الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009

الإنترنت منفذ لـ سينما الخروج عن الإجماع


الكاتب الفرنسي الشهير أندريه مالرو والذي أصبح وزيرا للثقافة في أول وزارة للثقافة في عهد الرئيس شارل ديجول صرح تصريحا شهيرا ابان تحويل روايته الشهيرة الأمل الي فيلم سينمائي أن السينما ليست فنا فقط ولكنها صناعة في اشارة واضحة الي أن مهما كانت قيمة الأفكار المطروحة عبر الشريط السينمائي‏,‏ أو القيمة الفنية والسينمائية له‏,‏ الذي يحكم علي العمل السينمائي هو قدرته علي صنع الأرباح والاستمرار في جذب المزيد من الأموالوبالتالي فأن الجمهور هو الفيصل في استمرار وموت أي تيار سينمائي نضيف الي ذلك أن تشكيل وعي الجمهور وقدرته علي تذوق الفن السينمائي الراقي له علاقة مباشرة بالعناصر الأكثر تأثيرا علي هذا الجمهور وتذوقه‏,‏ وتلعب السينما السائدة والثقافة بشكل عام دورا أساسيا في هذا التأثير و لكن وسائل الأعلام وعلي رأسها هذا الصندوق السحري المسمي بجهاز التليفزيون يلعب دورا اساسيا في تشكيل وعي هذا الجمهور بشكل عام‏,‏ ولقد شاهدنا مؤخرا الدور الذي لعبته القنوات التليفزيونية في إشعال وتأجيج المشاعر بين الشعبين المصري والجزائري ومازالت في الفترة الأخيرة‏,‏ وكيف أن أكثر مقدمي البرامج سطحية وتفاهة يصبح نجم مجتمع لظهوره المتواصل علي الشاشات وزرعه لأفكاره الشعبوية في قلب العصب الحسي للمتلقي مايقدمه التليفزيون من دراما وسينما يصبح هو المعيار المسيطر علي حكمنا علي ماهي السينما وماهي الدراما وبالتالي فإن تشكيل الأذواق والمفاهيم يكون في اتجاه ما هو سائد مسيطر مما يبث عبر هذا الصندوق السحري‏,‏ الذي أتسع نطاقه مع تعدد القنوات الفضائية في ظل هذا تكون السينما المختلفة عن السينما السائدة وغير الممزوجة مع توابل السينما الشهيرة مثل العنف والجنس والعاطفة الميلودرامية‏,‏ والتي تجتر ما هو سائد من مفاهيم مجتمعية لدي الأفراد في الأصل‏,‏ محكوم عليها بالموت فالمتفرج الذاهب للسينما يذهب ليشاهد ماشهده من قبل‏(‏ أو علي الأقل هذا هو حال متفرجنا العربي‏)‏ والتفضيل يكون بين قدرة صانعي الأفلام في قول ماقيل من قبل ولكن بمفردات جديدة أو عرض ماشوهد من قبل بأسلوب مختلف‏,‏ فعلي سبيل المثال نحن نشاهد أفلاما كوميدية هي عبارة عن فاصل من النكات والقفشات‏,‏ وبحثنا يتركز حول ما إذا كانت تلك النكات جديدة أو تم سمعها من قبل‏,‏ ونشاهد أفلام حركة تقلب وتحترق فيها السيارات وتستخدم فيها الأسلحة النارية‏,‏ وكل مايشغلنا هو هل قدم ذلك بشكل محكم ومبتكر‏,‏أم كانت مشاهد مشابهة لما شهدناه من قبل؟ ولانطرح علي أنفسنا أي سؤال حول أن مهما كانت حداثة النكات وفكاهتها واحكام تنفيذ مشاهد إطلاق النار واحتراق السيارات‏,‏ إلا أننا نشاهد نفس الفيلم من جديد دون أي تغير فعلي‏,‏ هذا لايهم لأننا تم تشكيلنا علي أن تلك هي السينما وماغيرها ليس سوي ملل وتضيع وقت‏.‏في ظل هذا الجو العام المسيطر فان السينما الخارجية عن هذا المفهوم السائد محكوم عليها بالفشل الفعلي قبل أن تخرج الي النور‏,‏ أن استطاعت الخروج الي النور أصلا‏....‏فما العمل؟؟ الرد علي هذا السؤال جاء من مخرج كبير في وزن المخرج الأمريكي ديفيد لينش ذلك المخرج الكبير الحاصل علي العديد من الجوائز منها سعفة مهرجان كان والأسد الذهبي لمهرجان فينسيا وجائزة سيزار الفرنسية وتم ترشيحه لأوسكار أحسن مخرج من قبل‏,‏ وصاحب أفلام تعتبر علامة في تاريخ السينما مثل فيلم‏(‏ الرجل الفيل عام‏1980)(‏ والطريق السريع المهجور‏1997)‏ وغيرهما من الأفلام لقد أدرك لينش أن فرصة الأفلام المختلفة عن السينما السائدة تعتبر معدومة فقرر صنع سينما مختلفة علي أن يكون منفذ عرضها هو شبكة الإنترنت من خلال موقعه‏http://www.davidynch.com‏هذا المنفذ الجديد للثقافة والفن وفي نفس الوقت للكثير من المساويء والسلبيات وجد فيه ديفيد لينش منقذا للسينما المختلفة التي يبثها علي موقعه ليستمر في إنتاج وصنع سينما مختلفة بعضها قصيرة بعضها أفلام تحريك وغيرها فهل هذا الفضاء الرحب للإنترنت هو طوق الخلاص لسينما مختلفة ومغايرة لما هو سائد؟ لعل الإجابة علي هذاالسؤال هي بالإيجاب من قبل العديد من المخرجين الكبار‏...‏ومنهم المخرج الأمريكي من اصل بولندي ليش كوالسيكي والذي يعرف في أوروبا والعالم الغربي بأنه صاحب تيار سينمائي تسجيلي اصطلح علي تسميته سينما المشرط حيث يقدم سينما تهتم بما هو كامن تحت جلد المجتمع وليس بارزا علي السطح مثله مثل الطبيب الذي يستخدم المشرط كوالسكي يقدم أفلاما تسجيلية عن مشردي شوارع نيويورك وعصابات حالقي الرؤوس المعروفين باسم البانكو يقوم بعرض أفلامه تلك علي موق‏http://www.camerawar.tv‏ علي شبكة الإنترنت هذا لا يمنع من عرض أفلامه ايضا في صالات العرض كوالسكي يقدم سينما يعتبرها الكثيرون سينما ضد التيار بل أن البعض يعتبرها سينما مضادة للروح الأمريكية مع ذلك يستمر في العمل والبحث عن منافذ شتي لعرض افلامه وهو ماجعل الاهتمام به يتخطي الولايات المتحدة الأمريكيةحيث تقام احتفالية به في باريس بفرنسا يعرض من خلالها أفلامه ويقيم العديد من الندوات خلال شهر نوفمبر الحالي نحن هنا في مصر لدينا تيار كبير من السينما المستقلة ومع ذلك لم ينجح العاملون في هذا المجال بتنفيذ فكرة مشابهة لعرض الأفلام من خلال شبكة الأنترنت‏,‏ فنحن اتفقنا علي ألا نتفق‏,‏ ولكن ليس أمام هذا التيار من وسيلة سوي العمل سويا من أجل فرض نوعية سينما مختلفة تخرج للنور للحد مما هو سائد من ثقافة ومفاهيم حول الفن والسينما أن ظل هذا التيار يعمل كل في ركنه الخاص ساعيا نحو المهرجانات وعاملا علي أن يكون فيلمه هو بطاقة التعريف به لخوض تجربة العمل في وسط السينما الاحترافية‏,‏ التي بالطبع لاتقدم سوي ماهو سائد فان تلك التجربة المصرية الفريدة لسينما الديجيتال لن يطول عمرها في الواقع المصري وسيظل كل يعتقد أنه هو الفنان الفعلي دون أن يتفاعل مع أراء الأخريين ووجهات نظرهم أن سينما النت هي فرصتنا الوحيدة لخلق تيار مخالف عن ماهو سائد‏.‏

الاهرام المسائي - ضياء حسني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق