خواطــــــــر سينمائية
أثناء الدراسة في فرنسا عرض علينا أستاذ السينما التسجيلية فيلما وثائقيا عن الصراع العربي الإسرائيلي وقال في غضب شديد إن السينما التسجيلية تلقي الإهمال من جانب التليفزيون الفرنسي حيث لا تعرض الأفلام التسجيلية إلا في أوقات متأخرة من الليل حيث يكون الجميع نياما.
أثناء الدراسة في فرنسا عرض علينا أستاذ السينما التسجيلية فيلما وثائقيا عن الصراع العربي الإسرائيلي وقال في غضب شديد إن السينما التسجيلية تلقي الإهمال من جانب التليفزيون الفرنسي حيث لا تعرض الأفلام التسجيلية إلا في أوقات متأخرة من الليل حيث يكون الجميع نياما.
عند عرض الفيلم كنت مذهولا أن يكون هذا الفيلم فرنسيا ومما زاد من دهشتي أن المخرجة تحمل الجنسية الإسرائيلية.. الفيلم قدم توثيقا لتاريخ احتلال فلسطين عبر البحث في الأرشيف عن أصل البلد العربي في القرن التاسع عشر وقصة الهجرة اليهودية وبداية تكوين العصابات اليهودية, بل أنها قدمت وثائق كانت أول مرة تظهر علي الشاشة,فبعد ظهور وزير خارجية إسرائيل السابق أبايبان وهو يصرح بأن الفلسطينيين لم يطردوا من أرضهم بل هاجروا بمحض إرادتهم خارج إسرائيل, ظهر علي الشاشة الجنود الإسرائيليون وهم يطردون قري بأكملها إلي الدول العربية المجاورة, هذا بالإضافة إلي وثائق عن مذابح دير ياسين وصبرا وشتيلا وتفجيرات المنظمات الإرهابية الإسرائيلية والتي كان يرأسها شخصيات أصبحت رؤساء لوزارء إسرائيل بعد ذلك مثل مناحم بيجن وإسحاق شامير علق بذهني اسم تلك المخرجة التي فضحت إسرائيل من خلال كاميراتها الوثائقية..
سيمون بيتون, والتي وصفتها الاحتجاجات التي وردت فيما بعد لعميد الجامعة علي عرض الفيلم علي الطلاب بأنها يهودية حاقدة, وهو تعبير يقال دائما علي اليهود المعارضين لسياسات إسرائيل الإجرامية حيث لا يمكن وصفهم بمعادة السامية كما هو معتاد مع غير اليهود المناهضين لسياسات الدولة العبرية. ولدت سيمون بيتون في المغرب لأسرة يهودية تعمل في تجارة الذهب في عام1955, هاجرت أسرتها إلي إسرائيل في عام1966 لتكمل تعليمها في المدرسة الفرنسية. تشارك سيمون في حرب1973 المعروفة باسم حرب كيبور في دولة إسرائيل,هنا تدرك سيمون أن أمن إسرائيل ليس في الاعتداء علي الغير والاستيلاء علي أراضيهم بل في التعايش معهم, وأن سياسة إسرائيل التوسعية وعقيدة الجنرالات العدوانية هي ما ستؤدي حتما إلي القضاء علي دولة إسرائيل.. تترك سيمون إسرائيل وتذهب إلي باريس لتدرس السينما في معهد الأيديك الشهير والذي تحول اسمه إلي الفيميس لتصبح إقامتها شبه الدائمة في باريس, وتبدأ رحلتها مع السينما التسجيلية والصراع العربي الإسرائيلي. قامت بإخراج فيلمها( فلسطين/ إسرائيل ـ تاريخ أرض) وهو الفيلم الذي عالج مشكلة احتلال فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي عام1995 و في عام1996 قدمت فيلما عن حادثة اغتيال الزعيم المغربي الشهير بن بركة تحت اسم المعادلة المغربي.في عام1998 قدمت فيلما تسجيليا مع وعن الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش, تلي ذلك فيلم بعنوان العملية الإرهابية توضح فيه أسباب قيام الفلسطينيون بعمليات انتحارية في عمق إسرائيل.
في عام2001 كان فيلمها( المواطن بشارة) عن ومع المناضل الفلسطيني عزمي بشارة, أما في عام2003 كان فيلمها الذي جعل شهرتها تتخطي فرنسا بل وأوروبا للعالم أجمع..( الحائط) عن الجدار العنصري الذي أقامته إسرائيل للفصل بين الأراضي التي يقطنها فلسطينيون والمستعمرات الإسرائيلية.. وإن كان الفيلم لم يعجب البعض لأنه لم يتضمن مشاهد للقتل والدمار الذي تقترفه إسرائيل يوميا في حق عرب الأراضي المحتلة,بالرغم من هذا كان للفيلم أكبر التأثير في المتفرج الأوروبي الذي اعتبر أن إسرائيل نظام فصل عنصري. اليوم تقدم سيمون بيتون فيلما جديدا عن الصراع العربي الإسرائيلي تحت عنوان( راشيل), فيلما عن قصة المناضلة الأمريكية من أجل السلام( راشيل كوري) والتي مر فوقها بلدوزر تابع للجيش الإسرائيلي في مارس2003 عندما حاولت منعه من هدم منزل لإسرة فلسطينية بجسدها النحيل ولكن نهايتها كانت تحته ليختلط دمها بدم الأرض المحتلة. تتبع سيمون بيتون حياة راشيل القصيرة والتي لم تتعد الخمسة وعشرين ربيعا, حيث انتهت في أرض رفح تحت بلدوز الجيش الإسرائيلي.تلتقي سيمون مع أصدقاء راشيل في المنظمة الدولية للسلام الذين اختاروا القدوم إلي رفح والحياة مع الفلسطينيين في غزة تحت النيران. كما تقوم بلقاء مسئولي الجيش الإسرائيلي عن التحقيق في مقتل راشيل واحدا من بعد آخر لنكتشف دون تدخل منها التناقض فيما يقولونه لندرك أنهم يخفون الحقيقة. تقوم سيمون بعمل بحث وثائقي في حياة راشيل عبر لقاء مع الفلسطينيين التي عاشت معهم في رفح, صور لها في غزة, الخطابات التي قامت بتوقيعها والمرسلة لأهلها وزملائها, بل أنها أظهرت بعض رسائل البريد الإلكتروني التي أرسلتها راشيل طوال مدة أقامتها في غزة.سيمون بيتون تستمر في فضح إسرائيل وجرائمها, وإسرائيل تستمر في سيل الاتهامات لها بخيانة يهوديتها لتنضم لزمرة كبيرة من مخرجي الكيان المحتل الذين سلكوا الطريق الصعب طريق إعلان الحقيقة حتي لو كانوا سينعتون بكافة الألسنة مخرجين مثل أيال سيفان أفي موجربي ومعهم ميشيل خليفة وغيرهم.
الاهرام المسائي - ضياء حسني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق