الجمعة، 13 أغسطس 2010

الخلع بين الشريعة و القانون



لم تغفل الشريعة والإسلامية الغراء قضايا المعاملات لأهواء البشر ولا لتصرفاتهم بل نظمت وقننت هذه القضايا دون الجور لحق أحدهم علي الآخر فهي شريعة الوسطية والحنيفة السمحة فتعطي كل ذي حق حقه‏,‏ من غير إجحاف وظلم لأحد‏
والعلاقات الزوجية جزء من المعاملات بل من أهم المعاملات لطولها وملازمتها في الغالب‏,‏ لذا فقد جعل الإسلام فيها ومنها المخرج لكلا الطرفين نظرا لأنه قد يشوبها ما يشوبها من كدر وضيق‏,‏ ومنها رفع قيد الحصار الأسري عن الزوجات اللاتي يردن خلعا لذا أردت تبصرة بهذا الموضوع شرعا وقانونا وللحديث عن الخلع نبدأ بتعريفه فالخلع في اللغة مأخوذ من خلع الثوب‏.‏ وهو بضم الخاء اسم وبفتحها مصدر للكلمة ومعناه في اللغة أوسع من ذلك‏.‏ وتعرفه في اصطلاح الفقهاء فراق الزوج زوجته بعوض بالفاظ مخصوصة ـ وفائدته ـ تخليص الزوجة من زوجها علي وجه لا رجعة فيه إلا برضاها وبعقد جديد‏.‏ وتأتي مشروعيته من القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وأما ما أتي به القرآن ـ قوله تعالي‏:(‏ ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏)‏ ومن السنة قصة امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنه وعنها والقصة أخرجها البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلي الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين‏,‏ ولكني أكره الكفر في الإسلام‏.‏ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ أتردين عليه حديقته؟ قالت‏:‏ نعم‏.‏ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ أقبل الحديقة‏,‏ وطلقها تطليقة‏.‏ وفي رواية له أنه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ فتردين عليه حديقته؟ فقالت‏:‏ نعم فردت عليه‏,‏ وأمره ففارقها‏.‏ ولأنه قد يكون هنا مايدعو الي بقاء هذه الحياة الزوجية بين الزوجين‏,‏ كوجود أولاد ونحو ذلك‏,‏ ولايكون هناك بغض وكراهية‏,‏ بل تضعف المحبة والمودة بين الزوجين‏.‏ ولذا قال عمر رضي الله عنه‏:‏ ليس كل البيوت يبني علي الحب‏,‏ ولكن معاشرة علي الأحساب والإسلام‏.‏ وقد يحب الرجل في زوجته خلقا من الأخلاق أو صفة من الصفات فيبقيها لأجل هذه الصفة‏,‏ ومثله الزوجة‏.‏ إلا أنه ينبغي ألا يغيب عن أذهان كل من الزوجين رحمة كل طرف بالآخر‏,‏ وإن ضعفت المحبة والمودة‏.‏ وأن تتذكر المرأة فضل الصبر علي الزوج‏,‏ وأنه يستحيل وجود زوج خال من العيوب‏.‏ وقد يلجأ الرجل لطلاق زوجته حال عدم وجود علاج للأمراض الأسرية وكما ذكرت فالشريعة الإسلامية قد وضعت ضوابط وحلولا قبل الاقدام علي الطلاق‏,‏ كأن لايطلق في حيض ولا في طهر جامع فيه‏,‏ وأن يلجأ الي التحكيم قبل الطلاق‏.‏ والعلاج القرآني بمراحله قبل ذلك‏.‏ والمرأة إذا وقع لها مثل ذلك فإنها تلجأ أولا الي الاصلاح ثم الي التحاكم أيضا فإذا لم يجد ذلك شيئا فإن حق المخالعة‏.‏ وذلك بداية يكون اتفاقا علي ثلاثة أمور الأول أن تعيد له ما دفعه من مهر أو أقل منه أو أكثر فإذا لم يقبل بذلك فإن لها حق اللجوء الي القضاء ثم للقاضي أن يخلع الزوجة من ذمة زوجها ولو بالقوة‏.‏ ولكن مرجعيتنا في قوله تعالي ولاتنسوا الفضل بينكم وإذا كان الطلاق بيد الرجل فنظرا لتحمله القوامة ولأن المرأة عاطفية تغلب عليها العاطفة‏,‏ وهذا مدح وليس ذما‏,‏ إذ خلقها الله عز وجل عاطفية لحاجة الأم والولد الي العاطفة والي مزيد من الحنان‏.‏ إذا السبيل الي إنهاء تلك الحياة الزوجية التي لم يكتب لها الاستمرار هو الطلاق من قبل الزوج‏,‏ والخلع من قبل المرأة‏.‏ وهذا من حكمة الشريعة الإسلامية التي هي شريعة ربانية خالية من أهواء البشر‏.‏وأسبابه‏:‏ كراهية المرأة لزوجها‏,‏ دون أن يكون ذلك نتيجة سوء خلق منه‏,‏ كما قالت زوجة ثابت بن قيس رضي الله عنها وعنه ـ تعنت الزوج لزوجته‏,‏ بحيث يكره الزوج زوجته ولايريد أن يطلقها فيجعلها كالمعلقة‏,‏ فتفتدي منه نفسها بمالها‏,‏ وإن كان يحرم عليه فعل ذلك ـ سوء خلق الزوج مع زوجته فتضطر الزوجة الي المخالعة‏.‏ اذا خافت الزوجة الإثم بترك حق زوجها‏.‏ وحتي يكون الخلع صحيحا شرعا‏1‏ ـ يجب أن يكون هناك مايدعو اليه لأنه لايجب علي الزوجة المسلمة ان تطلب الطلاق دون سبب شديد يوجب ذلك وإن كانت هناك نسبية في هذه الأمور إلا أنه يجب توخي الحرص لقول المصطفي صلي الله عليه وسلم‏:‏ أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة‏.‏ رواه الإمام أحمد وغيره‏,‏ وصححه الألباني‏.2‏ ـ يكون الخلع بعوض للزوج تدفعه الزوجة فإن لم يكن بمقابل فهو طلاق من جهة الزوج‏.3‏ ـ ومن جهة الزوج ألايكون نتيجة عضل ومضارة بالزوجة لتخالعه‏,‏ لقوله تبارك وتعالي‏:(‏ وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحدهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتاخذونه بهتانا وإثما مبينا‏)‏والخلع هو أحد الحلول الشرعية للمشكلات الزوجية إذ أن بعض الأزواج يحمله سوء الخلق أو اللوم أحيانا علي معاشرة زوجة لاتحبه بل تكرهه أو لايريد أن يوقع الطلاق بل يريد أن تطلب منه ذلك ليذهب بما أعطاها من مهر أو يأخذ العوض والمقابل علي الطلاق‏.‏ ومثله التحاكم الذي شرعه الله عز وجل لعباده في حال وقوع الخلاف والشقاق بين الزوجين‏.‏وعدة المختلعة أنها تعتد بحيضة واحدة لما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلي الله عليه وسلم عدتها حيضة‏.‏ وروي ابن أبي شيبة عن نافع عن بن عمر أن الربيع اختلعت من زوجها فأتي عمها عثمان‏,‏ فقال‏:‏ تعتد بحيضة‏.‏ وكان ابن عمر يقول‏:‏ تعتد ثلاث حيض حتي قال هذا عثمان‏,‏ فكان يفتي به ويقول‏:‏ خيرنا وأعلمنا يعني بذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه‏.‏ فإذا حاضت بعد الخلع ثم طهرت فقد انقضت عدتها‏.‏ من المقرر قانونا إن الخلع فراق الزوج وزوجته بعوض بألفاظ مخصوصة‏,‏ سمي بذلك لان المرأة تخلع نفسها من الزوج كما تخلع اللباس فإن لم توجد المحبة من جانب الزوجة وخافت ألا تقيم حد الله او كرهت زوجها‏,‏ او كرهت خلقه‏,‏ او كرهت نقص دينه‏,‏ او خافت اثما بترك حقه‏,‏ فإنه في هذه الحالة يباح لها ان تطلب فراقه علي عوض تبذله تفتدي به نفسها لقوله تعالي‏:‏ ـ فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت بهويسن للزوج ان يجيبها حينئذ‏,‏ وان كان الزوج يحبها‏,‏ استحب لها ان تصبر ولا تفتدي منه‏.‏والخلع مباح اذا كان لسبب كما ورد في الآية واذا لم يكن هناك حاجة للخلع‏,‏ فإنه يكره‏,‏ وعند بعض العلماء انه يحرم في هذه الحال‏,‏ لقوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ـ أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس‏,‏ فحرام عليها رائحة الجنة ـ رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏وفي الحديث كما في الصحيح ـ ان امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنه قالت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ما أعيب عليه من دين ولا خلق‏,‏ ولكن أكره الكفر في الإسلام ـ اي‏:‏ كفران العشير المنهي عنه والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض له ـ‏.‏ فقال لها الرسول ـ صلي الله عليه وسلم‏:‏ ـ اتردين عليه حديقته؟ قالت‏:‏ نعم‏.‏ فأمرها بردها‏,‏ وامره بفراقها ـ‏.‏تصدر الاحكام طبقا لقوانين الأحوال الشخصية والوقف المعمول بها‏,‏ ويعمل فيما لم يرد في شأنه نص في تلك القوانين بأرجح الاقوال من مذهب الامام ابي حنيفة وجاء بالمذكرة الايضاحية لمشروع القانون رقم‏1‏ لسنة‏2000‏ م انه بالرغم من ان هذا النظام الذي تقره الشريعة الاسلامية قد ورد ذكره في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية في موضوعين هما المادتان‏6‏ و‏24‏ الا انه لم يقنن في تنظيم تشريعي يبين كيفية تطبيقه‏,‏ حتي رأي المشرع تقنينه لانه يؤدي الي تطليق يسترد به الزوج ما دفعه‏,‏ ويرفع عن كاهله عبء اداء اي من الحقوق المالية الشرعية للزوجة من بعد ذلك‏,‏ فيزول عنه بذلك اي ضرر‏,‏ مما يجعل امساكه للزوجة بعد ان تقرر مخالعته اضرارا خالصة بها‏,‏ والقاعدة الشرعية انه لا ضرر ولا ضرار‏,‏ كما انه ـالتطليق خلعا ـ يعفي الزوجة ان ضاق بها الحال من اشاعة اسرار حياتها الزوجية وقد يحول الحياء بينها وبين ان تفعل وقد تكون قادرة علي ان تفعل ولكنها تأبي لانها تري في هذه الاسرار ما يؤذي اولادها في ابيهم‏,‏ وخاصة حين يسجل ما تبوح به في احكام قضائية وكل ذلك مع تقرير الاصل الشرعي في الخلع وهو التراضي عليه بين الزوجين والا حكم به القاضي بعد محاولة الصلح بين الزوجين طبقا لاحكمام المادة‏18‏ من هذا القانون بحسبان ان الحكم بالخلع نوع من الطلاق بعد اقرار الزوجة صراحة انها تبغض الحياة مع زوجها وانه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشي الا يقيم حدود الله بسبب هذا البغض‏,‏ وذلك هو ظاهر الاية الكريمة ولا يحل لكم ان تأخذوا مما اتيتموهن شيئا ألا ان يخافا ألا يقيما حدود الله‏,‏ فان خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏.‏ وقد استقر الفقه علي ان الاصل في الخلع كما تبين ذلك الفقرة الاولي من المادة‏20‏ من القانون رقم‏1‏ لسنة‏2000‏ م ان يتم بالتراضي بين الزوجين فإن لم يتفقا عليه لم يكن امام الزوجة بد من اللجوء للقضاء للحكم به‏,‏ والخلع ليس قرينا لخطأ الزوج وسوء معاشرته لزوجته وانما هو حاصل البغض النفسي الذي تكنه الزوجة‏,‏ ولذا اباح الشرع نظام الخلع وقرره لتتمكن الزوجة المباغضة لحياتها الزوجية من التخلص من العلاقة الزوجية التي لا ترغب فيها‏,‏ ولطبيعة الخلع فانه بشرط للقضاء به‏.‏‏1‏ـ ان تفتدي الزوجة نفسها بمعني ان ترد الصداق الذي دفعه لها الزوج‏.‏‏2‏ـ ان تتنازل الزوجة لزوجها عن جميع حقوقها الشرعية المالية‏.‏‏3‏ـ ان تقرر الزوجة صراحة امام المحكمة انها تبغض الحياة الزوجية وانه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشي الا تقيم حدود الله تعالي بسبب هذا البغض والادلة الشرعية علي وجوب الخلع بشرط ان ترد الزوجة لزوجها كل ما اخذته منه‏.‏اولا‏:‏ من القرآن الكريم قال تعالي ـ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا ان يخافا الا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ـ‏229‏ من سورة البقرة ـ فالآية الكريمة احلت للزوجة ان تفتدي نفسها من الزوج ببدل اذا خاف الزوجان الا يقيما حدود الله ثانيا من السنة الشريفة روي في السنة الشريفة ثلاث حالات للخلع هي‏:‏ الحالة الاولي‏:‏ ومن السنة قصة امرأة ثابت بن قيس ـ رضي الله عنه وعنها والقصة اخرجها البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ان امرأة ثابت بن قيس اتت النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ فقالت‏:‏ يا رسول الله ثابت بن قيس ما اعتب عليه في خلق ولادين‏,‏ ولكني اكره الكفر في الاسلام فقال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ اتردين عليه حديقته؟ قالت‏:‏ نعم‏.‏ قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ اقبل الحديقة‏,‏ وطلقها تطليقة‏.‏ وفي رواية له انه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ فتردين عليه حديقته؟ فقالت‏:‏ نعم فردت عليه‏,‏ وامره ففارقها‏.‏الحالة الثانية‏:‏ ـ حبيبة بنت سهل‏,‏ وكان مهرها حديقتين ردتهما اليه وطلقها ـ شرح السنة للامام البغوي جـ‏9‏ ص‏194‏ ـ‏.‏الحالة الثانية‏:‏ـ قضية اخت ابي سعيد الخدري ـ الصحابي الجليل ـ التي شكت من زوجها‏,‏ وشكا منها زوجها الي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فأمرها النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ ان ترد اليه حديقة كان قد دفعها اليها مهرا ويطلقها‏)‏ رواه البيهقي والدار قطني عن أبي سعيد الخدري وذكره القرطبي في تفسيره جـ‏3‏ ص‏141‏ والمطيع في تكملة المجموع جـ‏.18‏ والمقرر قانونا ان الخلع قانونا هو دعوي ترفعها الزوجة ضد زوجها اذا بغضت الحياة معه ولم يكن من سبيل لاستمرار الحياة الزوجية وخشيت الا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض‏,‏ والخلع يقتضي افتداء الزوجة لنفسها برد مهرها وتنازلها عن جميع حقوقها الشرعية‏.‏ وامكانية الخلع للزوجة ليست بارادتها المنفردة فإما ان تتراضي مع زوجها علي الخلع او باقامتها لدعوي الخلع فالخلع يؤدي الي تطليق يسترد به الزوج ما دفعه‏,‏ ويرفع عن كاهله عبء اداء اي من الحقوق المالية الشرعية للزوجة من بعد ذلك‏,‏ فيزول عنه بذلك اي ضرر‏,‏ مما يجعل امساكه للزوجة بعد ان تقرر مخالعته اضرارا خالصا بها‏,‏ والقاعدة الشرعية لا ضرر ولاضرار‏.‏كما ان الخلع يعفي الزوجة ان ضاق بها الحال من اشاعة اسرار حياتها الزوجية وقد يحول الحياء بينها وبين ان تفعل وقد تكون قادرة علي ان تفعل ولكنها تأبي لانها تري في هذه الاسرار ما يؤذي اولادها في ابيهم‏,‏ وخاصة حين يسجل ما تبوح به في احكام قضائية وكل ذلك مع تقرير الاصل الشرعي في الخلع وهو التراضي عليه بين الزوجين طبقا لاحكام المادة‏20‏ من القانون رقم‏1‏ لسنة‏2000‏ بحسب ان الحكم بالخلع نوع من الطلاق بعد اقرار الزوجة صراحة انها تبغض الحياة الزوجية وانه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشي الا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض‏,‏ وذلك هو ظاهر الآية الكريمة يقول تعالي ـ ولا يحل لكم ان تأخذوا مما اتيتموهن شيئا لا ان يخافا الا يقيم حدود الله‏,‏ فإن خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏.‏وأساس الخلع في الشرع والقانون‏1‏ ـ ان تبغض الزوجة الحياة مع زوجها ولم يكن من سبيل لاستمرار الحياة الزوجية‏,‏ وان تخشي الا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض‏.‏‏2‏ـ ان تفتدي الزوجة نفسها بان ترد لزوجها المهر الذي اعطاه لها وتتنازل عن جميع حقوقها الشرعية من مؤخر صداق ونفقة متعة ونفقة عدة‏.‏‏3‏ـ الا تفلح المحكمة في انهاء الدعوي صلحا سواء بنفسها او بالحكمين اللذين تندبهما المحكمة لهذه المهمة‏.‏‏4‏ ـ ان تقرر الزوجة صراحة ـ امام المحكمة ـ انها تبغض الحياة مع زوجها وانه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشي الا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض‏.‏ومشروعية الخلع امر متفق عليه بين الجميع‏,‏ لكن الخلاف يدور حول مدي جواز اجبار الزوج علي القبول به‏,‏ او مدي جواز اعطاء سلطة ايقاع الخلع للقاضي‏,‏ ثم يدور حول اثار الحكم كما يقررها القانون فإما ان تكون سلطة ايقاع الخلع الي القاضي فإنها يتنازعها في الفقه الاسلامي مذهبان‏,‏ مذهب الجمهور ومنهم الائمة الاربعة‏,‏ وهو ان الخلع يقع بين الزوجين دون تدخل من القاضي‏,‏ والمذهب الثاني مذهب سعيد بن جبير والحسن البصري وابن سيرين وزياد بن عبيد الثقفي ـ ابن ابيه ـ‏,‏ وكلهم من نبلاء التابعين‏(‏ تفسير القرطبي جـ‏3‏صـ‏)‏ والقول‏:‏ ان الخلع يقع دون تدخل القاضي معناه ان يتراضي الزوجان علي ذلك‏,‏ فان لم يتراضيا فليس امام المرأة الكارهة للحياة مع زوجها الا اللجوء الي القضاء‏,‏ وهذا هو معني مذهب التابعين الذين قالوا‏:‏ يوقعه السلطان ـ اي ان الزوجين هنا في حال شقاق تخاف فيها الزوجة الا تقيم حدود الله ـ بمعني عدم قدرتها علي الوفاء بحقوق الزوج ـ ولابد من الفصل بينهما ولا يملك ذلك الا القضاء ولا يملك القضاء سوي ايقاعه متي اقرت المرأة انها تبغض الحياة الزوجية وبالشروط السابقة‏.‏ـ وحالات الخلع في عهد رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ كانت ثلاث حالات‏,‏ اولها‏:‏ قضية ثابت بن قيس مع امرأته جميلة بنت سلول‏,‏ وكان مهرها حديقة ردتها إليه‏,‏ وطلقها بأمر النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ صحيح البخاري جـ‏9‏ ص‏395‏ الحديث‏5273‏ ـ‏,‏ والثانية‏:‏ قضيته ايضا وحبيبة بنت سهل‏,‏ وكان مهرها حديقتين ردتهما اليه وطلقها ـ شرح السنة للامام البغوي جـ‏9‏ ص‏194‏ ـ‏,‏والثالثة‏:‏ قضية اخت ابي سعيد الخدري ـ الصحابي الجليل ـ التي شكت من زوجها‏,‏ وشكا منها زوجها الي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فأمرها النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ ان ترد اليه حديقة كان قد دفعها اليها مهرا ويطلقها ـ رواه البيهقي والدار قطني عن ابي سعيد الخدري وذكره القرطبي في تفسيره جـ‏3‏ ص‏141‏ والمطيعي في تكملة المجموع جـ‏18‏ ـ والمستفاد من هذه الوقائع الثلاث ان رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ اوقع الطلاق بلسان الزوج‏,‏ اي بأمر الزوج ان يطلق الزوجة الكارهة له‏,‏ فاذا رفض الزوج فللقاضي ايقاع الطلاق جبرا عن الزوج كالطلاق للضرر واسباب اخري كالغيبة وعدم النفقة والعنة وما اليها يوقع في هذه الحالات كلها جبرا عن الرجل بحكم القاضي‏,‏ وكذلك الخلع ولا فرق والقول بغير ذلك يجعل الرجل الذي لا ترضي زوجته بعشرته قادرا علي امساكها علي الرغم من ارادتها‏,‏ وهو ما يخالف علة تشريع الخلع‏,‏ وانه للمرأة في مقابل الطلاق المشروع للرجل فحيث يكره الرجل المرأة يستطيع ان يطلقها‏,‏ وان كان الاكثر لا يفعلون‏,‏ وحيث تبغض المرأة الرجل تستطيع مخالعته‏,‏ فان رضي فبها‏,‏ وان ابي اوقع القاضي طلقة بائنة جبرا عنه‏,‏ ويكون الواجب بالخلع طلاقا بائنا‏,‏ لان المرأة تعطي الرجل المهر الذي دفعه اليها لتملك امر نفسها‏,‏ فلو جعلناه طلاقا رجعيا لم يتم لها ذلك وهو ما ينافي مقصود تشريع الخلع نفسه ـ تفسير القرطبي جـ‏3‏ ص‏146‏ والبخاري ـ‏.‏وحالات الخلع التي رويت عن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان المهر المأمور برده فيها عقارا ـ حديقة ـ مما تزيد قيمته عادة‏,‏ ولا تثبت او تنقص الا نادرا‏,‏ اما المهر المسمي حاليا فإنه عادة مبلغ من النقود تنقص قيمته كل يوم وفي هذا قصور في القانون تجب مراعاته وسيكون فائدة للطرفين ان كان رجلا او امرأة حيث يعتبر ذلك تعويضا تدفعه المرأة الي الرجل‏,‏ وقد سماه الفقهاء في المذاهب كلها عوضا في مقابلة ما تفعله وبأسرته من هدم لبناء الزوجية وتشتيت لشمل الاسرة بسبب ما تحسه هي من بغضها اياه والتعويض ينبغي ان يكون عادلا ومقابلا للضرر وجابرا له‏,‏ ويؤيد ما قرره ابن قدامة في المغني من ان جمهور الفقهاء يرون جواز الخلع علي اكثر من المهر ـ الجزء‏10‏ ص‏270‏ فان كان لابد وان يستمر الخلع في التطبيق فلابد من توخي العدل بين اطراف الاسرة جميعا فالاصح ان نجعل ما تدفعه المرأة مساويا في قيمته الحقيقية وقت الخلع للقيمة الحقيقية لما قبضته المرأة مهرا وقت الزواج‏,‏ حتي لا نجمع علي الرجل ضياع ماله وهدم بيته وحتي تتريث المرأة في تشتيت وضياع اسرتها وان اصرت فليكن العوض المناسب‏.‏ خاصة ان حكم الخلع غير قابل للطعن باي طريق من طرق الطعن وفي ذلك اجحاف بحق الرجل في الطعن علي الحكم ولو حدد ذلك يفترة محددة قد يكون لها مخرج وربما يحدث بعد ذلك امر ولا استطيع سوي ان انهي الحديث في ذلك بقول المولي عز وجل وهو اعلم بعباده بعيدا عن تدخل القضاء ولا تنسوا الفضل بينكم ولنا لقاء اخر‏..‏

الاهرام المسائي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق