وتريد ان تبوح به في نهاية الحوار؟ - اريد أن أسأل المسئولين لماذا لم يتم تكريمي حتي الآن علي الأعمال التي قدمتها لصالح الأطفال، فأنا أكثر فنان انحاز للأطفال وقدمت لهم 11 مسرحية وقدمت من اجلهم برامج رائعة مثل "صباح الخير" والذي قدمت من خلاله شخصية "بقلظ" علي مدار 22 سنة وبرامج "عصافير الجنة" و"بيب بوم" و"بوجي وطمطم".. أنا بكل تأكيد استحق التكريم.. ولكن ما باليد حيلة فمصر الآن حالها مقلوب!!
الوفد - صفوت دسوقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق