رغم أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن طالما أطلق هفوات وزلات لسان لا حصر لها على مدى ولايتي رئاسته لأكبر قوة في العالم ، إلا أن الأمير فيليب دوق أدنبره وزوج ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية يبدو أنه تفوق عليه في هذا الصدد .
ففي 13 مارس / آذار ، وضع الأمير فيليب مجددا الملكة اليزابيث في موقف حرج للغاية أثناء زيارة ملكية إلى منطقة "أكستر" البريطانية لتفقد مجموعة من الطلاب العسكريين في ثكنة "ويفرين" ، حيث وقع في أحدث زلاته عندما تجاذب الحديث مع إحدى المجندات البحريات وتدعى اليزابيث ريندل "24 عاماً ".
والقصة بدأت عندما سأل ريندل عن وظيفتها وردت بالقول إنها تعمل في ناد ليلي ليعاود زوج الملكة سؤالها : هل هو نادي للتعري؟ ، إلا أنه تدارك سريعاً بالقول : "ربما البرد قارس للغاية للعمل بذلك" .
والمثير للانتباه أن زلة اللسان السابقة لم تكن الأولى من نوعها ، ففي منتصف ديسمبر الماضي وضع الأمير فيليب الملكة اليزابيث في حرج بالغ أيضا عندما أطلق تعليقا ساخرا في وجه مجند بالجيش البريطاني أصيب بالعمى بانفجار "إرهابي ".
وكانت الملكة اليزابيث سألت حينها المجند ستيفن مناري عما تبقى له من بصره بعد الانفجار، ليرد الأمير فيليب مازحاً : " ليس بالكثير، ويمكن الحكم على ذلك من ربطة العنق التي يرتديها".
وألجمت المزحة الثقيلة ألسنة الحاضرين الذي أصابهم الحرج الشديد ، فيما رمقت ملكة بريطانيا الزوج بنظرة استنكار .وعلقت صحيفة "الصن" البريطانية على ما سبق قائلة إن ستفين كان أصيب بعمى شبه تام وبترت يده اليسرى عندما كان يبلغ من العمر 14 عاماً إثر مسارعته لالتقاط قنبلة ألقاها "مسلحو" الجيش الأيرلندي على ثكنة للجيش البريطاني في "وايت سيتي" غرب لندن عام 2001.
وأشارت الصحيفة إلى أن كارول مناري والدة ستفين أصيبت بصدمة كبيرة تجاه تعليق الأمير فيليب ، قائلة :" الأمير فيليب بعيد كل البعد عن الواقع ، إنه من عالم آخر ، على الرغم من أنني أعتقد أن التعليق برئ ، لكنه غير لبق ، الواقعة حدثت أثناء لقاء جمع ستفين بالعائلة المالكة ".
حياة غير مستقرة
وبجانب ما سبق ، هناك هفوات كثيرة أطلقها "دوق أدنبره" واستدعت أحياناً تقديمه الاعتذار وكان من أبرزها ما حدث في زيارة رسمية إلى سلوفينيا العام الماضي عندما وصف السياحة بأنها "بغاء قومي" أثناء اجتماعه بمجموعة من خبراء السياحة هناك.
أيضا ، فقد خاطب أحد الموسيقيين خلال مشاركته في فعالية لـ"جمعية الصم البريطانية" ، قائلاً :" أصم أنت؟ ، إذا كنت تقف قريباً من هناك فلا عجب أنك أصم" ، كما أغضب الصينيين خلال زيارته إلى بكين التي وصفها بـ"الشنيعة" وخاطب أحد التلاميذ البريطانيين هناك قائلاً : "إذا مكثت هناك فترة أطول ستصبح أعينك ضيقة " ، في إشارة لملامح الآسيويين الذين يتميزون بضيق العيون ، وبعد ذلك أثار غضباً عارماً داخل بريطانيا بتصريحه بأن النساء هناك لا يتقن فن الطبخ.ورغم أن البعض قد يعتبر ما سبق مجرد هفوات شخصية ، إلا أنها تنعكس سلبا على صورة العائلة المالكة في بريطانيا وتحديدا الملكة اليزابيث الثانية التي تعرف بتمسكها الشديد بالمحافظة على التقاليد الملكية .
ويبدو أن نشأة الأمير فيليب كان لها دور في خروجه من آن لآخر عن التقاليد الملكية ، فمعروف أنه تزوج من الملكة اليزابيث في عام 1947 وكان ولد في اليونان عام 1921 وحمل لقب " أمير اليونان والدنمارك"، لكن عائلته اضطرت لمغادرة اليونان إلى المنفى في صغره فانتقل إلى فرنسا ومنها إلى بريطانيا حيث استقر هناك .
وبجانب تأثيرات النشأة غير المستقرة وتعدد الثقافات التي أثرت على شخصيته في طفولته وشبابه ، فإن هناك من التمس العذر للأمير فيليب بالنظر إلى أنه ليس الوحيد الذي يرتكب تلك الهفوات ، ولعل إلقاء نظرة على حوادث مماثلة قد يدعم ما سبق ، فخلال إجازة تزلج كان يمضيها في سويسرا عام 2005 ، سمع ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز وهو يقول إنه لا يطيق الإعلاميين ، واصفاً مراسل الـ "بي بي سي" نيكولاس ويتشل بأنه "سيئ" ، فيما أعلن بالخطأ الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان أن بلاده على وشك الهجوم على الاتحاد السوفيتي قبل مقابلة إذاعية عام 1984 وكان ريجان يعتقد أنه في حالة "تجريب" للمايكروفون فحسب ، إلا أن تصريحاته أذيعت على الهواء.
وهناك أيضا رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود أولمرت الذى اعترف فى عام 2006 أن إيران تريد الحصول على سلاح نووي مثل إسرائيل وهو أول تصريح من نوعه لمسئول إسرائيلي يعترف من خلاله بامتلاك بلاده سلاحا نوويا .ودخل الرئيس الفرنسى السابق جاك شيراك على خط الزلات اللسانية أيضا فى شهر فبراير 2007 عندما علق على التهديد النووى الإيراني ، قائلا إن حصول إيران على قنبلة نووية أو قنبلتين ليس أمرا خطيرا جدا ، وفي اليوم الثاني سارعت الرئاسة الفرنسية في بيان لها إلى الإعلان أن فرنسا لا تقبل أن تمتلك إيران سلاحا نوويا .
وكان تصريح شيراك مدار سخرية الصحف الألمانية التي تساءلت عن قدرات شيراك الذي أضعف موقف الأسرة الدولية إزاء طهران، وكذلك تعليقات الصحف الروسية التي اعتبرت ذلك بمثابة هدية مجانية إلى الرئيس الإيرانى أحمدي نجاد.
البوشية
وتبقى زلات لسان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن هي الأشهر من نوعها ، ففى مؤتمر صحفى عقده بواشنطن في 20 سبتمبر 2007 دافع بوش عن سياسة إدارته في العراق ، قائلا :" إن وحشية الرئيس العراقي الراحل صدام حسين جعلت من المستحيل ظهور زعيم يمكنه توحيد البلاد ليوقف العنف الطائفي الذي أطبق علي العراق .. سمعت شخصا يقول .. أين مانديلا.... مات مانديلا لأن صدام قتل كل من هم علي شاكلة مانديلا".
وعلى الفور سارع أحمد دانجور المدير التنفيذي لمؤسسة نيلسون مانديلا إلى نفى وفاته ، قائلا :" فى الوقت الذى نالت فيه تصريحات بوش تغطية عالمية ، كل ما بوسعنا عمله هو طمأنة الناس وخاصة فى جنوب إفريقيا أن الرئيس السابق مانديلا على قيد الحياة".
وقبل ذلك وتحديدا في الثامن من سبتمبر 2007 تحولت قمة أبيك التى استضافتها استراليا إلى مايشبه المسرحية الكوميدية عندما أخطأ بوش في نطق اسم منتدى أبيك وأطلق عليه منتدى أوبك ، حيث قال متوجها بكلامه لرئيس الوزراء الاسترالى جون هوارد شكرا لك على تقديمكم.. شكرا لك على استضافتكم الكريمة لقمة أوبك.. قمة أبيك عذرا " .ورغم أنه سرعان ما صحح بوش خطأه إلا أن المشاركين فى القمة وخاصة رجال الأعمال والاقتصاد لم يستطيعوا إخفاء ضحكاتهم ، ووسط تلك الحالة غير المعتادة فى مثل تلك الاجتماعات العالمية وقع بوش فى خطأ آخر عندما خلط بين النمسا واستراليا اللتين تتشابه طريقة نطقهما بالإنجليزية عندما شكر رئيس الوزراء الاسترالي على دور القوات النمساوية بدلا من "الاسترالية" فى العراق ، قائلا : " نشكر هوارد على ذهابه إلى العراق لشكر القوات النمساوية العام الماضى ، وذلك فى إشارة إلى القوات الاسترالية ".
والزلات السابقة كانت الأحدث في قاموس أخطاء بوش اللغوية لدرجة دفعت المراقبين لإطلاق مصطلح "البوشية" عليها ، ويجب الإشارة هنا إلى أن تلك الزلات كان يقع فيها حتى قبل توليه رئاسة الولايات المتحدة ، فخلال حملته الانتخابية عام 2000 وقع في فخ " المايكروفون المفتوح" عندما شتم صحفي الـ"نيويورك تايمز" آدم كلايمر، وقال بوش تعليقا على الحادثة إنه لم ينتبه للمايكروفون المفتوح لكن دون أن يعتذر للصحفى كلايمر .
وبعد توليه الرئاسة وقع فى زلات وزلات مثيرة للجدل منها زعمه بعد أحداث 11 سبتمبر/ايلول وقبل غزو أفغانستان أنه ملهم من السماء ومكلف بشن حرب "صليبية" جديدة وهو التعبير الذي يعني ضمنا لكثير من المسلمين حربا مسيحية على الإسلام، الأمر الذى أثار استياء بالغا في العالم الإسلامى . وفى 5 فبراير/شباط 2002 ، عبر بوش صراحة عن مشاعره العدائية تجاه الزعيم الكوبي فيدل كاسترو حين تمنى موته ، قائلا :" يوما ما سيأخذ الرب فيدل كاسترو" ، ووصف المراقبون حينئذ تصريح بوش بأنه قمة الانحدار في الخطاب السياسي الذي لايليق بشخص يتولى منصب رئيس دولة فما بالنا وهو يرأس القوى العظمى في العالم وتساءل البعض في هذا الصدد :" الرب عادل فكيف يستجيب لدعاء شخص قتل آلاف الأطفال والمدنيين بلاذنب سواء فى أفغانستان أوالعراق ؟".
تفسيرات متباينة
ورغم أن الزلات السابقة أثارت حينها تساؤلات المراقبين حول مدى جدارة بوش برئاسة القوة العظمى في العالم ، إلا أنه ظهرت عدة تفسيرات حولها ، فهناك من يرى أن الأمير فيليب وبوش وغيرهم من المسئولين والزعماء هم في النهاية بشر وليسوا معصومين .
وفي مواجهة التفسير السابق ، يرى البعض الآخر أن علم النفس يصف زلات اللسان بأنها تعبير عن رغبة غير واعية وأن ما يخرج من الإنسان بالتعبير بشكل عفوي هو مايختزله باللاوعي ، أي أنه يعيش معه في لا وعيه وهو بذلك لم يخطئ بالقول ، بل كل ما في الأمر أنه أفرج عنه من دون إذن بعدما كان كامنا في النفس ، ولذا فإن إعلان بوش أن العراق جزء من الولايات المتحدة كان تعبير عن رغبة بوش في ضم العراق لكي تصبح ولاية أمريكية تضاف إلى سجل الاحتلالات الأمريكية التي بدأت بإبادة الهنود الحمر السكان الشرعيين والأصليين للقارة الأمريكية. وبالإضافة إلى ماسبق ، فهناك تفسير ثالث يرى أن زلة اللسان تعبير عن ثقافة قائمة وإن كانت "مستترة" ، حيث ذكر تقرير نشرته صحيفة "القبس" الكويتية أن بوش عندما يستخدم عبارات "الحرب الصليبية" ، على سبيل المثال فهو يكشف الخلفية العقائدية والثقافة التي تؤثر في السلوك السياسي للرئيس .
وأخيرا ، هناك تفسير رابع يرى أن زلات بوش كان الهدف منها إلقاء بالون اختبار لمعرفة ردة الفعل فإذا كان الفعل بحدود المعقول ينطلق بشراعه في البحر طالما وجد الريح مواتية ، أما إذا كانت الريح معاكسة فعليه الانكفاء والتراجع والاعتذار .
ويمكن القول ، إنه أيا كانت صحة التفسيرات السابقة فإن الأمر الذي لا جدال فيه هو أن زلات اللسان المتكررة تسبب حرجا بالغا للدول التي يقع قادتها في مثل تلك الهفوات .
محيط - جيهان مصطفى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق