"اعمل عبيط وعش سلطان زمانك..استمع إلى كلام ناظر المدرسة وقل آمين..غلط صح لايهم..هز رأسك موافقا على كلام السيد المدير العام حتى وإن غرق المركب وأصبح ستين حتة.. اعمل عبيط وأنت ترى كشوف الإهدار العظيم للمال العام في نظام سرقة شرعية كله بالقانون بالأوراق ميري".
هكذا يبدأ جمال الشاعر أحدث إصداراته "اعمل عبيط" الصادر عن الدار المصرية اللبنانية ويضيف: اعمل عبيط وأنت تستمع إلى السياسي اللعيب وهو يرص الأكاذيب حجرا على حجر، وأنت تستمع إلى رجال الأعمال ووزراء المجموعة الاقتصادية وهو يقولون مصر فيها فرص عمل تقدر بعشرات الآلاف ولكن الشباب يفضل الجلوس على المقاهي. اعمل عبيط وانت مذهول باخبار سرقات الآثار ، وانت تدفع ضعف مرتبك دروسا خصوصية لأبنائك مع أن الحكومة تؤكد دائما مجانية التعليم .. اعمل عبيط تشعر فعلا أن مصر جنة وهي بالفعل جنة العبيط.
حفل التوقيع أقامت مكتبة "حنين" مؤخرا حفل توقيع للكتاب بحضور مؤلفه جمال الشاعر الذي قال في بداية حديثه أن الكتاب جاء نتيجة إصابة المواطن المصري والعربي بالسلبية فلا أحد يسرع لنجدة الآخر، كما أن الكتاب يعد استفزازا لعقول الناس، وهو ثورة ضد السلبية، ودعوة للدفاع عن حقوق المواطن المهدرة لأنه لا يضيع حق ورائه مطالب. ويضيف الشاعر مبتسما : أنا منغمس في مشكلات الشارع جدا نظرا لحبي له حتى أن بعض أصدقائي يطلقون عليّ جمال "الشارع" وليس الشاعر. وحول انتشار الكتب التي تسخر من أحوال مصر يقول جمال الشاعر: إنها موجة من الكتب الرائعة أحدثت حالة من الجدل وخدمت سوق الكتاب في مصر، وأعادت الجمهور للقراءة مرة أخرى وأصبحنا نسمع عن طبعات نفدت من الكتب وهو أمر كان نادرا ما يحدث في السابق.
ونقلب في صفحات الكتاب الهام ..
مواطن قتلته الشنطة تحت هذا العنوان يكتب الشاعر: حسَبناها..لو كل صاحب سيارة اشترى شنطة الاسعاف لأصبح ما يجب أن ينفقه الشعب المصري ستمائة وأربعين مليون جنيه. سألنا أحد الأطباء المتخصصين كم سيارة إسعاف يشتريها المبلغ السابق؟ أفاد ألفي سيارة على الأقل، عدت اسأل الطبيب: والإسعاف الطائر؟ كم ثمنه تقريبا؟ قال لو الهليكوبتر الصغيرة عشرة مليون أو عشرين، يمكن هنا أن نشتري 30 طائرة إسعاف وما الذي يمنعنا؟. جاءتني الإجابة هذه المرة من الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء، لابد من ترخيص من القوات المسلحة، قلت له يا دكتور حمدي أليست لدينا مستشفيات رائعة تابعة للقوات المسلحة؟! قال نعم، قلت كم أتمنى أن تشرف هذه المستشفيات على مشروع الإسعاف الطائر. ثم امتد الحديث إلى غياب ثقافة الاسعافات الأولية عندنا، ماذا يفعل المواطن غير المدرب بهذه الشنطة عندما تقع حادثة طريق؟ لا شئ . الدكتور أحمد عارف قال: ياسيدي أنا جراح ومع ذلك لن أستطيع إنقاذ مصاب على الطريق بما في هذه الشنطة. لا أنسى هنا ان أقول ان الحكومة نجحت في أن تجعل موضوع الشنطة موضوعا يتصدر أجندة اولويات المواطن، ولكنها فتحت على نفسها أبوابا أخرى للسخط العام، غاية ما يتمناه الناس طرق مستوية ليست بالضرورة مسفلتة مئة في المئة مجرد بلدوزر يمر يساوي الشارع. المواطنة حقوق وواجبات، أعطوا الطريق حقه والمواطن حقه ثم أجبروه على شنطة المرور، إنه مواطن قتلته الشنطة، شنطة المدرسة وشنطة رمضان وشنطة الدوا وقريبا شنطة الهدوم التي سيخرج بها من بيته بعد قانون الضرائب العقارية. الحكومة والضفادع يكتب جمال الشاعر ساخرا: يحكى أن مجموعة من العلماء الظرفاء أجروا تجربة على ضفدع فقطعوا واحدة من أرجله الأربعة ثم قالوا له نط فنط الضفدع، قال العلماء وهنا أثبتت التجارب أن الضفدع يستطيع أن يعيش وينط بثلاثة أرجل، ثم واصلوا التجربة وقطعوا رجله الثانية وقالوا يستطيع أن يعيش وينط برجلين اثنتين فقط، ثم قطعوا الثالثة فنط، ثم الرابعة وقالوا له نط، فلم ينط فتوصلوا إلى النتيجة العلمية التالية: أنه عندما نقطع رجل الضفدع الرابعة تتعطل لديه حاسة السمع. شئ من هذا القبيل تمارسه الحكومات المصرية علينا وتعامل المواطن معاملة الضفدع، تقطع رجل التعليم ثم تقول له نط وبعدها رجل الصحة ثم الوظائف والعمل ثم رجل الديمقراطية وهي القدم الرابعة وتقول له مارس الديمقراطية ونط إلى الليبرالية فلا يستطيع أن يفعل، فتتهمه بأنه فاقد حاسة السمع ولا يستجيب لدعاوى الإصلاح والتغيير. الحكومة مستعجلة جدا جدا على عملية الإصلاح مهما كانت الخسائر في الأرواح والمعدات، ماذا يريد المواطن كي يندمج في العملية الإصلاحية؟ شيئين الكرامة والفرصة نحترم المواطن ونعطيه الفرصة وسوف يصنع المعجزات فالأسطورة القديمة تقول إن الأميرة كانت تحنو على الضفادع وتحبها جدا وكلما قبلت ضفدعا تحول إلى أمير..نحن نحتاج إلى قبلة من الحكومة.
مستشفى
مستشفى السرطان في تصورك مليار جنيه تبني كم مستشفى؟ الخبراء والأطباء يقولون..مئة مليون جنيه كافية جدا لبناء مستشفى حضاري وآدمي ومجهز يكفي ربما لعلاج ألف شخص، في أسيوط مثلا يوجد مستشفى "القصر" ويضم عدة مستشفيات بداخله وميزانيته السنوية 35 مليون جنيه فقط، وتكلفة بنائها لم تتجاوز خمسين مليون جنيه وهي تخدم عشرات الآلاف من أبناء الصعيد. أما مستشفى 57 أو مستشفى سرطان الأطفال بالقاهرة فهو يتلقى سنويا 50 مليون جنيه تبرعات ولا يوجد به سوى مئة وثمانين سريرا فقط، مع أن حجم التبرعات التي حصل عليها حتى الآن من بداية الحملة يقال إنها تصل إلى مليار جنيه، مليار جنيه ولا توجد أماكن لعلاج ثمانية آلاف طفل مصري يدخلون إلى مرض السرطان سنويا؟! لماذا يريد هؤلاء الأطفال دخول مستشفى 57 تحديدا دون غيره الأسباب كثيرة لقد سمعوا أن المريض هناك يطلب "المنيو" أي قائمة الطعام التي هي على كيفه كل يوم وكأنه في فنادق النجوم السبع، ويحكى أيضا أن ممرضات مستشفى 57 تدربن عند أشهر خبيرة للإيتكيت في مصر.
كما أن الأطباء هناك متفرغون لأنهم يتقاضون مرتبات يشاع أنها تصل إلى ثلاثين وأربعين ألفا شهريا خاصة من هم في المناصب الإدارية العليا.هذا بالإضافة إلى أنه تم إيداع 350 مليون جنيه كوديعة تصرف على الصيانة والجودة والتطوير، لكن أين سرير الغلابة، مليار جنيه ولايوجد إلا مئة وثمانون سريرا فقط!! كيف ذلك؟! من فضلكم أيها المؤمنون المتبرعون نظرة للمرضى الغلابة في القرى والنجوع والمحافظات الفقيرة، اعرف أن مشروع 57 مشروع خيري ولكن هل من الخيرية إنفاق مليار جنيه على مئة وثمانين سريرا فقط؟ لتصبح تكلفة السرير ستة ملايين جنيه .. وهل من الخيرية أن تكلفة الكرة الزجاجية في مقدمة مستشفى المليار تكلفت ثلاثة ملايين جنيه وهو رقم يكفي لعلاج مئة طفل على الأقل، وهل من الخيرية أن نواصل التبرع لمستشفى المليار، بينما معهد القلب في امبابة الذي يعالج عشرات الآلاف من المرضى الفقراء ميزانيته 13 مليون جنيه وأجر الطبيب ألف جنيه فقط؟. أجهزة "خربانة"! تحت هذا العنوان يكتب جمال الشاعر: مصر تنفرد برقم قياسي في عدد الأجهزة الخربانة، جهاز حماية المستهلك، جهاز محو الأمية وتعليم الكبار، جهاز التنسيق الحضاري، جهاز التنمية العمرانية، جهاز تنمية القرية المصرية، جهاز شئون البيئة، جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار. ويتساءل المواطن المصري عن سر لعنة كلمة جهاز، ولماذا كلما سبقت اسم مؤسسة من المؤسسات قرأنا الفاتحة مقدما على روح المؤسسة؟! النتيجة دائما أننا نسمع ضجيجا ولا نرى طحنا، أو أغلب الظن أن هذه الأجهزة تعمل بطريقة البروباجندا، فرقعة تصريحات ولا شئ بعد ذلك. إنها أجهزة تنشأ من منطلق إبراء الذمة، وتبدأ لعبة اسمها ثقافة التحايل، كله يضحك على كله، الدولة تتظاهر أنها تمحو الأمية والمواطن يتظاهر أنه تعلم ويضرب شهادة محو الأمية بعشرين جنيها، الدولة تدّعي أنها تقوم بجهود جبارة في التنسيق الحضاري والمواطن يتظاهر بالتصديق وبالالتزام بشروط البناء والواجهات ثم "يتفاهم" مع مهندس الحي ويواصل مسيرة القبح المعماري، أصبحت علاقة الدولة بالمواطن علاقة تواطؤ مستدامة، وقديما قالوا إذا أردت الإجهاز على مشروع سمه الجهاز..ويا أيها المسئولون في هذه الأجهزة احترموا عقولنا. عبودية الكراكيب القاهرة أصبحت مثل بيت مكدس بالصناديق والأجولة والخردة إذا دخلت فيه أصبحت مثل الفأر الذي وقع في المصيدة لا يستطيع الخروج منها مطلقا. الأجانب أكثر دهشة وانبهارا منا بما يحدث في القاهرة لدرجة أن المخرج والروائي الفرنسي فرانسوا فرجانس حكى لي أنه يفكر في عمل فيلم سينمائي اسمه "المعجزة"، معجزة أن تدخل إلى شوارع القاهرة وزحامها وفوضاها ومرورها الأعجوبة، ثم تخرج من المغامرة سليما، إنه يرى أن المصريين من أهل الكرامات، إذ يعيشون في مدينة القاهرة المجنونة ولا تقع لهم ألف كارثة كل يوم. كارين كينج ستون تحذر من حالة الاختناق التي نسعى إليها بأيدينا وتقول في كتابها "عبودية الكراكيب" المشكلة الأكبر ليست هي كراكيب الأشياء ولكنها كراكيب الأدمغة فالإنسان تدخل دماغه كل يوم ستون ألف فكرة، والأذكياء فقط هم الذين ينفضون أدمغتهم من الكراكيب، ويفكرون خارج الصندوق..صندوق الكراكيب. ويلخص الشاعر مشكلة مصر في أن كل وزارة تتعامل مع الأمور بمنطق أنها شركة خاصة تسعى لزيادة أرباحها، وينسون أن مصر هي الشركة القابضة، هي شركة الشركات، هي الشركة الأم، والبلد في حاجة إلى إعادة هيكلة وإلى دراسات جدوى مستفيضة ومشاريع عملاقة خارج القاهرة بعيدا جدا عنها، وإذا كنا لا نريد نقل العاصمة، فعلى الأقل يجب ألا نسعى لقتل العاصمة وخنقها أكثر مما هي مخنوقة.
غلاف الكتاب
الحكومة ورقصة التانجو التانجو رقصة تبدأ بالتحرك بانسيابية خطوة للأمام..خطوتان للخلف..مثل الحكومة تمام..خطوة للأمام خطوتان للخلف، الحكومة تتقدم خطوة للأمام..معدل النمو زراد إلى ستة في المائة، أعقبته خطوتان للخلف زادت نسبة الفقراء عشرين في المائة. الحكومة قررت إعانة للعاملين 15% لكن بعدها تزداد الأسعار بنسبة 30 % على الأقل، الحكومة تقرر صرف وجبة للتلاميذ في المدارس، لكنها في الوقت نفسه تفكر في إلغاء مجانية التعليم. الحكومة تؤكد مبدأ حرية الصحافة والإعلام والانترنت ثم تطارد المدونين وتقبض عليهم، الحكومة تنشئ جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار، وفي الوقت نفسه تترك الشركة القومية للاتصالات تفترس المواطنين..وتترك شركات الحديد تبيع وتشتري في الناس.
الحكومة أباحت التعددية الحزبية كطريق للحراك السياسي ولكن تم تجميد الأحزاب في مقارها واختزالها في صحفها. الحكومة أعلنت تعهدها بتشغيل الشباب تحت شعار فرصة عمل وليس وظيفة ثم لا فرصة عمل ولا وظيفة، بل مزيد من العاطلين بعد النشاط المفاجئ والجبار في خصخصة البنوك والشركات والمصانع والمصالح.
محيط – سميرة سليمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق