روبرت ميردوخ
الوليد بن طلال وروبرت ميردوخ
يبدو أن إمبراطور الإعلام الأمريكي من أصل استرالي روبرت ميردوخ بدأ يدفع ثمن تحالفه مع الصهيونية العالمية ، حيث أجبرته فضيحة تورط صحيفة" نيوز أوف ذي وورلد" في التنصت على هواتف سياسيين ونجوم ومشاهير ببريطانيا على الانسحاب في 13 يوليو من مناقصة للاستحواذ على القناة التليفزيونية الشهيرة جدا "بي سكاي بي " .
واللافت للانتباه أن قرار الانسحاب جاء بعد ساعات قليلة فقط من تصويت مجلس العموم البريطاني على مطالبة مجموعة "نيوز كورب" التي يملكها ميردوخ بالتخلي عن الاستحواذ على القناة التي يمتلك 39% من أسهمها ، كما جاء تحت ضغط الانتقادات المتصاعدة من القوى السياسية البريطانية لمجموعة ميردوخ على خلفية فضيحة التنصت التي تورطت فيها صحيفة" نيوز أوف ذي وورلد" المملوكة له.
ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد أعلن متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن على إمبراطورية ميردوخ التوقف عن التفكير في صفقات اندماج جديدة في بريطانيا وترتيب بيتها الداخلي أولا ، بل وسارع زعيم حزب العمال المعارض إد ميليباند للتأكيد أن انسحاب ميردوخ يعد انتصارا للشعب البريطاني بعدما صدم من تفاصيل فضيحة التنصت على الهواتف.
وفي السياق ذاته ، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن هناك اتهامات بتورط صحيفتين بارزتين أخريين هما "ذي صن" و"صنداي تايمز" وكلاهما مملوكتان أيضا لمجموعة ميردوخ الإعلامية في اتباع الأساليب غير القانونية المنسوبة لـ "نيوز أوف ذي وورلد" فيما يتعلق بالتنصت على الهواتف في بريطانيا .
وأضافت الصحيفة أن هناك مسار عمل يجب على السلطات البريطانية أن لا تنتهجه بشكل قاطع وهو النظام الجديد لتنظيم الصحافة الذي أشار إليه كاميرون مؤخرا ، موضحة أن ما تحتاجه الحياة العامة البريطانية الآن هو أشعة الشمس المطهرة لحرية الصحافة وليس الظل البارد للمراقبة الرسمية.
وتابعت الصحيفة أن على كاميرون أن يضع في اعتباره أن الفضيحة ليست عن الصحافة وما إذا كان ينبغي السماح لها بالازدهار، لكنها عن الخرق المتعمد للقانون، بمن فيهم المسؤولون العموميون ، قائلة :" كشفت حادثة صحيفة نيوز أوف ذي وورلد عن ممارسة متفشية من التنصت غير القانوني للهواتف الخاصة والبريد الإلكتروني ".
وأشارت "نيويورك تايمز" أيضا إلى أن هذه القضية "الدنيئة" أكبر بكثير من الصحافة والشرطة ، إذ إن أندي كولسون الذي كان المستشار الصحفي لكاميرون حتى وقت قريب استقال كرئيس تحرير صحيفة نيوز أوف ذي وورلد في أعقاب فضحية عام 2007 تورط فيها بالتنصت على البريد الصوتي للعائلة المالكة ، كما ألقي القبض عليه قبل أيام بتهم الموافقة على التنصت على الهواتف وتقديم رشا للشرطة أثناء رئاسته تحرير الصحيفة.
واختتمت الصحيفة قائلة :" بريطانيا لا تحتاج إلى تشريعات جديدة ، ما تحتاجه فقط هو تطبيق أفضل للقوانين التي لديها وقانون الأسرار الرسمية يتيح للحكومة تقرير ما يمكن ولا يمكن طبعه من الأخبار ، فرض قيود حكومية إضافية على جمع الأخبار ونشرها سيكون فكرة رهيبة، وهذا يوازي تعمية الجمهور باسم حمايته".
ورغم أن الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال صرح بأنه لا تغيير على استثمار مجموعته الاقتصادية "شركة المملكة القابضة" في مجموعة "نيوز كورب" على خلفية فضيحة التنصت إلى أن هناك من يرجح أن تتأثر الشراكة المتينة بينهما بتداعيات الأزمة التي يعيشها ميردوخ حاليا .
وكانت قناة "الجزيرة" نقلت عن الأمير الوليد القول في تصريحات له إن استثمارات شركته في مجموعة ميردوخ "استراتيجية" وبالتالي لا تفكر في بيع حصتها فيها ، مشيرا إلى أنها تمتلك نسبة 7% من أسهم "نيوز كورب".
ورطة كبيرة
الوليد بن طلال وروبرت ميردوخ
وأيا كان موقف الأمير الوليد ، فإن ميردوخ الذي لجأ للأساليب ذاتها التي طالما اتبعتها إسرائيل والصهيونية العالمية فيما يتعلق بالتنصت والتجسس حتى على الأصدقاء بدا في ورطة كبيرة الآن خاصة وأن الشعب البريطاني بل وشعوب العالم أيضا بدأت تنظر بريبة كبيرة للمؤسسات الإعلامية التابعة له وهو أمر سيكلفه خسائر بالمليارات .
ولعل التداعيات المتواصلة للفضيحة تدعم صحة ما سبق ، فقد كشفت صحيفة "الجارديان" البريطانية في 9 يوليو أنه تم اعتقال آندي كولسون مسئول العلاقات العامة السابق لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بشبهة علاقته بالتنصت على كبار السياسيين والمشاهير في بريطانيا ودفع رشى لأفراد من الشرطة للحصول على معلومات ، كما تم اعتقال كليف غودمان المراسل السابق لـ""نيوز أوف ذي وورلد" في قصر باكنجهام وذلك على خلفية رشوة عدد من رجال الشرطة.
وأضافت "الجارديان" أن التحقيقات أظهرت أن أحد المسئولين التنفيذيين في مؤسسة نيوز إنترناشيونال المؤسسة الأم لصحيفة "نيوز أوف ذي وورلد"، ربما يكون قد أتلف ملايين رسائل البريد الإلكتروني من الأرشيف الداخلي في محاولة واضحة لعرقلة تحقيقات شرطة سكوتلانديارد في فضيحة التنصت.
وتابعت أن هذا الأرشيف ربما يعود إلى يناير/كانون الثاني 2005، ويكشف الاتصالات اليومية بين محرري "نيوز أوف ذي وورلد" ومراسليها والمحققين، وتكمن أهمية هذه المعلومات في أنها تساعد على تحديد من سيتم توجيه الاتهام له.
وأشارت الصحيفة أيضا إلى أن جيمس ابن روبرت ميردوخ ومؤسسة "نيوز كورب" يمكن أن يواجها اتهامات جنائية في أمريكا وبريطانيا، حيث اعترف ميردوخ الابن بأنه ضلل البرلمان فيما يتعلق بفضيحة التنصت، لكنه أصر على أنه لم يكن يملك كامل معطيات الموضوع حينها ، كما تحدثت تقارير أخرى عن أن الموظفين بـ "نيوز أوف ذي وورلد" دفعوا الأموال بشكل دوري لضباط في الشرطة مقابل المعلومات وهناك اعتقاد بأن مجموع الأموال المدفوعة بلغ مائة ألف جنيه إسترليني.
واختتمت "الجارديان" قائلة :" هذه الرشى قد تدفع نيوز كورب وربما جيمس نفسه لمواجهة اتهامات في بريطانيا بسبب قانون صلاحيات تنظيم الاستثمار الصادر عام 2000، وفي الولايات المتحدة تحت طائلة قانون ممارسات الفساد الأجنبي الذي يهدف لمراقبة السلوك السيئ للاستثمارات الأجنبية في أمريكا".
عاشق الصهيونية
وبصفة عامة ، فإن ميردوخ لن يفلت من العقاب هذه المرة ولعل إلقاء نظرة على السيرة الذاتية له يوضح مدى الجرائم التي ارتكبها هذا الرجل عبر الترويج لإسرائيل وتبرير سياساتها العدوانية ، فهو ليس يهودياً كما هو شائع عنه في الكتابات العربية ، لكنه فقط يميني متطرف يعشق الصهيونية وملتزم بكافة توجهاتها ومبادئها وبوصفه أحد أباطرة الإعلام في العالم يعد الملياردير الأسترالي الأصل الصوت الإعلامي الأول والأقوى تأثيراً لدى مجموعة التطرف المسيحي في الولايات المتحدة المعروفة باسم "المحافظين الجدد".
ففي "تقرير واشنطن" لشهر يونيو 1995 ، ذكر كورت هولدن أن ميردوخ لا هو يهودي الديانة ولا من أعضاء مجلس اليهود الأمريكيين (إيباك) وعلى الرغم من ذلك فهو أفضل من يمكن تكليفه بإصدار مجلتين جديدتين تعملان لدعم إسرائيل إعلاميا .
وتعتبر مجموعة ميردوخ الإعلامية "نيوز كورب" واحدة من 3 مؤسسات عالمية تحرص جمعية الصداقة الأمريكية الإسرائيلية "اللوبي اليهودي" على شكرها لدعمها إسرائيل إعلامياً واستثمارياً .
ومن المعروف أيضاً أن ميردوخ "80 عاما ً" استلم عددا من الجوائز من جمعيات يهودية كثيرة في العالم كما أن بيتر شيرنين Peter Chernin ــ الرجل الثاني في إمبراطوريته ــ يهودي متعصب.
بل والمثير للانتباه أيضا أن ميردوخ يستحوذ على معظم قنوات "سكاي" في بريطانيا كما يعد أحد أهم الأقطاب الإعلامية هناك ، حيث يمتلك وكالة إعلامية ضخمة تضم العديد من الصحف والمجلات والمواقع إلى جانب المحطات التليفزيونية ويسيطر وحده على 40% من الصحافة في دولة عظمى كبريطانيا بما معها من الرأي العام المحلي والعالمي.
وأمام ما سبق ، فإن مشكلة روبرت ميردوخ ليست في تبنيه لأيديولوجية متطرفة في ميولها ولو كان الأمر يقتصر على ذلك لكان الملياردير العجوز أقل خطراً وإنما في الحقد الذي يغلف هذه الأيديولوجية تجاه الآخر واستغلاله الإعلام كوسيلة ينفث من خلالها الأحقاد دون هوادة.
ولذا لم يكن مستغربا أن تتهم صحيفة "سوشيالست ووركر" البريطانية الصحف التي يمتلكها ميردوخ والمعروفة بموالاتها الشديدة لليهود بشن حملات إعلامية شرسة تستهدف تشويه صورة الأقلية المسلمة هناك ، مؤكدة كذب الاتهامات التي تروجها تلك الصحف عن المسلمين.
وفي الولايات المتحدة ، انحاز ميردوخ انحيازاً صارخاً لإدارة جورج بوش الابن السابقة وخلال اجتياح العراق في العام 2003 وقفت صحف ميردوخ ومحطاته وشبكاته التي كان يملكها في الولايات المتحدة وخارجها جميعاً إلى جانب الغزو الأمريكي للعراق.
والخلاصة أن ميردوخ الذي يستحوذ على حصص في أكثر من 750 مؤسسة إعلامية في العالم ونقل مقر عمله الرئيس من استراليا إلى الولايات المتحدة يشكل خطرا كبيرا على العرب تحديدا لأنه يقوم بالتغلغل المعلن وغير المعلن في الثقافة والعقول لخدمة مخططات الصهيونية العالمية .
المصدر : محيط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق