عوامل كثيرة جعلت الفنان محمد منير يحتل المقعد الأبرز بين نجوم الغناء منذ ظهوره وحتى الآن. أبرزها ثقافته الموسيقية التى دائما تجعله يتحرك برشاقة، داخل مساحات شاسعة من الغناء، فهو عندما ظهر لأول مرة اختار شكل مختلفا تماما عما يقدم، وبالتالى احتفظ بموقعه طوال هذه السنوات. منير عبر هذا المشوار ينتقل من محطة إلى أخرى مجتازا حواجز وسدودا كثيرة، مكتشفا أنماط موسيقية قد لا يلتفت إليها كثير من العاملين فى الوسط الغنائى، والموسيقى. لذلك لم يكن غريبا أن أراه الآن، وهو يعد لمشروع ضخم يعبر من خلاله إلى دول حوض النيل، ليخترق القارة الأفريقية، التى تجاهلناها كثيرة لأسباب غير منطقية. فى الوقت الذى وجدنا أوروبا تعبر البحر، والمحيط لكى تصل إليها. < فى البداية سألت المطرب الكبير محمد منير. لماذا أفريقيا الآن؟ ــ قال: أفريقيا دائما موجودة داخلنا. وليس معنى أننا همشناها أنها ليست موجودة. فالموسيقى الأفريقية، وهو مجالى الذى أعيشه. موجودة عندنا فى أسوان، وحلايب، وشلاتين. لذلك استفزنى أن أشاهد برنامج فى إحدى القنوات المصرية بعنوان «نايل هيتس»، وكل الأغانى التى تذاع فيه ليس لها علاقة بالنيل. وهنا قررت التحرك. < ماذا عن مشروعك الذى تهدف فيه إلى إعادة الجسور بيننا وبين دول النيل غنائيا؟ ــ تحدثت مع السيدة فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولى، والسيد محمد نصرالدين علام وزير الموارد المائية. لتنظيم مهرجان باسم «انزجو» وهى تعنى كلمة الصداقة، باللغة السواحلية التى يتحدث بها الناس فى أفريقيا الشرقية، ومنها دول حوض النيل. وهذا المهرجان يعيدنا إليهم، ويعيدهم إلينا. < وهل هذا المهرجان سوف يقام فى مصر بشكل سنوى؟ ــ لا. كل سنة سوف يقام فى إحدى عواصم حوض النيل، أوغندا وأثيوبيا، ورواندا، وتنزانيا، وإريتريا، وبوروندى، وكينيا، والسودان ومصر. وهنا سوف نكتشف عدم وجود أى غربة بيننا. لأننا أصحاب مصير واحد. < والبداية؟ ــ ستكون بالتأكيد من مصر لأنها الدولة الكبيرة. وبالتالى يجب أن تكون ضربة البداية من هنا. < لكن من الممكن أن تكون هناك صعوبات؟ ــ مادام هناك حب كل شىء سوف يمر حتى لو كان هذا الحب «بالعافية» فى بادئ الأمر. ثم يتحول إلى شكله الكلاسيكى. < هل ستتحمل الدولة الإنفاق على هذا المشروع؟ ــ أتمنى أن يكون لرجال الأعمال الذين يستثمرون فى أفريقيا دور. < أشعر من كلامك أن هناك عدم رضا عن تعاملنا موسيقيا مع أفريقيا؟ ــ هذا صحيح، نحن للأسف الشديد محتلين بثقافات أخرى. والموسيقى يجب أن تدخل ضمن المنظومة السياسية، والاتجاه الذى تتبناه الدولة حاليا. أفريقيا كنز، والدليل إن الأوروبيين يتجهون إليها، ففى الماضى كان الأفارقة هم الذين يسعون للسفر إلى القارة العجوز، الآن الوضع تغير تماما. لذلك أنا أريد إنجاز هذا العمل فى 2010. < هل الإعلام المصرى كان له دور فى الابتعاد عن أفريقيا؟ ــ بالطبع فالتليفزيون المصرى انحاز لأشكال غنائية أخرى. فالأغنية ليست الموسيقى العربية فقط. والإعلام ليس هذه البرامج الثقيلة الظل. فالفن يجب أن يتسرب إلينا بلغة راقية. نحن دعمنا الدول العربية، واتجهنا إليها، وأتمنى أن نتواصل. لكن أيضا لأفريقيا حقوق علينا. لأننا نمتلك علاقات قديمة معها. < هل هذه الدول تمتلك نجوما للغناء نستطيع من خلالهم أن نتواصل؟ ــ بالطبع هناك أسماء كثيرة.. بعضهم له شهرة كبيرة فى أوروبا منهم: كيتا، وتورى كوندا، وسيدى إبراهيم، وهو فنان له شعبة كبيرة فى ألمانيا. < هل موسيقاهم سوف تجد صدى لدينا؟ ــ موسيقاهم أفضل من الأشكال الموسيقية المفروضة علينا الآن مثل الهاوس، والروك، والهاردروك. ثم إن موسيقاهم هى موسيقانا، ويجب أن نقدم أنفسنا. لماذا نتجاهل موروثنا ونرتمى فى أحضان أوروبا. كما أن الموسيقى الخاصة بهذه الدول سبقتنا إلى الغرب، حتى موسيقى شمال أفريقيا ذهبت قبلنا. < وما الذى تطلبه لدعم المشروع؟ ــ الإلحاح من الإعلام. كما ألحوا فى نوعية معينة من الأغانى غير الهادفة. أتمنى أن يلحوا فى عرض تجارب هذه الدول لأنها مستقبلنا الحقيقى. فالعالم كما قلنا أفلس موسيقيا، والكل يعى أن أفريقيا هى الحل. وبالتالى فهذا الإلحاق سوف يجعل موسيقى هذه الدول ضرورة فى الوجدان الشعبى. وكما عرفنا الموسيقى الخلجية فلماذا لا نعرف هؤلاء أيضا؟ وأتمنى ألا ينظر الناس إلى الموسيقى على أنها تسلبية، لأنها بالفعل ضرورة. والإنسان المصرى يجب ألا يكون أسيرا للموسيقى العربية فقط. < هذا صحيح لكن الثقافة العربية تحتل مساحة أكبر بداخلنا؟ ــ أنا لست ضد هذا. لكن لا تنسى أننا نمتلك بوابة أخرى على أفريقيا. ولنا تاريخ طويل معهم يمتد إلى العصر الفرعونى. وفى عصر محمد على كان لنا توغل فى أفريقيا. < ما هى أبرز الأشكال الموسيقية التى قدمتها أفريقيا؟ ــ أفريقيا بصفة عامة غزيرة بالإيقاعات، وسوف تجد كل الألوان الموسيقية العالمية تستمد بعض تلك الإيقاعات. كما أن أفريقيا قدمت لنا موسيقى الريجى، وهى من الموروث الشعبى الأثيوبى. وهى اجتاحت العالم، وأبرز مبدعيها الراحل بوب مارى. وهو ذو جذور أثيوبية. ولا تنسى أن الموسيقى النوبية المصرية تنتمى إلى الموسيقى الأفريقية. فنحن نمتلك نفس الإيقاعات الساخنة والتى نعبر عنها بالدفوف. < لماذا تبدو الموسيقى الأفريقية ساخنة؟ ــ لأنها خلقت من أجل التلاحم، والتواصل بين الشعب. فالموسيقى العربية خلقت مرفهة، وتقدم فى الصالونات على عكس الأفريقية. < بالتأكيد أنت تعلم أن إسرائيل بدأت تهتم بالموسيقيين الأفارقة؟ ــ أعلم هذا، والعام الماضى نظموا مهرجان للإيقاع الأفريقى। وتحركهم لن يتوقف عند هذا الأمر. لأنهم يعلمون أن المستقبل لأفريقيا وأن الموسيقى، والغناء إحدى وسائل الجذب. وكما قلت ليست بالسياسة فقط تستطيع أن تتواصل مع الشعوب. وعلينا أن نعى أهمية تواصلنا مع هذه القارة. لأنها سوف تكون نقلة حقيقية لنا.
الشروق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق