الأحد، 1 نوفمبر 2009

فيلم الفرصة الأخيرة .. روعة الحب في خريف العمر !


فيلم‮ " ‬The last chance Harvey‮" ‬أو كما عرض تجارياً‮ ‬في الصالات المصرية تحت عنوان‮ "‬الفرصة الأخيرة‮" ‬هو أحد أجمل الأفلام الرومانسية التي شاهدناها في السنوات الأخيرة،‮ ‬عمل محكم الصنع ومختلف كتبته وأخرجته‮ "‬جويل هوبكنز‮" ‬فأتاحت لنا أن نشهد مباراة رفيعة المستوي في فن التشخيص طرفاها الأمريكي الكبير‮ "‬داستين هوفمان‮" ‬والبريطانية المتألقة‮ "‬إيما‮ ‬طومسون‮".‬ بناء فريد من المشاعر والاحاسيس الدافئة التي تعتمد علي تفصيلات ذكية تتراكم لتترك بداخلنا شعوراً‮ ‬بالشجن،‮ ‬نموذج‮ ‬جديد من الأفلام التي تتميز بإحكام عناصرها بداية من المعالجة وحتي كل عناصر الصوت والصورة‮ ‬لتتاح الفرصة للجمهور ولصناع السينما‮ ‬معاً‮ ‬للتأكد أن الأعمال الجيدة ممكنة بشرط الاتقان والجدية والاجتهاد‮.‬ ليست هذه هي المرة الأولي ولن تكون الأخيرة التي تقدم فيها السينما قصة حب،‮ ‬ولكن الحب في‮ "‬الفرصة الأخيرة‮" ‬مختلف لأنه بين اثنين في مرحلة النضج،‮ ‬ولأنه علاقة مركبة بين طرفين من عالمين مختلفين في كل شيء تقريباً‮ ‬فيما عدا المشاعر التي تحتاج فقط لمن يوقظها،‮ ‬علاقة حب تنمو تدريجياً‮ ‬دون أن يقول طرف لآخر‮ "‬أنا أحبك‮" ‬ومع ذلك فإن كل نظرة ولفتة وحركة وتعبير تؤكد علي هذا الحب،‮ ‬طرفان منذ أن التقيا لا يريدان أن يتركا بعضهما خلال ساعات قليلة،‮ ‬وفي دأب وصبر يصبح الحب أكثر من شعور جميل يعيد الحيوية إلي شخصين تجاوزا سن الشباب ليصبح فرصتهما الأخيرة ليعيدا تشكيل الحياة كما يريدان،‮ ‬وليس كما تجبرهما الظروف علي ذلك‮. ‬هذا هو المعني الذكي الذي يحول الحب إلي الحياة الجديدة نفسها دون أدني مبالغة‮.‬ سيناريو متماسك يستحق الدراسة،‮ ‬يبدأ أولاً‮ ‬برسم عالم كل طرف‮: ‬الموسيقي الأمريكي‮ "‬هارفي شاين‮" (‬داستين هوفمان‮) ‬الذي يعيش في نيويورك،‮ ‬ويعمل في تأليف موسيقي الإعلانات،‮ ‬والبريطانية‮ "‬كيت والكر‮" (‬إيما طومسون‮) ‬التي تعيش في لندن،‮ ‬وتعمل في الوكالة الوطنية للإحصاء،‮ ‬عالمان لا يلتقيان بالحساب ولكنهما يلتقيان في المشاعر والظروف،‮ ‬هو ارتضي العمل في الإعلانات تعويضاً‮ ‬عن حلمه الضائع بأن يكون عازف بيانو لموسيقي الجاز،‮ ‬ولكنه علي وشك الطرد من العمل لأن الكمبيوتر يكاد يؤدي ماهو أفضل من نغماته الحائرة،‮ ‬وهي ارتضت أن تقوم بإحصاء القادمين عشوائياً‮ ‬إلي مطار‮ "‬هيثرو‮" ‬ولكنها لم تتزوج اكتفاءً‮ ‬برعاية أمها العجوز التي شفيت تواً‮ ‬من السرطان،‮ ‬ومع ذلك لا تتوقف عن سؤالها عن عدم زواجها‮.‬ هو سيكون مضطراً‮ ‬للسفر إلي لندن لكي يحضر زواج ابنته الوحيدة‮ "‬سوزان‮" ‬من عريس أمريكي يعمل في مجال النفط،‮ ‬لقد انفصل عن أم ابنته التي تزوجت وعاشت في لندن مع زوجها‮ "‬برايان‮" ‬وهي ستكون مضطرة أن توافق علي مقابلة شاب أصغر منها سناً‮ ‬اسمه‮ "‬سايمون‮" ‬يمكن أن يكون زوج المستقبل‮. "‬هارفي‮" ‬سيفشل في لقائه الأول مع ابنته‮ "‬سوزان‮" ‬وأمها في كسب ثقتهما فيقرر الانسحاب والعودة إلي‮ "‬نيويورك‮"‬،‮. ‬وتعلن‮ "‬سوزان‮" ‬أنها ستعتمد علي زوج أمها‮ "‬برايان‮" ‬لكي يسلمها إلي عريسها،‮ ‬و"كيت‮" ‬ستفشل في التواصل مع‮ "‬سايمون‮" ‬وستزيد وحدتهما رغم أنها وسط الكثير من الرجال والنساء‮.‬ هذا البناء المتوازي الدءوب لا يمكن تذوق روعته إلا إذا لاحظت الأداء المذهل من‮ "‬هوفمان‮" ‬و"إيما طومسون‮"‬،‮ ‬الاثنان تجاوزا سن الشباب ولكن تعبيرات الوجه والعينين والمشية السريعة المتعثرة والملابس‮ ‬غير المهندمة،‮ ‬كلها تفصيلات تكشف عن شخصيات خارج الحياة رغم أنها تعمل وتتعامل مع الآخرين،‮ ‬ومنذ اللقاء الثاني بينهما في مطار‮ "‬هيثرو‮" ‬بعد أن فشل‮ "‬هارفي‮" ‬في اللحاق بطائرة العودة،‮ ‬تشعر علي الفور أن النجمين‮ "‬هوفمان‮" ‬و"إيما طومسون‮" ‬ضبطا مشاعرهما علي الموجة الصحيحة،‮ ‬وأنك لا تريد لحوارهما أن ينتهي،‮ ‬في المرة الأولي تجاهل‮ "‬هارفي‮" ‬موظفة الإحصاء لأنه مجهد،‮ ‬وفي المرة الثانية بدأ هو في الثرثرة معها،‮ ‬أنه في حاجة للتواصل والحوار،‮ ‬هي أيضًا تحتاج إلي الفضفضة،‮ ‬سيحكي لها عن ابنته العروس التي تركها،‮ ‬وعن أحلامه كعازف للبيانو،‮ ‬وستحكي له عن أمها التي تراقب جارهما البولندي ومخاوفها من أن يكون سفاحًا،‮ ‬وفي مرحلة تالية ستحكي له أيضا عن طفل حملت به وهي صغيرة ولكنها تخلصت منه،‮ ‬سنراها تبكي وتعبر عن مشاعرها،‮ ‬كانت في البداية مثل الإنجليز الذين يضغطون علي الفّك ليتحكموا في مشاعرهم،‮ ‬ولكنها وجدت أخيرًا المرآة التي تشاهد نفسها فيها،‮ "‬هارفي‮" ‬أيضًا وافق علي الفور علي فكرتها بالعودة إلي حفل الزفاف،‮ ‬اشتري لها فستانًا،‮ ‬وقدمها بوصفها صديقته،‮ ‬وأخذ يخطب بوصفه والد العروس،‮ ‬جلسا معًا علي مائدة بها عدد من الأطفال،‮ ‬رقص مع ابنته،‮ ‬وعزف علي البيانو،‮ ‬ورقص مع كيت،‮ ‬وعندما جلسا في ساحة الفندق في الصباح لم يقل لها‮ "‬أحبك‮" ‬ولكنه نظر إليها بعينيه وطلب منها أن يلتقيا في الظهيرة في اليوم التالي في نفس المكان البديع‮.‬ لن يذهب‮ "‬هارفي‮" ‬إلي الموعد لأن دقات قلبه اضطربت،‮ ‬ولأنه نسي احضار الدواء معه،‮ ‬هي أخذت الموضوع ببساطة وكأنها استراحت لأنها لن تخرج من الشرنقة،‮ ‬ولكنه ذهب إليها،‮ ‬بكت لتفرغ‮ ‬عواطف مكبوتة،‮ ‬لم تخرج منذ سنوات،‮ ‬واعترفت أخيرًا،‮ ‬بأنها استراحت لفكرة تغيبه عن الموعد،‮ ‬هارفي لم يستسلم،‮ ‬أخبرها أنه استقال من عمله في نيويورك رغم تمسكهم به،‮ ‬هو يريد حياة جديدة بمعني الكلمة،‮ ‬لا يعدها بأي شيء،‮ ‬وليس لديه أي توقع عن مستقبلهما،‮ ‬كل ما يطلبه عمن تسأله،‮ ‬عن البيانات التي تريدها كموظفة في وكالة الإحصاء،‮ ‬وعندما تسأله عن مكان إقامته يقول لها‮: "‬أنا في مرحلة انتقالية‮" .‬ ليس هناك أحكام نهائية أو أقواس مُغْلقة،‮ ‬ولكن السيناريو الذكي يقدم إليك مشاعر وأحاسيس صادقة لابد أن تنفعل معها،‮ ‬تخرج من الفيلم وفي ذاكرتك مشاهد لا تنسي‮: ‬هارفي مرتبكًا أمام ابنته في أول لقاء،‮ ‬ثم عندما يقف خطيبا بعد عودته،‮ ‬و"كيت‮" ‬وهي كالفتاة الخائبة الباحثة عن عريس،‮ ‬ثم وهي تبكي معترفة بمأساة تخلصها من جنينها،‮ ‬وسعادتها بالفستان الجديد الذي دخلت به فرح ابنة‮ "‬هارفي‮"‬،‮ ‬قطعات سهلة عذبة يلتقط التعبير المناسب بلا زيادة أو نقصان،‮ ‬وعلي شريط الصوت حوار آخر عذب بين دقات بيانو،‮ ‬ورنات جيتار،‮ ‬سرعان ما يمتزجان عند النهاية،‮ "‬جويل هوبكنز‮" ‬المؤلفة والمخرجة تعرف أن سلاحها الأساسي هو النجمان الكبيران،‮ ‬أنها تديرهما ببراعة،‮ ‬التفصيلات مدهشة لدرجة أن مشيتهما المتعثرة ستتحول في مشهد النهاية أخيرًا إلي مشية واثقة ومنتظمة‮.‬ الحب ليس مجرد مشاعر جميلة،‮ ‬ولكنه فرصة جديدة للحياة،‮ ‬حتي أم‮ "‬كيت‮" ‬العجوز العائدة من تجربة السرطان في طريقها لكي تحب جارها البولندي الذي لا يتوقف عن الشواء،‮ ‬لا وعود ولا عبارات مكررة ولا كليشيهات محفوظة وإنما مشاعر صادقة‮. ‬ياله من فيلم كبير‮.‬ ويالهم من نجوم يستحقون موقعهم في السماء!‬




روز اليوسف - محمود عبد الشكور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق