الجمعة، 16 أبريل 2010

زمالك و أهلى .. و حكايات أخرى عن الحب و الغضب و كرة القدم



■ بالتأكيد.. تعيش مصر حاليا يوما كرويا شديد الخصوصية.. ليس لمجرد مباراة فى الدورى الممتاز ستجمع الليلة بين الزمالك والأهلى.. وإنما هى ظروف ومقدمات كثيرة أدت إلى أن يصبح هذا اللقاء استثنائيا للغاية.. فهى أول قمة منذ وقت طويل تجمع بين الناديين وكل منهما طامع فى الفوز، شاعر بأنه قادر عليه وأحق به من الآخر..
صحيح أن الزمالك فقد الطموح المشروع للمنافسة على لقب الدورى لكن من المؤكد أنه استرد عافيته وسابق مكانته وأعلن بحسم ووضوح استقالته من إحباطات وجروح قديمة أدت إلى خفوت صوته قليلا.. كما أنها أول قمة كروية منذ وقت طويل أيضا يقودها اثنان من المصريين المتألقين.. حسام حسن مع الزمالك وحسام البدرى مع الأهلى..
ولو كان من الممكن تغيير قوانين كرة القدم ولو على سبيل الاستثناء الليلة فقط.. ما كنت لأتردد فى ذلك لأننى بالفعل أتمنى أن يفوز الاثنان الليلة.. لأننى باختصار شديد ووضوح أشد لم أعد أضمن جمهور الكرة فى مصر ولا إعلامها أيضا..
وبالتالى لم أعد أريد أن يخسر حسام حسن الليلة فينقلب عليه البعض ممن تسوقهم انفعالاتهم الطارئة ومشاعرهم وأهواؤهم المتقلبة فيغضبون على حسام وينسون كل ما قدمه وما قام به مع الزمالك خلال أسابيع قليلة فيما يشبه المعجزة الكروية.. ولا أريد أيضا أن يخسر حسام البدرى فتعلو أصوات الرافضين لأى مصرى على مقعد المدير الفنى للنادى الأهلى بمنطق أن المصريين ليسوا ناضجين كرويا إلى مثل هذا الحد.. وسينسى هؤلاء لو خسر البدرى أنه سيفوز بدورى هذا العام دون أن يسانده أحد بالشكل الذى جرى طيلة السنوات السابقة.. ولأنه لابد أن يخسر واحد منهما الليلة إن لم تنته المباراة بالتعادل..
فأنا أتمنى إعلاما كرويا فى مصر لا تسوقه نتائج الملعب ولا يصوغ قراراته وأحكامه هدف هنا أو هناك.. إعلاماً يحترم حقوق الناس وأقدارهم.. ولا يتعامل بالقطعة ولا تتغير مواقفه وأفكاره ومشاعره حسب الأهواء والمصالح والنتائج.. وأيا كانت نتيجة مباراة الليلة.. فمن الضرورى توجيه تحية التقدير والاحترام للاثنين معا.. حسام حسن وحسام البدرى..
ولو خسر الزمالك الليلة فالجمهور الأبيض مطالب بتوجيه رسالة شكر وحب وامتنان لحسام حسن ومعها تأكيد وإصرار على بقائه مع الزمالك فى الموسم الجديد لأن حسام حسن قادر مع الزمالك على تحقيق انتصارات وبطولات يحتاجها جمهور الزمالك ويقدر عليها حسام حسن ولاعبو الزمالك.. ولو خسر الأهلى الليلة فلابد أن يتوجه له جمهور الاهلى كله بتحية الحب والامتنان..
فهذا الجمهور لم يكن فى البداية يراهن كثيرا على البدرى كخليفة لمانويل جوزيه.. ولم يكن جمهورا متفائلا بأن البدرى قادر على أن يقود الأهلى للفوز بالدورى مخصوما منه كثير من النجوم سواء بالابتعاد أو الإصابة وبدون إضافة أى نجوم جدد ووسط حملات دائمة ومتواصلة من التشكيك ونثر المخاوف والأشواك..
وكم أتمنى أن يتراجع كل الذين انتظروا مباراة الليلة بأغان تم إعدادها وتلحينها للسخرية سواء من حسام وإبراهيم حسن وشيكابالا.. أو من حسام البدرى وأحمد حسن.. فليس هناك أجمل من أغانى الانتماء والحب.. وجمهور الزمالك قادر على إبهار الجميع حين يتغنى بنجومه ومسؤوليه.. وجمهور الأهلى يستطيع تماما أن يجعل استاد القاهرة نفسه يرقص طربا وفرحا بالبدرى وأحمد حسن وأبو تريكة وبركات وكل النجوم القدامى والجدد.. أرجوكم اجعلوها قمة تهدينا إبداعات حقيقية ورائعة وليس سباقا متبادلا فى الشتائم والإهانات والسخرية من الجميع.
■ لا أحب الأفكار أو الأحكام سابقة التجهيز.. تلك التى نحفظها ونرددها طول الوقت دون أن نمنح أنفسنا أى فرصة للتفكير والتأمل والمراجعة.. واحد من تلك الأحكام التى تقال الآن فى كل مقهى ومكتب وعبر كل صحيفة أو شاشة هو الإدانة المسبقة والدائمة والحاضرة سواء لروابط المشجعين أو أعضاء مجموعات الألتراس بأنهم السبب الأول والحقيقى والمباشر لأى جرائم أو حوادث شغب فى ملاعب الكرة المصرية..
وهذا ليس صحيحا على الإطلاق.. نعم هناك حوادث وجرائم شغب تورطت فيها الروابط ومجموعات الألتراس.. ولكن ليس صحيحا على الإطلاق أنهم وحدهم المسؤولون عن كل ما يجرى.. وقبل أن أشرح ذلك.. أود التوقف أولا عند كتاب جميل للصديق العزيز حسن المستكاوى بعنوان «الأهلى والزمالك» جمع فيه أهم وأجمل مقالات الأستاذ الراحل نجيب المستكاوى عن لقاءات القمة..
وفى هذا الكتاب.. وعلى حد وصف شيخنا المستكاوى.. نكتشف أن الشغب موجود.. والعنف دائما احتمال مطروح.. منذ الستينيات.. بل إن نجيب المستكاوى وصف مباراة الناديين فى ١٧ مارس ١٩٦٦ بـ«اليوم الأغبر فى تاريخ الكرة المصرية».. وتحت هذا العنوان كتب المستكاوى عن معارك وحرائق وجرحى فى موقعة الزمالك والأهلى.. ولم ينس المستكاوى أن يسبق اسمه لقب جديد.. مراسل الأهرام الحربى فى ميت عقبة..
وبالتأكيد لا ينسى كل الكبار اليوم مباراة عام ١٩٧١ التى لم تكتمل بسبب ضربة جزاء احتسبها الديبة للزمالك وحين أحرز منها فاروق جعفر الهدف الثانى للزمالك اشتعلت ثورة الغضب فى المدرجات فألغيت المباراة بل توقف الدورى كله.. وأمثلة أخرى كثيرة لحوادث عنف وشغب وغضب انفجرت فى ملاعب الكرة بدون روابط مشجعين وبدون ألتراس ولا حتى مواقع رياضية على شبكة الإنترنت..
ولست هنا أحاول تقديم براءة ذمة أو شهادة بحسن سير وسلوك الروابط والألتراس والمواقع.. ولكننى فقط أدعو الجميع لمعاودة التفكير فى كل ما يجرى دون أى مواقف أو أحكام سابقة.. وإذا كان هناك من يخرج على النص اليوم.. فقد كان هناك من يخرج على نفس النصوص طول الوقت فى عصور قديمة وسابقة.. وليست هذه دعوة للتسامح مع من يخرج.. ولكن دعوة للبحث عن الأسباب الحقيقية للخروج..
فالجميع اليوم استسهلوا اتهام الروابط والألتراس والمواقع والمدونات باعتبارهم الفاسدين والعابثين والمكبوتين والذين لا عقل لهم أو رادع يمنعهم من إشعال النار فى الجميع وفى كل مكان.. وكل ذلك ليس صحيحا.. فالمتهم الحقيقى هو كل من يدعو الجماهير لأن تنسى دورها وحدودها ويطالبها بأن تأخذ حقوق ناديها بأيديها..
المتهم الحقيقى هو كل من يكتب أو يتكلم داعيا لنسف أى قانون أو لائحة ورفض أى عقوبات لمجرد أنها ضد ناد ينتمى إليه أو لأنه يريد مغازلة الجمهور غزلا رخيصا ومفضوحا.. المتهم الحقيقى هو كل من لا يستطيع الدفاع عن نفسه ومنطقه ويعجز عن المواجهة فيحتمى بالجماهير ويريدها أن تحارب هى بالنيابة عنه.. وكثيرا ما شاهدت كتابا وإعلاميين كبارا قاموا بتحريض الجماهير على الثورة والعنف والغضب.. فتصدقهم الجماهير وتنخدع بهم وتشتبك مع الأمن وقبله مع المسؤولين..
ويقع البعض ضحايا ويتم القبض على البعض الآخر.. بينما الذين قاموا بالتحريض نائمون فى بيوتهم أو فى برامجهم أو على أوراق صحافتهم يواصلون العبث وكأن الأمر لا يعنيهم.. المتهم الحقيقى هو كل من يسعى إلى أى صدام بين الجمهور والأمن.. وتتحول كتاباته إلى بلاغات للأمن عن جمهور أى فريق وبالتحديد عن الروابط والألتراس باعتبارهم المتهمين الجاهزين دوما لتنفيذ أى عقوبة.. وبدلا من ذلك كله.. أتمنى حوارا هادئا بين الجميع..
أتمنى احتراما متبادلا بين الجمهور والأمن.. فلا هما أعداء ولا أحدهما يتربص بالآخر.. فالأمن يريد أن تنتهى المباراة بهدوء وسلام للجميع.. والجمهور بالتأكيد لا يريد إيذاء أى أحد.. كفانا ما فى داخل كل واحد فينا من مخاوف وهموم وجروح وقلق بشأن حياتنا وأماننا وطعامنا وأولادنا.. لا نريد أن تتحول كرة القدم وتشجيعها إلى عبء إضافى لسنا فى حاجة إليه وقد لا نطيق احتماله.
■ يريدنا اللواء عبدالعزيز أمين.. رئيس هيئة استاد القاهرة.. أن نحافظ الليلة على الاستاد الذى يؤكد اللواء الرئيس أنه من أفضل استادات العالم.. وأبدى اللواء الرئيس انزعاجه وحزنه من تلفيات لحقت بالاستاد عقب أحداث الشغب التى قام بها جمهور الزمالك فى مباراة الشرطة بلغت تكلفة إصلاحها خمسين ألف جنيه..
وهذا بالضبط ما أريد الآن مناقشته مع رئيس هيئة استاد القاهرة.. فليس استاد القاهرة واحدا من أجمل استادات الدنيا.. فالرئيس لا يعرف أن العالم أصبح كله أمامنا وفى متناول أعيننا وعقولنا وأصبح بمقدورنا أن نرى الدنيا وملاعبها.. كما أننا مللنا من نغمة التلفيات والإصلاحات بأرقام مبهمة دون أن تصاحبها تفاصيل موثقة عن عدد المقاعد التى تم إتلافها أو حجم الخسائر وطبيعتها وثمن إصلاحها.. ولكننى فى نفس الوقت أوافق عبدالعزيز أمين تماما وأؤيده بشدة فى دعوته للمحافظة على الاستاد فى مباراة الليلة.. لأنه ملكنا كلنا.. لأننا نحن أصحاب هذا الاستاد..
وكم كان سيبدو الأمر رائعا لو اكتفى عبدالعزيز أمين بتلك الدعوة وكنا كلنا معه متضامنين دفاعا عن الاستاد وحفاظا عليه.. لكنه فاجأنا كلنا بتهديد بأنه لن يستضيف أى مباريات أخرى فى حالة تكرار الشغب.. فهذا التهديد يعنى أن الاستاد فى لحظة أصبح ملكا لعبد العزيز أمين وليس لنا.. هو الذى يملك ويستطيع أن يقبل ويرفض ويتوعد ويهدد ويغلق الأبواب أو يفتحها.. ولا أظن ذلك صحيحا.. ولا أظن ذلك يليق أيضا.. كفاكم تهديدا للمصريين الطيبين فى الشوارع والمدارس والبيوت والمكاتب.. وحتى فى استاد القاهرة.
■ مع دعوتى للكتاب والإعلاميين بأن يكفوا عن تحريض الناس على العنف والثورة والغضب والانتقام.. ولرجال الأمن بألا يمارسوا أى قهر أو انتقاص من قدر أى أحد مهما كان بسيطا قليل القوة والحيلة.. ولقادة روابط الجماهير والألتراس بألا يحيلوا مشاعر الحب داخلهم إلى نار للحقد والكراهية والعنف.. ولرئيس هيئة الاستاد بأن يؤكد من جديد أن هذا الاستاد ملكنا كلنا وليس ملكا شخصيا وخاصا بأى أحد..
يبقى نداء أخير لبعض قادة جماهير الزمالك الذين أخطأوا فى المباراة الأخيرة حين قاموا برفع أعلام الجزائر فى المدرجات نكاية فى الاتحاد المصرى لكرة القدم وفى قرارات لجنة المسابقات وعقوباتها الأخيرة ضد الزمالك وإبراهيم حسن وحازم إمام وعلاء على.. فلم يكن هذا سلوكا مقبولا على الإطلاق ولا يمكن بأى حال تفسيره.. ولا أعرف كيف فكر أصحاب هذا الفعل ومن قاموا به..
ولكننى أعرف كيف تعاملت الصحافة الجزائرية مع تلك الصورة وكيف استثمرتها لمصلحة من يريدون مزيدا من التوتر بين البلدين والحفاظ باجتهاد على سعيهم غير المشروع لمزيد من إفساد العلاقة بين شعبين وبلدين سرقت منهما كرة القدم كل تاريخهما المشترك ومستقبلهما معا بكل ما فيه من أحلام وروابط ومصالح..
ولا أتمنى اليوم رفع أعلام الجزائر.. لا أتمنى أيضا رفع أعلام مصر مع كامل تقديرى واحترامى لأصحاب تلك الدعوة ودوافعها.. لأن أعلام مصر ترتفع وتزدان بها المدرجات حين يلعب منتخب مصر.. وبالتالى أرفض أن يرفع جمهور الزمالك أعلام مصر إن أحرز فريقهم هدفا فى مرمى الأهلى أو العكس.. لأن المشهد فى تلك اللحظة سيبدو وكأن الأهلى أو الزمالك يلعبان ضد مصر.. وليس هذا صحيحا.. فالناديان من مصر بل هما من أهم وأجمل وأغلى ما فى مصر.
■ بمناسبة عقوبة إبراهيم حسن وقرار منعه من دخول ملاعب الكرة حتى نهاية الموسم.. أتوقف الآن أمام هؤلاء الذين بدأوا مطالبة إبراهيم بعدم الامتثال إلى ذلك والتوجه إلى الاستاد فى حماية جماهير الزمالك ولن يجرؤ أحد على منعه من الدخول..
ولست أفهم ما الذى يريده أصحاب مثل هذه الدعوة.. ومتى سنتعلم النضج الذى يسمح لنا بتأييد شخص ما فى بعض تصرفاته وإدانة بعض التصرفات لنفس الشخص.. فكل الناس كانت مع إبراهيم حسن حين تعرض للخداع وحين كان ضحية لمسؤولين جزائريين ومصريين أيضا.. ومن الطبيعى أن يدين كل الناس سلوك إبراهيم حسن فى مباراة الزمالك والشرطة..
وليس مطلوبا من أى أحد أن يقبل إبراهيم حسن كله أو يرفضه كله.. فهذا ليس من قوانين الحياة.. وليس فينا من لا تتجمع ذنوب وأخطاء وحسنات ومزايا داخله.. وأنا أرجو من إبراهيم حسن ألا يستسلم لمن يريدون إثارته ويستمتعون بذلك.. فهم أول من سيتخلون عنه عند نشوب أى فوضى أو أزمة حقيقية.. وإذا كان إبراهيم قد اعتذر وانتهى الأمر فلابد من الحفاظ على إبراهيم حسن كقائد ناجح وحقيقى لفريق الزمالك.. وإذا كان هناك بيننا من يحبون إبراهيم حسن أو يكرهونه.. فلابد أن يتعلم كل هؤلاء ألا يسمحوا لحبهم أو كراهيتهم أن تتبدل داخلهم الحقائق حسب الأهواء والألوان.. فهناك حقائق تبقى حقائق..
وعلى سبيل المثال.. أضرب لاعبو الإسماعيلى ورفضوا التدريب احتجاجا على إدارة النادى التى لم تصرف لهم مستحقاتهم المالية المتأخرة.. وهى خطيئة للاعبى الإسماعيلى لا يمكن قبولها أو التسامح معها.. ولكن ما سيجرى الآن هو إعادة تشكيل الحقيقة حسب العلاقات الشخصية مع مجلس إدارة الإسماعيلى.. فالذين يحبون الرئيس سيرفضون هذا السلوك ويشجبونه ويحاربونه.. والذين يكرهون الرئيس سيؤيدون هذا السلوك ويرونه تصرفا طبيعيا ومشروعا.. وهذا مجرد نموذج لخلط الأوراق والمواقف والأحكام الذى أصبحنا كلنا ندفع ثمنه وكلنا سنصبح- لو استسلمنا له- من ضحاياه.


المصري اليوم - ياسر أيوب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق