الجمعة، 19 فبراير 2010

الشرطة في الشريط السينمائي المصري‏2‏ ـ‏2‏



مين هناك؟ صرخة صوت الجمهور‏,‏ حينما تنطلق ترتعد لها افئدة في حين يسكن الأمان في النفوس‏,‏ انه الفرق بين الذين يخافون الشرطة لأنه يفعلون ما هو غير شرعي‏,‏ وهؤلاء ــ وهم كثر ـــ الذين يرونها ملاذا ومبعث للطمأنينة في فيلم اسماعيل ياسين في البوليس‏,‏ والذي اخرجه فطين عبدالوهاب عام‏1956‏ وهو ايضا شارك السيد بدير ومحمود صبحي كتابة القصة والحوار‏,‏
وجدنا تعريف بسيطا ومحببا لرجل الشرطة فرغم انه رمز للقوة والسلطة إلا انه لا يستطيع ان يفرض نفسه علي الاخرين كان يعشق فاتنة الحي شريفة ماهر وكاد يان يتزوجها الي ان جاء شخص آخر رجل الرياضة رشدي اباظة وهكذا دون ان يقصد أو يدري دخل في مقارنة بينه وبين هذا الوافد الجديد لكنه يخسر السباق فماذا عساه ان يفعل؟ الاجابة قالها هو نفسه‏,‏ انه سيهنئ من كانت حبيبته وأيضا غريمه أو من كان غريمه رسالة مؤداها روح المحبة والبساطة‏.‏الدباغ رجل السراي والانجليز معا
بعد ذلك بخمس سنوات تقدم السينما المصرية واحدا من افلامها المهمة انه فيلم في بيتنا رجل والذي عرض عام‏1961‏ عن قصة لإحسان عبدالقدوس ومن اخراج هنري بركات اما السيناريو والحوار فكان ليوسف عيسي بركات والحق انه وبالتعاون مع بركات خرج النص السينمائي أكثر واقعية وإثارة وتشويقا من الأصل الأدبي الذي كان أقرب الي التحقيق الصحفي منه الي العمل الروائي‏.‏ وحكاية الشريط تتلخص في إبراهيم حمدي‏(‏ عمر الشريف‏)‏ الذي قرر الانتقام من الخونة رجال البوليس الذين قتلوا اصدقائه اثناء مظاهرة للتنديد بالاحتلال والمطالبة بالاستقلال والحرية في مرحلة ما قبل الثورة‏,‏ وهكذا يصوب مسدسه الي صدر العميل الخائن رئيس الحكومة الموالي للاحتلال‏,‏ ورغم الخطة الموضوعة لم يتمكن من الهرب فتم القبض عليه وفي سجون البوليس السياسي تم تعذيبه لكي يدلي بأسماء شركائه في الجريمة‏,‏
ولأن قطاع الشرطة ليس كل عناصره خونة فقد غض شاب‏(‏ حسني عبدالجليل‏)‏ الطرف يتمكن ويفر المناضل من محبسه أو المستشفي التي كان يعالج بها من آثار التعذيب‏,‏ ويأتي اختيار ساعة انطلاق المدفع ولحظة الافطار في شهر رمضان ليقوم بالهرب متجها لمنزل زميله الجامعي محيي زاهر‏(‏ حسن يوسف‏)‏ الذي ليس له أي نشاط سياسي‏,‏ طالبا منه ان يأوي في منزله وقد كان له ما أراد لنلتقي بأسرة مصرية مكونة من الاب المظف زاهر افندي‏(‏ حسين رياض‏)‏ والأم‏(‏ ناهد سمير‏)‏ والابنتين نوال‏(‏ زبيدة ثروت‏)‏ وسامية‏(‏ زهرة العلا‏)‏ وكيف انها وجدت نفسها دون تخطيط أو موعد في آتون معركة لم تختارها‏,‏ ولكنها لم تندم لأنها شاركت فيها‏,‏ ما يعنينا هنا صورة البوليس وكيف كانت اجمالا بدت بشعة في ذلك الزمان بدءا من همام بك‏(‏ عبدالفتاح صالح‏)‏ مرورا بالدباغ‏(‏ توفيق الدقن‏)‏ رمز القمع انتهاءا بدور المخبر التقليدي عمران بحر ويمكن القول ان الفيلم اراد ان يقول ان البوليس كان في خدمة القصر واللوردات الانجليز في مقابل قهر الشعب وإذلاله‏!‏زعتر يفوز بالضربة القاضية
في أهل القمة هذا الشريط المفعم بالإثارة والذي اخرجه علي بدرخان بل انه شارك في كتابة السيناريو والحوار مع مصطفي محرم‏,‏ نحن وجها لوجه امام القاهرة العاصمة الكبيرة في كل شئ‏,‏ بخيراتها ومآسيها‏,‏ بأغنيائها وفقرائها‏,‏ أنها هنا في بدايات ثمانينيات من القرن المنصرم‏,‏ بصخبها الهائل الذي طرد بكل قسوة هدوء عاشته في زمن قريب جدا‏,‏ قبل ان تتلقي ارهاصات الانفتاح الاقتصادي في الأصل النص الذي كتبه نجيب محفوظ‏,‏ القمة ليست بمعناها المتعارف عليه فإذا شئنا الدقة لقلنا قمة القاع‏,‏ هذا هو العالم الذي تمحور حوله الفيلم والذي شاهده الجمهور للمرة الأولي عام‏1981,‏ ان اهمية العمل الفني طالما نتحدث عن رجل الشرطة لاتكمن اذن في محمد زغلول اللص الشهير بـزعتر والذي اداه باقتدار نور الشريف‏,‏ أو في شخصية سهام احمد بدرالدين والتي ادتها سعاد حسني أيقونة التمثيل في السينما المصرية‏,‏ ليس كل هذا وإنما في عزت العلايلي أو المقدم محمد فوزي انه رجل في العقد الرابع من العمر معروف عنه الطيبة والصرامة في الوقت ذاته‏,‏ وتلك تعود الي احترامه لمهنته وللقسم الذي اقسم فيه عل يالولاء للوطن‏,‏ ورغم ان تصنيفه الاجتماعي يضعه في شريحة الطبقة المتوسطة
إلا انه عاني من تذبذيها المعيشي‏,‏ فهو شأنه شأن ابناء تلك الطبقة لا مورد مادي له سوي مرتبه والمكافآت التي يحصل عليها من عمله وهذا بطبيعة الحال لايكفي سد احتياجات الاسرة التي يعولها والذي زاد علي افرادها وجود شقيقته الأرملة وابنتها الشابة‏,‏ وهو أمر كان يثير حفيظة الزوجهة أم اطفاله فهي تعلم أو تتصور من حمايات اقربائها ان بإمكان زوجها ان يجعل اسرتها في بحبوحة ورغد من الغيش فهناك امثاله الذين يملكون المال الوفير ويغدقون علي زوجاتهم بالغالي والنفيس لكن شريكها في الحياة لايمد يده إلا لمعاشه المحدد والذي ناله كل نهاية شهر‏,‏ الفيلم لا يتعمد ان يظهر رجل الشرطة مثاليا غارق في اليوتوبيا بل العكس نراه كثيرة في لحظات ضعف‏,‏ وهو يري ابنة شقيقته تتزوج من اللص السابق صحيح انه تخلي عن النشل ويصبح رجل تصدير واستيراد لكنه في النهاية حرامي لأنه ببساطة يعيش عل يالتهريب من الجمارك ورشوة رجالها‏,‏ ثم يتجلي القهر الذي يتحالف مع قمة الفساد المتمثل في زغلول رأفت الذي جسده عمر الحريري ليقفا معا وليقذفا به إلي أسيوط عقبا لأنه عنيد في أداء واجبه‏!‏ياله من رجل بائس
في زوجة رجل مهم الذي اخرجه محمد خان وكتبه للشاشة الناقد السينمائي رءوف توفيق يقف مضمونه علي النقيض تماما مما سبق وذكرناه قبل قليل‏,‏ فأداء الواجب هنا ليس من اجل الناس بل هو مقرون بالبقاء في السلطة حيث السطوة ومظاهرها لكن التفاني من أجل ارضاء الرؤساء له شروط ومعطيات يمكن أن تتغير في أي وقت وهو ما لم يستوعبه هشام رجل أمن الدولة الرهيب الذي أدي الشخصية الراحل أحمد زكي‏!‏
وفي لحظة قدرية يصبح بين عشية وضحاها خارج دائرة القسوة‏,‏ وعليه ان يمارسها في مكان آخر لقد احيل الي التقاعد وليكتشف ان هناك جحيما ينتظره وياله من جحيم فمسئول الأمن السابق لايطيق ان يصبح علي الهامش أو ان يدخل مكانا لايهب من فيه واقفا تحية له‏,‏ حتي البائع البسيط تجرأ عليه لا أحد اذن يحترمه إذن فليبق وحيدا فزوجته وبفضله هو أولا لم تعد معه فقد انفصلت عن حاضرها لتعيش في أيام خلت حيث مثل صوت عبدالحليم حافظ العزاء والسلوي لها يا له من انسان بائس ولتكن النهاية‏!!‏

الاهرام المسائي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق