فهل تنصفه الدراما ؟!
مئات القصص الاسطورية صورها نسيج الخيال عن شيخ العرب همام الذي ولد عام 1709 وكان أحد أبطال الصعيد الذي عاش حياته في فرشوط بقنا في القرن الثامن عشر.. وعندما عرفت انه سيكون أحد أعمال "السير الذاتية" في رمضان القادم وجدت نفسي منساقاً للبحث عنه، فوجدت ان اغلب ما كتب عن همام انه بطل اسطوري خرافي وشخصية يكتنفها الغموض.. وذلك البحث ليس لإهالة التراب علي شيخ العرب همام واطفاء هذه الاسطورة ولكن فقط من اجل ان نري الحقيقة بدون معايشة أي حالة من الخداع في التاريخ والسياسة والدراما ايضا.. وحتي نتأكد من اسطورية هذه الأحداث كان من المفروض ان نستمع الي احد المتخصصين في التاريخ حتي يحدثنا عن شيخ العرب همام.. وكان الحديث مع الدكتور "عبدالمنعم الجميعي" استاذ التاريخ الحديث الذي بدأ قائلا ان شيخ العرب همام اول من أنشأ جمهورية في الصعيد خلال عصر المماليك ويعد أول رئيس جمهورية في الصعيد ولكن لم يطبق نظام الحكم الجمهوري، وانفصل به في منتصف القرن الثامن عشر استمرت اربع سنوات من 1765 الي 1769، فكان محارباً قاد جيشاً كونه بنفسه من 35 الف مقاتل، تمتع همام الذي ينتمي للأسرة الهمامية بنفوذ وسلطة واسعة في الصعيد فكان الحاكم الفعلي له وكانت قبيلته تمتلك السيادة في العصر المملوكي وسيطر علي اراضي الصعيد كلها ومسالك التجارة بها كما كسب ود القبائل العربية القاطنة في الصعيد فبني قوته وسط رضا الجميع وتمكن من قلوب الناس هناك سواء عرباً أو فلاحين، وكان من بين صفاته "الكرم والعدل والسخاء والفطنة وحسن السياسة وكاريزما قوية سيطر بها علي جميع أنحاء الصعيد واستقل به واقفا في وجه السلطة الغاشمة وادار الامور بكفاءة وحسن تصريف، فظهر علي مسرح الاحداث من خلال حمايته للفلاحين من ظلم الادارة العثمانية ومتاعب الاعراب واقام حياة نيابية ووزع الاراضي علي الفلاحين واستطاع ان يكون سنداً لهم، كذلك اهتم بالعلماء وكرمهم وقام بإصلاح مسجد عبد الرحيم القناوي ووضع نظام للأمن وتحقق الرخاء والازدهار في الصعيد.. ولذلك وجدت الحكومة بالقاهرة في هماماً المنافس القوي الذي يعينها ويساعدها علي استقرار الأمن في الصعيد، ويستمر ذلك حتي بدأت مصر تعاني من الفساد والظلم والاستبداد، ففي عهد كل مملوك من المماليك لم تكن تسلم من ولايته او ظلمه، وظهور المملوك الشركسي علي بيك الكبير في الشمال الذي كان يطمع في تولي منصب شيخ البلد الذي كان آنذاك بمثابة زعيم دولة وكان علي الجهة الاخري الشيخ همام بن يوسف الهواري الذي كان يستعد لتولي منصب شيخ العرب، ويستمر ذلك حتي وفاة همام عام 1769 عن عمر يناهز الستين عاما، وبعد وفاته يعود عصر الفوضي ويتم الاستيلاء علي الصعيد الي أن يتولي "محمد علي" الذي يتخلص من الزعامات ويسيطر علي الصعيد ويصبح الحاكم المصري الأول بلا منازع! وبسؤال الدكتور "الجميعي" حول مدي حرية المبدع في التصرف بالنسبة للأعمال التاريخية: رد قائلا ان المبدع يبدع كيفما يشاء بشرط ألا يلوي عنق الحقيقة، فيستطيع ان يلعب في الدراما ولكن مع الاحتفاظ بالحقائق الثابتة، فالتشويق امر مطلوب كقصص الحب والغرام.. وبالنسبة لأكثر الاعمال الدرامية التاريخية استفزازاً قال ان "الملك فاروق" و"عبدالله النديم" والأبطال" و"نابليون بونابرت" هم أكثر الاعمال استفزازاً لاحتوائها علي اخطاء تاريخية، ولكن اكثر الاعمال انصافا هو فيلم "الناصر صلاح الدين" بطولة الفنان أحمد مظهر، وبسؤاله عن أن الدراما السورية أمينة ومنصفة للتاريخ أكثر من غيرها؟ رد قائلا إن الدراما السورية اخذت اوضاعاً افضل من الدراما المصرية لأنها احتفظت بالسياق التاريخي للحدث بشكل أكبر كذلك الانفاق علي المسلسل وتسويقه والحفاظ علي الهوية التاريخية، وهذه النقاط هي السبب في تفوق الدراما السورية ولكن الي حد ما، فلابد أن يكون العمل الدرامي التاريخي تحت رعاية الدولة وانها تخدم جيداً، ويتم الانفاق عليها عن طريق الحكومة وليس افراداً لأن ذلك تراث للوطن.. وعند الدراما والكتابات التاريخية اشاد الدكتور "عبد المنعم الجميعي" ان الكتابات التاريخية تقع في فخ تقديس الشخصية دون ان يكون لديه الوعي الكافي ليحمي نفسه من الانبهار بالشخصية، فالبعض يصور الحق باطلاً والباطل حقاً ولذا يجب الحفاظ علي التاريخ من ألاعيب الذين يرغبون في الكسب الرخيص، مثل سليمان الحلبي الذي صوره الابداع التاريخي علي أنه مناضل وهذا ليس صحيحاً.. ولكن هناك شخصيات مجهولة تاريخيا بالرغم من أنها لعبت دوراً سياسيا في تاريخ مصر.. والسؤال المطروح الآن هو "هل تم اختيار الممثل المناسب للدور؟" وهل المواصفات الجسمانية ليحيي الفخراني "بطل العمل" تناسب ذلك الدور؟ فهل يكون شيخ العرب همام البطل الذي لا يخطئ ويرتدي عباءة "البطل المنقذ" في عصر الأبطال الاسطوريين لم يعد لهم مكان.
الوفد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق