السبت، 7 نوفمبر 2009

"مرة أخرى" فيلم يتناول العلاقات السورية اللبنانية


لا تزال مسألة وجود القوات العسكرية والاستخبارية السورية قبل خروجها من لبنان في ابريل عام2006 تشكل مادة شهية ودسمة لكثير من الكتاب والمبدعين متابعي العلاقة المشتركة بين الجانبين.


ولعل فيلم "مرة أخرى " الذي كتبه وأخرجه المخرج السوري الشاب جود سعيد من انتاج مؤسسة السينما السورية دليل اضافي على ان "الشرخ " في علاقات اللبنانيين والسوريين بقى قائما حتى بعد مرور بضع سنوات على خروج الجيش السوري من لبنان في العام التالي لمقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في فبراير عام 2005.


ويقول جود سعيد مخرج الفيلم الذي عرض مساء أمس في مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان دمشق السينمائي: "الفيلم يروي حكاية مجموعة من العسكريين السوريين وعلاقاتهم ببعضهم وعلاقاتهم ايضا مع اللبنانيين".



وأضاف أن الفيلم يروي "كيف اثرت الحرب الماضية بهم جميعا وامتد تأثيرها الى كل تفاصيل الحياة بما في ذلك أدق التفاصيل الحميمية وبالتالي نجد ان الحرب الاخيرة تعيد انتاج نفس دورة الحياة من التأثير السلبي على الطرفين من ابناء البلدين".
ويروي الفيلم الذي اجتذب مئات من الجمهور حيث غصت صالة السينما بهم جلوسا ووقوفا قصة ضابط سوري كبير عانت حتى أسرته من صلابته وكيف حول حياته الأسرية الى ما يشبه "ثكنة عسكرية" أثناء ادائه لخدمته في لبنان ثم تقتل زوجته برصاص قناص بينما يصاب ولده الصغير الجالس في حضن والدته دون أن يقتل.
وبعد بضع سنوات يصيب الطفل نفسه برصاص من أحدى البنادق لان ألعابه كلها مجموعة من الاسلحة فهو كطفل لا يجد حوله الا الاسلحة والعسكر في مشهد يعكس صعوبة العيش لطفل فقد أمه ووالده بعيد عنه طوال الوقت وان وجد فهو قاسي المشاعر ولا تفيض منه الحميمية تجاه طفله.
ويعهد الأب - الضابط - مسألة تربية طفله لاحد مساعديه العسكرالذين يثق بهم ويحسبون على دائرة مقربيه الصغرى.
لم يمت الطفل مجد الذي أصاب نفسه بالرصاص لكنه يدخل في غيبوبة لاكثر من ثلاث سنوات وفي احد زيارات المساعد في الجيش السوري ابو سعيد مشفى الراهبات المسيحيات في بيروت حيث يعالج ابن الضابط السوري وعندما يجلس ابو سعيد الى جوار سريره في المشفى وهو يحرك مسدسه فتنتبه الراهبة المشرفة على الطفل مجد الى انه بدأ يفتح عيونه تفرح الراهبة وتخبر أبو سعيد.
وبدأ الطفل مجد يتعافى يكرر ابو سعيد تحريك مسدسه فيصحو مجد مرة أخرى ثم يبدأ ابو سعيد باطلاق الرصاص في المشفى ابتهاجا بعودة مجد فيهشم الزجاج وبعض الصور والايقونات لكن الاطباء يبلغون ابو سعيد ومعلمه الضابط الكبير ان ابنه فاقد للذاكرة.
لكن ضابطا آخر يدعى ابو لؤي وهو زميل في الجيش السوري وصديق والد الطفل مجد يصر على متابعة العلاج لمجد في العاصمة البريطانية لندن لاتمام دراسته في هندسةالكمبيوتر والبرمجيات بعد ان يتماثل للشفاء.
ومع توالي مشهد الحياة اليومية للثكنة العسكرية السورية في لبنان التي يشرف عليها والد مجد من تدريب واعمال روتينية يومية يتخلل هذه المشاهد عودة الى مشاهد ماضية من حروب اشتبكت بها القوات السورية مع الجيش الاسرائيلي , في اشارة الى ان الهدف الرئيس لوجود الجيش السوري في لبنان يكمن في منع اسرائيل من احتلال لبنان وليس كما اراد البعض ان يروج لهذا الوجود على انه سلبي دوما.
في حين ان الفيلم لا يبرر هذا الوجود بل يعتبره اصبح حالة من الماضي ويجب ان لا نقف عندها رغم ان سوريا اعترفت بشكل ما بأخطاء في العلاقة المشتركة و بتصرفات العديد من مسئوليها العسكريين و الامنيين ولكن الفيلم يرسل في بعض مقاطعه رسائل واضحة بان هؤلاء القلة ممن مارسوا الاخطاء في لبنان ليسوا كل الشعب السوري.
ويقول المخرج جود سعيد , ل` "لا أحد ينكر الأخطاء التي حدثت في الماضي حتى القيادة السورية تحدثت عن ذلك وأقرت بها ولكن السؤال الابرز برأي في الفيلم هل نبقى أسيرين لذلك الماضي ام نتجه سويا لبناء علاقة مستقبلية سليمة ومليئة بالثقة بديلا عن سيطرة الشك المتبادل".
وأضاف سعيد الذي كتب وأخرج فيلم " مرة أخرى "لقد شارك في الفيلم عشرات الاشخاص من لبنان فبطلة الفيلم الفنانة بياريت قطريب لبنانية وهي التي تقوم بدور السيدة جويس التي لم تزر سوريا ابدا الا عندما بدأت سوريا بالسماح ل`تأسيس مصارف خاصة فتضطر جويس لأن تتسلم وظيفتها الجديدة من بعد عام 2006 كمديرة لاحد فروع البنك الذي افتتح في سوريا".
وتقول جويس القادمة حديثا الى دمشق انني أخاف وأشك في السوريين. وكما هو واضح في الفيلم فان جويس سيدة مطلقة ولديها طفلة وعندما تقيم في دمشق فانها تتواصل مع أهلها عبر الانترنت يوميا ففي هذه الأثناء يبدأ مدير قسم المعلوماتية والانترنت في البنك مجد الذي عاد من لندن بالتنصت على جويس و مراقبة مكالماتها صوت وصورة وتسجيلها.
ثم يغرمان ببعضهما البعض دون ان تعرف جويس انه يراقبها ونتيجة هذا الغرام بينهما فان الغيرة تشتعل في قلب خطيبته السورية التي تقرر افشاء السر لجويس انتقاما من مجد الذي يملك نفوذا كبيرا نتيجة لكونه ابن ضابط نافذ في الجيش السوري.
وبعد ذلك تفشل علاقة الحب لتعود جويس الى لبنان دون أن تستطيع هي ومجد ان ترتبطان لكثير من الاسباب ابرزها فقدان الثقة واختلاف الدين ووجود عامل الشك بعد ان عرفت ان والد مجد كان ذاك الضابط النافذ في لبنان.


يقول الفنان فادي صبيح الذي يقوم بدور مدير البنك في الفيلم: "إن الفيلم فيه كثير من سينما الواقع وقد نجح في ايصال مقولات جوهرية للجمهور منها على سبيل المثال الجرأة في تصوير تفاصيل الحياة اليومية لمجموعة من الاشخاص من الطرفين يعتبرون ان الحرب غيرت مصير آلاف الناس وأثرت في تكوينهم المعيشي والحياتي والانساني وربما تفكيرهم السياسي".


وأضاف "لكن المستقبل برأي يجب ان لا يبقى أسير الماضي فالجانبان دفعا الثمن كل بطريقته وعائلة الضابط السوري خير مثال وكذلك النماذج اللبنانية التي يصورها الفيلم".
وقال المخرج السوري الشاب جود سعيد وهو شاب في عقده الثالث من العمر "الفيلم فيه دعوة للحب أرجوكم لا تتركوا الحب يموت من حق المستقبل المشترك علينا ان نعطيه الفرصة ليكون أفضل ثم يتساءل ماذ نفعل في غدنا".
ويعترف جود بان "الرقابة كانت حادة وواضحة لكنها لم تكن قاسية وان اكثر من 80% مما اردت قوله وكتابته في هذا الفيلم سمح به".
ولا ينكر مخرج الفيلم جود سعيد انه استفاد من الأجواء العائلية التي عاشها في حياته مع أسرته فوالده ضابط سابق في الجيش السوري. وينفي جود بشدة ان يكون الفيلم قصته مع أسرته قائلا"أقول ذلك بصدق الناس هنا يعرفوننا الشيء الوحيد الذي اقوله انني استفدت من التعرف الى حياة العسكر عندما كنت صغيرا وكان والدي ضابطا قبل ان يخرج الى التقاعد".
وتقول مديرة تصوير الفيلم الشابة جود كوراني التي درست الى جانب صديقها المخرج جود في فرنسا , ل` ,"كنت مرتاحة للمستوى التقني للصورة في الفيلم واستغرق وقت التصوير اكثر من شهرين".
وأضافت "أنا أتفهم وارتاح للعمل مع جود حتى الاسماء متشابها نحن اصدقاء وزملاء منذ سنوات لكن لا أحد يرضى عن عمله مئة بالمئة لكنه قطعا أفضل بالنسبة لي من فيلمين سابقين عملت بهما كمديرة تصوير".
وأكد محمد الاحمد مدير مؤسسة السينما الجهة المنتجة , في كلمة مقتضبة له قبيل افتتاح الفيلم , ان " الفيلم يقدم رؤية الجيل الشاب للاشياء والاحداث والمؤسسة سهلت عملية اخراجه للنور".
وقال"أنا أعرف أن هناك من سيحب الفيلم ومن سيرفض تقبله لكنني أستطيع القول انه نبض مهم في السينماالسورية لذلك أشجع جود في عمله المهم هذا".


وبلغت تكلفة الفيلم حوالي نصف مليون دولار أمريكي وجرت كل عمليات التصوير في سوريا حسبما أكدت مصادر رسمية في الفيلم.. مشيرة الى ان الفيلم قد يعرض عروضا خاصة او جماهيرية في وقت سابق.


من جهته , قال المخرج السوري المعروف عبد اللطيف عبد الحميد الذي أدى دور المساعد أبو سعيد في الفيلم العارف بكل تفاصيل العلاقة السورية اللبنانية وطرق التهريب الحدودية بين البلدين إن عملي كممثل تحت إدارة مخرج شاب أنماهي تجربة مهمة وقد مارس جود كامل حريته معي في العمل".


"مرة أخرى" فيلم يصور واقع الاضرار التي تعرض لها الجميع سوريون ولبنانيون جراء الحرب والتي أودت بحياة مئات الآلاف من القتلى من البلدين وكيف أثرت "العسكرتارية الاستخباراتية " سلبا في أدق تفاصيل العلاقات الحميمية.


نايل نيوز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق