السبت، 25 فبراير 2012

الجائزة الكبري

بريد السبت: يكتبه احمد البرى
أنا سيدة اقترب من سن السبعين‏,‏ وقد قاسيت علي مدي عمري أهوالا‏,‏ وعانيت من آلام فراق الأحباب ما لايتصور أحد‏..وأكتب إليك هذه الرسالة وأنا أشعر بدنو أجلي وأسألك وقراءك الدعاء لي.. ودعني أروي لك قصتي منذ البداية.

 فلقد نشأت في أسرة بسيطة بإحدي قري الأقاليم وحصلت علي الشهادة الإعدادية, ولم أكمل تعليمي المتوسط, حيث تزوجت وأنا في سن السادسة عشرة من أحد أبناء الجيران, وكان وقتها شابا ناجحا حاصلا علي مؤهل متوسط ويعمل بإحدي المصالح الحكومية, ويساعد والده في فلاحة الأرض الزراعية التي يملكونها وكانت مايقرب من نصف فدان.
وانتقلت الي بيت زوجي وعشت مع أسرته حياة بسيطة وجميلة, وقضيت سنوات طويلة بلا متاعب, ولا يعكر صفونا شيء, وأنجبت منه بنتين وولدين.. وكان ابني الأصغر متفوقا وطموحا, وحصل علي بكالوريوس التجارة وعمل بأحد البنوك وتزوج من إبنة أسرة قريبة لنا وأنجب ولدا وبنتا ثم مرض لمدة أسبوع واحد, وفشلنا في معرفة سبب مرضه وحار الأطباء في علاجه ولقي وجه ربه وهو في الخامسة والعشرين من عمره.. ولك أن تتخيل الصدمة الكبري التي ألمت بنا وأحالت حياتنا الي مأتم مستمر, فلم يعد أبوه كما كان, وانزوي في ركن من إحدي حجرات المنزل لا يغادره إلا للضرورة القصوي بعد أن خرج الي المعاش المبكر بارادته, وحاولت أن أخفي عنه دموعي التي لم تتوقف لحظة علي فراق ابني الذي كان من يعرفه يصفه بأنه كالنسمة, لا يشعر به أحد في مكان, ويلقي الجميع بوجه بشوش, ولا يتأخر عن نجدة ملهوف.. ومر عام ثقيل علي رحيله, وإذا بفاجعة جديدة لم نكن نتصورها هي الأخري, إذ ماتت ابنتي الصغري في حادث مرور عندما دهستها سيارة مسرعة وهي تعبر الطريق, ولم يكن قد مر علي زواجها عام واحد!
يا الله ماذا يحدث لنا؟.. إنني راضية بقضاء الله لكنني كلما فتحت عيني ولا أجدهما علي قيد الحياة انهار, وأنظر الي زوجي الذي أصبح هيكلا عظميا فأدعو الله أن ينزل علينا سكينة الصبر من عنده.. ولم تكد تمر أسابيع حتي رحل هو الآخر.. وصرت وحيدة في بيتي, حيث يعيش ابني الأكبر في القاهرة, وابنتي الكبري بإحدي محافظات الصعيد.. صحيح أن البيت لا يخلو من أقربائي لكن الدنيا أسودت أمامي, وأحكمت ظلالها.. وأبتهل الي الله أن يزيل عني هذا الاحساس القاتل حتي ألقاه وهو عز وجل راض عني.
إنني لا أشكو من أمراض مزمنة ولا من متاعب مالية.. فلدي مايزيد عن حاجتي وأتبرع به لأوجه الخير.. لكنني لا أشعر بوجودي ولا بحياتي, فلاحياة بعد رحيل فلذتي كبدي وزوجي.. وكل ما أرجوه منك ومن قرائك الأعزاء أن تدعوا الله لي بأن تكون نفسي مطمئنة فأكون ممن قال الله تعالي فيهم: يا أيتها النفس المطمئنة.. ارجعي الي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وأدخلي جنتي.
> ألا تعلمين يا سيدتي أن الله مع الصابرين, كما قال في كتابه الحكيم, وأن الانسان كلما صبر علي البلاء زادت منزلته عنده سبحانه وتعالي..
إنني أري في كلماتك البسيطة المباشرة ما يؤكد أنك سيدة مؤمنة بربها, لم تفعل سوي ما يرضيه, وقد وعد الله المتقين بجنات النعيم.. فاصبري ياسيدتي, وسوف تجدين ثمار صبرك في الدنيا والجائزة الكبري في الآخرة.. وأسأله عز وجل أن يلهمك الصبر والسلوان.





المصدر : الاهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق