سورة الحجرات عالجت كثيرا من القضايا وركزت علي الجوانب والمشاكل الاجتماعية وكيفية مواجهتها كما حذرت كل مسلم من تجاوز هذه الضوابط التي حددتها الآيات الكريمة ومن هذه القضايا مشكلة تتكررفي كل زمان ومكان خاصة في هذا العصر حيث الانفجار السكاني بالكرة الأرضية والزيادة الكبيرة في اعداد البشر بالبلاد الاسلامية والعربية هذه المشكلة هي حدوث خلافات حادة واقتتال بين فئتين كل طائفة تتمسك بمطالبها وتصران علي عدم تصفية خلافاتهما وبالتالي تنشب المعارك بينهما.
وحسما لهذه القضية التي تؤرق كثيرا من المجتمعات اشارت الآية الكريمة إلي عناصر هذه المشكلة في عجالة وحددت وسائل حل تلك المعضلة "وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين" ففي قراءة سريعة لهذه الكلمات الكريمة خطوط واضحة وتتلخص في ان المسلمين مطالبون ببذل أقصي الجهد للاصلاح بين الاخوة المقتتلين وإذا فشلت تلك الجهود فيجب أن تتضافر الجهود وأن يجري قتال الطائفة الباغية التي رفضت الصلح وأن يستمر هذا الموقف حتي يتم وقف القتال بصفة نهائية.
هذا الحل يتفق مع ما جاء عن رسول الله صلي الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح "انصر أخاك ظالما أو مظلوما.. قيل يا رسول الله انصره مظلوما فكيف انصره ظالما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه".
ولاشك ان هذه الآية تحمل معاني جليلة وتشير إلي أمر عظيم الشأن فمن المعاني تتضمنها انها لم تنف عن الطائفتين المقتتلتين صفة الايمان مما يشير إلي ان المعصية لا تخرج المسلم عن الايمان حتي وان عظمت هذه المعصية وذلك خلافا للخوارج والمعتزلة أما الأمر العظيم فهو فضيلة الاصلاح بين الناس خاصة المتحاربين لأن الاسلام دين السلام وينشد دائما الاستقرار لكل المجتمعات ومما يدعم ذلك ما ورد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انه كان في أحد الايام يخطب ومعه علي المنبر الحسن بن علي رضي الله عنهما فجعل ينظر إلي الحسن مرة وإلي الناس مرة أخري ويقول: ان ابني هذا سيد ولعل الله تعالي أن يصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين وقد حقق الله هذا الرجاء من رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد اصلح الله علي يدي الحسن بين أهل الشام وأهل العراق بعد الحروب الطويلة بينهما.
وتقول كتب التفسير ان سبب نزول هذه الآية ان كان رجل من الأنصار يقال له عمران كانت له امرأة تدعي أم زيدي وان المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها علية له لا يدخل عليها أحد من أهلها وان المرأة بعثت الي اهلها فجاء قومها وانزلوها لينطلقوا بها وان الرجل كان قد خرج فاستعان أهل الرجل فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها فتدافعوا ونشبت معركة بين الطرفين فبعث إليهم رسول الله صلي الله عليه وسلم واصلح بينهم وفاءوا إلي أمر الله تعالي وغدا نستكمل المعاني الكريمة التي اشتملت عليها تلك الآية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق