لم تقتصر مفاجآت وزارة التربية والتعليم للمشاركين فى مسابقة الوزارة لتأليف الكتب المدرسية التى ستقرر على تلاميذ الصف الأول الابتدائى فى العام الدراسى المقبل بمحافظات الإسماعيلية والفيوم والأقصر، على تحديد موعد الممارسة المالية للكتب التى اجتازت التقييم الفنى، عصر أمس الأول، مع عدم إبلاغ المشاركين فيها رسميا إلا قبل الموعد بثلاث ساعات، بل امتدت هذه المفاجآت، بحسب المشاركين، لتشمل تفاصيل الجلسة كلها، وذلك قبيل 36 يوما فقط من بدء الدراسة لامركزيا فى هذه المحافظات.وجاءت أهمية جلسة الممارسة، هذه، فى أنها الجلسة الأولى لإجراءات تطبيق نظام اللامركزية فى التعليم للمرة الأولى فى مصر. وكما يقضى العرف الإدارى، فقد حضر الجلسة كل من د.عادل شكرى، مستشار وزير التربية والتعليم للتطوير الإدارى، ود.صلاح عرفة مدير مركز تطوير المناهج باعتباره المشرف على مسابقة تأليف الكتب، وأيمن عبدالرازق رئيس قطاع الكتب بالوزارة، بالإضافة إلى مستشارين من هيئة مفوضى الدولة، وممثلين عن دور النشر المشاركة كما تقضى قواعد قانون المناقصات والممارسات العامة. بلا حقوق ملكيةتضمنت نتيجة تقييم كتب الصف الأول الفنى، تصدر كتاب العلوم الذى قدمته دار الشروق أعلى النسب المئوية فى التقييم الفنى لكتاب العلوم بنسبة وصلت إلى 92.8%، ليتنافس بذلك فى جلسة الممارسة مع كتابى دار سقارة الحاصل على 90.1%، وكتاب دار الشمس الحاصل على 91.9%. أما فى مجال الرياضيات، فيتنافس كتاب دار الشمس بنسبة 90.8% مع كتاب الدار الدولية للاستثمارات الثقافية بنسبة 91%، فى حين تصدر كتاب دار سقارة كتب اللغة الانجليزية بنسبة 92.6% ويتنافس معه فى الممارسة المالية كتاب دار مركز البحوث التربوية الحاصل على نسبة 91.3%، وكتاب دار لونجمان الحاصل على نسبة 91.2%.وفازت دار الشمس، المملوكة لشركة لونجمان، بممارسة كتاب العلوم بعد 12 جولة دارت لتخفيض سعر التأليف والطباعة والتوريد، تنافست فيها مع دار الشروق، لتصل إلى جنيهين و20 قرشا فقط للنسخة، ووفقا لأحمد بدير، مدير دار الشروق فى الممارسة، فإن «هذه الأسعار التى قدمتها الشركات التابعة لشركة لونجمان والتى تقل عن تكلفة الطباعة ليس لها تفسير سوى النية المسبقة على أن تحتكر كتب هذا المشروع»، بحسب تعبيره، ورفض مسئولون فى لونجمان التعليق.وحسمت جلسة الممارسة فوز شركة الشمس التابعة أيضا لشركة لونجمان بكتاب الرياضيات بعد 65 جولة لتخفيض السعر المطروح بينها وبين الشركة الدولية للاستثمارات الثقافية، بعد أن وصلت دار الشمس بالتخفيض إلى (بدون مقابل) أو هدية.وعلى الرغم من أن الممارسة بدأت بأن وضعت 9 جنيهات و30 قرشا ثمنا للنسخة الواحدة من الكتاب، فإنها انتهت إلى أن تقدم دار النشر الكتاب هدية بلا مقابل للوزارة، بما يعنى تنازلها الكامل عن حق الملكية الفكرية لتأليف الكتاب، مثلما تنازلت عن تكلفة طباعة وتوريد 120 ألف نسخة من الكتاب فضلا عن تكلفة الترجمة إلى لغتين وتدريب معلمى المحافظات الثلاثة مع تثبيت هذا السعر لمدة 6 أعوام.الإنجليزى الغالىبدأ التنافس بين دور الشمس وسقارة ومركز البحوث التربوى، وهى شركات مملوكة لدار لونجمان، للفوز بممارسة كتاب اللغة الانجليزية، ووفقا لممثلى شركات حضروا جلسة الممارسة، فقد «طرحت الدور الثلاث أسعارا مبالغا فيها، تراوحت بين 9 جنيهات و95 قرشا، إلى 4 جنيهات و75 قرشا لكتاب التلميذ، و15 جنيها إلى 9 جنيهات و70 قرشا لدليل المعلم، و8 جنيهات لكتاب التدريبات إلى 4 جنيهات».وعلى الرغم من طلب مدير الجلسة تخفيض هذه الأسعار، فإن ممثلى هذه الشركات رفضوا النزول بهذه الأسعار، وأرجعت مصادر فى الجلسة ذلك إلى أنه «لن يكون أمامهم منافس يهبط بالسعر كما فعلوا هم أمام منافسيهم فى كتابى العلوم والرياضيات»، وتبعا للمصادر ذاتها، فقد استتبع هذا أن يفتح د.عادل شكرى، مستشار وزير التعليم للتطوير الإدارى، مظروف (القيمة التقديرية) ويعلن رسميا أن الأسعار المعروضة لكتاب اللغة الانجليزية مبالغ فيها بالمقارنة بالقيمة التقديرية لدراسة الوزارة»، الأمر الذى يعنى ببساطة أنه لم يعد معروفا ما إذا كان سيتم إرجاء إقرار كتاب اللغة الانجليزية إلى العام الدراسى بعد المقبل، وبالتالى فلا أحد قد يتوقع ماذا ستقرره الوزارة هذا العام.شروط غير علميةرأى على الجمل، أستاذ مناهج الدراسات الاجتماعية بتربية عين شمس ورئيس أحد فرق التأليف بالدار المصرية اللبنانية، أن شروط المسابقة غير علمية، فقد تضمنت فى البداية أن تتقدم كل دار نشر بسلسلة كتب للصفوف من الأول إلى السادس الابتدائى للمادة الواحدة لضمان تحقق تتابع مضمون المادة العلمية عبر الصفوف المتتالية، وبعد أن نفذت دور النشر هذا الشرط فوجئت بأن التحكيم شمل كتب الصف الأول الابتدائى فقط، بعد أن رأى وزير التربية والتعليم د.أحمد زكى بدر أنه لا ينبغى إقرار كتب لتطبق بعد خمس سنوات، باعتبار أنه إذا طبقت بداية السلسلة هذا العام على الصف الأول فلن يطبق كتاب الصف السادس إلا بعد ست سنوات.واتفق الجمل مع رؤية بدر فى أن فترة صلاحية أى كتاب مدرسى ينبغى ألا تزيد على أربع سنوات، مؤكدا أن «الخطأ كان فى شروط المسابقة من الأصل، وبعض إجراءاتها غامضة، فلا يعرف المؤلفون الذين شاركوا فى المسابقة مصير كتب الرياضيات والعلوم واللغة الانجليزية التى اجتازت نسبة 90%، وهل سيختار كتاب واحد فقط منها ليقرر على تلاميذ مدارس المحافظات الثلاث فى المادة الواحدة، من خلال نظام (الممارسة) على غرار مسابقة الكتب المدرسية المطورة وفقا لأقل سعر تطرحه كل دار؟ أم سيترك لكل محافظة من الثلاث اختيار كتاب من بين الكتب المجازة ليقرر على تلاميذ مدارسها، بما يناسب خصوصية إقليمها الجغرافى والاقتصادى والاجتماعى؟ كما أننا لا نعرف مصير باقى كتب كل سلسلة من المجموعات التى تسلمتها الوزارة منا».مصير غامضهل تتفق المعايير التى اشتملت عليها المسابقة والكتب المقدمة مع معايير الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد أم لا؟، كان سؤال لايزال يشغل رأى الجمل، مؤكدا أن هذه المسابقة كان ينبغى أن تسبقها دراسة تحدد هذه المعايير بدقة، وتحدد نسبة الجزء القومى من المنهج، والجزء الذى يلبى خصوصية كل إقليم فى المواد المختلفة، ودلالة اختيار هذه المحافظات الثلاث (المختلفة إقليميا) لتطبيق تجربة اللامركزية فى التعليم، وما إذا كان من الأوفق أن تطبق التجربة فى محافظات متسقة إقليميا.وكشف الجمل عن أن معايير مصفوفة المدى المتتابع للمادة العلمية التى قدمها مركز تطوير المناهج للوزير تضمنت فقط تتابع المادة العلمية عبر الصفوف المختلفة، فى حين تغيب رؤية معايير التكامل بين المواد المختلفة فى الصف الدراسى الواحد، بما يعنى غياب هذه الرؤية التى يفترض أن تحول دون تكرار نفس المضامين العلمية فى المواد المختلفة التى يدرسها التلميذ فى الصف الدراسى الواحد، كما هو حادث الآن فى بعض المناهج. واتفق معه فى كل الملاحظات السابقة أحمد بدير مدير عام دار الشروق مشيرا إلى أن شروط المسابقة كلفت دور النشر الكثير من التكاليف لإعداد مناهج للصفوف الابتدائية الست فى كل مادة دفعة واحدة، لافتا إلى أنه كان بالامكان الاكتفاء بكتاب الصف الأول بالإضافة إلى مصفوفة المدى والتتابع للمنهج بدلا من إجبار الناشرين على إنتاج 6 كتب لكل مادة وتبنى كتاب واحد منهم فى السنة. علما بأن عمر الكتاب الدراسى فى العالم لا يزيد على 4 أشهر، كما كان يمكن أن تطبق كتب الصفوف الستة دفعة واحدة فى نفس السنة، بدلا من انتظار أن تطبق سنة تلو الاخرى.تقارير مضيعة للوقت وفى حين فتحت الوزارة باب التظلمات من النتيجة لمدة سبعة أيام بين دور النشر المشاركة فى المسابقة، وسلمت الدور نسخة من تقارير التقييم الفنى لنقاط القوة والضعف بكل كتاب والنسبة المئوية التى حصل عليها، ليتمكن مؤلفو الكتب التى اجتازت نسبة الـ(90%) إجراء تعديلات تلبى ما جاء بالتقييم خلال 10 أيام فقط، رأى مؤلفون أن التقارير التى تسلموها لا تساعدهم على إجراء هذه التعديلات، لأن محتوى التقارير التى وصلتهم لا يتضمن نقاطا محددة يمكن تعديلها خلال هذه الفترة الوجيزة، بل عبارات عامة بحسب د.على الجمل. فى حين ترى د.نادية طوبا مديرة برنامج اللغة الانجليزية بالجامعة الامريكية وخبيرة وزارة التربية والتعليم بمشروعات تطوير التعليم، وبحكم خبرتها كمؤلفة لكتب اللغة الانجليزية المقررة على الصفوف من الاول إلى الثالث الابتدائى بتكليف مباشر من وزارة التربية والتعليم، ترى أن تخصيص 10 أيام لتعديل الكتب المجتازة للحد الادنى للتقييم الفنى هى مضيعة للوقت، مؤكدة أن محتوى وشكل التقارير الفنية التى أرسلت إلى دور النشر لا تسهم فى أن يجرى المؤلفون أى تعديل أو تحسين فى كتبهم، وأن بعض التقارير غير حقيقية وغير صحيحة. ولفتت طوبا إلى أن المؤلفين أنفسهم يتوهون فى معايير تأليف الكتب التى يؤلف ويحكّم الكتاب على أساسها، لأن هناك أكثر من مجموعة من المعايير فى هذا الشأن (المعايير القومية لعام 2003، والمعايير التى وضعها مركز تطوير المناهج عام 2007، ومعايير هيئة ضمان جودة التعليم لعام 2009)، مشيرة إلى أنها سألت الكثير من المسئولين بالوزارة عن أى المعايير سيحتكم اليها، فكانت الإجابة: لا أعرف.
والامر لا يتوقف على حيرة المؤلفين فقط، بل المعلمين أيضا، فالدورات التدريبية التى يتلقونها ترتكز على معايير معينة قد لا تكون هى المعايير التى تؤلف على أساسها الكتب، ويحتار المعلمون بين تبنى طرق التدريس المبنية على جودة التعليم وبين الطريقة التى توضع بها المناهج، مؤكدة ضرورة أن يتشارك الخبراء معا لاعتماد معايير محددة يعتمد عليها الجميع، لتكون هناك رؤية واضحة لتأليف الكتاب.
الشروق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق