الأحد، 30 أغسطس 2009

الشيطان مر من هنا ‏!‏!!


عندما فتحوا باب الشقة الملعونة في حي النزهة التي ارتكب فيها أب أبشع جريمة‏..‏ بعد جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل‏.‏أحسست برعدة تهز كياني كله‏..‏ وقشعريرة من هذا النوع الذي كان يلفني صغيرا وأنا أعبر خرابة الخربوطلي في عزبة الملجأ في شبين الكوم بعد منتصف الليل‏,‏ حيث احترقت حموقة ابنة المعلم سلطان في ليلة زفافها واحترق معها البيت كله‏.‏ وتحول بعدها إلي أطلال وبوم وغربان واشباح‏!‏أحسست أنني لا أقدر علي الوقوف‏..‏ وأن قدمي قد تسمرتا في مكانهما أمام باب الشقة الملعونة‏..‏ هبت نسمة من داخل الشقة المغلقة بأمر النيابة‏..‏ فيها رائحة العفن والموت والخراب‏..‏ فقد زارها الشيطان‏..‏ ويقيني أنه لم يخرج منها بعد‏!‏لم أقدر علي الدخول‏..‏ وكيف أدخل شقة سكنها الشيطان‏..‏ وربما لايزال يقيم هو ورفاقه من شياطين الإثم والعدوان داخل هذه الشقة التي تحولت بعد مذبحة الأب إلي مقبرة بلا موتي‏!‏وهكذا بني الشيطان له قبرا في حي النزهة بمصر الجديدة‏..‏والقشعريرة تلفني‏..‏ وأنا أجاهد للخروج من دوامة الحيرة‏..‏ جاءني صوتها علي تليفوني المخبول أقصد المحمول‏..‏ إنها سكرتيرتي النشيطة التي تسمع دبة النملة‏:‏ أجاثا كريستي أشهر كاتبة قصة بوليسية في العالم وصلت إلي الأقصر وتنزل في فندق الونتر بالاس الشهير في غرفة‏203‏ التي تطل شرفتها علي النيل مباشرة‏..‏قلت لها‏:‏ أنا لا أعرفها ولم ألتق بها يوما وإن كنت قد قرأت كل رواياتها البوليسية الرائعة تقريبا‏..‏تسألني في خبث‏:‏ ألم تقرأ روايتها جريمة في وادي النيل؟قلت‏:‏ بالتأكيد‏..‏قالت‏:‏ وانت تقف الآن أمام باب المقبرة ـ آسفة ـ أقصد الشقة التي ارتكب فيها الأب جريمة قتل ابنه وابنته وزوجته برصاص مسدسه ذات صباح لم تشرق شمسه‏..‏ ثم أطلق علي رأسه في نهاية المشهد المأساوي رصاصة الرحمة‏.‏ لدينا الآن الجريمة الغامضة‏..‏ ولدينا في الوقت نفسه اجاتا كريستي‏!‏قلت‏:‏ تقصدين أن أجاثا تحقق الجريمة اللغز؟قالت‏:‏ وهل هناك غيرها؟‏...............‏‏..............‏طائرة المساء تحملنا إلي الأقصر‏..‏ عندما وصلنا إلي الونتر بالاس‏..‏ كانت الساعة تقترب من العاشرة مساء‏..‏ طرقنا باب جناحها‏..‏ خرجت إلينا سكرتيرتها غاضبة وقالت بإنجليزية أولاد الشوارع في لندن‏:‏ مافيش ذوق‏..‏ الأستاذة نائمة‏..‏ الصباح رباح‏!‏لا أعرف ماذا فعلت سكرتيرتي العفريتة‏..‏ لكني فوجئت بها تطرق باب غرفتي في الثامنة صباحا وهي تقول‏:‏ إفطارك مع مسز أجاثا كريستي في شرفة جناحها في تمام الثامنة والنصف تماما لا تتأخر‏!‏في الموعد المحدد كنت أجلس في انتظارها في شرفة جناحها الملكي وأنا أتصفح آخر نسخ من الصحف والمجلات الإنجليزية‏..‏ جاءت ترتدي تايير أبيض وقبعة من اللون نفسه وتتكيء علي عصاة بلون الأبنوس وتسندها وتساعدها علي المشي سكرتيرتها التي تشبه حرابيق حواري لندن التي شهدت قبل قرنين أحداث قصة تشارلز ديكنز الشهيرة أوليفر تويست‏.‏قمت من مقعدي احتراما وتبجيلا‏..‏ ها أنا في حضرة أعظم محققة بوليسية عرفها عالم الجريمة‏..‏قالت‏:‏ تفضل‏..‏ أنت مصري وأنا أعشق كل ما هو مصري‏..‏ أنتم أصحاب تاريخ عظيم وملوك عظام وملكات حكمن الدنيا أيام أن كنا نحن في بريطانيا نعيش في الجبال والبراري‏..‏ وأيام أن كانت المرأة الإنجليزية من سكان الكهوف‏!‏لم أدر ماذا أقول لها‏..‏ وشعرت كأنني تلميذ في ثانية ابتدائي يقف أمام معلمته القادمة من بلاد الفرنجة‏..‏ حاولت أن أذكرها بأعظم ما كتبت هي وعنوانها‏:‏ جريمة في وادي النيل‏.‏ وهي تحكي قصة جريمة وقعت بين مجموعة من الاجانب ركبوا باخرة علي النيل‏..‏ وقصة أخري بعنوان الموت يأتي في النهاية وقد حدثت ايام الفراعنة‏..‏قالت‏:‏ دعك من كل هذا‏..‏ لو أنك غمست قطعة الكراوساه الساخنة هذه في كوب الجبن الشيدر الطرية هذا‏..‏ لوجدت لها مذاقا رائعا‏..‏قلت لها‏:‏ ولكنني صائم ياسيدتي‏..‏ نحن في رمضان‏..‏ وقد جئت اليك من اجل‏..‏قاطعتني‏:‏ أعرف‏..‏ جريمة حي النزهة عندكم‏!‏قلت‏:‏ كل الأخبار سبقتني إليك‏!‏قالت‏:‏ سكرتيرتك النشيطة قدمت إلي مذكرة كاملة باللغة الإنجليزية بالحادث البشع‏..‏ مع صور حية للضحايا من علي شبكة النت‏..‏ وملف من قصاصات الصحف المصرية والإنجليزية وكلها تتحدث عن الجريمة الغامضة‏!‏أسألها‏:‏ وما قولك سيدتي؟قالت‏:‏ لابد لي أن أذهب بنفسي إلي مكان الجريمة‏..‏ ولكن بشرط؟قلت‏:‏ أوامرك يا سيدتي؟قالت‏:‏ أن تعوضني عن الأيام التي سأبتعد فيها عن حضن أجمل مدينة علي وجه الأرض‏..‏ وعن ملوكها وملكاتها‏..‏ طيبة العظيمة؟قلت وأنا أخشي ألا أفي بوعدي‏:‏ لك مني هذا يا سيدتي؟همست لي سكرتيرتي الأروبة في أذني‏:‏ لا تقلق‏..‏ لو أن الفنان فاروق حسني وزير الثقافة ـ وهو يخوض معركة كرسي اليونسكو ـ عرف أن أجاثا كريستي هنا‏..‏ لجاء إليها من فوره وأنزلها ضيفة عزيزة مكرمة علي مصر‏..‏قلت لها‏:‏ إنه في رحلة إلي الصين من أجل اليونسكو‏.‏قالت‏:‏ عليك إذن بالدكتور زاهي حواس الحارس علي تاريخ مصر وتراث مصر وحضارة مصر‏..‏قلت لها‏:‏ وإذا كان هو الآن في رحلة إلي اليابان؟قالت‏:‏ آه لو عرف صديقك الدكتور سمير فرج رئيس مدينة الأقصر أن أجاثا كريستي بشحمها ودمها تسكن جناحا في الونتر بالاس في مدينته‏..‏ لسبق صديقيك الفنان فاروق حسني ود‏.‏ زاهي حواس إليها‏..‏ وأضاء لها طريق الكباش بالشموع ودقات الطبول‏!‏‏..............‏‏.............‏لمست عجلات طائرتنا أرض مطار القاهرة في نحو التاسعة صباحا‏..‏كنا نقف علي باب الشقة الملعونة قبل العاشرة بخمس دقائق‏..‏قالت لي أعظم كاتبة قصة بوليسية عرفها العالم‏:‏ اسمع الجريمة كلها وقعت خلال ثلاث دقائق لا أكثر‏..‏ ماذا جري خلال دقائق الرعب هذه‏..‏ تلك مهمتي‏..‏لا أعرف‏..‏ كيف عرف رجال الصحف والمحطات التليفزيونية الأجنبية بخبر وصول أجاثا كريستي‏..‏ سكرتيرتي الأروبة لن تفعل أبدا‏..‏ حفاظا علي أسرار المهنة‏..‏ بعد أن شبع المصورون تصويرا لها علي باب الشقة‏..‏ طلبت منهم أن يتركوها في هدوء‏..‏ فالجريمة واحدة من أشرس وأعقد الجرائم التي صادفتها في حياتها‏.‏وقفوا في انتظارها علي الباب أعلي السلالم وأمام باب العمارة‏..‏قلت لها همسا‏:‏ سأبوح لك بسر‏..‏قالت‏:‏ هات ما عندك؟قلت‏:‏ لقد قالي لي أحد أقارب الأسرة المقربين الذي حاول مرارا أن يتدخل ليصلح ذات البين بين الزوجة وزوجها أنه شاهدهما في إحدي جلسات الصلح وما أكثرها يتبادلان السباب والصراخ والاتهامات‏!‏لا أعرف كيف حصلت هذه السكسونية الداهية علي تصريح من النيابة بدخول الشقة الملعونة‏..‏صعدنا معا حتي الدور السادس‏..‏ وقفنا أمام باب الشقة‏..‏ ولكن لم تطاوعني مشاعري علي الدخول إلي مقبرة الشيطان‏..‏ بعد أن تملكتني القشعريرة نفسها التي ظلت تلازمني منذ الصغر منذ حرق حموقة‏!‏قالت لي‏:‏ لابد من رفع البصمات حتي نعرف هل هناك شريك للقاتل ام لا؟غابت ساعتين كاملتين‏..‏ وخرجت‏..‏ لم تصرح بكلمة لأحد‏.‏كل ما قالته لسكرتيرتي النشيطة قبل أن تعود بالطائرة إلي الأقصر‏:‏ سأترك قصة الدقائق الثلاث المرعبة التي حدثت خلالها الجريمة البشعة مع مساعدتي بعد ثماني وأربعين ساعة‏..‏ وكما بدأنا في الأقصر‏..‏ التسليم أيضا في الأقصر‏..‏‏...................‏‏..................‏قالت لي أجاثا كريستي وهي جالسة في شرفة فندق الونتربالاس في الأقصر ساعة الغروب‏..‏ تمتع ناظريها بمشهد القوارب الشراعية في قرص الشمس الأحمر‏:‏ اتركني حتي الصباح‏..‏ ثم تعال لتتسلم سيناريو مشهد الدقائق الثلاث الدامية‏..‏بعد إفطار مكون من الخبز الأسود المحمص ومعجون الجبن الشيدر مع بيضة مسلوقة نصف سوي وكوب من الليمون دون سكر وقطعة من الكيك الإنجليزي مع فنجان شاي بنصف قالب سكر‏..‏ في تراس الونتر الشهير المطل علي حديقة النباتات النادرة‏..‏قالت لي‏:‏ هاك ما طلبت‏..‏ ولا تنس أن تقول في بداية القصة إنني عاشقة لهذا البلد الرائع ولأهله الطيبين‏..‏قلت لها‏:‏ لك هذا يا سيدتي‏!‏في غرفتي المجاورة في لهفة فتحت المظروف حتي إنه تمزق مني ورحت أترجم من الانجليزية ما كتبته أشهر كاتبة بوليسية عرفها العالم إلي العربية واضعا أمامي قواميس الدنيا كلها‏:‏ المورد وبعلبكي وإلياس ووستمنستر وإكسفورد وكامبردج‏..‏بخط يدها وبخيالها البوليسي الرائع كتبت أجاثا كريستي تحت عنوان‏:‏ ثلاث دقائق طائشة مجنونة‏:‏‏**‏ ظل يقظا طوال الليل في غرفته المطلة علي شارع معتم تماما مثل نفسيته المعتمة بعد أن انطفأت أنوار أعمدته الكهربائية إهمالا أو نسيانا فلم يعد أحد يهتم بباقي صحوة النهار ما إذا كانت كل اللمبات المعلقة بالأعمدة سليمة أم انتهي عمرها الافتراضي‏..‏وحتي هو الآخر انطفأت في صدره آخر مصابيح الأمل بعد عراك طويل مع رفيقة عمره وابنته إيرين وابنه أندرو في آخر مرة زارهم فيها قبل أسبوعين‏..‏ لقد سخر منه أولاده وعايرته زوجته التي أحبها بجنون عندما حاول في آخر مرة أن يشعل في حضرتهم سيجارة بانجو‏.‏ بل وكذلك بالسنة‏....‏الساعة بجوار سريره تشير إلي التاسعة إلا قليلا طلب إفطاره في الغرفة‏..‏ تناوله ببطء وكسل شديدين‏..‏ ثم أشعل سيجارة‏..‏ حتي يهدأ قليلا‏..‏ دقات قلبه تتسارع وحبات عرق تغزو جبهته جففها بفوطة صينية الإفطار‏..‏إلي جواره علي الدرج الملتصق بالسرير كانت تقف علي استحياء آخر زجاجة ويسكي‏..‏ لم يبق فيها إلا يادوب نصف كأس لا أكثر‏..‏ أمسك بالزجاجة ودفعها إلي فمه وأفرغ محتوياتها حتي آخرها في جوفه‏..‏ ثم تجشأ وراح يسحب دخان سيجارته حتي آخر نفس‏..‏لقد أصبح الآن تمام التمام وجاهز لما اختمر طوال الليل في دماغه‏..‏ لابد أن يؤدب امرأته وولديه علي بذاءتهما من آخر مرة‏..‏ يعني إيه أبطل أشرب‏..‏ أنا حر‏..‏ هما ناقصهم حاجة‏..‏ إنه يغرقهم في الهدايا في كل مرة يزورهم فيها‏..‏ بل إن أسورة ذهبية سيأخذها إلي زوجته في أول زيارة‏..‏ألم يهد ابنه أندرو عربة فارهة آخر موديل‏..‏ ووعد إيرين ابنته عندما تدخل الجامعة بعربة مثلها‏..‏ ماذا يريدون منه أكثر من ذلك‏..‏دفع حساب العشرين يوما نقدا وعدا‏..‏ فالمال معه بلا حساب بعد أن ورث عن والده عقارات وأطيانا باعها كلها‏..‏منح خدم الفندق بقشيشا سخيا‏..‏ ثم انطلق إلي شقته ورأسه تموج بمائة سيناريو وألف حوار‏..‏ لكن لابد من تأديب من تطاولوا عليه وعايروه بإدمانه في آخر مرة زارهم فيها‏..‏تحسس جيبه ليطمئن علي مسدسه غير المرخص‏..‏ الذي لا يفارقه أبدا بوصفه صعيديا أصيلا‏..‏ فهو حاميه ومخلصه من كل من يريد له الأذي أو حتي مجرد الإهانة‏..‏ فالمسدس والبندقية عند أهل الصعيد قبل الخبز أحيانا‏!‏هاهي عمارته وهاهي شقته في الدور السادس نوافذها مغلقة من الخارج‏..‏ لعلهم نائمون في هذه الساعة‏.‏كان البواب جالسا في مكانه علي الدكة الخشبية‏..‏ـ سلامو عليكو يا عم حسن‏..‏رد عليه البواب‏:‏ أهلا أسامة بيه نورت العمارة‏..‏زوجة البواب من خصاص حجرتها المطلة علي المدخل شاهدت وتعجبت في نفسها وقالت في سرها‏:‏ حكمتك يارب‏..‏ شقة جميلة وزوجة طيبة وأولاد يردوا الروح‏..‏ ويسيب ده كله ويسكن في لوكاندة‏!‏أدخل المفتاح الذي يحتفظ به في فتحة الباب وأداره فلم ينفتح الباب لأن ترباسا من الداخل أبطل مفعول المفتاح من الخارج‏..‏سمع أندرو وهو بين النوم واليقظة صوت محاولة المفتاح الفاشلة‏..‏ عرف أنه أبوه الغائب‏..‏ جري إلي الباب وصاح بمن في الخارج‏:‏ مين؟قال الأب‏:‏ أنا بابا يا أندرو‏..‏ كويس أنكم ساكين الباب بالترباس‏..‏ أصل الدنيا ين مالهاش امانم‏!‏فتح أندرو الباب لأبيه وأخذه بالأحضان‏:‏أهلا يا بابا‏..‏ جاي المرة دي عشان تقعد معانا علي طول‏..‏ سيبك بقي من اللوكاندات ومصاريفها‏..‏ هو إحنا ما وحشناكشي واللا إيه‏!‏الأب بكلمات مبعثرة‏..‏ كأنها حبات عقد انفرطت حياته‏:‏ وحشتوني طبعا‏..‏ وجيت عشان أشوفكم‏!‏لم يهتم أندرو بأن أبيه في حالة غير طبيعية‏..‏ فقد شاهده علي هذا الحال أكثر من مرة‏..‏ وآخرها عندما زاره في غرفته في فندقه قبل ثلاثة أيام‏.‏جلس الأب علي أول كرسي في الصالة‏..‏سأله أندرو‏:‏ أصحيلك ماما‏..‏قال الأب‏:‏ لا‏..‏ أنا حصحيها بنفسي‏..‏سأله أندرو‏:‏ أعملك فنجان شاي؟الأب بصوت مبحوح‏:‏ لا‏..‏ لسه فاطر وشارب الشاي‏..‏قال أندرو‏:‏ طيب أنا داخل الحمام‏..‏ اوعي تمشي قبل ما أقعد أتكلم معاك‏..‏ عندي كلام كتير عاوز أقولهولك‏..‏الأب‏:‏ مش أنا سبت اللوكاندة وجيت أقعد معاكم علي طول‏..‏أندرو‏:‏ ده خبر حيفرح ماما وإيرين قوي‏..‏دخل أندرو الحمام‏..‏ الأب يخرج من جيبه الداخلي مسدسا صغيرا غير مرخص‏..‏ وضع الزناد علي علامة تشغيل ثم دخل غرفة ابنته إيرين كانت نائمة تحلم بالسيارة التي وعدها أبوها بها إذا حصلت علي الثانوية العامة بمجموع مشرف‏..‏بدم بارد أطلق علي ابنته وهي تحت الغطاء رصاصتين واحدة في رأسها والأخري في يدها اليمني‏.‏تركها تنزف وتموت وخرج من الحجرة إلي حجرة زوجته التي سمعت خطوات تدب إلي جوار سريرها حسبتها خطوات ابنها‏..‏ قالت وهي بين النوم واليقظة‏:‏ إيه يا أندرو‏..‏ فيه حاجة؟عاجلها الزوج بعدة رصاصات في الرأس والجسد خرجت من الناحية الأخري‏..‏ لتغرق في دمائها وتدخل إلي محطة سكرات الموت‏!‏سمع أندرو صوت الرصاص‏..‏ هرع مسرعا يحاول حماية أمه‏..‏ وأمسك بيد أبيه الذي كان يحاول تبديل مشط الرصاص الفارغ بآخر ممتليء وزعق فيه بصوت عال‏:‏ انت بتعمل إيه يا راجل يا مجنون‏!‏لكن الأب كالثور الهائج كان أسرع منه وعاجلة بسيل من الرصاص أخرسه وأسقطه فوق سرير أمه‏..‏ لينزفان معا حتي الموت‏!‏أشعل بدم بارد نفسه جهاز التليفزيون في صالة المعيشة ورفع مفتاح الصوت إلي منتهاه‏..‏وجلس علي حافة سرير زوجته وابنه الكبير اللذان مازالا ينزفان دما وموتا‏..‏ وصوب الرصاصة قبل الأخيرة في مسدسه إلي رأسه ناحية أذنه اليمني وضغط علي الزناد لتنطلق رصاصة الرحمة التي يطلقها فرسان السباق علي أي جواد يسقط في الحلبة رحمة به‏..‏ لينهي حياته بيده وليموت سره الغامض معه‏..‏دقائق ثلاث أو أقل قليلا مضت‏..‏ ويا لها من دقائق مجنونة مجنونة مجنونة‏!‏السر مات مع الاب القاتل وسيظل حتي يرث الله الارض ومن عليهاالأب هو القاتل وحده‏!‏رحماك يابلد النيل والفكر والفن والادب الرفيع‏..‏‏*‏ إمضاء‏:‏ أجاثا كريستي‏................‏‏................‏أصر الفنان فاروق حسني وزير الثقافة بمجرد عودته من الصين علي أن تستضيف مصر أجاثا كريستي‏,‏ وأن تبقي ما يشاء لها البقاء في معشوقتها طيبة‏..‏ الأقصر الآن‏..‏قالت له أجاثا‏:‏ بشرط أن ترسمني في لوحة من لوحاتك التي تطوف العالم‏.‏قال لها فاروق حسني‏:‏ سأرسمك في بهو الأعمدة في معبد الكرنك‏..‏ انتظريني‏..‏لم يعد لي مكان الآن بينهما‏..‏وإذا ظهر الفنان فاروق حسني عاشق النيل والليل والجبل في الصورة‏..‏ ذهبت أنا دون كلمة واحدة‏..‏وفي رأسي سؤال واحد‏:‏ هل نغلق ملف الشقة الملعونة‏..‏ فليس هناك قضية‏..‏ فكل الأطراف من الآن بين يدي الخالق‏..‏ يحاسبهم كما تقول كتب الله وشريعته‏..‏ولكن يبقي غراب البين يطن فوق أذني‏:‏ احترسوا أيها السادة‏..‏ لقد أصبحنا في عصر الأب يقتل ضناه‏..‏ والأم توئد طفلتها‏..‏ والابن يتخلص من أمه ومن أبيه ومن أخيه مقابل ميراث شقة أو قطعة أرض أو حتي شمة هيروين‏.‏أين الخلاص؟يا مخلصين العالم أجيبوا؟‏


الاهرام -عزت السعدني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق