الأحد، 30 مايو 2010

المصرى اليوم : شبكات دولية تُدخل نفايات مشعة إلى مصر


مستورد يتورط مع شركة هندية ويُدخل شحنة مشعة لـ«ميناء دمياط» على أنها «كلوريد البوتاسيوم»
فى أجواء ممطرة، ثانى أيام شهر ديسمبر الماضى، وعلى رصيف ميناء «مندرا» غرب الهند، حملت السفينة «لاهور إكسبريس» التى ترفع علم هونج كونج حاويتين، تقول أوراقهما إنهما تحتويان على «مثبط للطين»، يستخدم أثناء حفر آبار البترول. شقت السفينة الضخمة طوال ٦ أيام طريقها عبر المحيط الهندى، ثم البحر الأحمر إلى قناة السويس فالبحر المتوسط، قبل أن تصل إلى ميناء دمياط يوم ٨ ديسمبر، وتفرغ حمولتها، التى تضم الحاويتين، وتنطلق مرة أخرى لتشق طريقها وسط أمواج البحر الأبيض المتوسط العالية.
قصة تتكرر بشكل دورى، تستقبل معها أرصفة ميناء دمياط ما يزيد على مليون حاوية سنوياً.. سفن ترسو، وأخرى ترحل، حاويات يحملها العمال إلى الرصيف، وأخرى تحملها الشاحنات الضخمة إلى داخل المليون كيلو متر مربع والـ٨٠ مليون «مصرى».
أحدهم يدعى «مجدى جعفر»، يعمل فى «شركة حاويات دمياط»، وتحديداً فى الكشف اليدوى على المواد المشعة، وبصدفة وجهد إضافى من شركته استطاع صباح يوم ١٠ مارس الماضى ضبط حاويتين تحملان مواد تبث إشعاعاً بنسبة كبيرة.. أطلق الجهاز صافرته، ودق قلب مجدى، وتذكر حديثاً مع محرر «المصرى اليوم» مر عليه أقل من شهر، حول اختراق الميناء من قبل مافيا عالمية، تعمل فى تهريب المواد المشعة إلى بعض الموانئ التى تفتقد إجراءات الأمان.
تبدأ القصة قبل اكتشاف الحاويتين بقليل، مع خروجهما من ميناء «مندرا» الهندى بأوراق تقول إن الشحنة تحتوى على «مثبط للطين»، مُصدر من شركة «ماتينا انتربرايسيز» الهندية لـشركة «كوموديتى» بالمنطقة الحرة فى «جبل على» بإمارة دبى.. وطوال ٦ أيام، هى عمر الرحلة، تبدلت أسماء الشركة المستوردة للشحنة ٤ مرات، حتى انتهى بها الأمر على الرصيف فى ميناء دمياط، ومعها أوراق تقول إنها شحنة مستوردة من توكيل «أرامكس»، لصالح أحد عملائها. ومرت أيام، ثم أسابيع.. مر شهر يناير فى هدوء، وفى فبراير تقاطعت خيوط العملية، مع رحلة بحثت فيها «المصرى اليوم» عن الثغرة التى تخترق من خلالها الشبكة الدولية مصر.. تقاطعت المسارات هناك فى دمياط.
مقابلة قصيرة فى نهاية شهر فبراير مع مصادر فى الميناء، بعد الحصول على معلومة عن الشبكة الدولية، تواصلت بعدها الاتصالات التليفونية بين الجريدة وبينهم، حامت خلالها الشكوك حول شحنة قادمة من ايطاليا حسب المعلومات التى حصلت عليها، وبعد دراسة لظروف كل الشحنات القادمة من إيطاليا، اتسعت دائرة البحث لتشمل كل الشحنات التى وصلت إلى الميناء خلال شهرى ديسمبر ويناير الماضيين، وبقيت لفترات طويلة على رصيف الميناء..
وفى١٠ مارس بدأت الصورة تظهر بوضوح، عندما استطاع مجدى جعفر، مدير إدارة الحركة بساحة الخطر بالميناء، بشركة الحاويات فى ميناء دمياط، اكتشاف الحاويتين المشعتين، عن طريق جهاز كشف يدوى صغير.. سريعاً رفع «جعفر» تقاريره إلى الجهات المسؤولة، وسريعاً تحركت.
اجتمع نسيم عبدالفتاح، رئيس الإدارة المركزية لجمرك دمياط، مع العميد صالح عبدالنعيم، من مباحث الميناء، فى اليوم نفسه، ورفعا تقارير إلى الجهات الأعلى وقررا تشكيل لجنة، اشترك فيها محمد رشاد هلال، مدير إدارة الواردات الغذائية، وممدوح صادق، رئيس قسم الحركة بالجمارك، والدكتور عادل أبوطالب، والدكتور عصام سلام مندوبا الإشعاع بالميناء، وهى اللجنة التى فحصت الحاويتين فى وجود العميد محمد صبحى، رئيس قسم الحماية المدنية.
اللجنة كتبت تقريرا يقول: «إنه فى يوم الأحد الموافق ١٤ مارس، وحسب الإخبارية الواردة للفرع بخصوص وجود حاويتين بساحة الطوارئ رقمى GLH ٣٤٣٤٩٠٩ وFSC ٣١٥١٦٩، والواردتين من الهند على الباخرة (لاهور إكسبريس)، برحلة ٨ ديسمبر ٢٠٠٩، وهاتان الحاويتان حسب المستندات عبارة عن ألف شيكارة زنة ٥٠ كيلو جراماً بها موانع طينية (عوازل طينية).
توجهت اللجنة المشكلة، وعاين السيدان مندوبا الإشعاع الحاويتين المذكورتين أعلاه فى ساحة الطوارئ، وأفادا بأن: المعاينة الخارجية دون فتح للحاويتين المذكورتين بها نسبة مرتفعة عن المسموح بها، وتوصى لجنة الإشعاع بضرورة فتح الحاويتين وأخذ عينات منهما للتأكد من هذه النسبة بمعرفة هيئة الطاقة الذرية بالقاهرة، وذلك قبل خروج الحاويتين وعليه أقفل المحضر فى ساعته وتاريخه ووقع الجميع أدناه».
أثبتت اللجنة وجود نسبة كبيرة من الإشعاع، ويقول مجدى جعفر إنها وصلت إلى ما يقارب ٢٠ ضعف النسبة المسموح بها، وأن نسبة الإشعاع التى سجلتها الأجهزة كانت غير منتظمة، بمعنى وجود مناطق مشعة بنسبة أكبر من غيرها، وهو ما يؤكد وجود جسم أو مادة مشعة داخل الحاويتين.. بدأت الخيوط تترابط.
تعرف المراجع العلمية «المواد المشعة» بأنها: «نفايات تنتج عادة عن أنشطة نووية مثل عملية «الانشطار النووى»، وقد تنتج أحيانا عن صناعات أخرى لا ترتبط مباشرة بالمواد النووية.. وعلميا يقل النشاط الإشعاعى مع مرور الوقت، وعادة يتم عزل هذه النفايات لفترة من الوقت.. حتى لا تشكل مكوناتها خطورة على الكائنات الحية الموجودة فى حيزها.. حيث إن عمرها يتراوح بين الساعات وآلاف السنوات، ويحتاج دفنها بطريقة صحية إلى اشتراطات محددة من العمق والوعاء الحاوى لها».
رحلة طويلة بدأت بتعريف على موقع «الموسوعة الحرة»، ولم تنته بالحصول على أوراق تفيد بأن مستورد الشحنة النهائى كان شركة مصرية اسمها «توب سيرفيس للتجارة والتوزيع» وهى الشركة التى تأسست قبل شهور من تورطها فى استيراد الشحنة التى وصفها «محمود مختار» رئيس مجلس الإدارة، بـ«أولى صفقاته».
فى تقرير لها عن تجارة النفايات المضرة بالبيئة، تصف منظمة «العلماء الأمريكان» تجارة النفايات المشعة بـأنها «أكثر تجارة غير شرعية مربحة فى العالم».
وتقول فى تقرير تحت عنوان «تقييم تهديدات الجريمة الدولية»: «أوجدت التكاليف الهائلة المطلوبة للتخلص من المواد الملوثة بشكل صحى فرصة عمل كبيرة للمنظمات الإجرامية غير المشروعة، التى تصل مكاسبهما بين ١٠ و١٢ مليار دولار سنويا مقابل التخلص من القمامة والنفايات الخطرة.
وتستغل هذه المنظمات العولمة والأسواق المفتوحة لربح مليارات الدولارات مقابل التخلص من المواد المشعة بشكل غير شرعى، حيث يتم شحن معظم هذه النفايات إلى بلدان فى الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، لانخفاض تكاليف التخلص منها، بالإضافة إلى عدم وجود تشريعات محددة تنظم مثل هذه الجرائم فى العديد من هذه البلدان الفقيرة، كما أن بعض الدول التى لديها تشريعات لا تتعدى العقوبات القانونية فيها الغرامات فقط، وعادة ما تكون غرامات ضئيلة بشكل لا يذكر مقارنة بالملايين من الأرباح التى يمكن أن تحققها هذه التجارة».
ينتقل التقرير فى مرحلة لاحقة لشرح كيفية تنفيذ هذه المنظمات لعملياتها فيقول: «تعتمد المنظمات على اختيار دول لا تملك الرادع القانونى الكافى، ولا تملك الأجهزة الرقابية التى تستطيع كشف هذه النفايات، وعن طريق البحر يتم شحن هذه المواد إلى موانئ الدول المستهدفة، من خلال أوراق رسمية لشركات ورقية، وخلال الرحلة يتغير اسم الشركة المستوردة أكثر من مرة، بالتبادل بين شركات ورقية، وتوكيلات كبيرة، ذات سمعة معروفة، وفى بعض الأحيان تلجأ هذه المنظمات إلى ترك المواد المشعة على أرصفة الموانئ لفترة كبيرة لضمان ابتعاد الأنظار عنها».
التقرير يشرح بوضوح آلية عمل المافيا، استطاعت «المصرى اليوم» مطابقته مع الأسلوب الذى وصلت به الحاويتان المشعتان إلى ميناء دمياط، حيث خرجتا من الميناء الهندى يوم ٢ ديسمبر بأوراق تقول إن المُصدر شركة «ماتينا انتربرايسيز»، بنيودلهى، والمستورد شركة «كوموديتى» فى «جبل على» بالإمارات، التى يديرها حسب موقعها على الإنترنت «فيبول لاد» هندى الجنسية، وقبل وصولها إلى الميناء تبدلت أسماء الشركات فى خانة المستورد من «مارين للصناعة والنقل» إلى توكيل «أنكور فرايت سيرفيس» ومقرها مومباى بالهند إلى توكيل «أرامكس»، الذى ظلت مسجلة باسمه فى الفترة من ١١ فبراير إلى ٤ مارس، ثم انتهت إلى مستورد مصرى اسم شركته «توب سيرفيس للتجارة والتوزيع».
فى مكتب شركته الثانية «الإسكندرية للخدمات البترولية» نفى محمود مختار، رئيس مجلس إدارة «توب سيرفيس للتجارة»، علمه بمحتويات الحاويتين، فشركته الوليدة (منذ ٧ شهور فقط) كانت تجرى عمليتها الأولى فى عالم التجارة، وقال: القصة بدأت عندما راسلنا رجل أعمال هندياً اسمه «راكيش راثى» عبر البريد الإلكترونى، فى ديسمبر الماضى، وقال إنه علم بوجود حاويتين بهما ٥٠ طناً من مادة «كلوريد البوتاسيوم» التى تستخدم فى حفر آبار البترول، وأن الحاويتين معروضتان للبيع بسعر جيد، ففكرت أنا وشريكى فى شرائهما وبيعهما مرة أخرى لكسب مبلغ قد يصل إلى ٤ آلاف دولار».
فى الهند، بالتزامن مع رحلتنا اكتشفت السلطات المحلية، حسبما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، يوم ١٤ أبريل، تحول مدينة نيودلهى إلى سلة مهملات مشعة، بعدما انتقل ٧ أشخاص فى أوقات متقاربة إلى المستشفى بعد تعرضهم لنفايات مشعة، فى منطقة تستخدم كـ«مقلب» للحديد الخردة، لتبدأ السلطات الهندية فتح باب التحقيقات فى وجود مافيا لتجارة المواد المشعة داخل الهند.
ويكمل مختار روايته: «دخلنا مجال الخدمات البترولية منذ السبعينيات، وأسسنا أكثر من شركة، آخرها كانت «توب سيرفيس»، التى تأسست منذ شهور، وأولى صفقاتنا هى استيراد هذه الشحنة، وكان فى نيتنا إعادة تصديرها لشركة أخرى فى ليبيا اسمها «الشمال»، يملكها شريكى ممدوح العربى هناك، فأرسلنا لـ«راكيش»، ووافقنا على شراء الشحنة، ولم نكن نعلم ما تحتويه من مواد مشعة، وأقسم بالله لم أعلم ما فيها».
رغم ما يذكره «مختار» من أن دافعه لاستيراد الشحنة، كان التجارة وتحقيق مكاسب تصل إلى ٤ آلاف دولار، فإن مستنداً موجهاً من الشركة إلى التوكيل الملاحى، حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منه جاء فيه: «بالإشارة إلى الحاويتين رقم GLH ٣٤٣٤٩٠٩، FSC ٣١٥١٦٩، والمشتملتين على عدد ١٠٠٠ عبوة ٥٠ كجم، والواردة بالبوليصة رقم IN١٥٣١٦٦٧، لميناء دمياط، عليه نأمل فى إعادة شحن الحاويتين مع استعدادنا لتحمل كل المصاريف».
والمصاريف لتأخير الحاويات على الرصيف لمدة تزيد على الشهرين، وصلت إلى ١١ ألف دولار، بزيادة حوالى ٧ آلاف دولار عن المكاسب المنتظرة، بالإضافة إلى تراجع مدير الشركة عن واقعة تلقى «الإيميل» الذى عرض من خلاله «راكيش»، رجل الأعمال الهندى عليهما الشحنة، عندما حاولت «المصرى اليوم» الحصول على نسخة منه، قال: «مش فاكرين هل هو «إيميل» ولا فاكس، أو ممكن يكون تليفون، صعب نلاقى نسخة منه».
هذه الأمور التى نقلناها إلى مسؤول بميناء دمياط، طلب عدم ذكر اسمه، فقال: أولا الأسلوب الذى تمت به الصفقة والعملية، وترك الحاويات على رصيف الميناء لفترة طويلة، والشركات الكثيرة التى دخلت أسماؤها فى الصفقة، كلها قرائن تدل على أن الشركات الهندية كونت فيما بينها شبكة لتوريد النفايات المشعة إلى مصر.
ورجح المصدر أن النفايات المشعة «ليس مصدرها الهند ولكنها تصل إلى هناك من دول أخرى». وقال المصدر: من خبرتنا فى مثل هذه القضايا، نحن بوضوح أمام شبكة تجارة غير شرعية تستغل الثغرات الموجودة فى قوانين الجمارك، التى لا تسمح بمحاسبة القائمين على استيراد مثل هذه النفايات طالما لم يستصدروا إفراجا جمركيا، أو حتى فى حالة استخراجه إفراجا جمركيا يبقى ادعاء أنهم لم يكونوا يعرفون ما فى الشحنة كافيا لتبرئتهم من أى اتهام».
تجارة غير شرعية، تصفها العديد من التقارير العالمية بـ«الأخطر والأكثر ازدهارا»، فى الشرق الأوسط وأفريقيا، بسبب ضعف الرقابة، وعدم وجود التشريعات الكافية للقضاء عليها، وهو ما كشفته عملية ميناء دمياط، التى رغم كشفها وتحرك إدارة الجمارك والمباحث فى الميناء قبل استخراج المستورد لإذن الإفراج الجمركى، فإن المستورد والمورد، لم تقع عليهما أى مسؤولية جنائية، فقانون الجمارك المصرية ينص على أن الحيازة دليل الملكية، وطالما لم يحز المستورد الشحنة ويخرج بها من الميناء، فلا مسؤولية تقع على عاتقه،
وكما تنص المادة ٥٥ من قانون الجمارك المصرى «تتولى الجمارك إتلاف المواد التى يثبت بالتحليل أنها مضرة وذلك على نفقة أصحابها وبحضورهم مالم يقوموا بإعادة تصديرها خلال مهلة تحددها الجمارك. ويتم إتلاف تلك المواد فى حضور ذوى الشأن فى الميعاد الذى تحدده لهم الجمارك فإذا تخلفوا عن الحضور، يتم الإتلاف دون حضورهم ويحرر محضر بذلك».
اهتم القانون المصرى الذى وضع عام ١٩٦٣، بالمواد التى قد تمثل ضررا وينتهى ضررها بإتلافها أو إعدامها، ولكنه لم يضع وقتها فى حسبانه وجود مواد خطرة أو مشعة، كل ما يريده مستوردها، هو دفنها داخل مصر، وأن إعدام هذه المواد، قد يكلف أموالا طائلة.
وهذا الموقف وجد نسيم عبدالفتاح، مدير الإدارة المركزية لجمرك دمياط، نفسه حائراً أمامه، فلم يستطع السماح بدخول المواد المشعة، ولم يجد فى بنود القانون ما يتهم به شركة «توب سيرفيس»، فهى لم تستخرج إذن إفراج جمركى، أو شهادة جمركية، وانحصرت علاقتها بالشحنة فى إذن تسليم، يتحدث عنه القانون فى المادة ٤٧: «يعتبر حامل إذن التسليم الخاص بالبضاعة نائبا عن صاحبه فى تسلمها»، وهو ما يفسره نسيم عبدالفتاح: «إذن التسليم صك يدل على الملكية وليس صك ملكية، والحيازة فى قوانين الميناء، هى دليل الملكية الكامل».
ضعف قانونى واضح، رغم صدور قانون اضطر معه رئيس الجمارك بالاكتفاء بعد مفاوضات طويلة مع مالك الشحنتين وحامل إذن التسليم، محمود مختار، رئيس شركة «توب سيرفيس»، بإعادة شحنهما مرة أخرى، يوم ٨ أبريل، بعد مضى حوالى أربعة أشهر على وجودهما داخل الميناء، على متن سفينة متجهة إلى الهند، باسم شركة «ترانس فيلد كيميكال» لصاحبها «راكيش راثى»، يقول «عبد الفتاح»: «لم أشعر بالراحة إلا بعد خروج الحاويتين من الميناء».
ورغم صدور قانون «تنظيم الأنشطة النووية والإشعاعية» منذ شهرين، والذى ينص فى مادته السابعة على أن «تقوم هيئة الطاقة الذرية بالتصرف الآمن والمأمون فى النفايات المشعة، ما لم يوجد المسؤول عنها، وذلك دون الإخلال بحقها فى تحديد هذا المسؤول وملاحقته، طبقا للقواعد والإجراءات التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون»، وهى اللائحة التى لم تصدر بعد، ورغم مرور شهرين على إصدار القانون، فإن مصدراً خاصاً داخل الميناء، قال: إن القانون لن يكون كافياً للقضاء على تجارة المواد المشعة، طالما ظلت قوانين الجمارك كما هى، لأن كشف الاتجار فى المواد المشعة، لا يحدث إلا فى الموانئ».
كلمات نهاية قصة الحاويتين، تفتح معها قصة أكبر عن وجود ثغرات تستغلها هذه الشبكات لدفن مواد مشعة داخل مصر، وهى الشبكات التى انتبهت لعملها منذ فترة كبيرة «اللجنة العليا لإدارة الحوادث النووية والإشعاعية»، وعقدت اجتماعاً تنسيقياً خاصاً بـ«تأمين منافذ الجمهورية ضد الدخول والخروج غير المشروع للمواد النووية / المصادر المشعة» فى عام ٢٠٠١، يقول محضره: إنه تضمن «العديد من المناقشات حول تهريب المواد النووية وأنه ربما يكون هناك صعوبة فى كشف المواد المهربة»،
وقال خلاله الدكتور مرسى الطحاوى، القائم بأعمال شعبة التنظيمات والطوارئ النووية: «إن حوادث تهريب المواد النووية هى الأخطر، وأنه تدخل مصر كل عام كميات كبيرة من «اليورانيوم المنضب» عن طريق الدروع المستخدمة مع وحدات الأشعة السينية» وهو الاجتماع الذى انتهى وقتها بعدد من التوصيات أهمها: تشكيل لجنة لحصر المنافذ، ووضع تصور لما يلزم.. وإعداد مذكرة توضح أهمية القضية وخطورة المشكلة والمشاكل الناتجة عن التأمين، ورفعها إلى رئيس الجمهورية ورئاسة الوزراء».
وتقول سامية راشد، منسقة لجنة الطوارئ النووية والإشعاعية: «فى عام ٢٠٠١، أجرينا دراسة كاملة عن كل مداخل ومخارج مصر، وأصدرنا توصيات بمتطلبات الرقابة على المواد المشعة والنووية لكل المنافذ، وأرسلناها لكل الوزراء المختصين، ولكن للأسف لم يتم تنفيذ أى شىء، فتوصياتنا بوجود بوابات إنذار فى المنافذ البرية والبحرية، لم يتم التعامل معها بجدية، وأصدرنا توصيات مفصلة لكل ميناء مثل الإسكندرية ودمياط، وطالبنا بتركيب بوابات على مخارج ساحة الحاويات، للكشف عن المواد المشعة، وهى التوصيات والدراسات التى لم تنفذ ولا تزال الموانئ البحرية لمصر، غير مراقبة، إلا بأجهزة كشف يدوى مثل التى فى ميناء دمياط والتى لا تكفى نهائيا للكشف على آلاف الحاويات التى تدخل هذه الموانئ سنويا».

المصري اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق