السبت، 1 أكتوبر 2011

محطة اسمها الفوضى



قالت لى أم والدموع تملأ مقتليها: أريد أن أمسك بتلابيب رئيس الوزراء الموقر وارفع صوتى إلى رجالات المجلس العسكرى الحاكم। واستحلفهم بالله. كيف يمكن أن تطمئن أى أم مصرية على فلذات كبدها وحنايا صدرها وهم ذاهبون إلى مدارسهم فى الصباح. وعائدون منها فى المساء. وسط حالة الانفلات الأمنى العجيب الذى تشهده الآن مصر كلها أم الدنيا؟من يضمن يا سيدى ألا تندفع شلة من البلطجية وما أكثرهم ـ ما تعدش ـ إلى فناء مدرسة ويخطفون مجموعة من التلاميذ الذين يعرفون أن آباءهم أثرياء. لكى يجعلونهم رهائن حتى يدفع الآباء الفدية المطلوبة؟من يضمن يا سيدى ستر البنات وشرفهن وعرضهن وهن ذاهبات غاديات بين البيت والمدرسة فى طريق يقف على جانبيه وحوش آدمية فى صورة بلطجية وأرباب سجون وأصحاب سوابق ممن هربوا من السجون فى عز الثورة الميمونة؟من يضمن لنا ألا يخطفون البنات فى عز النهار. ولا وجود لعسكرى داورية واحد. يمسك حتى بنبوت الخفير أو حتى صفارة ينادى بها على زملائه إذا كان لهم حتى وجود. فى ظل انفلات أمنى مريب وغريب. لم يحدث فى تاريخ مصر كلها من أيام مذبحة القلعة؟أيها السادة. ما حدث فى مدرسة بنات بنى سويف عندما اقتحم البلطجية المدرسة فى عز النهار. ليس ببعيد!قلت لها: اسألى السيد وزير الداخلية؟قالت: وهو فين سيادة وزير الداخلية ده. ليه ما ينزلش بنفسه الشارع من غير زفة موتوسيكلات ويشوف حال البلد فى ظل غياب أمنى غريب. واللا سيادة الوزير خايف لحسن يحصل له ما حصل للسواق بتاع بيته ـ زى ما قالت الجرايد ـ لما البلطجية ثبتوه فى الشارع وأخذوا كل اللى معاه!طيب ـ مازالت الأم الطيبة تقول وتفضفض ـ ولما أولادنا دول يروحوا المدرسة يلاقوا المدرسين والمعلمين مضربين عن العمل. طيب يقعدوا فى الفصول كدا سكيتى من غير تعليم. واللا يخدوها حصص هزار ولعب وتنطيط ولعب كورة. وسلم لى على العملية التعليمية بعد الثورة الميمونة؟أيها السادة. لا أحد أصبح يأمن على نفسه عندما ينزل إلى الشارع فى قلب القاهرة فى أى ساعة من نهار أو ليل.اغلقوا وزارة الداخلية واعطوا الناس دروسا فى أصول مقاومة البلطجية وقلة الأدب والسرقة فى وضح النهار॥ وأعلنوا أن مصر قد أصبحت عاصمتها من اليوم. ليست القاهرة. بل شيكاغو!إلى أين نحن سائرون. والفوضى تضرب فى كل ركن وفى كل مكان.وإذا لم تصدقونى. فإليكم ما يجرى وما يدور.المعلمون تركوا الفصول وتعليم الصغار والنشء والناشئة وجيل كامل يجرى تدميره الآن. دون درس واحد. ولا حتى تحية العلم.ليه!لأن مرتباتهم فى الحضيض. ولهذا اختاروا أن يمتنعوا عن العمل مع بداية العام الدراسى. اسألوهم. وإن كان الجواب من أجل مزيد من الفوضى فى بلد أصبح مكانا للفوضى والبلطجة وقلة الأدب!والسائقون فى مرفق النقل العام. اختاروا بداية العام الدراسى ليبدأوا إضرابهم ويقودون أتوبيسات النقل العام. و«بيب بيب». إلى ميدان التحرير!وحتى الأثريون فى المجلس الأعلى للآثار أغلقوا أبواب المجلس فى الزمالك ومنعوا رئيس المجلس الرجل الطيب الدكتور محمد عبدالفتاح من دخول مكتبه. فاتجه إلى العباسية. ليس إلى المستشفى. ولكن إلى مقر الهيئة هناك هربا من سلطة وبطش الجماهير!الأنكد أو الأكثر نكدا ما فعله زملاؤهم فى الأقصر عندما حاصروا أتوبيسا سياحيا. لكى يرغموا الحكومة الموقرة على زيادة رواتبهم. طيب ومالهم السياح؟!فوضى فى كل مكان وإضرابات بسبب ودون + أمن مفقود + احتجاجات واعتصامات + غلاء فاحش + بلطجة بلا حدود + امتناع بشكل كامل أو متعمد عن العمل والإنتاج + انحدار لم تعرفه مصر فى تاريخها كله فى الاقتصاد والتجارة والمال + تدهور مؤشر البورصة!والنتيجة الخراب يطرق الأبواب ونحن عنه لاهون!أيها السادة. من لا يعجبه راتبه. دوغرى إلى ميدان التحرير.من لا يعجبه قانون الانتخابات. دوغرى على ميدان التحرير.من لايعجبه قانون الطوارئ دوغرى على ميدان التحرير.من لا يعجبه العجب ولا الصيام فى رجب. دوغرى على ميدان التحرير!حتى قوانين الانتخابات مازالت لم تعجب الكثيرين ولم يرض عنها ولا القليل. وانتخابات مجلسى الشعب والشورى تدق الأبواب.ومعها المنظومة التعليمية التى اصبحت هى الأخرى فى خبر كان!ولا استبعد ابدا على من تنكد عليه زوجته. دوغرى إلى ميدان التحرير!أيا ميدان التحرير.. كم من الجرائم ترتكب الآن باسمك وفى حقك.. وفى حق الثورة نفسها؟لم أكن أتصور يوما أن ألقاه وجها لوجه وفى نفس الحى الذى شهد صولجانه وأمجاده وغزواته العنترية وغزوات أجداده العظام فى عصر الحرافيش وهم فتوات الزمن الغابر الذين كانوا رجالا بحق يقفون بشهامة ونبل إلى جانب الضعفاء والغلابة من أبناء مصر. وما اكثر الغلابة فى عصر دولة الفساد والإفساد التى ولت وراحت إلى غير رجعة.وكما كتب عنهم أديب مصر العظيم نجيب محفوظ فى روايته الشهيرة التى تحمل اسم الحرافيش. فإنهم لم يكونوا ابدا من بلطجية هذا الزمان الذى نعيشه والذين يروعون الناس الآن بقلة أدب وطيش وانعدام ضمير. وتستخدمهم الأجهزة الأمنية فى أغراضها اللاإنسانية واسماؤهم عندها فى كشوف مسجلة. لكى تستدعيهم عند اللزوم وتصرفهم وتصرف عليهم عند اللزوم أيضا!قالوا لى وهم يشيرون إليه حيث يجلس على دكة عالية فى مقهى بلدى فى حوارى وزواريق حى الحسين ألا تعرف المعلم قورة الغول ابن الغول الكبير فتوة فتوات الجمالية ومصر كلها من أيام طومان باى؟وجدت أمامى رجلا فارعا مكتنزا لحما وشحما طول بعرض. يقترب من سلم الشيخوخة ولكن مازال فتيا قويا. شد على يدى مرحبا حتى كاد أن يخلع ذراعى قائلا: مرحبا بالجدعان.قلت له: عاجبك كده يا معلم قورة اللى بيعملوه بلطجية الأيام دى؟قال: دول لا مؤاخذة شوية عيال أقدر أنا ورجالتى أيام الجدعنة والفتونة ألمهم لك فى ساعة زمن. امال فين جيش الأمن المركزى واللى المدعوق حبيب العادلى صرف عليه ميزانية جيش بحاله!اسمع لى كويس. لو الداخلية عاوزة تلم العيال دى كانت لمتهم. لكن المسألة فيها حاجة غريبة موش فاهمها. هما عاوزين البلد تبقى فى حالة فوضى على طول والناس خايفة ومرعوبة على طول موش فاهم ليه. عشان يأدبونا يعنى!لكن لقمة العيش الأول. الدنيا بقت غالية نار ولازم الدولة تتدخل قبل ما الدنيا تولع نار!وكمان لازم نهدا كده ونعقل ونبطل اضرابات واحتجاجات ومسيرات ومليونات. امال امتى حنشتغل وننتج. البلد حتخرب صدقنى!أيها السادة. إذا لم تتحرك. وإذا لم نفيق من غفوتنا التى طالت. وإذا لم نتخلص من أصوات الجهل والجهال التى تريد أن تعيدنا إلى عصر كفار قريش التى يطلقها من يرتدون عباءة أبو جهل ويربطون جيدهم بحبل امرأة أبو لهب!أيها السادة. إذا لم نوقف سيل الأموال الأجنبية التى تقلب المواجع فى الداخل وتثير الأحقاد والنفوس وتشترى الذمم..وإذا لم نتوقف عن الصراخ والشكوى والمظاهرات والاحتجاجات أمام مجلس الوزراء وفى الميادين. التى تحنى لها الحكومة رأسها فى النهاية. وشبيك لبيك مصر بين إيديك.وإذا لم نعد نأكل من عرقنا وسواعدنا وأرضنا وخيرنا بدلا من الاقتراض والسلف والاستدانة. فاستعدوا أيها السادة إن آجلا أو عاجلا لوصول قطار الثورة إلى محطة اسمها الفوضى. اذا لم يكن قد وصل اليها بالفعل. ولرفع راية الظلام فوق سارية مصر!



الاهرام - عزت السعدني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق