الخميس، 21 يوليو 2011


يطالب البعض في وسائل الاعلام مرارا وتكرارا بما يسمي المحاكمة السياسية لرموز الفساد‏,‏ وهذا يعني عقد محاكمات لكل من تسبب في افساد الحياة السياسية أو أصدر قرارات أو قوانين أضرت بمصالح البلاد أو حتي من تسبب وساعد في تزوير الانتخابات البرلمانية.
بدءا من المسئولين الكبار إلي الأفراد الصغار. وبرغم أن مصر لديها ترسانة من القوانين تصل إلي67 ألف قانون إلا أن كل هذه القوانين لا تجرم بشكل واضح الفساد السياسي ويري فقهاء القانون أن هذه الجريمة ـ الفساد السياسي ـ قد تكون موجودة فعلا لكنها لا تمثل عقوبة جنائية, كما أنها عبارة مطاطة يصعب تجريمها لأنها ترتبط بسلطة ثورية.ومع تخوف البعض من أن تطال هذه النوعية من المحاكمات بعض الأبرياء إلا أن البعض يتشدد في ضرورة محاكمة الفاسدين علي جريمة إفساد البلاد سياسيا.وفي رأي المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض السابق الفساد السياسي بمعناه العام عبارة مطاطة تتلاءم مع الثورات فالقوانين الجنائية لابد لها من فعل منضبط حتي يمكن المساءلة فيه بمعني أنه لا يمكننا أن نقول من أفسد الحياة السياسية أو هدد الوحدة الوطنية وغيرها, بدلالة قاطعة الثبوت فالعبارات المطاطة لا تصلح للتجريم فالقوانين التي تحاسب علي الفساد السياسي هي قوانين ترتبط بسلطة ثورية بغرض تصفية خصومات الفساد السياسي.ويضيف المستشار أحمد مكي ان التربح من الاستيلاء علي أراضي الدولة هو استيلاء واهدار للمال العام( هي وقائع بفعل) يمكن المحاسبة عليها وهي جرائم فساد ولكن حدوث أفعال محددة أسندت إلي أشخاص محددين بقصد الاضرار بمصلحة البلاد السياسية أو الاقتصادية, هناك اتفاقية الغاز مثلا هذا فعل من شأنه الإضرار بمصلحة البلاد الاقتصادية ويعد أيضا إفسادا سياسيا واقتصاديا يمكن المحاسبة عليه, فالتجريم في هذه الحالات لفعل ظاهر ومنضبط وله أول وآخر وهناك أيضا جرائم معاقب عليها ويمكن أن تندرج في الإفساد السياسي مثل الاختلاس والاستيلاء علي أراضي الدولة حتي قتل المتظاهرين يعد أيضا فساد سياسي.ويضيف أحمد مكي: أن كلمة إفساد سياسي وصف يتسع لأنماط متعددة من السلوك فالجريمة السياسية تحتاج لتشريع خاص بمحكمة خاصة توقع عقوبات سياسية بالعزل من الوظيفة والحرمان من مباشرة الحقوق السياسية لمدة معينة والظروف الراهنة تتطلب مثل هذا التشريع لمحاسبة من أفسدوا الحياة السياسية في مصر.أما المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض السابق فقال إن هناك كثيرين ارتكبوا جرائم فساد سياسي دون أن يطالهم قانون العقوبات الذي يعاقب علي جرائم محددة لها عقوبات محددة, ويري الخضيري أنه من الممكن أن يصدر تشريع خاص بحرمان من تسبب في افساد الحياة السياسية في الفترة السابقة من رموز الحزب الوطني المؤثرين وأعضاء لجنة السياسات مثلا من الترشيح أو الانتخاب لمدة خمس سنوات وهي فترة انعقاد مجلس الشعب وأيضا منع أعضاء مجلسي الشعب والشوري وأعضاء المجالس المحلية من العمل السياسي بمعني عزلهم سياسيا لمدة خمس سنوات حتي يتطهر الجهاز الحكومي من الفاسدين ويؤكد الخضيري أن إصدار مثل هذا التشريع من المجلس العسكري يكفينا حاليا دون اللجوء لإحياء قانون ميت مثل قانون الغدر الذي يتطلب وجود محكمة للغدر أيضا وهي عملية احياء ليس لها ضرورة في الظروف التي تمر بها مصر الآن.يقول د. محمود العطار نائب رئيس مجلس الدولة قانون العقوبات المصري الحالي به3 مواد عن الفساد السياسي.. أولاها المادة77 التي تتحدث عن الجرائم التي تضر بمركز البلاد السياسي أو الاقتصادي أو بقصد الإضرار بمصلحة قومية ويمكن أن تصل فيها العقوبة إلي السجن المشدد(51 سنة). وأيضا المادة115 مكرر تتحدث عن المسئول الذي يتعدي علي الأراضي الزراعية أو أراضي البناء لحساب نفسه أو إذا سهل هذا التعدي لغيره يعاقب بالسجن ويعزل من وظيفته.ويضيف د. محمود العطار أيضا توجب المادة115 علي الموظف العام الذي يحصل لنفسه أو لغيره بدون حق علي ربح أو منفعة من عمل من أعمال وظيفته يعاقب بالسجن المشدد لمدة خمس عشرة سنة كذلك المادة111 والتي تختص بأعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية الذين يستفيدون من أعمال وظيفتهم ممكن أن تصل عقوبتهم إلي السجن المؤبد. والمادة106 مكرر تتحدث عنمن يستغل نفوذه للحصول علي أي ميزة من أي نوع سواء اصدار تراخيص أو اتفاق توريد أو أعمال مقاولات أو أي ميزة من أي نوع يعد في حكم المرتشي ويعاقب بعقوبة من الممكن أن تصل للسجن المؤبد.. كل هذه المواد لابد من تفعيلها وتطبيقها.يقول المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي القضاة السابق إن أي جريمة لابد أن يحكمها نص قانوني وقانون العقوبات وضع أنموذجا لكل جريمة بها الركن المادي والركن المعنوي بمعني أن من ارتكب جريمة وتوافر فيها الركنان المادي والمعنوي لها عقوبة محددة ومن هنا فالجريمة السياسية ليس لها تعريف محدد فهي غير معروفة في القانون وإذا أخذنا مثالا في حالة الثورات إذا نجحت ثورة في قلب نظام الحكم قامت بمحاكمة رجال النظام وفي حالة فشل الثورة فإن النظام نفسه يحاسب من قام بالثورة بأنه قام بقلب نظام الحكم ومن هنا فإن الجريمة السياسية ليس لها تعريف محدد والفساد السياسي حالة وليس جريمة محددة, ويضيف المستشار زكريا عبدالعزيز أن هناك أمثلة ينطبق عليها حالة الفساد السياسي فمن قام بتزوير الانتخابات البرلمانية بطريقة ممنهجة ارتكب جريمة ولكن التزوير هنا لا يتوافر فيه الركن المادي والمعنوي بمعني من قام بالتزوير ومن حرض؟ وما هي الأدلة؟ ولكنها في الأصل جريمة فساد سياسي أيضا من فرط في أراضي الدولة بأسعار متدنية لبعض رجال الأعمال, ومن قام بتصدير الغاز لاسرائيل بأسعار لا تتناسب مع قيمته الحقيقية أيضا من تسببوا في تراجع صحة المصريين واصابتهم بعدة أمراض وأيضا من أفسد التعليم بتطبيق سياسات متضاربة علي مدار سنوات طويلة وهناك وأيضا من تسببوا في تراجع دور مصر ومكانتها في العالم العربي والاسلامي وأيضا ترزية القوانين الذين مهدوا للتوريث كل هذا يمثل حالات لمن أفسدوا الحياة السياسية.ويقول د. حسام عيسي أستاذ القانون بجامعة عين شمس: عقوبة الفساد السياسي ليست عقوبة جنائية يعاقب عليها بالحبس أو الغرامة وإنما عقوبتها العزل من الوظيفة والحرمان من المشاركة في المجالس النيابية أو المحلية لمدة معينة بمعني أنها عقوبات ليست مقيدة للحرية وفي الظروف الراهنة نحن في حاجة لإصدار تشريع يعاقب علي الجرائم السياسية مثلا من قام باصدار المادة76 وومن قام بالتصويت عليها لأنها مهدت للتوريث فإن هذا يعتبر فسادا سياسيا ولابد من حرمان من قام بهذا الفعل من حق الترشيح والعزل من الوظيفة العامة.ويضيف حسام عيسي: في حالة اصدار تشريع جديد يعاقب علي الجرائم السياسية والفساد السياسي, لابد أن يسري بأثر رجعي بمعني الحساب علي الافساد السياسي قبل ثلاثين عاما لأنه في قانون العقوبات لابد أن يكون التشريع صادرا قبل ارتكاب الفعل, أما الفساد السياسي فإن تطبيقه بأثر رجعي بالعزل من الوظيفة العامة وعدم الترشح للمجالس النيابية بغرض تنقية الحياة السياسية.وهنا أود الإشارة إلي أن مجموعة المبادرة المصرية وهي مجموعة تضم قانونيين قامت بوضع مشروع متكامل لمنع تعارض المصالح للوزراء وأعضاء البرلمان والمحافظين ممن لهم أعمال خاصة أو شركات لمنع حدوث التربح والفساد واستغلال النفوذ. ويري الفقيه الدستوري د. ابراهيم درويش إن ثورة25 يناير أعلنت احترامها للقانون وكان مطلبها اجراء المحاكمات أمام القضاء الطبيعي ومن ثم لايجب إنشاء محاكم استثنائية بغرض محاكمة الفساد السياسي حتي لا تثار الشكوك حول عدالتها, كما أن استخدام قوانين بعينها ومحاكم معينة لاتتناسب مع المناداة بسيادة القانون












المصدر : الاهرام






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق